فلسطينيو الضفة يتنفسون من رئة إسرائيل ويخشون عقاباً جماعياً

في السجن الكبير لا أضرار جانبية لحرب مفتوحة

في قصتنا: حرب مفتوحة بين حزب الله وإسرائيل
0 seconds of 3 minutes, 33 secondsVolume 90%
Press shift question mark to access a list of keyboard shortcuts
00:00
03:33
03:33
 
TT
20

فلسطينيو الضفة يتنفسون من رئة إسرائيل ويخشون عقاباً جماعياً

فلسطينيون يشاهدون تجريف أراض وتدمير منازل في الضفة الغربية (رويترز)
فلسطينيون يشاهدون تجريف أراض وتدمير منازل في الضفة الغربية (رويترز)

لا يتمنى الفلسطينيون في الضفة الغربية، ربما بخلافهم في قطاع غزة، حرباً مفتوحة بين إسرائيل و«حزب الله» اللبناني. فهم يدركون بخبرة العارفين بعقلية إسرائيل ومن باب التجربة السابقة في الحروب والانتفاضات، بما في ذلك الحرب الحالية على القطاع، أنهم سيدفعون ثمناً كبيراً، سياسياً واقتصادياً يمسّ حياتهم وحقوقهم واحتياجاتهم اليومية الرئيسية. وبعد أن يتحولوا معتقلين في سجن الضفة الكبير، لا شيء قد يثني إسرائيل عن قتلهم واعتقالهم وملاحقتهم.

في السيناريو الأبسط لحرب محتملة بين إسرائيل و«حزب الله»، ستنعزل إسرائيل وتغلق حدودها غير المعروفة، وستكون في حاجة إلى عزل الفلسطينيين في الضفة بشكل تام، انطلاقاً من حاجتها إلى كبح جماح جبهة ثالثة محتملة. هذا يعني بلا شك، تقييد الحركة ومنع السفر وتوقف تدفق البضائع إلى أسواق الضفة، وسيشمل ذلك وقف إسرائيل إمداد الفلسطينيين بالكهرباء والماء والوقود، انطلاقاً من أنها ستحتفظ لنفسها بأي مقدرات كهذه، بعد أن يقصف «حزب الله» شركات الكهرباء والمياه والمطارات، مرسلاً إسرائيل إلى أزمة غير مسبوقة، سيدفع الفلسطينيون أيضاً ثمنها بلا شك.

لكن إذا كانت إسرائيل دولة يمكن لها التعامل مع أزمات من هذا النوع، وهذا ما زال غير واضح إلى أي حد، فالسلطة الفلسطينية غير قادرة على ذلك وهي التي تعيش أزمات عميقة اليوم، مالية واقتصادية وأمنية، وفي حقيقة الأمر وجودية.

وليس سراً أنهم في إسرائيل يستعدون لسيناريوهات تتعامل مع شلل كامل، سيتضمن ظلاماً دامساً وطويلاً في مطار بن غوريون، وانهيار مبانٍ وجسور وإصابة طرق رئيسية، وانقطاعاً في الكهرباء والماء الوقود، ونقصاً في المواد الأساسية.

جثمان الطفل غسان غريب 13 عاماً محمولاً على الأكتاف وكان قتل برصاص إسرائيلي قرب رام الله في يوليو الحالي (أ.ف.ب)
جثمان الطفل غسان غريب 13 عاماً محمولاً على الأكتاف وكان قتل برصاص إسرائيلي قرب رام الله في يوليو الحالي (أ.ف.ب)

وقف مقومات الحياة

ولم تكن تصريحات المدير العام لشركة إدارة الكهرباء الحكومية الإسرائيلية شاؤول غولدشتاين، الأخيرة حول إسقاط شبكة الكهرباء في إسرائيل في حالة حرب مع «حزب الله» مجرد جرس إنذار في إسرائيل، بل أيضاً في الضفة الغربية التي تشتري الكهرباء من إسرائيل.

وقال غولدشتاين: «نحن في وضع سيئ ولسنا مستعدين لحرب حقيقية (...) خلاصة القول هي أنه بعد 72 ساعة لن يمكنك العيش في إسرائيل. إسرائيل لن تكون قادرة على ضمان الكهرباء في حالة الحرب في الشمال بعد 72 ساعة»، مضيفاً: «لسنا مستعدين لحرب حقيقية».

وما ينسحب على الكهرباء ينسحب على المياه والوقود.

فحتى قبل حرب مفترضة مع بداية الصيف الحالي، بدأ الفلسطينيون يعانون العطش، بعدما أخذت شركة «ميكروت» الإسرائيلية قراراً بتقليص كمية المياه الواردة إلى مناطق الضفة، كنوع من عقاب تعوّد عليه الفلسطينيون.

مسنّ فلسطيني وأطفال يشربون من عبوات تبرعت بها جمعيات لبلدات في الضفة الغربية قطعت عنها إسرائيل مياه الشفة (غيتي)
مسنّ فلسطيني وأطفال يشربون من عبوات تبرعت بها جمعيات لبلدات في الضفة الغربية قطعت عنها إسرائيل مياه الشفة (غيتي)

وبحسب أرقام رسمية، فإن متوسط استهلاك الفرد اليومي من المياه في إسرائيل، بما في ذلك المستوطنات، يبلغ 247 لتراً، أي ما يعادل ثلاثة أضعاف متوسط استهلاك الفرد الفلسطيني اليومي في الضفة الغربية، والذي يبلغ 82.4 لتر، وفي التجمعات الفلسطينية غير الموصولة بشبكة مياه، يصل إلى 26 لتراً، فقط.

تخزين طحين ودواء وسولار

لا يمكن تخيل وضع معظم الفلسطينيين في الضفة الذين يتلقون اليوم (أي قبل الحرب) مياهاً جارية أقل من 10 أيام في الشهر؛ لأن الحصة المتبقية من المياه ينعم بها الإسرائيليون.

وفي إحصائيات السنوات الماضية، وصل إجمالي استهلاك الإسرائيليين من المياه عشرة أضعاف إجماليّ ما استهلكه الفلسطينيون في الضفة الغربية، وهي أرقام ستتغير لصالح الإسرائيليين هذا العام.

ويفهم الفلسطينيون في الضفة أنهم لن يجدوا أي قطرة ماء مع اندلاع الحرب المفترضة، التي ستتركهم أيضاً بلا كهرباء ولا دواء ولا وقود، وهو ما يخلق قلقاً وإرباكاً الذي يتسلل إليهم اليوم، وحمل بعضهم على تخزين الكثير من الطحين والمعلبات والمياه المعدنية.

وقال سعيد أبو شرخ: «لم أود الانتظار أكثر. اشتريت بعض الطحين والمعلبات والمياه».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «بعد دقيقة واحدة من الحرب سيدبّ هلع كبير. ستصبح الأسعار جنونية، ثم سنفقد البضائع. وقد نعيش التجربة القاسية التي اختبرها الغزيون في القطاع».

وعانى قطاع غزة فقدان الكهرباء والمياه والدواء والمواد الأساسية، ووصل الأمر إلى حد مجاعة حقيقية أفقدت الناس حياتهم.

وبالنسبة إلى أبو شرخ، فإنه يفضّل أن يكون مستعداً، أسوة بالكثير من أصدقائه الذين لجأوا إلى شراء كميات أكبر من الطحين والمعلبات وصناديق المياه، وحتى كميات من البنزين أو السولار، كخطة احتياطية.

وفي اختبار قصير سابق، عندما انطلقت المسيّرات والصواريخ الإيرانية، تجاه إسرائيل، لم يكن ممكناً الوصول إلى البقالات بسهولة، وهرع الناس لشراء ما يجنبهم انقطاع الطعام الرئيسي، أما محطات الوقود ففقدت مخزونها لأيام عدة، في «بروفة» لما يمكن أن يحدث في حرب حقيقية.

ولا يريد عبد العظيم عواد، أن يضع نفسه في اختبار آخر.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «لم أجد بعد ساعة واحدة من انطلاق المسيّرات الإيرانية الكثير من المواد الغذائية. لم أجد وقوداً لأيام عدة. وخفت أن تندلع الحرب فعلاً. لم يكن لدي أي استعدادات».

وعلى الرغم من ذلك، يُمنّي عواد النفس بألا يضطر إلى عيش التجربة مرة أخرى على نحو أصعب، ولا يريد أن يرى حرباً أخرى.

وأضاف: «تعبنا من الحرب. الوضع صعب. الأشغال تضررت، الاقتصاد منهار. لا توجد رواتب والعمال لا يذهبون إلى إسرائيل. والتجار يشكون. حرب أخرى طويلة مع لبنان ستعني دماراً حقيقياً هنا. أعتقد سيكون وضعاً كارثياً».

ضائقة اقتصادية غير مسبوقة

وعانت الضفة الغربية وضعاً اقتصادياً معقداً ستحتاج معه إلى فترة ليست قصيرة من أجل التعافي.

وقال وزير الاقتصاد الفلسطيني محمد العامور، إن الاقتصاد الفلسطيني يواجه صدمة اقتصادية «غير مسبوقة»، تصاعدت حدتها، بعد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

عمال مياومة فلسطينيون ينتظرون عند معبر إسرائيلي ليتم إدخالهم للعمل (غيتي)
عمال مياومة فلسطينيون ينتظرون عند معبر إسرائيلي ليتم إدخالهم للعمل (غيتي)

وأكد العامور معقّباً على تقرير للبنك الدولي حذَّر فيه من أن السلطة الفلسطينية تواجه مخاطر «انهيار في المالية العامة»، وأن العدوان، والإبادة الجماعية والحصار المالي والاقتصادي والسياسة المتطرفة التي تنفّذها حكومة الاحتلال تتسبب في انكماش اقتصادي وتعطل الحركة التجارية.

وتوقع أن يصل الانكماش إلى 10 في المائة.

وبحسبه، فإن الاقتصاد يخسر يومياً نحو 20 مليون دولار في جزئية توقف الإنتاج بشكل كلي في قطاع غزة، وتعطله في الضفة الغربية، إلى جانب تعطل العمالة، والتراجع الحاد في النشاط الاقتصادي والقوة الشرائية.

وكان البنك الدولي، قد حذّر في تقرير الشهر الماضي، من أن السلطة الفلسطينية تواجه مخاطر «انهيار في المالية العامة»، مع «نضوب تدفقات الإيرادات» والانخفاض الكبير في النشاط على خلفية العدوان على قطاع غزة.

وأكد البنك الدولي أن «تدفقات الإيرادات نضبت إلى حد كبير؛ بسبب الانخفاض الحاد في تحويلات إسرائيل لإيرادات المُقَاصَّة المستحقة الدفع للسلطة الفلسطينية، والانخفاض الهائل في النشاط الاقتصادي».

وبحسب التقرير، فإن «الاقتصاد الفلسطيني فقد ما يقرب من نصف مليون وظيفة منذ 7 أكتوبر، يشمل ذلك فقدان ما يُقدَّر بنحو 200 ألف وظيفة في قطاع غزة، و144 ألف وظيفة في الضفة الغربية، و148 ألفاً من العمال المتنقلين عبر الحدود من الضفة الغربية إلى سوق العمل الإسرائيلية».

وأكد التقرير أيضاً ارتفاع معدل الفقر، موضحاً: «في الوقت الحاضر، يعيش جميع سكان غزة تقريباً في حالة فقر».

وبحسب تقارير دولية سابقة، فقد أدت الحرب في غزة إلى إغلاق الاقتصاد فعلياً هناك، بعدما تم تدمير الأساس الإنتاجي للاقتصاد في القطاع والذي انكمش بنسبة 81 في المائة في الربع الأخير من عام 2023.

وتضرر الاقتصاد أيضاً في الضفة الغربية وانكمش كذلك، بسبب الحصار السياسي والمالي للسلطة والفلسطينيين.

مأزق السلطة

تعاني السلطة في الضفة وضعاً مالياً حرجاً اضطرت معه منذ بدء الحرب إلى دفع نصف راتب فقط لموظفيها.

ومنذ عامين تدفع السلطة رواتب منقوصة للموظفين في القطاعين المدني والعسكري؛ بسبب اقتطاع إسرائيل نحو 50 مليون دولار من العوائد الضريبية، تساوي الأموال التي تدفعها السلطة لعوائل مقاتلين قضوا في مواجهات سابقة، وأسرى في السجون الإسرائيلية، إضافة إلى بدل أثمان كهرباء وخدمات طبية.

وعمّقت الحرب على غزة هذه الأزمة بعدما بدأت إسرائيل باقتطاع حصة غزة كذلك.

مظاهرات داعمة لغزة في رام الله نهاية مايو الماضي (غيتي)
مظاهرات داعمة لغزة في رام الله نهاية مايو الماضي (غيتي)

وإضافة إلى موظفي السلطة، فقد أكثر من 150 ألف عامل فلسطيني من الضفة مصدر دخلهم الوحيد منذ السابع من أكتوبر الماضي، بعدما جمّدت إسرائيل تصاريح دخولهم إلى أراضيها أسوة بنحو 20 ألف عامل من قطاع غزة أُلغيت تصاريحهم بالكامل.

وساعد منع العمال من دخول إسرائيل في تدهور أسرع في الاقتصاد في الضفة الغربية، مع الوضع في الحسبان أن أجورهم كانت تصل إلى نحو مليار شيقل شهرياً (الدولار 3.70) مقارنة بفاتورة رواتب موظفي السلطة الشهرية التي تبلغ نحو 560 مليون شيقل شهرياً.

وقال مروان العجوري، أحد العمال الذين فقدوا مصدر رزقهم الوحيد، لـ«الشرق الأوسط»: «منذ 9 أشهر لم يدخل لي شيقل واحد. لقد استنفدنا».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «ننتظر بفارغ الصبر انتهاء الحرب في غزة، هل تعرف ماذا يعني حرب جديدة مع «حزب الله»؟ يعني على الدنيا السلام. دمار دمار. ما ظل إلا الهجرة بعدها». وتابع: «لا إسرائيل بتتحمل ولا إحنا».

ويخشى الفلسطينيون فعلاً أن إسرائيل قد تستخدم أدوات ضغط كبيرة عليهم في الضفة الغربية من أجل حثّهم على الهجرة، مستغلة انشغال العالم في حرب كبيرة مع لبنان.

مصادرة أراضٍ ودفع للهجرة

وخلال الأشهر القليلة الماضية، فتكت إسرائيل بالضفة الغربية بكل الطرق، حصار مالي وقتل واعتقالات ودفعت خططاً لتغيير الوضع القائم باتجاه إحباط أي أمل لإقامة الدولة الفلسطينية.

وفي الرابع من الشهر الحالي صادقت إسرائيل على مصادرة 12.7 كيلومتر مربع من أراضي الضفة الغربية، في مصادرة وصفتها منظمة «السلام الآن» الإسرائيلية بأنها الأكبر منذ ثلاثة عقود وتمثل ضربة جديدة للسلام بين الجانبين.

وبحسب «السلام الآن»، فإن الأراضي التي حوّلتها إسرائيل «أراضي دولة» تقع في منطقة غور الأردن، وهي الأكبر منذ اتفاقيات أوسلو 1993.

وبهذه المصادرة، ترتفع مساحة الأراضي التي أعلنتها إسرائيل «أراضي دولة» منذ بداية العام إلى 23.7 كيلومتر مربع.

بعد ذلك بأيام عدة صادرت إسرائيل أراضي أخرى قرب مستوطنات في الضفة.

وتسيطر إسرائيل على الضفة الغربية منذ عام 1967، وأقامت الكثير من المستوطنات التي يعيش فيها من دون القدس الشرقية أكثر من 490 ألف إسرائيلي مقابل ثلاثة ملايين فلسطيني.

وهؤلاء المستوطنون بدأواً حرباً، خاصة في الضفة، مستغلين الحرب على قطاع، في محاولة لدفع الفلسطينيين إلى الهجرة، فقتلوا فلسطينيين وهاجموا قرى وصادروا المزيد من الأراضي، تحت حماية الحكومة.

وقال مسؤول إسرائيلي كبير إن الحاكم الفعلي للضفة الغربية اليوم هم رؤساء المجالس المحلية للمستوطنات. متهماً رئيس المجالس الاستيطانية كافة، يوسي داغان، بقيادة الفوضى التي صاحبت حالة الحرب.

ولا ينحصر تأثير داعان في معرفته باعتداءات المستوطنين ودعمه توسعهم بكل الأشكال القانونية وغير القانونية، وإنما يمتد أيضاً إلى مجال إقناع السلطات الإسرائيلية والجيش برعاية هذه الاعتداءات أو غض النظر عنها.

وعملياً، ترعى الحكومة الإسرائيلية هؤلاء المستوطنين، ولا تخفي أنها في حرب على جبهة الضفة.

وقتلت إسرائيل نحو 600 فلسطيني منذ السابع من أكتوبر واعتقلت ما يقارب الـ10 آلاف ودمّرت بنى تحتية في طريقها لإضعاف السلطة الفلسطينية ومنعها من إقامة دولة.

واعترف وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش بأنه لا يفعل أي شيء سري، وإنما يعمل بوضوح من أجل منع إقامة «دولة إرهاب فلسطيني» و«تعزيز وتطوير الأمن والاستيطان».

وجاء تصريح سموتريتش تعقيباً على ما أوردته صحيفة «نيويورك تايمز»، حول خطة حكومية رسمية سرية لفرض السيطرة الإسرائيلية المدنية على الضفة الغربية دون الحاجة إلى الإعلان رسمياً عن ضمها.

خطة لتغيير حكم الضفة

وكان تسجيل مسرّب لسموتريتش فضح خطة حكومية رسمية لفرض السيطرة الإسرائيلية المدنية على الضفة الغربية، قال خلاله الوزير المسؤول عن الإدارة المدنية الإسرائيلية، إن الحكومة منخرطة في جهود سرية لتغيير الطريقة التي تحكم فيها إسرائيل الضفة الغربية، بحسب تقرير نُشر في صحيفة «نيويورك تايمز».

فلسطينيون يشاهدون تجريف أراض وتدمير منازل في الضفة الغربية (رويترز)
فلسطينيون يشاهدون تجريف أراض وتدمير منازل في الضفة الغربية (رويترز)

ونقل عن سموتريتش: «أنا أقول لكم، إنه أمر دراماتيكي ضخم. مثل هذه الأمور تغير الحمض النووي للنظام».

وتحكم السلطة الفلسطينية اليوم المنطقة «أ» في الضفة الغربية وتشارك الحكم في المنطقة «ب» مع إسرائيل في حين تسيطر إسرائيل على المنطقة «ج» التي تشكل ثلثي مساحة الضفة.

وكان يفترض أن يكون هذا الإجراء مؤقتاً عند توقيع اتفاق أوسلو بداية التسعينات، حتى إقامة الدولة الفلسطينية خلال 5 سنوات، لكن تحول الوضع إلى دائم، قبل أن تتخذ إسرائيل خطوات ممنهجة ضد السلطة أدت إلى إضعافها بشكل كبير.

وفي خطوة مهمة وحاسمة ضمن خطة سموتريتش، صادق جنرال عسكري كبير على تحويل مجموعة من الصلاحيات في الضفة الغربية إلى مدير مدني هو هيليل روط، في مؤشر على أن الحكومة الإسرائيلية زادت من سيطرتها المدنية على المنطقة في خطوة أخرى نحو الضم الفعلي.

ووصف الناشط المناهض للاستيطان يهودا شاؤول هذه الخطوة بأنها «ضم قانوني»، مضيفاً أن «الحكم المدني الإسرائيلي امتد إلى الضفة الغربية» تحت إشراف سموتريتش.

وتشمل الصلاحيات المفوضة لروط السلطة على معاملات العقارات، والممتلكات الحكومية، وترتيبات الأراضي والمياه، وحماية الأماكن المقدسة (باستثناء الحرم الإبراهيمي وقبر راحيل وقبر صموئيل)، والقوانين المتعلقة بالغابات، والسياحة، والحمامات العامة، وتخطيط المدن والقرى والبناء، وبعض عمليات تسجيل الأراضي، وإدارة المجالس الإقليمية، وغير ذلك الكثير.

واليوم على الأقل لا يوجد داخل الحكومة الإسرائيلية، أي خلاف بشأن ضم المناطق «ج»، حتى أن مسؤولين يرون أنه واحدة من الحلول للضغط على «حماس» نفسها في غزة.

واقترح النائب ألموج كوهين من «عوتسماه يهوديت» الذي يتزعمه وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير خلال مقابلة مع «i24NEW» ضم المناطق حتى يعود المحتجزون في غزة. وأضاف: «الأراضي مقابل المختطفين، الأمر بسيط للغاية».

وقال الخبير في الشأن الإسرائيلي كريم عساكرة إن اندلاع حرب بين «حزب الله» وإسرائيل، سيجلب تداعيات خطيرة على حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية، لا سيما من الناحيتين الإنسانية والسياسية.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «سيفتكون بالضفة بلا شك. حيث يتوقع أن يستغل اليمين في الحكومة الإسرائيلية الحرب، وانشغال العالم بالتوصل إلى وقف لإطلاق النار، لتنفيذ مخططات الضم والتهويد التي ستجعل من الضفة الغربية ملحقاً لإسرائيل لا يمكن أن يكون مكاناً لإقامة دولة فلسطينية مستقلة».

وتابع: «التحريض الإسرائيلي على الفلسطينيين في الضفة الغربية، ووجود دعم إيراني لتحريك العمل العسكري في الضفة، ربما أيضاً يكون ذريعة لعقاب جماعي تفرضه إسرائيل على الفلسطينيين، فتزيد من القمع والحصار والتنكيل بهم لدرجة يصل فيها الفلسطينيون إلى مرحلة لا يستطيعون العيش في ظل تلك الظروف، التي تسعى إسرائيل إلى أن تنتهي بترحيل قسم من الفلسطينيين إلى خارج وطنهم.»

أما على الجانب الإنساني، فيرى عساكرة «أن ارتباط الفلسطينيين في الضفة بإسرائيل في نواحي الحياة كافة، سيؤدي إلى تأثرهم بشكل كبير، خاصة في مجال الطاقة والمياه، وفقدان الاستقرار الغذائي نتيجة لتضرر الموانئ الإسرائيلية، وربما سيكون وضع الفلسطينيين أكثر صعوبة من الإسرائيليين؛ لعدم وجود سلطة قادرة على تقديم أي مساعدة طارئة للمواطنين، على عكس إسرائيل التي تدرس كل جوانب التأثير الإنساني للحرب لتقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين».

وهذا الوضع لا تغفله السلطة الفلسطينية التي تدرك حجم الضرر المتوقع، وتبدو آخر كيان يريد لهذه الحرب أن تشتعل.

وقال مسؤول فلسطيني لـ«الشرق الأوسط»: «حتى قبل حرب محتملة مع لبنان. إنهم يسعون لتفكيك السلطة وانهيارها، ولديهم مخطط واضح لدفع الفلسطينيين على الهجرة. ليس فقط في قطاع غزة وإنما الضفة. هذا اليمين المجنون لن يفوّت حرباً كهذه قبل أن يحقق حلمه بالسيطرة والاستيطان والتخلص من الكينونة الفلسطينية».

ويعترف المسؤول بأنه ليس لدى السلطة القدرة على مواجهة تداعيات حرب كهذه، وهي تواجه قبل ذلك خطر الانهيار.

باختصار شديد، خلف «حزب الله»، توجد إيران وفصائل في العراق وسوريا واليمن، وفي النهاية الدولة اللبنانية التي خلفها توجد دول، وخلف إسرائيل توجد الولايات المتحدة ودول وقوى أخرى عظمى. اما الفلسطينيون في الضفة الغربية فخلفهم سلطة محاصرة وضعيفة لا حول لها ولا قوة، وتقريباً لا بواكي لهم أو لها.


مقالات ذات صلة

الأمن الإسرائيلي اعتقل 75 فلسطينياً في الضفة خلال أسبوع

شؤون إقليمية جنود إسرائيليون في شوارع الضفة الغربية خلال العمليات العسكرية (الجيش الإسرائيلي) play-circle

الأمن الإسرائيلي اعتقل 75 فلسطينياً في الضفة خلال أسبوع

اعتقلت قوات الأمن الإسرائيلية نحو 75 مطلوباً واستولت على أكثر من 40 قطعة سلاح خلال عمليات في الضفة الغربية خلال الأسبوع الماضي طبقاً لتصريحات صادرة عن الجيش.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي فلسطينية تفرّ مع أطفالها من قصف إسرائيلي استهدف مدرسة الفارابي بمدينة غزة (إ.ب.أ)

الجيش الإسرائيلي يأمر بإخلاء ثلاث مناطق في شمال قطاع غزة

دعا الجيش الإسرائيلي سكان ثلاث مناطق في مدينة غزة، شمال القطاع المحاصَر، إلى إخلائها تحسباً لهجوم.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي الرئيس محمود عباس خلال الدورة الثانية والثلاثين للمجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية في رام الله الأربعاء (إ.ب.أ)

انسحاب «الجبهة الديمقراطية» من جلسات «المجلس المركزي» يعقّد الانقسام الفلسطيني

أثار إعلان «الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين» تعليق مشاركتها في اجتماعات «المجلس المركزي» الجدل حول أهمية انعقاد الجلسات في ظل الوضع الفلسطيني الحالي.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي جندي إسرائيلي يوجه سلاحه أثناء تركيب بوابة حديدية على مدخل مخيم جنين بالضفة الغربية (رويترز)

مقتل طفل فلسطيني برصاص الجيش الإسرائيلي في الضفة

كشفت وزارة الصحة الفلسطينية اليوم الأربعاء أن طفلاً فلسطينياً قتل برصاص الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة.

«الشرق الأوسط» (الضفة الغربية)
شؤون إقليمية دورية راجلة لجنود من الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية (أرشيفية - رويترز)

الجيش الإسرائيلي: «تحييد» شخص أطلق النار على جنود في الضفة

قال الجيش الإسرائيلي إنه «حيد» شخصاً أطلق النار على جنوده في مستوطنة حومش بالضفة الغربية اليوم الأحد.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

خيارات «داعش» في سوريا... والاستثمار في «خيبات الجهاديين»

«داعش» يستعيد نشاطه في سوريا ويهدد استقرار المنطقة (أرشيفية- أ ف ب)
«داعش» يستعيد نشاطه في سوريا ويهدد استقرار المنطقة (أرشيفية- أ ف ب)
TT
20

خيارات «داعش» في سوريا... والاستثمار في «خيبات الجهاديين»

«داعش» يستعيد نشاطه في سوريا ويهدد استقرار المنطقة (أرشيفية- أ ف ب)
«داعش» يستعيد نشاطه في سوريا ويهدد استقرار المنطقة (أرشيفية- أ ف ب)

على رغم خسارته آخر معاقله في الباغوز القريبة من الحدود العراقية بريف دير الزور في مارس (آذار) 2019، ظل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) يشكل تهديداً جدياً لأمن سوريا واستقرارها عبر «مجموعات متنقلة» تنشط عبر البادية السورية. ومع سقوط النظام السوري في ديسمبر (كانون الأول) 2024 كان متوقعاً أن يعيد التنظيم رسم استراتيجياته والتكيّف مع الواقع الأمني الجديد.

ولم تفلح الحملات العسكرية التي شنّها النظام السابق بدعم جوي روسي، والحملات التي شنتها «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) بدعم من طيران التحالف الدولي في القضاء على التنظيم وتهديداته. كما أن سياسات الولايات المتحدة التي ركزت على منع ظهور التنظيم أو عودته إلى المدن مجدداً حققت نجاحات نسبية في إضعاف قدرات التنظيم العسكرية والقضاء على معظم قيادات الصفوف الأولى والثانية فيه، لكن التنظيم لا يزال يشكل تهديداً بشكل ما، وقد يستثمر في الأوضاع الأمنية «الهشة» في سوريا، ومع الانسحاب الأميركي المرتقب.

ولعل أحدث وأبرز تهديد للتنظيم هو البيان المصور الذي أصدره «داعش» في 20 أبريل (نيسان) 2025، مهدداً الرئيس أحمد الشرع، ومحذراً إياه من الانضمام إلى التحالف الدولي ضد الإرهاب، بعد طلب رسمي أميركي لمشاركة سوريا الجديدة في جهود مكافحة التنظيم وتفرعاته.

الرئيس السوري أحمد الشرع وعقيلته لطيفة الدروبي يستقبلان مجموعة من الأطفال السوريين في قصر الشعب بدمشق أول أيام عيد الفطر (أ.ف.ب)
الرئيس السوري أحمد الشرع وعقيلته لطيفة الدروبي يستقبلان مجموعة من الأطفال السوريين في قصر الشعب بدمشق أول أيام عيد الفطر (أ.ف.ب)

ومنذ سقوط النظام السوري في 8 ديسمبر 2024، رصدت «الشرق الأوسط» تصاعداً لافتاً في خطاب «داعش» الإعلامي عبر مجلة «النبأ»، التي بدأت في شن حملات تحريضية ضد الإدارة السورية الجديدة ورئيسها أحمد الشرع. ركزت هذه الحملات على مهاجمة سعي الحكومة الجديدة لبناء علاقات مع الدول العربية والمجتمع الدولي، عادّةً ذلك «خيانة» لتضحيات السوريين وتنازلاً عن مبدأ «تحكيم الشريعة» الذي لطالما تحدثت به «جبهة النصرة» بقيادة أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع) في مرحلة ما، وهو الشعار نفسه الذي يرفعه التنظيم ذريعةً لوجوده، ولكسب المزيد من الأنصار والمؤيدين.

سلسلة ضربات موجعة

لكن واقعياً، وعلى رغم هذا التصعيد الإعلامي، فقد شهد الميدان العسكري تغيراً ملحوظاً؛ إذ اختفى تقريباً النشاط المسلح للتنظيم في البادية، وهو ما أثار تساؤلات عن طبيعة المرحلة المقبلة في استراتيجية التنظيم، لكن لا يخفى أيضاً إن «داعش»، ومنذ ديسمبر الماضي، تلقى سلسلة من الضربات الأمنية المؤثرة؛ ففي 11 ديسمبر، ومباشرة بعد استلامها زمام الأمور في سوريا عقب سقوط نظم بشار الأسد، أعلنت الحكومة السورية الجديدة بقيادة الشرع إحباط مخطط لاستهداف مقام السيدة زينب جنوب دمشق واعتقال خلية تابعة للتنظيم.

وفي 16 من الشهر نفسه، نفذت القيادة المركزية الأميركية غارات جوية قتلت 12 عنصراً من «داعش»، وبعد هذا بثلاثة أيام فقط، قُتل قيادي آخر للتنظيم في دير الزور فيما يعتقد أنه بتنسيق مع الإدارة الجديدة.

وفي 23 ديسمبر، استهدفت غارة أميركية شاحنة أسلحة تابعة للتنظيم، ثم في يناير (كانون الثاني) 2025، دعمت الولايات المتحدة عملية لـ«قسد» أدت إلى اعتقال زعيم خلية هجومية. وفي 16 فبراير (شباط) 2025، اعتقلت السلطات السورية الجديدة أبو الحارث العراقي، المتهم بالتخطيط لهجمات إرهابية داخل العاصمة دمشق.

بعض المراقبين يرجعون السكون الذي يقابل به التنظيم هذه العمليات النوعية، إلى استراتيجية جديدة يتبعها وتقوم على تخفيف الظهور العلني لتقليل الضغط الأمني عليه، وإعادة ترتيب صفوفه بعيداً من الأنظار. كذلك، يبدو التنظيم حريصاً الآن على إعطاء انطباع بأنه غير نشط؛ ما يمنحه فرصة لإعادة بناء خلاياه بهدوء في المدن والقرى بعيداً من رقابة الأجهزة الأمنية المتمركزة في المدن.

تغيير في التكتيك

وخلال سنوات، طوّر «داعش» أساليب قتاله التكتيكية بالاعتماد على هجمات ليلية خاطفة ينفذها أفراد معدودون ضمن «مجموعات صغيرة متنقلة» تضم ما بين ثلاثة إلى خمسة أشخاص سرعان ما ينسحبون إلى مواقع انطلاقهم؛ ما يصعّب تتبعهم ويقلّل من فرص استهدافهم. هذه التكتيكات جعلت التنظيم يحتفظ بحضور نشط دون الحاجة إلى قواعد دائمة أو مراكز قيادية مكشوفة؛ الأمر الذي أربك جهود القضاء عليه لعقود.

عراقيات أمام «مخيم الجدعة» جنوب الموصل عام 2024 بعد نقلهن من مخيمات لعوائل «داعش» شمال شرقي سوريا (إكس)
عراقيات أمام «مخيم الجدعة» جنوب الموصل عام 2024 بعد نقلهن من مخيمات لعوائل «داعش» شمال شرقي سوريا (إكس)

وفي مناطق سيطرة «قسد»، تبنى التنظيم نمطاً آخر من العمل، مستغلاً التوترات العشائرية والخلافات المحلية.

مصادر عشائرية تحدثت لـ«الشرق الأوسط» وكشفت عن أن بعض الهجمات التي استهدفت «قوات سوريا الديمقراطية» نُفذت من قِبل أفراد عشائر محليين، لا يرتبطون تنظيمياً بـ«داعش» بشكل رسمي، ولكنهم تحركوا وفق تكتيك التنظيم للمناورة الأمنية والتخفي؛ ما زاد من صعوبة كشف هوية الفاعلين الحقيقيين، وأضفى طابعاً منظّماً على أعمال فردية متفرقة، وهذا يعني أن التنظيم يجد في هذه البيئة فرصة لزيادة نشاطه ووجوده، مستغلاً غضب المجتمع العشائري على قوات «قسد».

خبرة إدلب والاستراتيجية الشاملة

في السياق، صرح مسؤول في الأمن العام السوري لـ«الشرق الأوسط»، مفضلاً عدم الكشف عن اسمه، قائلاً: «نحن خبرنا (داعش) جيداً في إدلب وتمكنا سابقاً من تفكيك خلاياه، حتى في أوقات كان التنظيم أقوى مادياً وأمنياً، بينما كنا نحن أضعف من اليوم. لكننا الآن أكثر جاهزية وخبرة».

تركيا والأردن وسوريا والعراق سيتخذون خطوات نحو مكافحة تنظيم «داعش» (رويترز)
تركيا والأردن وسوريا والعراق سيتخذون خطوات نحو مكافحة تنظيم «داعش» (رويترز)

وأكد المسؤول أن الحكومة السورية الجديدة تعتمد «استراتيجية أمنية شاملة تقوم على إعادة بناء الأجهزة الأمنية وتنسيق عملها للكشف المبكر عن الخلايا النائمة، تعزيز التعاون مع دول الجوار لضبط الحدود ومنع عبور المقاتلين، ومواجهة خطاب التنظيم المتطرف عبر حملات توعية مجتمعية ومراقبة النشاط الإلكتروني، وتفكيك البيئات الحاضنة عبر تحسين الخدمات الأساسية، ومكافحة الفساد، وتوسيع برامج التنمية المحلية».

وأضاف المصدر الأمني، أنه لا يستبعد «استهداف التنظيم شخصيات مدنية أو أمنية بارزة عبر عمليات سريعة، مثل تفجير عبوات ناسفة صغيرة، أو تنفيذ عمليات اغتيال انتقائية»، مؤكداً أن «التنظيم في داخل المدن قد يعتمد الخلايا النائمة لتنفيذ مثل هذه العمليات، كما أنه من الممكن له أن يستغل الأحياء العشوائية والمناطق غير المنظمة مخابئ مؤقتة؛ ما يفرض تحديات إضافية على الأجهزة الأمنية».

تحريض ضد الإدارة الجديدة

رأى الباحث في مركز «أبعاد»، عرابي عرابي، أن التنظيم يمر الآن «في مرحلة الإنهاك والاستنزاف، ويحاول تأسيس خلايا صغيرة لضرب الاستقرار الأمني دون أن يسعى للسيطرة على مناطق جغرافية كما كان في السابق»، وأوضح عرابي لـ«الشرق الأوسط» أن التنظيم «يواجه شحاً في الموارد المالية والكوادر البشرية، بالإضافة إلى ضغط إقليمي متزايد بفضل تحسن التعاون الأمني بين سوريا والعراق». لكن، وبحسب عرابي: «سيحاول تنظيم (داعش) استغلال حالات السخط داخل صفوف الفصائل المسلحة الأخرى، خصوصاً بين المقاتلين من ذوي الخلفيات الجهادية الذين قد يشعرون بخيبة أمل تجاه خطاب الحكومة السورية الجديدة الذي يبتعد عن الطرح الإسلامي».

وبحسب عرابي، يعتمد التنظيم على «خطاب تحريضي» متزايد يصور الإدارة الجديدة «خائنةً لدماء السوريين»، مستغلاً قضايا مثل «تأخر العدالة الانتقالية، والشعور بالتهميش الإداري أو الإقصاء السياسي، كما يعمل على بث دعايته عبر قنوات (تلغرام) وشبكات إعلامية سرية».

ولم تستثن هذه الحملات التي تبادلتها مجموعات عبر وسائل التواصل الجانب الشخصي للرئيس الشرع لتحسب ضده تفاصيل كثيرة، بدءاً بمظهره ولباسه والصورة العامة التي يسعى إلى تصديرها للخارج عن حاكم سوريا الجديدة، لا سيما تلك التي جمعته بزوجته في لقاء أنطاليا الأخير.

وتواجه الحكومة السورية الانتقالية تحديات كبيرة في تحقيق الاستقرار الأمني والاقتصادي في البلاد مع واقع معقد يشير إلى انقسامات داخلية وتوترات مع قوات «قسد» في شمال شرقي سوريا ومع بقايا النظام السابق في مناطق الساحل، بالإضافة إلى علاقة شائكة بأبناء الطائفة الدرزية.

في الوقت نفسه، تحاول الإدارة اكتساب شرعية «دولية» وعربية وإرساء أسس حكم فعلي، فحتى الآن لم تعترف الولايات المتحدة «رسمياً»، ولا تزال غالبية العقوبات الدولية مفروضة على سوريا، في حين اتخذت دعوة الرئيس الشرع إلى القمة العربية المقبلة في بغداد مفاوضات دبلوماسية عدّة قبل أن يتم توجيهها بشكل رسمي.

وفي ظل هذه التعقيدات، لا شك في أن تنظيم كـ«داعش» سوف يستغل حالة عدم الاستقرار والفراغ الأمني مع افتقار الحكومة الجديدة إلى قوات كافية لتأمين البادية السورية والمناطق النائية. ويوفّر العنف الطائفي المستمر والعداوات في أجزاء مختلفة من البلاد بيئة مواتية لعمل التنظيم خاصة مع تلكؤ الإجراءات الحكومية في تحقيق العدالة الانتقالية لإنصاف ذوي ضحايا النظام السابق؛ ما يدفع التنظيم إلى أن يقدم نفسه على أنه «البديل» الأفضل من الحكومة للقصاص من المتورطين بالدم السوري، وهذا ما تفصح عنه أدبيات التنظيم وخطابه الإعلامي في الأسابيع الأخيرة، بحسب أكثر من موقع إلكتروني تابع له.

قافلة من النساء من عوائل «داعش» خلال معركة الباغوز (أ.ف.ب)
قافلة من النساء من عوائل «داعش» خلال معركة الباغوز (أ.ف.ب)

وما يزيد المخاوف أكثر من التجنيد المحتمل بين صفوفه، هو التركيز على إطلاق سراح السجناء من قياداته ومقاتليه ويجاورون بضعة آلاف محتجزين لا يزالون تحت إشراف قوات «قسد» ومصيرهم يخضع لشد وجذب.

لذلك؛ قد تكون مواجهة التنظيم واحدة من أكبر التحديات العلنية والضمنية المطروحة على الحكومة الجديدة؛ لما يتطلبه الأمر من موازنة بين ما تفرضه شروط إدارة دولة من سيطرة على كامل التراب السوري، وتخفيف الانقسامات المجتمعية والصعوبات الاقتصادية من جهة والعمل على تبديد انتشار آيديولوجيا التنظيم وإلحاق المقاتلين والبيئة الحاضنة له بالتغيير الجذري الذي طرأ على «هيئة تحرير الشام» نفسها. وذلك لا يتم إلا بالتنسيق مع الدول الفاعلة لتبادل المعلومات الاستخباراتية وتعطيل القدرات المالية للتنظيم والحد من عمليات التجنيد، إضافة إلى دعم المجتمع الدولي لجهود تحقيق الاستقرار في سوريا.