فلسطينيو الضفة يتنفسون من رئة إسرائيل ويخشون عقاباً جماعياً

في السجن الكبير لا أضرار جانبية لحرب مفتوحة

TT

فلسطينيو الضفة يتنفسون من رئة إسرائيل ويخشون عقاباً جماعياً

فلسطينيون يشاهدون تجريف أراض وتدمير منازل في الضفة الغربية (رويترز)
فلسطينيون يشاهدون تجريف أراض وتدمير منازل في الضفة الغربية (رويترز)

لا يتمنى الفلسطينيون في الضفة الغربية، ربما بخلافهم في قطاع غزة، حرباً مفتوحة بين إسرائيل و«حزب الله» اللبناني. فهم يدركون بخبرة العارفين بعقلية إسرائيل ومن باب التجربة السابقة في الحروب والانتفاضات، بما في ذلك الحرب الحالية على القطاع، أنهم سيدفعون ثمناً كبيراً، سياسياً واقتصادياً يمسّ حياتهم وحقوقهم واحتياجاتهم اليومية الرئيسية. وبعد أن يتحولوا معتقلين في سجن الضفة الكبير، لا شيء قد يثني إسرائيل عن قتلهم واعتقالهم وملاحقتهم.

في السيناريو الأبسط لحرب محتملة بين إسرائيل و«حزب الله»، ستنعزل إسرائيل وتغلق حدودها غير المعروفة، وستكون في حاجة إلى عزل الفلسطينيين في الضفة بشكل تام، انطلاقاً من حاجتها إلى كبح جماح جبهة ثالثة محتملة. هذا يعني بلا شك، تقييد الحركة ومنع السفر وتوقف تدفق البضائع إلى أسواق الضفة، وسيشمل ذلك وقف إسرائيل إمداد الفلسطينيين بالكهرباء والماء والوقود، انطلاقاً من أنها ستحتفظ لنفسها بأي مقدرات كهذه، بعد أن يقصف «حزب الله» شركات الكهرباء والمياه والمطارات، مرسلاً إسرائيل إلى أزمة غير مسبوقة، سيدفع الفلسطينيون أيضاً ثمنها بلا شك.

لكن إذا كانت إسرائيل دولة يمكن لها التعامل مع أزمات من هذا النوع، وهذا ما زال غير واضح إلى أي حد، فالسلطة الفلسطينية غير قادرة على ذلك وهي التي تعيش أزمات عميقة اليوم، مالية واقتصادية وأمنية، وفي حقيقة الأمر وجودية.

وليس سراً أنهم في إسرائيل يستعدون لسيناريوهات تتعامل مع شلل كامل، سيتضمن ظلاماً دامساً وطويلاً في مطار بن غوريون، وانهيار مبانٍ وجسور وإصابة طرق رئيسية، وانقطاعاً في الكهرباء والماء الوقود، ونقصاً في المواد الأساسية.

جثمان الطفل غسان غريب 13 عاماً محمولاً على الأكتاف وكان قتل برصاص إسرائيلي قرب رام الله في يوليو الحالي (أ.ف.ب)

وقف مقومات الحياة

ولم تكن تصريحات المدير العام لشركة إدارة الكهرباء الحكومية الإسرائيلية شاؤول غولدشتاين، الأخيرة حول إسقاط شبكة الكهرباء في إسرائيل في حالة حرب مع «حزب الله» مجرد جرس إنذار في إسرائيل، بل أيضاً في الضفة الغربية التي تشتري الكهرباء من إسرائيل.

وقال غولدشتاين: «نحن في وضع سيئ ولسنا مستعدين لحرب حقيقية (...) خلاصة القول هي أنه بعد 72 ساعة لن يمكنك العيش في إسرائيل. إسرائيل لن تكون قادرة على ضمان الكهرباء في حالة الحرب في الشمال بعد 72 ساعة»، مضيفاً: «لسنا مستعدين لحرب حقيقية».

وما ينسحب على الكهرباء ينسحب على المياه والوقود.

فحتى قبل حرب مفترضة مع بداية الصيف الحالي، بدأ الفلسطينيون يعانون العطش، بعدما أخذت شركة «ميكروت» الإسرائيلية قراراً بتقليص كمية المياه الواردة إلى مناطق الضفة، كنوع من عقاب تعوّد عليه الفلسطينيون.

مسنّ فلسطيني وأطفال يشربون من عبوات تبرعت بها جمعيات لبلدات في الضفة الغربية قطعت عنها إسرائيل مياه الشفة (غيتي)

وبحسب أرقام رسمية، فإن متوسط استهلاك الفرد اليومي من المياه في إسرائيل، بما في ذلك المستوطنات، يبلغ 247 لتراً، أي ما يعادل ثلاثة أضعاف متوسط استهلاك الفرد الفلسطيني اليومي في الضفة الغربية، والذي يبلغ 82.4 لتر، وفي التجمعات الفلسطينية غير الموصولة بشبكة مياه، يصل إلى 26 لتراً، فقط.

تخزين طحين ودواء وسولار

لا يمكن تخيل وضع معظم الفلسطينيين في الضفة الذين يتلقون اليوم (أي قبل الحرب) مياهاً جارية أقل من 10 أيام في الشهر؛ لأن الحصة المتبقية من المياه ينعم بها الإسرائيليون.

وفي إحصائيات السنوات الماضية، وصل إجمالي استهلاك الإسرائيليين من المياه عشرة أضعاف إجماليّ ما استهلكه الفلسطينيون في الضفة الغربية، وهي أرقام ستتغير لصالح الإسرائيليين هذا العام.

ويفهم الفلسطينيون في الضفة أنهم لن يجدوا أي قطرة ماء مع اندلاع الحرب المفترضة، التي ستتركهم أيضاً بلا كهرباء ولا دواء ولا وقود، وهو ما يخلق قلقاً وإرباكاً الذي يتسلل إليهم اليوم، وحمل بعضهم على تخزين الكثير من الطحين والمعلبات والمياه المعدنية.

وقال سعيد أبو شرخ: «لم أود الانتظار أكثر. اشتريت بعض الطحين والمعلبات والمياه».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «بعد دقيقة واحدة من الحرب سيدبّ هلع كبير. ستصبح الأسعار جنونية، ثم سنفقد البضائع. وقد نعيش التجربة القاسية التي اختبرها الغزيون في القطاع».

وعانى قطاع غزة فقدان الكهرباء والمياه والدواء والمواد الأساسية، ووصل الأمر إلى حد مجاعة حقيقية أفقدت الناس حياتهم.

وبالنسبة إلى أبو شرخ، فإنه يفضّل أن يكون مستعداً، أسوة بالكثير من أصدقائه الذين لجأوا إلى شراء كميات أكبر من الطحين والمعلبات وصناديق المياه، وحتى كميات من البنزين أو السولار، كخطة احتياطية.

وفي اختبار قصير سابق، عندما انطلقت المسيّرات والصواريخ الإيرانية، تجاه إسرائيل، لم يكن ممكناً الوصول إلى البقالات بسهولة، وهرع الناس لشراء ما يجنبهم انقطاع الطعام الرئيسي، أما محطات الوقود ففقدت مخزونها لأيام عدة، في «بروفة» لما يمكن أن يحدث في حرب حقيقية.

ولا يريد عبد العظيم عواد، أن يضع نفسه في اختبار آخر.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «لم أجد بعد ساعة واحدة من انطلاق المسيّرات الإيرانية الكثير من المواد الغذائية. لم أجد وقوداً لأيام عدة. وخفت أن تندلع الحرب فعلاً. لم يكن لدي أي استعدادات».

وعلى الرغم من ذلك، يُمنّي عواد النفس بألا يضطر إلى عيش التجربة مرة أخرى على نحو أصعب، ولا يريد أن يرى حرباً أخرى.

وأضاف: «تعبنا من الحرب. الوضع صعب. الأشغال تضررت، الاقتصاد منهار. لا توجد رواتب والعمال لا يذهبون إلى إسرائيل. والتجار يشكون. حرب أخرى طويلة مع لبنان ستعني دماراً حقيقياً هنا. أعتقد سيكون وضعاً كارثياً».

ضائقة اقتصادية غير مسبوقة

وعانت الضفة الغربية وضعاً اقتصادياً معقداً ستحتاج معه إلى فترة ليست قصيرة من أجل التعافي.

وقال وزير الاقتصاد الفلسطيني محمد العامور، إن الاقتصاد الفلسطيني يواجه صدمة اقتصادية «غير مسبوقة»، تصاعدت حدتها، بعد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

عمال مياومة فلسطينيون ينتظرون عند معبر إسرائيلي ليتم إدخالهم للعمل (غيتي)

وأكد العامور معقّباً على تقرير للبنك الدولي حذَّر فيه من أن السلطة الفلسطينية تواجه مخاطر «انهيار في المالية العامة»، وأن العدوان، والإبادة الجماعية والحصار المالي والاقتصادي والسياسة المتطرفة التي تنفّذها حكومة الاحتلال تتسبب في انكماش اقتصادي وتعطل الحركة التجارية.

وتوقع أن يصل الانكماش إلى 10 في المائة.

وبحسبه، فإن الاقتصاد يخسر يومياً نحو 20 مليون دولار في جزئية توقف الإنتاج بشكل كلي في قطاع غزة، وتعطله في الضفة الغربية، إلى جانب تعطل العمالة، والتراجع الحاد في النشاط الاقتصادي والقوة الشرائية.

وكان البنك الدولي، قد حذّر في تقرير الشهر الماضي، من أن السلطة الفلسطينية تواجه مخاطر «انهيار في المالية العامة»، مع «نضوب تدفقات الإيرادات» والانخفاض الكبير في النشاط على خلفية العدوان على قطاع غزة.

وأكد البنك الدولي أن «تدفقات الإيرادات نضبت إلى حد كبير؛ بسبب الانخفاض الحاد في تحويلات إسرائيل لإيرادات المُقَاصَّة المستحقة الدفع للسلطة الفلسطينية، والانخفاض الهائل في النشاط الاقتصادي».

وبحسب التقرير، فإن «الاقتصاد الفلسطيني فقد ما يقرب من نصف مليون وظيفة منذ 7 أكتوبر، يشمل ذلك فقدان ما يُقدَّر بنحو 200 ألف وظيفة في قطاع غزة، و144 ألف وظيفة في الضفة الغربية، و148 ألفاً من العمال المتنقلين عبر الحدود من الضفة الغربية إلى سوق العمل الإسرائيلية».

وأكد التقرير أيضاً ارتفاع معدل الفقر، موضحاً: «في الوقت الحاضر، يعيش جميع سكان غزة تقريباً في حالة فقر».

وبحسب تقارير دولية سابقة، فقد أدت الحرب في غزة إلى إغلاق الاقتصاد فعلياً هناك، بعدما تم تدمير الأساس الإنتاجي للاقتصاد في القطاع والذي انكمش بنسبة 81 في المائة في الربع الأخير من عام 2023.

وتضرر الاقتصاد أيضاً في الضفة الغربية وانكمش كذلك، بسبب الحصار السياسي والمالي للسلطة والفلسطينيين.

مأزق السلطة

تعاني السلطة في الضفة وضعاً مالياً حرجاً اضطرت معه منذ بدء الحرب إلى دفع نصف راتب فقط لموظفيها.

ومنذ عامين تدفع السلطة رواتب منقوصة للموظفين في القطاعين المدني والعسكري؛ بسبب اقتطاع إسرائيل نحو 50 مليون دولار من العوائد الضريبية، تساوي الأموال التي تدفعها السلطة لعوائل مقاتلين قضوا في مواجهات سابقة، وأسرى في السجون الإسرائيلية، إضافة إلى بدل أثمان كهرباء وخدمات طبية.

وعمّقت الحرب على غزة هذه الأزمة بعدما بدأت إسرائيل باقتطاع حصة غزة كذلك.

مظاهرات داعمة لغزة في رام الله نهاية مايو الماضي (غيتي)

وإضافة إلى موظفي السلطة، فقد أكثر من 150 ألف عامل فلسطيني من الضفة مصدر دخلهم الوحيد منذ السابع من أكتوبر الماضي، بعدما جمّدت إسرائيل تصاريح دخولهم إلى أراضيها أسوة بنحو 20 ألف عامل من قطاع غزة أُلغيت تصاريحهم بالكامل.

وساعد منع العمال من دخول إسرائيل في تدهور أسرع في الاقتصاد في الضفة الغربية، مع الوضع في الحسبان أن أجورهم كانت تصل إلى نحو مليار شيقل شهرياً (الدولار 3.70) مقارنة بفاتورة رواتب موظفي السلطة الشهرية التي تبلغ نحو 560 مليون شيقل شهرياً.

وقال مروان العجوري، أحد العمال الذين فقدوا مصدر رزقهم الوحيد، لـ«الشرق الأوسط»: «منذ 9 أشهر لم يدخل لي شيقل واحد. لقد استنفدنا».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «ننتظر بفارغ الصبر انتهاء الحرب في غزة، هل تعرف ماذا يعني حرب جديدة مع «حزب الله»؟ يعني على الدنيا السلام. دمار دمار. ما ظل إلا الهجرة بعدها». وتابع: «لا إسرائيل بتتحمل ولا إحنا».

ويخشى الفلسطينيون فعلاً أن إسرائيل قد تستخدم أدوات ضغط كبيرة عليهم في الضفة الغربية من أجل حثّهم على الهجرة، مستغلة انشغال العالم في حرب كبيرة مع لبنان.

مصادرة أراضٍ ودفع للهجرة

وخلال الأشهر القليلة الماضية، فتكت إسرائيل بالضفة الغربية بكل الطرق، حصار مالي وقتل واعتقالات ودفعت خططاً لتغيير الوضع القائم باتجاه إحباط أي أمل لإقامة الدولة الفلسطينية.

وفي الرابع من الشهر الحالي صادقت إسرائيل على مصادرة 12.7 كيلومتر مربع من أراضي الضفة الغربية، في مصادرة وصفتها منظمة «السلام الآن» الإسرائيلية بأنها الأكبر منذ ثلاثة عقود وتمثل ضربة جديدة للسلام بين الجانبين.

وبحسب «السلام الآن»، فإن الأراضي التي حوّلتها إسرائيل «أراضي دولة» تقع في منطقة غور الأردن، وهي الأكبر منذ اتفاقيات أوسلو 1993.

وبهذه المصادرة، ترتفع مساحة الأراضي التي أعلنتها إسرائيل «أراضي دولة» منذ بداية العام إلى 23.7 كيلومتر مربع.

بعد ذلك بأيام عدة صادرت إسرائيل أراضي أخرى قرب مستوطنات في الضفة.

وتسيطر إسرائيل على الضفة الغربية منذ عام 1967، وأقامت الكثير من المستوطنات التي يعيش فيها من دون القدس الشرقية أكثر من 490 ألف إسرائيلي مقابل ثلاثة ملايين فلسطيني.

وهؤلاء المستوطنون بدأواً حرباً، خاصة في الضفة، مستغلين الحرب على قطاع، في محاولة لدفع الفلسطينيين إلى الهجرة، فقتلوا فلسطينيين وهاجموا قرى وصادروا المزيد من الأراضي، تحت حماية الحكومة.

وقال مسؤول إسرائيلي كبير إن الحاكم الفعلي للضفة الغربية اليوم هم رؤساء المجالس المحلية للمستوطنات. متهماً رئيس المجالس الاستيطانية كافة، يوسي داغان، بقيادة الفوضى التي صاحبت حالة الحرب.

ولا ينحصر تأثير داعان في معرفته باعتداءات المستوطنين ودعمه توسعهم بكل الأشكال القانونية وغير القانونية، وإنما يمتد أيضاً إلى مجال إقناع السلطات الإسرائيلية والجيش برعاية هذه الاعتداءات أو غض النظر عنها.

وعملياً، ترعى الحكومة الإسرائيلية هؤلاء المستوطنين، ولا تخفي أنها في حرب على جبهة الضفة.

وقتلت إسرائيل نحو 600 فلسطيني منذ السابع من أكتوبر واعتقلت ما يقارب الـ10 آلاف ودمّرت بنى تحتية في طريقها لإضعاف السلطة الفلسطينية ومنعها من إقامة دولة.

واعترف وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش بأنه لا يفعل أي شيء سري، وإنما يعمل بوضوح من أجل منع إقامة «دولة إرهاب فلسطيني» و«تعزيز وتطوير الأمن والاستيطان».

وجاء تصريح سموتريتش تعقيباً على ما أوردته صحيفة «نيويورك تايمز»، حول خطة حكومية رسمية سرية لفرض السيطرة الإسرائيلية المدنية على الضفة الغربية دون الحاجة إلى الإعلان رسمياً عن ضمها.

خطة لتغيير حكم الضفة

وكان تسجيل مسرّب لسموتريتش فضح خطة حكومية رسمية لفرض السيطرة الإسرائيلية المدنية على الضفة الغربية، قال خلاله الوزير المسؤول عن الإدارة المدنية الإسرائيلية، إن الحكومة منخرطة في جهود سرية لتغيير الطريقة التي تحكم فيها إسرائيل الضفة الغربية، بحسب تقرير نُشر في صحيفة «نيويورك تايمز».

فلسطينيون يشاهدون تجريف أراض وتدمير منازل في الضفة الغربية (رويترز)

ونقل عن سموتريتش: «أنا أقول لكم، إنه أمر دراماتيكي ضخم. مثل هذه الأمور تغير الحمض النووي للنظام».

وتحكم السلطة الفلسطينية اليوم المنطقة «أ» في الضفة الغربية وتشارك الحكم في المنطقة «ب» مع إسرائيل في حين تسيطر إسرائيل على المنطقة «ج» التي تشكل ثلثي مساحة الضفة.

وكان يفترض أن يكون هذا الإجراء مؤقتاً عند توقيع اتفاق أوسلو بداية التسعينات، حتى إقامة الدولة الفلسطينية خلال 5 سنوات، لكن تحول الوضع إلى دائم، قبل أن تتخذ إسرائيل خطوات ممنهجة ضد السلطة أدت إلى إضعافها بشكل كبير.

وفي خطوة مهمة وحاسمة ضمن خطة سموتريتش، صادق جنرال عسكري كبير على تحويل مجموعة من الصلاحيات في الضفة الغربية إلى مدير مدني هو هيليل روط، في مؤشر على أن الحكومة الإسرائيلية زادت من سيطرتها المدنية على المنطقة في خطوة أخرى نحو الضم الفعلي.

ووصف الناشط المناهض للاستيطان يهودا شاؤول هذه الخطوة بأنها «ضم قانوني»، مضيفاً أن «الحكم المدني الإسرائيلي امتد إلى الضفة الغربية» تحت إشراف سموتريتش.

وتشمل الصلاحيات المفوضة لروط السلطة على معاملات العقارات، والممتلكات الحكومية، وترتيبات الأراضي والمياه، وحماية الأماكن المقدسة (باستثناء الحرم الإبراهيمي وقبر راحيل وقبر صموئيل)، والقوانين المتعلقة بالغابات، والسياحة، والحمامات العامة، وتخطيط المدن والقرى والبناء، وبعض عمليات تسجيل الأراضي، وإدارة المجالس الإقليمية، وغير ذلك الكثير.

واليوم على الأقل لا يوجد داخل الحكومة الإسرائيلية، أي خلاف بشأن ضم المناطق «ج»، حتى أن مسؤولين يرون أنه واحدة من الحلول للضغط على «حماس» نفسها في غزة.

واقترح النائب ألموج كوهين من «عوتسماه يهوديت» الذي يتزعمه وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير خلال مقابلة مع «i24NEW» ضم المناطق حتى يعود المحتجزون في غزة. وأضاف: «الأراضي مقابل المختطفين، الأمر بسيط للغاية».

وقال الخبير في الشأن الإسرائيلي كريم عساكرة إن اندلاع حرب بين «حزب الله» وإسرائيل، سيجلب تداعيات خطيرة على حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية، لا سيما من الناحيتين الإنسانية والسياسية.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «سيفتكون بالضفة بلا شك. حيث يتوقع أن يستغل اليمين في الحكومة الإسرائيلية الحرب، وانشغال العالم بالتوصل إلى وقف لإطلاق النار، لتنفيذ مخططات الضم والتهويد التي ستجعل من الضفة الغربية ملحقاً لإسرائيل لا يمكن أن يكون مكاناً لإقامة دولة فلسطينية مستقلة».

وتابع: «التحريض الإسرائيلي على الفلسطينيين في الضفة الغربية، ووجود دعم إيراني لتحريك العمل العسكري في الضفة، ربما أيضاً يكون ذريعة لعقاب جماعي تفرضه إسرائيل على الفلسطينيين، فتزيد من القمع والحصار والتنكيل بهم لدرجة يصل فيها الفلسطينيون إلى مرحلة لا يستطيعون العيش في ظل تلك الظروف، التي تسعى إسرائيل إلى أن تنتهي بترحيل قسم من الفلسطينيين إلى خارج وطنهم.»

أما على الجانب الإنساني، فيرى عساكرة «أن ارتباط الفلسطينيين في الضفة بإسرائيل في نواحي الحياة كافة، سيؤدي إلى تأثرهم بشكل كبير، خاصة في مجال الطاقة والمياه، وفقدان الاستقرار الغذائي نتيجة لتضرر الموانئ الإسرائيلية، وربما سيكون وضع الفلسطينيين أكثر صعوبة من الإسرائيليين؛ لعدم وجود سلطة قادرة على تقديم أي مساعدة طارئة للمواطنين، على عكس إسرائيل التي تدرس كل جوانب التأثير الإنساني للحرب لتقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين».

وهذا الوضع لا تغفله السلطة الفلسطينية التي تدرك حجم الضرر المتوقع، وتبدو آخر كيان يريد لهذه الحرب أن تشتعل.

وقال مسؤول فلسطيني لـ«الشرق الأوسط»: «حتى قبل حرب محتملة مع لبنان. إنهم يسعون لتفكيك السلطة وانهيارها، ولديهم مخطط واضح لدفع الفلسطينيين على الهجرة. ليس فقط في قطاع غزة وإنما الضفة. هذا اليمين المجنون لن يفوّت حرباً كهذه قبل أن يحقق حلمه بالسيطرة والاستيطان والتخلص من الكينونة الفلسطينية».

ويعترف المسؤول بأنه ليس لدى السلطة القدرة على مواجهة تداعيات حرب كهذه، وهي تواجه قبل ذلك خطر الانهيار.

باختصار شديد، خلف «حزب الله»، توجد إيران وفصائل في العراق وسوريا واليمن، وفي النهاية الدولة اللبنانية التي خلفها توجد دول، وخلف إسرائيل توجد الولايات المتحدة ودول وقوى أخرى عظمى. اما الفلسطينيون في الضفة الغربية فخلفهم سلطة محاصرة وضعيفة لا حول لها ولا قوة، وتقريباً لا بواكي لهم أو لها.


مقالات ذات صلة

الحكومة البريطانية الجديدة تريد دوراً فاعلاً في الملف الفلسطيني

المشرق العربي رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى (يمين) يلتقي في رام الله وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي (إكس)

الحكومة البريطانية الجديدة تريد دوراً فاعلاً في الملف الفلسطيني

أعلن وزير الخارجية البريطاني الجديد ديفيد لامي، للقادة الإسرائيليين والفلسطينيين، أن حكومته ترغب في زيادة دورها؛ ليصبح أكثر فاعلية في الشرق الأوسط.

نظير مجلي (تل أبيب)
المشرق العربي فلسطينيون يتظاهرون في شوارع جنين تنديداً بالقصف الإسرائيلي على غزة وحداداً على قتلى خان يونس (رويترز)

إضراب في الضفة الغربية حداداً على قتلى مجزرة المواصي

عم الإضراب الشامل المحافظات الفلسطينية في الضفة الغربية تنديداً بالقصف الإسرائيلي على غزة وحداداً على قتلى خان يونس.

المشرق العربي آلية عسكرية إسرائيلية خلال اقتحام مخيم نور شمس في الضفة الغربية (أ.ف.ب)

واشنطن تفرض عقوبات جديدة على إسرائيليين في الضفة الغربية 

أعلنت الولايات المتحدة فرض عقوبات جديدة على متطرفين إسرائيليين متهمين بتأجيج العنف في الضفة الغربية المحتلة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي بؤرة استيطانية إسرائيلية في الضفة الغربية (أ.ب)

مجموعة السبع تندد بتوسيع إسرائيل المستوطنات في الضفة الغربية

ندد وزراء خارجية مجموعة الدول السبع اليوم الخميس بخطوة إسرائيل لتوسيع مستوطناتها في الضفة الغربية المحتلة قائلين إن لها «نتائج سلبية على قضية السلام»

«الشرق الأوسط» (روما)
شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال مؤتمر صحافي بالمركز الطبي «شيبا تل هشومير» في رامات غان بإسرائيل يوم 8 يونيو 2024 (د.ب.أ)

حكومة نتنياهو تتخذ إجراءات ضم مناطق فلسطينية بالضفة الغربية

تنفذ حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إجراءات كثيرة تهدف إلى ضم الضفة الغربية بـ«القانون وبالسيطرة على أراضٍ وعقارات جديدة».

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

«سودان بديل» في مصر يمنح أبناءه ملاذاً آمناً... ويثير حساسيات

TT

«سودان بديل» في مصر يمنح أبناءه ملاذاً آمناً... ويثير حساسيات

حضور سوداني لافت في الشوارع والميادين (الشرق الأوسط)
حضور سوداني لافت في الشوارع والميادين (الشرق الأوسط)

حين كانت الشمس تهبط في الأفق لتأذن لليل بالقدوم، بعد نهار صيفي ملتهب أشار الشاب السوداني مصعب حمدان (33 عاماً) بيده إلى «ميكروباص» متوجه نحو نهاية شارع السودان النابض بالحياة والصخب بالجيزة، ليكتشف عقب صعوده أن السائق والركاب جميعهم من بني وطنه.

لم يُبد مصعب (عامل النظافة بإحدى الشركات الخاصة) بحي المهندسين، أي إيحاء بالتعجب جراء هذا الانتشار اللافت لـ«الجلباب والتوب» بالأحياء المصرية، التي تكرست ملاذاً لآلاف النازحين الفارين من الحرب.

مقهى شعبي بالجيزة يضم تجمعاً سودانياً (الشرق الأوسط)

بعدما أسدل الليل ستاره؛ وصل مصعب إلى شارع «الملكة» المكتظ بالوجوه السمراء، ليجد لافتات المتاجر المضيئة وقد أضيأت بعبارات مثل «سنتر أم درمان لأجود اللحوم السودانية»، ومقهى «ملتقى أحباب السودان»، ومخبز «باب جنقرين للخبز البلدي السوداني»، و«مطعم القراصة» و«سلطان الكيف» التي تقع جميعها في نطاق جغرافي ضيق.

«نحن نعيش في مجتمع سوداني متكامل بمصر، لا ينقصنا أي شيء سوى المساحات الفسيحة وظلال الأشجار الوارفة»، وفق ما يقول مصعب لـ«الشرق الأوسط».

متجر لبيع الملابس السودانية (الشرق الأوسط)

الحضور السوداني الكثيف في أحياء مصرية، عكسته أرقام رسمية أشارت إلى وصول أكثر من نصف مليون نازح سوداني إلى الأراضي المصرية منذ اندلاع الحرب بين الجيش و«قوات الدعم السريع» العام الماضي، بينما أكد سوادنيون تحدثوا إلى «الشرق الأوسط» أن «الأعداد الحقيقية تفوق هذا الرقم بكثير، لا سيما بعد عبور أعداد كبيرة منهم بشكل غير نظامي عبر الصحراء على مدار الأشهر الماضية».

وتقدِّر الحكومة المصرية عدد السودانيين بنحو 5 ملايين من أصل 9 ملايين لاجئ على أراضيها، فيما يصفهم الرئيس عبد الفتاح السيسي بـ«ضيوف مصر».

انتشار لافت للمحال السودانية بمحافظة الجيزة المصرية (الشرق الأوسط)

وتسبب التدفق الكبير في عدد السودانيين منذ اندلاع الحرب الأخيرة في بلادهم، في الضغط على مكاتب المفوضية الدولية لشؤون اللاجئين، في القاهرة والإسكندرية، حيث يتم استقبال نحو 3 آلاف طلب لجوء يومي، مما رفع عدد السودانيين المسجلين لدى المفوضية 5 أضعاف عمّا كان عليه سابقاً، ليبلغ اليوم 300 ألف. ويمثل هذا الرقم 52 في المائة من مجمل عدد اللاجئين المسجلين في مصر لدى المفوضية في أبريل (نيسان) الماضي.

تجمُّع سوداني على أحد المقاهي (الشرق الأوسط)

ولهذا السبب فإن المفوضية تتوقع «ازدياد الطلب على التسجيل بشكل مستمر في الأشهر المقبلة بسبب الوضع المضطرب في السودان، مع عدم وجود آفاق فورية لسلام مستدام في الأفق»، مقدرةً عدد السودانيين الذي ينتظرون التسجيل بنحو ربع مليون شخص.

تكتلات

شوارع العاصمة المصرية التي يبدو عليها الهدوء نهاراً، بفعل الحر القائظ، يملأها الصخب كلما اقترب قرص الشمس الذهبي من المغيب، حيث يجري تلطيفها بالمياه قبل أن تتمدد إليها كراسي المقاهي، التي يفضلها سودانيون للقاء بعضهم في ملاذهم الجديد المكتظ بأحياء مثل: «الملك فيصل»، وأرض اللواء، وإمبابة بالجيزة، وحدائق المعادي بالقاهرة، والعاشر من رمضان بالشرقية، وبعض مناطق الإسكندرية، وأسوان، حيث فرضت المتاجر والمطاعم والمخابز وصالونات الحلاقة ومحال بيع الملابس والعطارة واللحوم السودانية نفسها بشكل متزايد، وهو ما وُصف في وسائل الإعلام المصرية بـ«التكتلات السودانية».

لا تخطئ العين الوجود السوداني اللافت في الشوارع (الشرق الأوسط)

لا تخطئ العين الملامح السودانية والثوب التقليدي في الشوارع الرئيسية والفرعية بالقاهرة والجيزة، حيث يوجد الباعة السودانيون ومواطنوهم ممن اقتحموا مجالات عمل كانت مقتصرة على مصريين لعقود، من بينها قيادة سيارات الأجرة والميكروباص داخل الأحياء الشعبية؛ وهو ما عدّه مصعب «أمراً معبِّراً عن سرعة اندماج الوافدين الجدد في تفاصيل الحياة في مصر».

ومن فرط حضور «الزول»، (كلمة معناها الرجل في اللهجة السودانية)، أصبح معتاداً استخدام المفردات السودانية في المتاجر والشوارع والحارات ووسائل المواصلات، لكنَّ محمد عبد المجيد سائق إحدى سيارات الأجرة، التي تعمل في شارع السودان بالجيزة يتقن اللهجة العامية المصرية، ولذلك يجد بعض المصريين صعوبة في معرفة كونه سودانياً.

جانب من إقبال سودانيين على مفوضية اللاجئين بالقاهرة (مفوضية اللاجئين)

لقد تكيف عبد المجيد صاحب الوجه الدائري الباسم مع تفاصيل القيادة في الشوارع القاهرية، فبات يحفظ أسماء ومواقع المحطات عن ظهر قلب، مؤكداً أنه في أوقات متكررة تكون معظم حمولة سيارته من الركاب السودانيين الذين يندمج معهم بتشغيل أغانيهم الفلكلورية: «تشعر كأنك في فرح وليس في مواصلات عامة».

عبد المجيد ليس السائق السوداني الوحيد على خط «شارع السودان» بالجيزة، لكنه واحد من بين 30 سائقاً يحترفون السير في الزحام ويهربون منه إلى شوارع ضيقة بديلة.

السائق السوداني محمد عبد المجيد (الشرق الأوسط)

في أحد أروقة حي فيصل الشهير بالجيزة، كان صاحب متجر العطارة السوداني الستيني عادل محمد، الذي عكست عيناه طمأنينة ترسخت على مدى السنوات الخمس التي قضاها في مصر، ينتظر زبائنه المعتادين في المساء.

محل جزارة «أم درمان» لبيع اللحوم (الشرق الأوسط)

«رغم أن معظم زبائني من السودانيين المقيمين هنا فإن جيراني من المصريين يشترون منّي بهارات الطعام والزيت والسمن والسكر»، وفق قوله لـ«الشرق الأوسط». موضحاً أن «سبب اكتظاظ المنطقة بالسودانيين يعود إلى تفضيل كثير منهم الإقامة بجوار أقاربهم وعائلاتهم لتقليل الشعور بالغربة، وهو ما خلق مجتمعاً سودانياً متكاملاً هنا». مؤكداً أن «السودانيين يتمركزون في الجيزة، بدايةً من أول محيط شارع فيصل الشهير حتى نهايته لمسافة تقترب من 10 كيلومترات».

ملاذ بديل

لم تكن مواقع «التواصل الاجتماعي» بعيدة عن رصد هذا الوجود السوداني الكثيف في مصر، حيث كرست بعض مقاطع الفيديو فكرة وجود «سودان بديل في البلاد، ومن بينها تعليق مؤثّر سوداني تندَّر على الوجود المكثف لأبناء وطنه بحي فيصل بالجيزة قائلاً: «إذا كنت سودانياً تعيش في الخارج وترغب في رؤية أهلك وبلدك ما عليك سوى الذهاب إلى الجيزة المصرية».

وهو ما يؤكده مصعب، معتبراً أن «مراكز التعليم والمتاجر والمطاعم والمقاهي السودانية على اختلاف أشكالها وأنوعها؛ قد فرضت وجودها على الشارع المصري، حتى بات الخبز السوداني الأبيض ملمحاً مهماً في متاجر مصرية عديدة».

مَخبز سوداني (الشرق الأوسط)

وتشعر زينب مصطفى، وهي سيدة خمسينية قَدِمت إلى مصر من الولاية الشمالية بالسودان، بـ«الأمان» وهي تجلس داخل شقة فسيحة بمنطقة «اللبيني» بحي الهرم (غرب القاهرة) رفقة أبنائها وأختها وبناتها.

مكثت زينب فترة طويلة في مصر من دون زوجها الستيني الذي «لحق بها أخيراً بعد تمكنه من دخول مصر بشكل غير نظامي عبر الصحراء، وهو يبحث راهناً توفيق أوضاعه ليتمكن من العمل في أي وظيفة».

ويعد عشرات آلاف السودانيين الفارين من نار الحرب في السودان، مصر «الملاذ الأفضل» راهناً، لامتلاكها مقومات الحياة والبنية التحتية، ومن بينهم فاطمة حسن التي تمكنت من دخول مصر عبر مسارات التهريب الوعرة أخيراً.

سودانيات في محطة مترو «السودان» بالقاهرة (الشرق الأوسط)

خشيت فاطمة على بناتها من «الاغتصاب على يد الميليشيات المسلحة بالسودان»، وقررت دخول مصر بشكل غير نظامي، وفق ما قالته لـ«الشرق الأوسط».

الحر الشديد والعطش أنهكا فاطمة وبناتها الثلاث على مدار ساعات طويلة لم يذقن فيها طعم الراحة أو النوم، قبل أن تنجح في الوصول إلى الجيزة لتنضم إلى شقيقتها التي سبقتها إلى هناك منذ عدة أشهر، حسب قولها.

ورغم الإعلان عن توقيف حافلات لنازحين سودانيين دخلوا البلاد بطريقة غير نظامية في شهر يونيو (حزيران) الماضي، فإن عبد الله قوني المقيم في حي المعادي بالقاهرة منذ 15 عاماً ويقصده الكثير من النازحين السودانيين الجدد للمساعدة في توفير مسكن أو فرصة عمل، يؤكد «وصول نحو 11 حافلة من أسوان تقل سودانيين يومياً كلهم من المهاجرين غير النظاميين الذين يدفع الواحد منهم نحو 500 دولار أميركي للمهربين نظير نقله إلى مصر»، وهو ما تؤكده فاطمة كذلك.

تعليم

ومن بين أهم ملامح «السودان البديل» رؤية التلاميذ من أصحاب البشرة السمراء وهم في طريقهم من وإلى المدارس السودانية التي زاد عددها بشكل مطّرد خلال الأشهر الأخيرة، مما دعا السلطات المصرية إلى إغلاق بعضها من أجل «تقنين الأوضاع».

ويقدِّر سامي الباقر، المتحدث باسم نقابة المعلمين السودانية، عدد المدارس السودانية في مصر بنحو 300 مدرسة للتعليم الأساسي والمتوسط.

متجر في منطقة فيصل التي تشهد تكتلاً كبيراً للجالية السودانية (الشرق الأوسط)

ووجهت السفارة السودانية في القاهرة التي نقلت مقرها قبل سنوات من جاردن سيتي إلى حي الدقي، الشكر إلى الحكومة المصرية على تعاونها في إنجاح امتحانات الشهادة الابتدائية السودانية في شهر يونيو (حزيران) الماضي، عبر 6 مراكز تعليمية تابعة للسفارة، مشيرةً في بيان لها إلى «مشاركة 7 آلاف طالب إلى جانب أكثر من 400 مراقب من المعلمين».

وجامعياً قدّر أيمن عاشور، وزير التعليم العالي المصري، عدد الطلاب السودانيين الذين التحقوا العام الماضي بالجامعات المصرية بأكثر من 10 آلاف طالب.

وكان من بين النازحين السودانيين عدد كبير من الفنانين الذين استقروا في القاهرة على غرار الممثلة إيمان يوسف، والمخرج أمجد أبو العلا والمخرج محمد الطريفي والممثل نزار جمعة، الذين يرتحلون إلى الخارج لحضور فعاليات فنية ثم يعودون من جديد إلى مصر.

وبينما يلجأ السودانيون الذين دخلوا البلاد بشكل نظامي إلى توثيق عقود إيجار شققهم السكنية بمكاتب الشهر العقاري إلى جانب تسجيل أبنائهم في المدارس للحصول على إقامات قانونية في مصر، فإنه لا يوجد أمام النازحين غير النظاميين سوى «التصالح مع وزارة الداخلية المصرية» عبر إنجاز استمارة «تقنين وضع» ودفع رسوم تبلغ ألف دولار، أو التقدم إلى مفوضية اللاجئين والحصول على بطاقة «طالب لجوء».

حساسيات مصرية

مع هيمنة «الجلباب» و«التوب» السودانيين على شوارع وحارات مصرية، وتداول مقاطع لتجمعات سودانية كبيرة في القاهرة عبر «السوشيال ميديا»، والقلق من أخبار طرد مستأجرين مصريين لتسكين سودانيين بدلاً منهم؛ ظهرت بوادر «الحساسية» من «التكتلات السودانية» في مصر.

كما أثارت خرائط رفعها سودانيون لبلادهم تضم مثلث «حلايب وشلاتين»، (أقصى جنوب مصر مع الحدود السودانية)، جدلاً واسعاً، مما دفع السلطات المصرية أخيراً إلى اتخاذ إجراءات ضد هؤلاء النازحين وصلت إلى ترحيل بعضهم إلى بلادهم، وفق مصادر مصرية.

وزاد من وتيرة التحفظات، الإبلاغ عن إجراء أسر سودانية عمليات ختان لبناتهم في مصر، وهو ما واجهه مسؤولون مصريون بالتشديد على ضرورة تفعيل القانون المصري الذي يُجرِّم ختان الإناث.

ودخل إعلاميون مصريون على خط انتقادات «التكتلات السودانية»؛ وكان أبرزهم قصواء الخلالي، التي أعربت عن «قلقها» إزاء وجود تكتلات للاجئين في مناطق شعبية، معتبرةً هذا الأمر «خطيراً للغاية». فيما حذرت الإعلامية عزة مصطفى من «سيطرة بعض اللاجئين على مناطق كاملة من القاهرة، بعد مغادرة مصريين لها عقب رفع إيجارات الشقق». مشيرةً إلى «تداعيات تحمل مصر فاتورة ضخمة جراء استضافة اللاجئين على أراضيها».

وكغيره من عشرات المصريين الذين يعدّون أنفسهم «متضررين من الوجود السوداني المكثف»، لم يُخفِ السباك الستيني عيد محمود، صاحب الجسد النحيل تذمره من «هيمنة النازحين على المربع السكني الذي كان يقيم فيه بالقرب من جامعة القاهرة».

يقول عيد بنبرة يملأها الاستياء: «أجبرتني مالكة الشقة على إخلائها لتسكين أسرة سودانية بدلاً مني».

وبعدما كان عيد الذي يعول 3 فتيات يدفع 1600 جنيه مصري (الدولار الأميركي يساوي نحو 48 جنيهاً) بدل إيجار شهري خلال السنوات الماضية فإن مالكة العقار تحصل راهناً على 6 آلاف جنيه من المستأجرين السودانيين الجدد. وهو ما دفع مصريين إلى «دعوة الحكومة إلى التدخل حفاظاً على السِّلْم المجتمعي».

واضطر عيد إلى البحث عن شقة أخرى في منطقة توصف بأنها «متواضعة»، بـ3 آلاف جنيه.

وتفاعل برلمانيون مصريون مع دعوات تقنين أوضاع اللاجئين، من بينهم سهام مصطفى عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب، التي شددت في تصريحات تلفزيونية على أن «كل دول العالم ترفض دخول أي لاجئ أو مهاجر دون أوراق إثبات إقامته بهدف حصر أعداد الأجانب حفاظاً على الأمن القومي».

جانب من إقبال سودانيين على مفوضية اللاجئين بالقاهرة (مفوضية اللاجئين)

مضيفةً: «إن مصر تستضيف ملايين الأجانب وتوفر لهم الخدمات بنفس الأسعار المقدمة للمواطنين دون زيادة، رغم الأزمة الاقتصادية الحالية».

وأغلقت السلطات المصرية أخيراً عدداً من المدارس السودانية بداعي عدم استيفاء الشروط. وطالبت سفارة السودان بالقاهرة، أصحاب المدارس، بـ«التزام ثمانية شروط، وضعتها مصر لتقنين أوضاع المدارس المغلقة»، وقالت إنها «تُجري اتصالات مستمرة لحل الأزمة».

ويرى عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية السفير صلاح حليمة، أن «الإجراءات المصرية الأخيرة التي هدفت إلى تقنين أوضاع السودانيين في البلاد «طبيعية جداً في ظل ازدياد أعدادهم بالبلاد»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «تنظيم اللجوء والإقامة مع طلب زيادة المساعدات من المنظمات الدولية والإقليمية يعدان الخيار الأفضل راهناً للقاهرة».

فيما يؤكد محمد جبارة، أمين «العلاقات الخارجية» بجمعية الصداقة السودانية - المصرية، والمستشار الإعلامي السابق بسفارة الخرطوم في القاهرة، أن «التجمعات السودانية الكبيرة في الشوارع والميادين تثير حساسيات مجتمعية وأمنية بمصر». متهماً بعض أصحاب المدارس السودانية بالتسبب في إغلاقها، لا سيما بعد منح السلطات المصرية أكثر من مهلة لمطابقة المواصفات المحلية وتقنين الأوضاع.

إقبال لافت على مكتب مفوضية اللاجئين بالقاهرة (مفوضية اللاجئين)

وكشف عن «نية سفارة بلاده تنظيم مهرجان كبير بعنوان (شكراً مصر) كنوع من (رد الجميل) لاستضافتها جالية كبيرة من أبناء الوطن».

تخفيف الأعباء

بسبب الأزمة الاقتصادية، طالبت مصر المجتمع الدولي بدعمها في «تحمل أعباء اللاجئين». ورأى وزير الخارجية المصري السابق سامح شكري، عقب لقائه مدير عام المنظمة الدولية للهجرة إيمي بوب، أن الدعم الذي تتلقاه مصر من المجتمع الدولي «لا يتناسب مع ما تتحمله من أعباء، في ظل ما يعانيه الاقتصاد المصري من تبعات الأزمات العالمية.

وأطلقت الحكومة المصرية أخيراً عملية لحصر أعداد اللاجئين المقيمين على أراضيها، بهدف احتساب تكلفة استضافتهم، والوقوف على الأعباء المالية، في ظل أزمة اقتصادية تعانيها البلاد.

وطالبت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بمصر، في بيان في شهر أبريل الماضي، بالحصول على 175.1 مليون دولار لتلبية الاحتياجات الأكثر إلحاحاً للاجئين السودانيين الذين فروا إلى مصر منذ منتصف أبريل 2023.

سودانيون بالقرب من شارع السودان الشهير بالجيزة (الشرق الأوسط)

وبينما يؤكد الخبير الاقتصادي المصري الدكتور مدحت نافع، تكبد مصر أعباء اقتصادية جراء استضافة هذا العدد الكبير، فإنه في الوقت نفسه يرى أنه «يمكن الاستفادة منهم، إذا قُننت أوضاعهم المادية وطرق عملهم واستثمار بعضهم في مصر».

ويقترح نافع في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» تحصيل أي رسوم تخص الوافدين بمصر بالدولار، ويرى أنه يوجد من بين المقيمين في مصر مستثمرون يقدمون فرصة لتعزيز وجود رؤوس الأموال وحركة الاقتصاد.

ويراهن مصعب في النهاية على تفهم كثير من المصريين للأوضاع الخطرة في السودان، وعلى الروابط المشتركة بين الشعبين، لاستيعاب «الضيوف الجدد»، مؤكداً أن الحساسيات التي تنشأ بين «أبناء وادي النيل» ليست سوى «سحابة صيف عابرة» ستزول بمجرد انتهاء الحرب وتحسن الأوضاع في بلاده.