بزوغ عصر اقتصاد التجربة مدعوماً بالذكاء الاصطناعي

المجتمع الاستهلاكي لا يبحث عن منتجات وخدمات فحسب بل عن «تجارب استهلاكية»

بزوغ عصر اقتصاد التجربة مدعوماً بالذكاء الاصطناعي
TT

بزوغ عصر اقتصاد التجربة مدعوماً بالذكاء الاصطناعي

بزوغ عصر اقتصاد التجربة مدعوماً بالذكاء الاصطناعي

في حين يقف العالم على أبواب مرحلة اقتصادية جديدة حافلة بالفرص والتحديات على كل المستويات، بدأت ملامح «اقتصاد التجربة Experience Economy» في الاكتمال في عدد من الأسواق، في ظل دعم كبير من الذكاء الاصطناعي. ومع أننا لسنا أمام مفهوم اقتصادي جديد، إلا أن اقتصاد التجربة بدأ منذ سنوات بالتحوّل إلى إحدى أهم الركائز التي يقوم عليها الاقتصاد العالمي الحديث. ولهذا سنشهد ربما في عام 2024 دينامية اقتصادية داعمة لكل ما يتعلق باقتصاد التجربة، وترسيخاً لوعي اقتصادي جديد حيال ما تستطيع التكنولوجيا فعله بدعمٍ من الذكاء الاصطناعي في عالمنا.

في عام 1998 قدّم كل من جوزف باين وجيمس غيلمور نظرتيهما إلى مفهوم اقتصاد التجربة في مقال، قبل أن يستفيضا بشرحها من خلال كتاب أصدراه في عام 1999 ركّز على تطّور القيمة الاقتصادية وانطلاق عصر المنتجات الزراعية وصولاً إلى عصر الخدمات. وبعد أن كانت الزراعة تشكل محور الاقتصاد العالمي لفترة طويلة من الزمن، جاءت الصناعة بكامل قوتها لتُعيد تعريف الكثير من المفاهيم الاقتصادية وتستحوذ على القيمة ضمن الناتج الاقتصادي العالمي. لم يستمر هذا الوضع طويلاً، فقد حلّت مرحلة اقتصاد الخدمات، الذي سيطر سريعاً على المفاصل الاقتصادية.

لحظة تاريخية

وفي تلك اللحظة التاريخية، تحوّلت الخدمات إلى سلع، وباتت المنافسة تتركز على الأسعار. لكن عندما تساوت السلع من حيث القيمة السعرية، بدأت الأسواق بمحاولة شجاعة، هدفها إخراج الأسعار من حلبة المنافسة وإضافة بُعد جديد يميّز الخدمات ويعطيها آفاقاً جديدة. هنا بالتحديد بدأت المنافسة تشتد بين السلع والخدمات، ووُلدت بذلك ما نسمّيها اليوم «تجربة العميل»، التي فتحت أبواباً واسعة أمام قيامة «اقتصاد التجربة». ولا شك أننا وصلنا إلى هذه المرحلة بـ«بركة التكنولوجيا» لأنها أعطت بُعداً كبيراً للتجارب التي يخوضها المُستهلك أو المستخدم في عالم الخدمات بشكل خاص.

وإذا نظرنا اليوم إلى سياق التطوّر التاريخي لاقتصاد التجربة سنرى أن التكنولوجيا لعبت الدور الحيوي الأكبر في تعزيز التفاعل بين المستهلك والعلامة التجارية، وبأساليب لم يسبق لنا أن تخيّلناها من قبل.

اقتصاد التجربة

ولهذا السبب تُعدّ فكرة «اقتصاد التجربة» بالنسبة إلى كبار الاقتصاديين كما لشركات التكنولوجيا مثل «أفايا»، نقلة اقتصادية تاريخية تختصر مجمل التحولاّت الاقتصادية الرئيسية في العالم. ومن البدهيّ القول إن مفهوم اقتصاد التجربة يستند إلى وعي اقتصادي حديث ومختلف للعلاقة التي تجمع الاستهلاك بتجربة الاستهلاك. وهو ما يؤكد أن المجتمع الاستهلاكي ككل لا يبحث عن منتجات وخدمات فحسب، بل يبحث أيضاً عن تجارب استهلاك مميّزة تترك شعوراً بالرضا والمتعة التي لا تُنسى. فالسلع متوفرة لدى المنافسين وكذلك الخدمات، أما «تجربة التعامل» مع السلع والخدمات فباتت أمراً آخر تتنافس عليه العلامات التجارية. وهذا ليس اكتشافاً، فمعظم الاقتصاديين الكبار ركّزوا على أهمية تحقيق فهم عميق للعلاقات التي تربط السلع بالعمل والقيمة، كونها مصدراً أساسياً أسهم في بناء الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية في المجتمعات الليبرالية.

قواعد اللعبة تغيّرت

في عام 2024 من المرجّح أن يشهد عالمنا تسارعاً ملحوظاً في عالم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، والتطوّر الذي سنشهده لن تقتصر فوائده على المجالات التكنولوجية فحسب، لأن الذكاء الاصطناعي بدأ بالفعل بدفعنا جميعاً إلى مراجعة الأفكار والمسلّمات والمفاهيم الاقتصادية والاستهلاكية. إنه عالم تزداد فيه وتيرة وسرعة التغيرات. وفي ظل تطور مفهوم اقتصاد التجربة، حيث لا تقتصر اهتمامات المستهلك على مجرد الحصول فقط على المنتج أو الخدمة، يظهر دور الذكاء الاصطناعي بوصفه منصة فريدة من نوعها تدعم هذا التحوّل الإيجابي، كونها تسهم في صناعة تجربة استهلاك أفضل. وعندما نرى كم من المستهلكين يبحثون عن تجارب مميّزة تلبي تطلعاتهم، نفهم أكثر دور الذكاء الاصطناعي في تحقيق هذه الرغبات.

جيل الألفية وجيل «زد»

نسبة هؤلاء المستهلكين ليست ضئيلة وتزداد باستمرار، خصوصاً مع جيل الألفية وجيل «زد» Z اللذين لا يساومان على التجربة ونوعيتها وقدرتها على تلبية متطلباتهما، وتقديم ذكريات استهلاكية ممتعة. وإذا نظرنا إلى الجيلين بوصفهما شريحة متجانسة تلتقي تطلّعاتها عند موضوع التجارب المتعلقة بالخدمات والسلع، فإننا عملياً نتحدث هنا عن نحو 50 في المائة من سكان العالم، وتالياً ثمة شريحة استهلاكية كبيرة ربما لم تتحدد نسبتها بشكل دقيق بعد، ولكنها تمثّل الجزء الأكبر من الأجيال الاستهلاكية في عالمنا اليوم. نعم! لقد تغيّرت قواعد اللعبة، فالأجيال الجديدة مستعدة للإنفاق على القيمة والتجربة لا على الاستحواذ والملكية، ومن هنا نفهم أكثر سبب الرعب الذي يصيب العلامات التجارية التي لم تعرف بعد أن ولاء المستهلك لم يعد للعلامة التجارية والمنتج بل للتجربة والإحساس والذكريات المصاحبة لاستهلاك المنتج، سلعةً كان أم خدمةً.

تجارب الأجيال

التجربة التي تعيشها هذه الشريحة العالمية المشكّلة من جيلين، لم يشهد التاريخ الاقتصادي مثيلاً لها، لأنها مؤلَّفة من قاعدة استهلاكية تبنّت في معظمها الخدمات التكنولوجية الحديثة، وهي تتطلّع باستمرار إلى نوعية حياة مختلفة وجديدة، مما يسهم تالياً في حدوث تحوّل نوعي في الديناميات الاقتصادية. كما تتبنّى هذه الشريحة قيماً استهلاكية وشخصية مختلفة عن قيم الأجيال السابقة تجاه التسوّق والاستهلاك. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه في حين يشعر جيل الألفية برغبة الانخراط في تجارب يعدها ممتعة ومفيدة وتترك أثراً، يتوقع جيل «زد» أن تقدم له العلامات التجارية تجارب استهلاك مخصّصة له، تتمتع بالفرادة وبالقدرة على التفاعل أو توفير الميزات التفاعلية، وهذا أمر لا تتيحه مبدئياً سوى التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.

كذلك، كِلا الجيلين يتوق إلى الاستفادة من الابتكار التكنولوجي واستخدام التقنيات الحديثة، لا بل إنهما يتوقعان توفير العلامات التجارية الخدمات والسلع في قالب من الابتكار والتفاعل ضمن تجربة استهلاك مميزة. وهذا الأمر يظهر جلياً مع الاعتماد المتنامي على التطبيقات الذكية في الحياة اليومية، ومشاركة المحتوى الرقمي مع الآخرين واستخدام الواقع الافتراضي والواقع المعزّز.

من هنا نفهم أكثر، أهمية الهاتف الذكي وباقي الأجهزة الذكية في حياة جيل الألفية وجيل «زد»، فكلاهما ينظر إلى الأجهزة الذكية وعلى رأسها الهاتف الذكي، بوصفها «البوابة الذهبية» التي سيعبران من خلالها إلى عالم جديد يلبي تطلعاتهما ورغباتهما الاستهلاكية، وأهمها تجربة الاستهلاك المدعوم بالذكاء الاصطناعي. وتعلم هذه الشريحة من الأجيال أن الذكاء الاصطناعي قادر على تحسين نوعية حياتها، لهذا تندفع العلامات التجارية ومعها مزوّدو حلول تطوير تجارب الاستهلاك الذكية مثل «أفايا»، إلى تعزيز القدرات في عالم الذكاء الاصطناعي.

على مشارف المستقبل

نقف جميعاً اليوم على مشارف مستقبل واعد في عالم اقتصاد التجربة، تقوده ثلاثية ذهبية مكوّنة من التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والأجيال الجديدة. ولا شك أن حضور الشركات بقوة على حلبة «اقتصاد التجربة»، إذ يجري تحويل السلع والخدمات إلى تجارب، سيكون له أثر كبير ومفيد لا في مستقبل الاستهلاك فحسب بل أيضاً في مستقبل الشركات نفسها. وليس من المبالغة القول إن تجارب العملاء في عالم اقتصاد التجربة سيُحدد مَن يبقى ويستمر ومَن يتلاشى ويرحل من الشركات. وبما أن تجارب العملاء التي ستقدمها الشركات هي بيت القصيد في عالم اقتصاد التجربة، فإن التركيز في عام 2024 قد يكون ابتكار تجربة عملاء تحقق التمايز والنمو في آن معاً. وتدرك قيادات العلامات التجارية أن مراكز الاتصال وأنظمة الاتصالات والتعاون بين فرق العمل، سيشكّلان «رأس الحربة» لقيادة عملية توليد تجارب مميزّة لعملائها، وستكون الابتكارات المدعومة بالذكاء الاصطناعي في مقدمة عملية تعزيز حلول تجربة العملاء.

وإذا كان عام 2023 هو عام اكتشاف الإمكانات الكبيرة للذكاء الاصطناعي، فإن عام 2024 سيكون الميدان الذي نرى فيه كيف ستتم ترجمة الاستثمارات في مجال الذكاء الاصطناعي بشكل ملموس إلى بلورة قيمة الأعمال.

أخلاقيات العمل

ولأن الرؤساء التنفيذيين ومجالس الإدارة في مختلف الشركات، يركزون حالياً وبشكل متصاعد على إدارة المخاطر والخصوصية والأمن والمخاوف المتعلقة بأخلاقيات العمل المرتبطة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، فإن عام 2024 قد يكون العام الذي يُفتح فيه النقاش واسعاً حول أخلاقيات الذكاء الاصطناعي. وهذا أمر في غاية الأهمية بالنسبة لكل الشركات والمؤسسات والهيئات الناظمة والمجالس التشريعية التي تعي أهمية أخلاقيات الأعمال.

وبغضّ النظر عن كيف ستسير الأمور على مستوى اقتصاد التجربة ودور الذكاء الاصطناعي وتفاعل شرائح المستهلكين مع التجارب الجديدة في عالم الخدمات والسلع، فإن الأكيد أننا أمام ولادة عصر جديد، لأن اقتصاد التجربة يشكل نهجاً حيوياً غير مسبوق في العلاقة التي تجمع العلامات التجارية بالمستهلكين. إنه يتجاوز مجرد مفهوم تبادل المنتجات والخدمات، ويتمحور حول التجربة الناتجة عن الاستهلاك. وليس لديَّ أدنى شك في أن اقتصاد التجربة سيوفّر التفاعل العاطفي بين المستهلك والعلامة التجارية، وهو ما سيؤدي إلى بناء علاقات بينهما تتسم بالقوة والمتانة. وبالتالي ستحقق الشركات نجاحاً أكبر عندما ستضع المستهلك وسط تجربة فريدة تعزّز الولاء والرغبة بتكرار عمليات الشراء.


مقالات ذات صلة

نقلة نوعية للاقتصاد الرقمي السعودي في 2024

خاص السعودية تعزز ريادة الأعمال والاقتصاد الرقمي في قطاع الاتصالات والمعلومات (الشرق الأوسط)

نقلة نوعية للاقتصاد الرقمي السعودي في 2024

ما لا شك فيه أن الفرص السانحة في المملكة العربية السعودية لا تعد ولا تحصى، إلا أن التوجهات التي سترسم ملامح عام 2024، وما بعده ستتخطى التقنيات والحلول الجديدة.

إياد مرعي
خاص أهم 6 توجهات لتقنيات «ويب 3.0» و«بلوك تشين» والعملات الرقمية

خاص أهم 6 توجهات لتقنيات «ويب 3.0» و«بلوك تشين» والعملات الرقمية

خوارزميات الـ«بلوك تشين» يمكن استخدامها لتعزيز أمان الشبكات والمساعدة في اكتشاف مشكلات الأمان المحتملة بشكل أكثر كفاءة من المنهجيات التقليدية.

بن تشو
خاص ثورة المدفوعات الرقمية  في السعودية تعزز فرص التجارة الإلكترونية

خاص ثورة المدفوعات الرقمية في السعودية تعزز فرص التجارة الإلكترونية

يشكّل التحول نحو وسائل الدفع الرقمية محفزاً لتحول أوسع في قطاعات التجارة الإلكترونية والخدمات اللوجيستية في المملكة العربية السعودية.

إيمان الغامدي
خاص الاتصالات المعزَّزة تعد بنقلة في قطاع السيارات

خاص الاتصالات المعزَّزة تعد بنقلة في قطاع السيارات

تواجه مسألة التحضُّر المدني والنمو الاقتصادي السريع في العصر الحالي عدّة تحدّيات رئيسية، من أبرزها الازدحام المروري الخانق الذي تتسبّب به الزيادة السكانية.

لويس دي لا كروز
خاص رئيس الاحتياطي الفدراسي في مؤتمر صحافي 13 ديسمبر (أ.ف.ب)

خاص 2024... سنة معقّدة ومحورية للاقتصاد العالمي

الانخفاضات المتوقعة في معدلات الفائدة من قبل المصارف المركزية الرئيسية في يونيو (حزيران) 2024 تأتي مصحوبة بجوانب من عدم اليقين.

سمير عساف

فلسطينيون ظلوا بلا عائلة... وعائلات كاملة شُطبت من السجل المدني

TT

فلسطينيون ظلوا بلا عائلة... وعائلات كاملة شُطبت من السجل المدني

جنازة جماعية في 7 مارس 2024 لـ47 فلسطينياً قتلتهم إسرائيل في رفح (أ.ف.ب)
جنازة جماعية في 7 مارس 2024 لـ47 فلسطينياً قتلتهم إسرائيل في رفح (أ.ف.ب)

216 ليس مجرد رقم عادي بالنسبة لعائلة «سالم» الموزعة بين مدينة غزة وشمالها. فهذا هو عدد الأفراد الذين فقدتهم العائلة من الأبناء والأسر الكاملة، (أب وأم وأبنائهما) وأصبحوا بذلك خارج السجل المدني، شأنهم شأن مئات العائلات الأخرى التي أخرجتها الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة منذ عام.

سماهر سالم (33 عاماً) من سكان حي الشيخ رضوان، فقدت والدتها وشقيقها الأكبر واثنتين من شقيقاتها و6 من أبنائهم، إلى جانب ما لا يقل عن 60 آخرين من أعمامها وأبنائهم، ولا تعرف اليوم كيف تصف الوحدة التي تشعر بها ووجع الفقد الذي تعمق وأصبح بطعم العلقم، بعدما اختطفت الحرب أيضاً نجلها الأكبر.

وقالت سالم لـ«الشرق الأوسط»: «أقول أحياناً إنني وسط كابوس ولا أصدق ما جرى».

وقصفت إسرائيل منزل سالم وآخرين من عائلتها في 11 ديسمبر (كانون الأول) 2023، وهو يوم حفر في عقلها وقلبها بالدم والألم.

رجل يواسي سيدة في دفن أفراد من عائلتهما في خان يونس في 2 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)

تتذكر سالم لحظة غيرت كل شيء في حياتها، وهي عندما بدأت تدرك أنها فقدت والدتها وشقيقاتها وأولادهن. «مثل الحلم مثل الكذب... بتحس إنك مش فاهم، مش مصدق أي شي مش عارف شو بيصير». قالت سالم وأضافت: «لم أتخيل أني سأفقد أمي وأخواتي وأولادهن في لحظة واحدة. هو شيء أكبر من الحزن».

وفي غمرة الحزن، فقدت سالم ابنها البكر، وتحول الألم إلى ألم مضاعف ترجمته الأم المكلومة والباقية بعبارة واحدة مقتضبة: «ما ظل إشي».

وقتلت إسرائيل أكثر من 41 ألف فلسطيني في قطاع غزة خلال عام واحد في الحرب التي خلّفت كذلك 100 ألف جريح وآلاف المفقودين، وأوسع دمار ممكن.

وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي، بين الضحايا 16.859 طفلاً، ومنهم 171 طفلاً رضيعاً وُلدوا وقتلوا خلال الحرب، و710 عمرهم أقل من عام، و36 قضوا نتيجة المجاعة، فيما سجل عدد النساء 11.429.

إلى جانب سالم التي بقيت على قيد الحياة، نجا قلائل آخرون من العائلة بينهم معين سالم الذي فقد 7 من أشقائه وشقيقاته وأبنائهم وأحفادهم في مجزرة ارتكبت بحي الرمال بتاريخ 19 ديسمبر 2023 (بفارق 8 أيام على الجريمة الأولى)، وذلك بعد تفجير الاحتلال مبنى كانوا بداخله.

وقال سالم لـ«الشرق الأوسط»: «93 راحوا في ضربة واحدة، في ثانية واحدة، في مجزرة واحدة».

وأضاف: «دفنت بعضهم وبعضهم ما زال تحت الأنقاض. وبقيت وحدي».

وتمثل عائلة سالم واحدة من مئات العائلات التي شطبت من السجل المدني في قطاع غزة خلال الحرب بشكل كامل أو جزئي.

وبحسب إحصاءات المكتب الحكومي في قطاع غزة، فإن الجيش الإسرائيلي أباد 902 عائلة فلسطينية خلال عام واحد.

أزهار مسعود ترفع صور أفراد عائلتها التي قتلت بالكامل في مخيم جباليا شمالي قطاع غزة (رويترز)

وقال المكتب الحكومي إنه في إطار استمرار جريمة الإبادة الجماعية التي ينفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي برعاية أميركية كاملة، فقد قام جيش الاحتلال بإبادة 902 عائلة فلسطينية ومسحها من السجل المدني بقتل كامل أفرادها خلال سنة من الإبادة الجماعية في قطاع غزة.

وأضاف: «كما أباد جيش الاحتلال الإسرائيلي 1364 أسرة فلسطينية قتل جميع أفرادها، ولم يتبقَّ سوى فرد واحد في الأسرة الواحدة، ومسح كذلك 3472 أسرة فلسطينية قتل جميع أفرادها ولم يتبقَّ منها سوى فردين اثنين في الأسرة الواحدة».

وأكد المكتب: «تأتي هذه الجرائم المتواصلة بحق شعبنا الفلسطيني في إطار جريمة الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي برعاية أميركية كاملة، وبمشاركة مجموعة من الدول الأوروبية والغربية التي تمد الاحتلال بالسلاح القاتل والمحرم دولياً مثل المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا وغيرها من الدول».

وإذا كان بقي بعض أفراد العائلات على قيد الحياة ليرووا ألم الفقد فإن عائلات بأكملها لا تجد من يروي حكايتها.

في السابع عشر من شهر سبتمبر (أيلول) المنصرم، كانت عائلة ياسر أبو شوقة، من بين العائلات التي شطبت من السجل المدني، بعد أن قُتل برفقة زوجته وأبنائه وبناته الخمسة، إلى جانب اثنين من أشقائه وعائلتيهما بشكل كامل.

وقضت العائلة داخل منزل مكون من عدة طوابق قصفته طائرة إسرائيلية حربية أطلقت عدة صواريخ على المنزل في مخيم البريج وسط قطاع غزة.

وقال خليل أبو شوقة ابن عم العائلة لـ«الشرق الأوسط»: «لا يوجد ما يعبر عن هذه الجريمة البشعة».

وأضاف: «كل أبناء عمي وأسرهم قتلوا بلا ذنب. وذهبوا مرة واحدة. شيء لا يصدق».

الصحافيون والعقاب الجماعي

طال القتل العمد عوائل صحافيين بشكل خاص، فبعد قتل الجيش الإسرائيلي هائل النجار (43 عاماً) في شهر مايو (أيار) الماضي، قتلت إسرائيل أسرته المكونة من 6 أفراد بينهم زوجته و3 أطفال تتراوح أعمارهم بين عامين و13 عاماً.

وقال رائد النجار، شقيق زوجة هائل: «لقد كان قتلاً مع سبق الإصرار، ولا أفهم لماذا يريدون إبادة عائلة صحافي».

وقضى 174 صحافياً خلال الحرب الحالية، آخرهم الصحافية وفاء العديني وزوجها وابنتها وابنها، بعد قصف طالهم في دير البلح، وسط قطاع غزة، وهي صحافية تعمل مع عدة وسائل إعلام أجنبية.

الصحافي غازي أشرف علول يزور عائلته على شاطئ غزة وقد ولد ابنه في أثناء عمله في تغطية أخبار الموت (إ.ب.أ)

إنه القتل الجماعي الذي لا يأتي بطريق الخطأ، وإنما بدافع العقاب.

وقال محمود بصل، المتحدث باسم جهاز الدفاع المدني بغزة، إن الاحتلال الإسرائيلي استخدم الانتقام وسيلة حقيقية خلال هذه الحرب، وقتل عوائل مقاتلين وسياسيين ومسؤولين حكوميين وصحافيين ونشطاء ومخاتير ووجهاء وغيرهم، في حرب شنعاء هدفها إقصاء هذه الفئات عن القيام بمهامها.

وأضاف: «العمليات الانتقامية كانت واضحة جداً، واستهداف العوائل والأسر والعمل على شطب العديد منها من السجل المدني، كان أهم ما يميز العدوان الحالي».

وأردف: «ما حدث ويحدث بحق العوائل جريمة مكتملة الأركان».