الوجود الأميركي في الشرق الأوسط و«ترشيق استخدام القوة»

حاملة الطائرات الأميركية تعبر مضيق هرمز نهاية الشهر الماضي في طريقها إلى الخليج ضمن الانتشار الأميركي عقب حرب غزة (أ.ب)
حاملة الطائرات الأميركية تعبر مضيق هرمز نهاية الشهر الماضي في طريقها إلى الخليج ضمن الانتشار الأميركي عقب حرب غزة (أ.ب)
TT

الوجود الأميركي في الشرق الأوسط و«ترشيق استخدام القوة»

حاملة الطائرات الأميركية تعبر مضيق هرمز نهاية الشهر الماضي في طريقها إلى الخليج ضمن الانتشار الأميركي عقب حرب غزة (أ.ب)
حاملة الطائرات الأميركية تعبر مضيق هرمز نهاية الشهر الماضي في طريقها إلى الخليج ضمن الانتشار الأميركي عقب حرب غزة (أ.ب)

قليلة هي المسائل التي تجذب انتباه القادة العرب، ممن تربطهم علاقات ودية بواشنطن، أكثر من الوجود العسكري الأميركي في المنطقة. فحتى أدنى تخفيض لهذه القوات يثير قدراً كبيراً من القلق، قد يدفعهم إلى افتراض الأسوأ بشأن نوايا الولايات المتحدة تجاه المنطقة.

لكن التقييم الهادئ للأولويات الجيو - سياسية المتغيرة لدى الولايات المتحدة، إذا ما تبعه فهم لكيفية سعي واشنطن لتعديل موقفها العسكري في المنطقة، يفترض أن يُخفف من قلق الشركاء العرب، أو على الأقل بعضهم.

وعلى رغم أن الولايات المتحدة بلغت مرحلة من الإجهاد والتعب في الشرق الأوسط؛ نظراً لتدخلاتها المكلفة في أفغانستان والعراق، فإن المحرك الأكثر قوة وراء الحد من الاستثمارات العسكرية في المنطقة يتلخص في تحديد الأولويات الاستراتيجية للولايات المتحدة على مسارح المحيطين الهندي والهادي، فضلاً عن المسرح الأوروبي.

ويتطلب كبح جماح الصين ومواجهة روسيا قدراً من الموارد أكبر مما كان مخصصاً في السابق لكل مسرح على حدة. ونظراً إلى أن موارد الولايات المتحدة محدودة، فلا بد من جلب هذه الموارد من مصادر أخرى. وبكل المقاييس الموضوعية، فإن للولايات المتحدة وجوداً ضخماً في الشرق الأوسط؛ ما يجعل المنطقة مرشحاً طبيعياً لتقليص التواجد العسكري الأميركي فيها.

وهيمنت على السياسات والمعنويات في المنطقة وجهة نظر تفيد بتخلّي الولايات المتحدة - بلا داع - عن الشرق الأوسط. لكن ذلك بلا أساس من الصحة. ولطالما تحوي المنطقة موارد طبيعية استراتيجية، بما في ذلك كميات كبيرة من النفط والغاز، ولطالما أن تصدير تلك الموارد بالغ الأهمية لرفاه الاقتصاد الدولي، فإن الولايات المتحدة سوف تُعنى بالمنطقة وسوف تُكرس مواردها للحفاظ على الاستقرار في ذلك الجزء الحيوي من العالم.

والسؤال الآن هو كيف يمكن للولايات المتحدة المحافظة على مصالحها، وتعزيز شراكاتها، والالتزام بمهمتها في تحقيق الاستقرار في المنطقة بموارد أقل.

مرحلة ترشيق استخدام القوة

لا شك أن واشنطن تأثرت بهذه المسألة على مستوى السياسات؛ فالصراع بين إسرائيل و«حماس» هو مجرد مثال على القيود المفروضة على السياسة الأميركية في الشرق الأوسط. لكن ما يبعث على التفاؤل أن وزارة الدفاع الأميركية اقترحت بعض الأفكار المبتكرة في ما يتعلق بمستقبل الوجود العسكري الأميركي في المنطقة؛ ما يقود إلى الدخول في مرحلة ترشيق استخدام القوة.

استُحدث مفهوم ترشيق استخدام القوة أو الاستخدام المرن للقوة (dynamic force employment) بصفة رسمية ضمن استراتيجية الدفاع الوطني لعام 2018. ويهدف هذا المفهوم، الذي طُبّق في منطقة الشرق الأوسط بأكثر من أي مكان آخر في الآونة الأخيرة، إلى الحد من عمليات النشر الروتينية للقوات توفيراً للمرونة وجعل تحركات القوات في وقت السلم أكثر خفة وسرعة من دون التفريط في الاستعداد القتالي.

وصرح القائد الحالي للقيادة المركزية للقوات الجوية الأميركية الفريق غريغ غيلوت بأن «نشر القوات من منطلق ديناميكي ومرن يعكس المقدرة على نقل القوة القتالية إلى مسرح العمليات في الوقت المناسب عندما يتطلب الأمر، وليس فقط في حالة الاحتياج إليها».

قناص من المارينز خلال تدريب في خليج عدن أكتوبر الماضي (القيادة المركزية الأميركية)

ويقدم هذا الاستخدام أو التوظيف حماية أكبر للقوات الأميركية من تهديدات الصواريخ والأنظمة المسيّرة الإيرانية. وفي بيان الموقف الذي أدلى به في 15 مارس (آذار) 2022، أشار القائد السابق للقيادة المركزية الأميركية الجنرال فرانك ماكنزي بصورة صحيحة إلى أن «توزيع القوات على نطاق أوسع خارج نطاقات التهديد الإيراني الأكثر أهمية لا يعزز القدرة على قابلية البقاء فحسب، وإنما يعكس أيضاً المقدرة المتزايدة لإحداث التأثير السريع في المعارك الجماعية».

هذا بالضبط ما برهنت عليه القيادة المركزية الأميركية في مقاربتها إزاء المنطقة خلال الأسابيع والأشهر القليلة الماضية. وقد رأينا الولايات المتحدة تنشر أصولاً عسكرية إضافية، بما في ذلك حاملات طائرات وسفن حربية وطائرات مقاتلة؛ بُغية التصدي للتهديدات المتزايدة التي تشكلها شبكة التهديد الإيرانية. وكان لا بد من جلب هذه الموارد من مناطق أخرى، بما في ذلك أوروبا، وحتى القواعد العسكرية في الولايات المتحدة نفسها.

ويجب ألا يؤشر «ترشيق استخدام القوة» هذا إلى أن الولايات المتحدة قد تحولت إلى اعتماد استراتيجية التوازن الخارجي، أو أنها على وشك التخلي تدريجياً عن وجودها العسكري المتقدم في منطقة الشرق الأوسط. والواقع، أن الموقف الفعال الذي يساهم في نشر مهام الردع، والطمأنينة، والتعاون الأمني لا بد وأن يشتمل على عنصر الانتشار المتقدم.

حضور فعلي لردع إيران

ولردع إيران، يجب أن يكون لدى الولايات المتحدة حضور فعلي في مسرح العمليات للتأثير على حسابات صنع القرار للقيادة في طهران و«الحرس الثوري» الإيراني. ما من شك أن قوة الردع الأميركية ضد إيران كانت موضع خلاف، بيد أن فاعليتها ستكون أقل في غياب وسائل عقاب فورية وقوية من قِبل الولايات المتحدة، والتي يمكن أن تمنع إيران من أن تحسم الوقائع بسرعة على الأرض في خضم أزمة من الأزمات.

ولطمأنة الشركاء؛ تحتاج الولايات المتحدة إلى قوة عسكرية مرئية ودائمة في المنطقة. ويشعر الشركاء الإقليميون بقدر أكبر من الاطمئنان إزاء استمرار تمركز القوات والعتاد الأميركي على أراضيهم؛ لأن ذلك يعكس مستوى معيناً من التزام الولايات المتحدة بأمنهم. ولإجراء التعاون الأمني الفعال، تحتاج الولايات المتحدة إلى قوات وأفراد مدربين في المنطقة لتقديم المشورة والمساعدة لنظرائهم. إن مشروع التعاون الأمني برمته يدور حول بناء الثقة والعلاقات الشخصية، ولا يمكن ببساطة تنفيذ ذلك عن بُعد.

من الصعب دائماً الوقوف على مقدار الوجود المتقدم اللازم لمتابعة هذه المهام الثلاث بصورة فاعلة. ويتعين على المرء أيضاً إدراك أنه عندما يتعلق الأمر بالموقف، فهناك توتر كامن ما بين الردع، والطمأنينة، والتعاون الأمني.

في حين أن التعاون الأمني لا يحتاج إلى تواجد كبير للولايات المتحدة - فهو يحتاج إلى النوع المناسب من الأفراد في الأماكن المناسبة أكثر من أي شيء آخر - فإن الشركاء يُفضلون دائماً وجوداً قوياً وكبيراً. أما بخصوص مسألة الردع، فقد بات من المُحال تقريباً معرفة إلى أي مدى قد تكون قوة النيران الأميركية كافية لتحقيق الفاعلية؛ ذلك لأن هذا المفهوم في حد ذاته يصعب قياسه وتقييمه لكونه يعتمد على العديد من المتغيرات الأخرى، بما في ذلك المصداقية والاتساق، ولأن إيران تعمل على نحو مستمر وثابت بأدنى من عتبة الحرب.

من المفترض أن يوازن «ترشيق استخدام القوة» بطريقة ذكية بين جميع المهام الثلاث عبر الحفاظ على وجود متقدم مع إعطاء أهمية أكبر للحفاظ على إمكانية الوصول والاستثمار في التكيف وبناء المرونة. وهذا الأمر يُشكل تحدياً خاصاً؛ لأن الشركاء الإقليميين قد يقرّرون الحد من وصول الولايات المتحدة إلى المنطقة إذا رأوا أن واشنطن تواصل تخفيض وجودها الفعلي بصورة أكبر.

يكتسب الوصول إلى هذه المناطق أهمية أكبر بالنسبة للولايات المتحدة مع تزايد التوترات مع إيران وتزايد احتمالات نشوب حرب. تتطلب اللحظات القليلة الأولى من المواجهة المحتملة، أو حتى الأزمة العسكرية بين الولايات المتحدة وإيران، توافر درجة عالية من المرونة العملياتية الأميركية، والتي لا يمكن تمكينها إلا من خلال سهولة الوصول.

في خاتمة المطاف، لا بد وأن تكون أي مناقشة لموقف الولايات المتحدة، سواء في الشرق الأوسط أو أي مكان آخر، مستنيرة أولاً وقبل كل شيء بالاستراتيجية. إذ إن الاستراتيجية تقود الموقف، وليس العكس. ولا جدوى من مناقشة أعداد القوات والإمكانات الأميركية في الشرق الأوسط إذا لم يكن لدى واشنطن فكرة واضحة عن الأهداف التي تريد تحقيقها بهذه القوات والإمكانات.

ولكن، حتى عندما تحين لحظة الوضوح هذه في استراتيجية الولايات المتحدة إزاء الشرق الأوسط، يتعين على واشنطن أن تتذكر دائماً أن الشركاء الإقليميين لهم حق التصويت. ومن دون إذنهم وإتاحة الوصول من طرفهم، لن يكون بوسع الولايات المتحدة أن تصنع الكثير في الشرق الأوسط.


مقالات ذات صلة

نقلة نوعية للاقتصاد الرقمي السعودي في 2024

خاص السعودية تعزز ريادة الأعمال والاقتصاد الرقمي في قطاع الاتصالات والمعلومات (الشرق الأوسط)

نقلة نوعية للاقتصاد الرقمي السعودي في 2024

ما لا شك فيه أن الفرص السانحة في المملكة العربية السعودية لا تعد ولا تحصى، إلا أن التوجهات التي سترسم ملامح عام 2024، وما بعده ستتخطى التقنيات والحلول الجديدة.

إياد مرعي
خاص أهم 6 توجهات لتقنيات «ويب 3.0» و«بلوك تشين» والعملات الرقمية

خاص أهم 6 توجهات لتقنيات «ويب 3.0» و«بلوك تشين» والعملات الرقمية

خوارزميات الـ«بلوك تشين» يمكن استخدامها لتعزيز أمان الشبكات والمساعدة في اكتشاف مشكلات الأمان المحتملة بشكل أكثر كفاءة من المنهجيات التقليدية.

بن تشو
خاص ثورة المدفوعات الرقمية  في السعودية تعزز فرص التجارة الإلكترونية

خاص ثورة المدفوعات الرقمية في السعودية تعزز فرص التجارة الإلكترونية

يشكّل التحول نحو وسائل الدفع الرقمية محفزاً لتحول أوسع في قطاعات التجارة الإلكترونية والخدمات اللوجيستية في المملكة العربية السعودية.

إيمان الغامدي
خاص الاتصالات المعزَّزة تعد بنقلة في قطاع السيارات

خاص الاتصالات المعزَّزة تعد بنقلة في قطاع السيارات

تواجه مسألة التحضُّر المدني والنمو الاقتصادي السريع في العصر الحالي عدّة تحدّيات رئيسية، من أبرزها الازدحام المروري الخانق الذي تتسبّب به الزيادة السكانية.

لويس دي لا كروز
خاص بزوغ عصر اقتصاد التجربة مدعوماً بالذكاء الاصطناعي

خاص بزوغ عصر اقتصاد التجربة مدعوماً بالذكاء الاصطناعي

في حين يقف العالم على أبواب مرحلة اقتصادية جديدة حافلة بالفرص والتحديات على كل المستويات، بدأت ملامح «اقتصاد التجربة Experience Economy» في الاكتمال في عدد من…

نضال أبو لطيف

واشنطن واستراتيجية الـ«لا استراتيجية» في الشرق الأوسط

بايدن مع بنيامين نتنياهو خلال زيارته التضامنية لإسرائيل في 18 أكتوبر (د.ب.أ)
بايدن مع بنيامين نتنياهو خلال زيارته التضامنية لإسرائيل في 18 أكتوبر (د.ب.أ)
TT

واشنطن واستراتيجية الـ«لا استراتيجية» في الشرق الأوسط

بايدن مع بنيامين نتنياهو خلال زيارته التضامنية لإسرائيل في 18 أكتوبر (د.ب.أ)
بايدن مع بنيامين نتنياهو خلال زيارته التضامنية لإسرائيل في 18 أكتوبر (د.ب.أ)

بعد عام على هجمات 7 أكتوبر (تشرين الأول)، تتخبط منطقة الشرق الأوسط في موجة تصعيد مستمر، من دون أي بوادر حلحلة في الأفق. فمن الواضح أن إسرائيل مصرة على الخيارات العسكرية التصعيدية، ضاربة بعرض الحائط كل المبادرات الدولية للتهدئة، ومن الواضح أيضاً أن الولايات المتحدة وإدارة الرئيس جو بايدن، إما عاجزتان عن التأثير على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وإما غير مستعدتين لممارسة ضغوطات كافية عليه للتجاوب مع دعواتها لوقف التصعيد. هذا في وقت تعيش فيه الولايات المتحدة موسماً انتخاباً ساخناً تتمحور فيه القرارات حول كيفية تأثيرها على السباق الرئاسي.

السؤال الأبرز المطروح حالياً هو عما إذا كان هناك استراتيجية أميركية ما حيال ملف الشرق الأوسط، انطلاقاً من الحرب الدائرة منذ عام. فقد واجهت الإدارة الحالية انتقادات حادة بسبب غياب منطقة الشرق الأوسط عن لائحة أولوياتها منذ تسلم بايدن السلطة. ولكن الأمور منذ 7 أكتوبر 2023 تغيرت جذرياً.

تحدثت «الشرق الأوسط» إلى غيث العمري، المستشار السابق لفريق المفاوضات الفلسطيني خلال محادثات الوضع الدائم وكبير الباحثين في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، الذي رأى أن الإدارة الأميركية سعت فعلياً إلى عدم إعطاء الأولوية لمنطقة الشرق الأوسط، وحوّلت تركيزها ومواردها إلى أولويات أخرى. ويقول العمري: «جاءت هجمات 7 أكتوبر لتفاجئ الولايات المتحدة التي لم تكن مستعدة لها، والتي افتقرت لما يلزم لمواجهة أزمة بهذا الحجم». ويرى العمري أن الولايات المتحدة اعتمدت منذ السابع من أكتوبر وحتى تاريخنا هذا على سياسة «مجزأة مبنية على رد الفعل»، مضيفاً: «إنها لم تتمكن من رسم المشهد الاستراتيجي أو ممارسة النفوذ على حلفائها الإقليميين».

امرأة تعرض صورة لجنود إسرائيليين بعد استعادتهم لموقع كفرعزّة إثر هجمات 7 أكتوبر 2023 (د.ب.أ)

تحدثت «الشرق الأوسط» أيضاً إلى جون الترمان، المسؤول السابق في وزارة الخارجية ومدير برنامج الشرق الأوسط في معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية، فقال: «فشلت إدارة بايدن بالتأكيد في تحقيق العديد من أهدافها في العام الماضي، ولكن في الوقت نفسه لم تندلع حرب إقليمية كبيرة بعد». ويعرب الترمان عن «دهشته» من أنه ورغم «الإخفاقات»، فإن الولايات المتحدة «لا تزال هي النقطة المحورية للدبلوماسية الإقليمية».

وفيما تدافع إدارة بايدن عن أدائها بالقول إنها أظهرت الردع من خلال إرسال تعزيزات أميركية إلى المنطقة، إلا أن العمري يختلف مع هذه المقاربة، لافتاً إلى أن نشر هذه الأصول العسكرية ربما ساهم في المراحل المبكرة من الحرب «في ردع إيران و(حزب الله) من الانخراط في تصعيد كبير، إلا أنه فشل في ردعهما إلى جانب وكلائهما كالحوثيين من الانخراط في أنشطة خبيثة على مستوى منخفض». وأضاف: «لقد تسبب ذلك في زيادة الضغط، وأدى في النهاية إلى انتقال الحرب إلى لبنان وربما مناطق أخرى».

الدبلوماسية «هي الحل»

في خضم التصعيد، تبقى إدارة بايدن مصرة على تكرار التصريحات نفسها من أن الحل الدبلوماسي هو الحل الوحيد، محذرة من توسع رقعة الصراع في المنطقة. وعن ذلك يقول الترمان إن بايدن يريد حلولاً دبلوماسية؛ «لأن الحلول العسكرية تتطلب هزيمة شاملة لأحد الأطراف. ونظراً للرّهانات العالية لكلا الجانبين، فإن الحل العسكري بعيد المنال، وسينجم عنه المزيد من الموت والدمار أكثر بكثير مما شهدناه حتى الآن».

أما العمري فيرى أن التركيز على الدبلوماسية هو أمر مناسب؛ لأنه «في نهاية المطاف، تنتهي الحروب وستكون هناك حاجة إلى حل دبلوماسي»، مضيفاً: «عندما يأتي (اليوم التالي)، يجب أن تكون الأسس لترتيبات دبلوماسية جاهزة».

إلا أن العمري يحذر في الوقت نفسه من أن الدبلوماسية وحدها غير كافية إذا لم تكن مدعومة بقوة واضحة، بما في ذلك القوة العسكرية، ويفسر ذلك قائلاً: «إذا لم تتمكن الولايات المتحدة من إقناع خصومها بأنها مستعدة لاستخدام قوتها لإيذائهم، وحلفائها بأنها مستعدة لفعل ما يلزم لمساعدتهم، فإن نفوذها تجاه الطرفين سيكون محدوداً».

تجميد الأسلحة لإسرائيل

سقوط أعداد هائلة من المدنيين في حربي غزة ولبنان منذ بدء العمليات الإسرائيلية للرد على هجمات 7 أكتوبر 2023، دفع الكثيرين إلى دعوة بايدن لوضع قيود على الأسلحة الأميركية لإسرائيل، بهدف ممارسة نوع من الضغوط على نتنياهو لوقف التصعيد، لكن الترمان يرفض النظرة القائلة بأن تجميد الأسلحة سيمهد للحل، ويفسر قائلاً: «إذا اعتمدت إدارة بايدن هذه المقاربة، أتوقع أن يعترض الكونغرس بشدة، وقد تكون النتيجة عرضاً للضعف والهشاشة في سياسة البيت الأبيض، بدلاً من صورة تقديم حلول». ويحذّر الترمان من أن خطوة من هذا النوع من شأنها كذلك أن تدفع إسرائيل إلى «الشعور بمزيد من العزلة التي قد تولّد بالتالي شعوراً أكبر بعدم الالتزام بأي قيود».

الرئيس الأميركي جو بايدن خارجاً من البيت الأبيض ليستقل الطائرة إلى نيويورك (أ.ب)

ويوافق العمري مع هذه المقاربة، مشيراً إلى أنه «من غير الواضح أن أي وسيلة ضغط ستنجح»، فيقول: «إسرائيل تشعر بأنها مهددة وجودياً، مما يجعلها أقل استعداداً لتقبل أي تأثير خارجي». ويوفر العمري نظرة شاملة عن مقاربة الإدارة الأميركية في غزة ولبنان التي تحد من الضغوط التي ترغب في ممارستها على إسرائيل، فيفسر قائلاً: «رغم أن الولايات المتحدة غير راضية عن بعض جوانب سير الحرب، خصوصاً فيما يتعلق بالخسائر البشرية بين المدنيين، فإنها تدعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها بعد السابع من أكتوبر». لهذا السبب يشير العمري إلى أن الولايات المتحدة تحتاج إلى تحقيق توازن في الضغط بطرق يمكن أن تغير سلوك إسرائيل «دون تقييد قدرتها على تحقيق الهدف المشروع المتمثل في هزيمة (حماس)»، مضيفاً: «هذا التوازن ليس سهلاً».

بالإضافة إلى ذلك، يذكّر العمري بطبيعة العلاقة التاريخية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، والتي «تتجاوز القضية الإسرائيلية - الفلسطينية»، فيقول: «الولايات المتحدة تستفيد استراتيجياً من هذه العلاقة، بما في ذلك الفوائد المتعلقة بالتهديدات الإقليمية الأخرى مثل الأنشطة الإيرانية. وبذلك، فإن الولايات المتحدة لديها مصالحها الاستراتيجية الخاصة التي يجب أن تُؤخذ بعين الاعتبار».

أي حل في نهاية النفق

رغم التصعيد المستمر، تعمل الولايات المتحدة على بناء استراتيجية تضمن عدم خروج الأمور عن السيطرة، ودخول إيران على خط المواجهة، ويشدد العمري على أن «الأولوية الآن هي ضمان بقاء إيران خارج هذه الحرب»، مشيراً إلى أن هذا الأمر ضروري للحد من انتشار الصراع، و«لإضعاف مصداقية إيران الإقليمية ونفوذها مع وكلائها»، لكنه يرى في الوقت نفسه أنه «لا يمكن تحقيق مثل هذه النتيجة إلا إذا كانت إيران مقتنعة بأن الولايات المتحدة مستعدة لاستخدام العمل العسكري».

عنصران من الدفاع المدني الفلسطيني في دير البلح في غزة (أ.ف.ب)

أما الترمان الذي يؤكد ضرورة استمرار الولايات المتحدة «في تقديم مسار للمضي قدماً لجميع الأطراف»، فيحذّر من أن هذا لا يعني أنها يجب أن «تحمي الأطراف من العواقب الناجمة عن أفعالهم»، ويختم قائلاً: «هناك مفهوم يسمى (الخطر الأخلاقي)، يعني أن الناس يميلون إلى اتخاذ سلوكيات أكثر خطورة إذا اعتقدوا أن الآخرين سيحمونهم من الخسارة».

عاجل «إف.بي.آي» يحبط خطة إيرانية لاستئجار قاتل لاغتيال ترمب (أسوشييتد برس)