السعودية 2024... توقعات إيجابية تدعمها إرادة سياسية وقدرة اقتصادية

ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الكوري الجنوبي يحضران إحدى جلسات منتدى «مبادرة مستقبل الاستثمار» (واس)
ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الكوري الجنوبي يحضران إحدى جلسات منتدى «مبادرة مستقبل الاستثمار» (واس)
TT

السعودية 2024... توقعات إيجابية تدعمها إرادة سياسية وقدرة اقتصادية

ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الكوري الجنوبي يحضران إحدى جلسات منتدى «مبادرة مستقبل الاستثمار» (واس)
ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الكوري الجنوبي يحضران إحدى جلسات منتدى «مبادرة مستقبل الاستثمار» (واس)

في عالم تزيد فيه حالة عدم التيقن يوماً بعد يوم، تبقى الثوابت هي المستند الرئيسي لاستشراف المستقبل القريب، هذه الثوابت هي العوامل التي ترتكز عليها التوقعات المستقبلية، ويمكن اختصارها في ثلاثة عوامل: الأول هو الإرادة السياسية، وهي المحرك الأول لتوجهات الدول، وما تريد أن تصل إليه.

الثاني هو القدرة الاقتصادية، وهي الممكّن الذي يعين الدول على تنفيذ إرادتها السياسية، والأداة التي تسهم في تحويل الخطط إلى واقع ملموس.

أما الثالث فهو التغيّرات العالمية، وهي العوامل التي تؤثر في تنفيذ هذه الخطط سلباً أو إيجاباً، وهي أكبر مسبب لحالة عدم التيقن تجاه التوقعات المستقبلية، وتلعب سياسة الدول دوراً جوهرياً في تحديد ذلك. وعند تطبيق هذه النظرة على المملكة العربية السعودية، يمكن توقع ما سيكون عليه العام المقبل.

السعودية في 2023

البداية مع الإرادة السياسية، فعلى المستوى الداخلي، لا تزال المملكة ماضية في تنفيذ «رؤيتها الطموحة 2030»، ويدعمها في ذلك تحقيق كثير من المبادرات لمستهدفاتها بشكل مبكّر. ولا شك أن كثيراً من هذه المبادرات بدأت تؤتي أكلها، لا سيما تلك التي بدأت مبكراً لإعادة هيكلة بعض قطاعات الدولة.

ولم تقف المملكة عند برامجها التي أطلقتها مع بواكير رؤيتها، فاستمرت في إطلاق مبادرات ومشاريع عديدة استهدفت قطاعات كالسياحة والترفيه والرياضة، والأخير تحديداً بيّن مدى تأثير إرادة الدولة في تحويل الخطط إلى واقع، ففي غضون أعوام قليلة سرق الدوري السعودي لكرة القدم الأضواء من الدوريات العالمية الكبرى، وأصبح محط أنظار العالم بعد هيكلة القطاع الرياضي وتفعيل دور القطاع الخاص في المنظومة الرياضية.

ولكون «الرؤية» شاملة لجميع القطاعات الحيوية، ظهرت تقاطعات مشاريع «الرؤية» ودعم بعضها لبعض، فعلى سبيل المثال، اتضح أن القطاع السياحي بحاجة إلى تدعيم لوجيستي، فأطلق صندوق الاستثمارات العامة شركة «طيران الرياض» لتسهم في تحقيق مستهدفات القطاع السياحي، والأمر ينطبق على تقاطعات كثيرة بين برامج «الرؤية». ويسهم في زيادة فعالية هذه القطاعات إشراف القيادة العليا في المملكة على الاستراتيجيات الوطنية، بما يضمن تكامل الأعمال والبعد عن الازدواجية.

كما ظهر أثر الإرادة السياسية في المملكة من خلال علاقاتها الخارجية مع الدول، فمنذ أعوام مدَّت المملكة جسور التواصل مع دول العالم تحت شعار المصالح المشتركة وتبادل القيم، وفي حين اختتم عام 2022 بزيارة الرئيس الصيني للرياض، امتدت هذه الزيارات عالية المستوى لعام 2023، فشهدت المملكة عدداً من قمم القادة، مثل: القمة السعودية الأفريقية، وقمة دول الخليج ودول الآسيان، والقمة السعودية الكاريبية، والقمة العربية، والقمة الإسلامية.

القادة ورؤساء الحكومات المشاركون في القمة العربية - الإسلامية بالرياض (أ.ف.ب)

وتنوعت أهداف هذه القمم بين الجوانب السياسية والاقتصادية والثقافية، والأسلوب المشترك فيها أن المملكة تعمل مع جميع الدول ذات الاهتمام المشترك والمصالح المتبادلة.

كما شاركت المملكة كذلك في قمم عالمية، أبرزها قمة العشرين التي أقيمت في الهند، والقمة من أجل ميثاق مالي جديد في باريس. وتبيّنت بعض آثار هذه الجهود والزيارات الدولية من خلال فوز المملكة بتنظيم معرض «إكسبو 2030» بعد أن جمعت المملكة أصوات غالبية الدول، مسخّرة قوة علاقاتها مع دول العالم.

القدرة الاقتصادية

العامل الثاني هو القدرة الاقتصادية التي قد تمثلها الميزانية العامة للعام القادم، فقد استمرت المملكة في سياساتها الإنفاقية التوسعية، ورصدت ميزانية فاقت 1.2 تريليون ريال، مع اتباعها سيناريوهات متحفظة من ناحية الإيرادات. ولم يزد العجز في الميزانية العامة للدولة على 2 في المائة، واستمرت الحكومة في تمويل قطاعاتها دون تغيير جذري يذكر، بما يضمن استمرارية الاستراتيجيات القطاعية للدولة، وبما يتوافق مع المتغيرات المحيطة بها.

وبينما انخفضت الإيرادات النفطية بسبب سياسة «أوبك» الاستباقية للحفاظ على استقرار أسواق النفط، استمرت الإيرادات غير النفطية في الازدياد لتصل إلى 441 مليار ريال، لتشكل نحو 37 في المائة من إيرادات الدولة، بعد أن كانت هذه النسبة نحو 32.5 في المائة عام 2018.

واستمرار المملكة في إنفاقها في الميزانية العامة دليل على أمرين: الأول، هو ثقتها بمتانة اقتصادها وقدرتها على الإيفاء بهذا الإنفاق التوسعي دون الإضرار بمعدل الدين للناتج الإجمالي العام ودون الإخلال باحتياطياتها، والثاني، هو مُضيّها في برامج «الرؤية الطموحة» وثقتها بنتائجها الإيجابية المستقبلية على الاقتصاد الوطني.

التغيرات العالمية

العامل الثالث هو التغيرات العالمية التي قد تشكل إما مخاطر وإما فرصاً للمملكة، هذه التغيرات قد تكون جيوسياسية، كاستمرار الحرب الروسية الأوكرانية، التي تؤثر على استقرار أسعار النفط، أو التغيرات في العدوان الإسرائيلي على غزة الذي يؤثر على المنطقة بشكل عام، أو الهجمات الحوثية التخريبية على حركة الملاحة في البحر الأحمر.

كما يمكن أن تتمثل هذه التغيرات في وضع الاقتصاد العالمي، فلا يزال الاقتصاد العالمي يشهد تباطؤاً بفعل عوامل مثل التضخم، والسياسة النقدية المتشددة التي اتخذتها البنوك المركزية للحد منه، وتبعات الجائحة التي أثرت على سلاسل التوريد العالمية.

السعودية 2024

تغلب الإيجابية على التوقعات العامة للاقتصاد السعودي للعام القادم، فتوقعت «فيتش» أن ينمو الاقتصاد السعودي بين 2.6 و3.3 في المائة، وتوقعت «مودي» أن يكون النمو بنحو 4.6 في المائة، ورفع صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو المملكة في فترة قليلة لتصبح 4 في المائة، وأشارت التقديرات التي ذكرتها وزارة المالية في البيان التمهيدي للميزانية العام إلى أن تقديرات نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 4.4 في المائة.

هذه التوقعات مدفوعة بعدد من العوامل المرتبطة بأحداث عام 2023، وبالسياسة العامة للمملكة. فإيرادات المملكة ارتفعت في هذا العام رغم خفضها لإنتاج النفط مدفوعة بارتفاع الإيرادات غير النفطية، ويتوقع أن تستمر هذه الإيرادات في الارتفاع العام القادم، كما ارتفعت في الأعوام الخمسة الماضية.

وسبب هذا الارتفاع هو ازدياد نشاط القطاع الخاص الذي يشجعه عدد من الإجراءات الحكومية، وبرامج «الرؤية». ويقلل هذا التوجه للحكومة السعودية من المخاطر والتقلبات التي قد تشهدها أسواق النفط العالمية، وهو في الأساس أحد أكبر محاور «الرؤية» التي تهدف إلى تنويع مصادر الدخل لضمان استدامة النمو والتنمية في المملكة.

وتعكس أحداث عام 2023 عدداً من التوقعات، فعلى سبيل المثال، من غير المستغرب أن تطلق السعودية عدداً من المشاريع المرتبطة بتنظيمها لـ«إكسبو 2030»، وقد يكون ذلك بتحديد موقع إقامة الحدث، وبدء الفعاليات المرتبطة به، كالمؤتمرات والمعارض والخطط الاستراتيجية، وقد يمتد ذلك إلى إنشاء جهة حكومية متخصصة تشرف على هذه الفعالية المهمة التي سعت حكومة المملكة إلى استضافتها.

كذلك، فمن المتوقع أن تحدث تغييرات في القطاع الرياضي في المملكة العام المقبل، فكما بدأت السعودية في تخصيص أنديتها بنقل ملكية 4 أندية لصندوق الاستثمارات العامة، قد يستمر ذلك العام المقبل بانتقال ملكية عدد أكبر من الأندية لكبريات الشركات السعودية.

كما يتوقع أن يزيد رتم العمل في وزارة الرياضة ضمن الإعلان المتوقع لاستضافة المملكة كأس العالم 2034، وذلك بتقديم ملف الاستضافة الذي قد يشمل إنشاء ملاعب جديدة وبنى تحتية لضمان استضافة متميزة، وللارتقاء بالقطاع الرياضي بما يتناسب مع الطموحات العالية بشأنه.

وبين استضافتي «إكسبو 2030» وكأس العالم 2034، يتوقع الإعلان عن مشاريع بنى تحتية متعددة، سواء في مدينة الرياض التي تشهد بالفعل عدداً كبيراً من مشاريع البنى التحتية، مثل مطار الملك سلمان، ومشروعي القدية وحديقة الملك سلمان، وغيرها من المشروعات الضخمة، أو في غيرها من مدن المملكة التي قد تلعب دوراً مهماً؛ لا سيما في تنظيم كأس العالم.

والمتابع لمشاريع «رؤية المملكة 2030» يرى أنها بدأت بعدد من المشاريع الطموحة، مثل: «نيوم، والبحر الأحمر، وآمالا، والقدية»، وقد بدأت بإطلاق عدد من المشروعات في مدينة الرياض في بدايات «الرؤية»، واستمرت بعدها في إطلاق مشاريع في مدن أخرى، مثل مشروع وسط جدة، أو رؤى المدينة المنورة، أو مشروعي السودة ومطار أبها.

وقد يدل ذلك على مزيد من المشاريع في مدن أخرى بالمملكة، سواء كانت هذه المشروعات لبنى تحتية، أو لمشاريع تخصصية، كما هي الحال في المشاريع الزراعية المرتبطة بمدن ذات خصائص جغرافية وبيئية معينة. ويعني ذلك أن العام القادم هو استمرار -بمشيئة الله- لـ«رؤية المملكة 2030» لتضمين عدد أكبر من المدن السعودية ضمن مشروعها الشمولي، بما يتوافق مع خصائص هذه المدن الثقافية والجغرافية.

مرونة المملكة

لقد أظهرت المملكة في الأعوام السابقة مرونتها في التعامل مع الأحداث الاقتصادية والسياسية، فلم تتأثر بالتضخم الناتج عن الجائحة كغيرها من الدول، واستطاعت تفادي الآثار السلبية للنزاعات الجيوسياسية العالمية، بل أطلقت مبادرات عالمية تهدف إلى التعامل مع نتائج هذه الأحداث، كما فعلت في مبادراتها لسلاسل الإمداد العالمية.

ومن غير المستغرب أن يستمر هذا النهج العام المقبل، بالتحوط من أي تغيرات قد تؤثر سلباً على مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية، واستثمار متانة اقتصادها وعلاقتها مع الدول في الوصول إلى حلول تفضي إلى الازدهار، كل ذلك دون التخلي عن مشروعها الوطني الذي يهدف إلى الارتقاء بقطاعاتها الاستراتيجية والحيوية.


مقالات ذات صلة

نقلة نوعية للاقتصاد الرقمي السعودي في 2024

خاص السعودية تعزز ريادة الأعمال والاقتصاد الرقمي في قطاع الاتصالات والمعلومات (الشرق الأوسط)

نقلة نوعية للاقتصاد الرقمي السعودي في 2024

ما لا شك فيه أن الفرص السانحة في المملكة العربية السعودية لا تعد ولا تحصى، إلا أن التوجهات التي سترسم ملامح عام 2024، وما بعده ستتخطى التقنيات والحلول الجديدة.

إياد مرعي
خاص أهم 6 توجهات لتقنيات «ويب 3.0» و«بلوك تشين» والعملات الرقمية

خاص أهم 6 توجهات لتقنيات «ويب 3.0» و«بلوك تشين» والعملات الرقمية

خوارزميات الـ«بلوك تشين» يمكن استخدامها لتعزيز أمان الشبكات والمساعدة في اكتشاف مشكلات الأمان المحتملة بشكل أكثر كفاءة من المنهجيات التقليدية.

بن تشو
خاص ثورة المدفوعات الرقمية  في السعودية تعزز فرص التجارة الإلكترونية

خاص ثورة المدفوعات الرقمية في السعودية تعزز فرص التجارة الإلكترونية

يشكّل التحول نحو وسائل الدفع الرقمية محفزاً لتحول أوسع في قطاعات التجارة الإلكترونية والخدمات اللوجيستية في المملكة العربية السعودية.

إيمان الغامدي
خاص الاتصالات المعزَّزة تعد بنقلة في قطاع السيارات

خاص الاتصالات المعزَّزة تعد بنقلة في قطاع السيارات

تواجه مسألة التحضُّر المدني والنمو الاقتصادي السريع في العصر الحالي عدّة تحدّيات رئيسية، من أبرزها الازدحام المروري الخانق الذي تتسبّب به الزيادة السكانية.

لويس دي لا كروز
خاص بزوغ عصر اقتصاد التجربة مدعوماً بالذكاء الاصطناعي

خاص بزوغ عصر اقتصاد التجربة مدعوماً بالذكاء الاصطناعي

في حين يقف العالم على أبواب مرحلة اقتصادية جديدة حافلة بالفرص والتحديات على كل المستويات، بدأت ملامح «اقتصاد التجربة Experience Economy» في الاكتمال في عدد من…

نضال أبو لطيف

واشنطن واستراتيجية الـ«لا استراتيجية» في الشرق الأوسط

بايدن مع بنيامين نتنياهو خلال زيارته التضامنية لإسرائيل في 18 أكتوبر (د.ب.أ)
بايدن مع بنيامين نتنياهو خلال زيارته التضامنية لإسرائيل في 18 أكتوبر (د.ب.أ)
TT

واشنطن واستراتيجية الـ«لا استراتيجية» في الشرق الأوسط

بايدن مع بنيامين نتنياهو خلال زيارته التضامنية لإسرائيل في 18 أكتوبر (د.ب.أ)
بايدن مع بنيامين نتنياهو خلال زيارته التضامنية لإسرائيل في 18 أكتوبر (د.ب.أ)

بعد عام على هجمات 7 أكتوبر (تشرين الأول)، تتخبط منطقة الشرق الأوسط في موجة تصعيد مستمر، من دون أي بوادر حلحلة في الأفق. فمن الواضح أن إسرائيل مصرة على الخيارات العسكرية التصعيدية، ضاربة بعرض الحائط كل المبادرات الدولية للتهدئة، ومن الواضح أيضاً أن الولايات المتحدة وإدارة الرئيس جو بايدن، إما عاجزتان عن التأثير على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وإما غير مستعدتين لممارسة ضغوطات كافية عليه للتجاوب مع دعواتها لوقف التصعيد. هذا في وقت تعيش فيه الولايات المتحدة موسماً انتخاباً ساخناً تتمحور فيه القرارات حول كيفية تأثيرها على السباق الرئاسي.

السؤال الأبرز المطروح حالياً هو عما إذا كان هناك استراتيجية أميركية ما حيال ملف الشرق الأوسط، انطلاقاً من الحرب الدائرة منذ عام. فقد واجهت الإدارة الحالية انتقادات حادة بسبب غياب منطقة الشرق الأوسط عن لائحة أولوياتها منذ تسلم بايدن السلطة. ولكن الأمور منذ 7 أكتوبر 2023 تغيرت جذرياً.

تحدثت «الشرق الأوسط» إلى غيث العمري، المستشار السابق لفريق المفاوضات الفلسطيني خلال محادثات الوضع الدائم وكبير الباحثين في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، الذي رأى أن الإدارة الأميركية سعت فعلياً إلى عدم إعطاء الأولوية لمنطقة الشرق الأوسط، وحوّلت تركيزها ومواردها إلى أولويات أخرى. ويقول العمري: «جاءت هجمات 7 أكتوبر لتفاجئ الولايات المتحدة التي لم تكن مستعدة لها، والتي افتقرت لما يلزم لمواجهة أزمة بهذا الحجم». ويرى العمري أن الولايات المتحدة اعتمدت منذ السابع من أكتوبر وحتى تاريخنا هذا على سياسة «مجزأة مبنية على رد الفعل»، مضيفاً: «إنها لم تتمكن من رسم المشهد الاستراتيجي أو ممارسة النفوذ على حلفائها الإقليميين».

امرأة تعرض صورة لجنود إسرائيليين بعد استعادتهم لموقع كفرعزّة إثر هجمات 7 أكتوبر 2023 (د.ب.أ)

تحدثت «الشرق الأوسط» أيضاً إلى جون الترمان، المسؤول السابق في وزارة الخارجية ومدير برنامج الشرق الأوسط في معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية، فقال: «فشلت إدارة بايدن بالتأكيد في تحقيق العديد من أهدافها في العام الماضي، ولكن في الوقت نفسه لم تندلع حرب إقليمية كبيرة بعد». ويعرب الترمان عن «دهشته» من أنه ورغم «الإخفاقات»، فإن الولايات المتحدة «لا تزال هي النقطة المحورية للدبلوماسية الإقليمية».

وفيما تدافع إدارة بايدن عن أدائها بالقول إنها أظهرت الردع من خلال إرسال تعزيزات أميركية إلى المنطقة، إلا أن العمري يختلف مع هذه المقاربة، لافتاً إلى أن نشر هذه الأصول العسكرية ربما ساهم في المراحل المبكرة من الحرب «في ردع إيران و(حزب الله) من الانخراط في تصعيد كبير، إلا أنه فشل في ردعهما إلى جانب وكلائهما كالحوثيين من الانخراط في أنشطة خبيثة على مستوى منخفض». وأضاف: «لقد تسبب ذلك في زيادة الضغط، وأدى في النهاية إلى انتقال الحرب إلى لبنان وربما مناطق أخرى».

الدبلوماسية «هي الحل»

في خضم التصعيد، تبقى إدارة بايدن مصرة على تكرار التصريحات نفسها من أن الحل الدبلوماسي هو الحل الوحيد، محذرة من توسع رقعة الصراع في المنطقة. وعن ذلك يقول الترمان إن بايدن يريد حلولاً دبلوماسية؛ «لأن الحلول العسكرية تتطلب هزيمة شاملة لأحد الأطراف. ونظراً للرّهانات العالية لكلا الجانبين، فإن الحل العسكري بعيد المنال، وسينجم عنه المزيد من الموت والدمار أكثر بكثير مما شهدناه حتى الآن».

أما العمري فيرى أن التركيز على الدبلوماسية هو أمر مناسب؛ لأنه «في نهاية المطاف، تنتهي الحروب وستكون هناك حاجة إلى حل دبلوماسي»، مضيفاً: «عندما يأتي (اليوم التالي)، يجب أن تكون الأسس لترتيبات دبلوماسية جاهزة».

إلا أن العمري يحذر في الوقت نفسه من أن الدبلوماسية وحدها غير كافية إذا لم تكن مدعومة بقوة واضحة، بما في ذلك القوة العسكرية، ويفسر ذلك قائلاً: «إذا لم تتمكن الولايات المتحدة من إقناع خصومها بأنها مستعدة لاستخدام قوتها لإيذائهم، وحلفائها بأنها مستعدة لفعل ما يلزم لمساعدتهم، فإن نفوذها تجاه الطرفين سيكون محدوداً».

تجميد الأسلحة لإسرائيل

سقوط أعداد هائلة من المدنيين في حربي غزة ولبنان منذ بدء العمليات الإسرائيلية للرد على هجمات 7 أكتوبر 2023، دفع الكثيرين إلى دعوة بايدن لوضع قيود على الأسلحة الأميركية لإسرائيل، بهدف ممارسة نوع من الضغوط على نتنياهو لوقف التصعيد، لكن الترمان يرفض النظرة القائلة بأن تجميد الأسلحة سيمهد للحل، ويفسر قائلاً: «إذا اعتمدت إدارة بايدن هذه المقاربة، أتوقع أن يعترض الكونغرس بشدة، وقد تكون النتيجة عرضاً للضعف والهشاشة في سياسة البيت الأبيض، بدلاً من صورة تقديم حلول». ويحذّر الترمان من أن خطوة من هذا النوع من شأنها كذلك أن تدفع إسرائيل إلى «الشعور بمزيد من العزلة التي قد تولّد بالتالي شعوراً أكبر بعدم الالتزام بأي قيود».

الرئيس الأميركي جو بايدن خارجاً من البيت الأبيض ليستقل الطائرة إلى نيويورك (أ.ب)

ويوافق العمري مع هذه المقاربة، مشيراً إلى أنه «من غير الواضح أن أي وسيلة ضغط ستنجح»، فيقول: «إسرائيل تشعر بأنها مهددة وجودياً، مما يجعلها أقل استعداداً لتقبل أي تأثير خارجي». ويوفر العمري نظرة شاملة عن مقاربة الإدارة الأميركية في غزة ولبنان التي تحد من الضغوط التي ترغب في ممارستها على إسرائيل، فيفسر قائلاً: «رغم أن الولايات المتحدة غير راضية عن بعض جوانب سير الحرب، خصوصاً فيما يتعلق بالخسائر البشرية بين المدنيين، فإنها تدعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها بعد السابع من أكتوبر». لهذا السبب يشير العمري إلى أن الولايات المتحدة تحتاج إلى تحقيق توازن في الضغط بطرق يمكن أن تغير سلوك إسرائيل «دون تقييد قدرتها على تحقيق الهدف المشروع المتمثل في هزيمة (حماس)»، مضيفاً: «هذا التوازن ليس سهلاً».

بالإضافة إلى ذلك، يذكّر العمري بطبيعة العلاقة التاريخية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، والتي «تتجاوز القضية الإسرائيلية - الفلسطينية»، فيقول: «الولايات المتحدة تستفيد استراتيجياً من هذه العلاقة، بما في ذلك الفوائد المتعلقة بالتهديدات الإقليمية الأخرى مثل الأنشطة الإيرانية. وبذلك، فإن الولايات المتحدة لديها مصالحها الاستراتيجية الخاصة التي يجب أن تُؤخذ بعين الاعتبار».

أي حل في نهاية النفق

رغم التصعيد المستمر، تعمل الولايات المتحدة على بناء استراتيجية تضمن عدم خروج الأمور عن السيطرة، ودخول إيران على خط المواجهة، ويشدد العمري على أن «الأولوية الآن هي ضمان بقاء إيران خارج هذه الحرب»، مشيراً إلى أن هذا الأمر ضروري للحد من انتشار الصراع، و«لإضعاف مصداقية إيران الإقليمية ونفوذها مع وكلائها»، لكنه يرى في الوقت نفسه أنه «لا يمكن تحقيق مثل هذه النتيجة إلا إذا كانت إيران مقتنعة بأن الولايات المتحدة مستعدة لاستخدام العمل العسكري».

عنصران من الدفاع المدني الفلسطيني في دير البلح في غزة (أ.ف.ب)

أما الترمان الذي يؤكد ضرورة استمرار الولايات المتحدة «في تقديم مسار للمضي قدماً لجميع الأطراف»، فيحذّر من أن هذا لا يعني أنها يجب أن «تحمي الأطراف من العواقب الناجمة عن أفعالهم»، ويختم قائلاً: «هناك مفهوم يسمى (الخطر الأخلاقي)، يعني أن الناس يميلون إلى اتخاذ سلوكيات أكثر خطورة إذا اعتقدوا أن الآخرين سيحمونهم من الخسارة».

عاجل «إف.بي.آي» يحبط خطة إيرانية لاستئجار قاتل لاغتيال ترمب (أسوشييتد برس)