«حماس» تجدد مخاوف لبنان من تحويله «ساحة صراع إقليمي»

نكأت جراح المسيحيين... وتوجّس من تخطّي «إعلان فلسطين 2008»

قصف في المنطقة الحدودية اللبنانية الإسرائيلية (رويترز)
قصف في المنطقة الحدودية اللبنانية الإسرائيلية (رويترز)
TT

«حماس» تجدد مخاوف لبنان من تحويله «ساحة صراع إقليمي»

قصف في المنطقة الحدودية اللبنانية الإسرائيلية (رويترز)
قصف في المنطقة الحدودية اللبنانية الإسرائيلية (رويترز)

جدّد إعلان حركة «حماس» عن تأسيس «طلائع طوفان الأقصى» في لبنان الهواجس اللبنانية من تحويل البلاد ساحة صراع إقليمي مرة أخرى، بعد 33 سنة من انتهاء الحرب اللبنانية. وأيضاً نكأ جراح الذاكرة اللبنانية التي استعادت مرحلة المقاومة الفلسطينية في لبنان بعدما شرعنها «اتفاق القاهرة» عام 1969، وأدّت في نهاية المطاف إلى اشتعال الحرب اللبنانية عام 1975، ولم تنتهِ بالغزو الإسرائيلي للبنان عام 1978 لإبعاد الفلسطينيين من الحدود، ولاحقاً عام 1982 التي أدت إلى ترحيل منظمة التحرير إلى تونس. الإعلان تراجعت عنه «حماس» في بيان توضيحي، بقولها إنه يسعى لربط الشباب الفلسطيني بالقضية والعمل من أجلها والدفاع عنها، وإنه «لا يرتبط بتوجهات استراتيجية لها علاقة بالرجوع إلى الوراء نحو التجربة الفلسطينية السابقة». إلا أنه، مع ذلك، لقي رفضاً لبنانياً واسعاً أدى الى وأده قبل أن يولد، ولم يقتصر الرفض على المسيحيين - وهم الاكثر توجساً من إعلان مشابه - بل طال أيضاً المستوى الرسمي، وذلك بإعلان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أن «هذا الأمر مرفوض نهائياً ولن نقبل به»، في حين أكدت «حماس»، في المقابل «احترام سيادة لبنان، والالتزام بقوانينه، والحرص على أمنه واستقراره، وعدم التدخل بشؤونه الداخلية».

 

 

أحدث إعلان حركة «حماس» يوم الاثنين الماضي، خضّة في الأوسط السياسية اللبنانية التي تنقسم مخاوفها إلى مستويين:

المستوى الأول إعادة عقارب الساعة إلى «اتفاق القاهرة» في عام 1969 الذي وقعه الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وقائد الجيش اللبناني (يومذاك) العماد إميل البستاني، وضم نقاطاً حول تنظيم العلاقة اللبنانية – الفلسطينية، والسماح للمقاومة الفلسطينية بإنشاء قواعد عسكرية في الجنوب اللبناني، وخصوصاً، في منطقة العرقوب والقطاع الأوسط والشرقي وممارسة العمل السياسي داخل المخيمات. وفي ذلك الوقت، تحول الجنوب إلى منطقة عمليات عسكرية، وتضاعفت على أثره الاعتداءات الإسرائيلية بذرائع متصلة بالرد على الفدائيين، وصولاً إلى اجتياح إسرائيل لجنوب الليطاني في 14 مارس (آذار) عام 1978، بذريعة إبعاد الفلسطينيين من الحدود. واليوم يتوجس المستوى السياسي اللبناني من تكرار تلك المرحلة، ما سينهي الهدوء الذي اختبره جنوب لبنان من عام 2006، ويطيل أمد الحرب حتى بعد انتهاء الحرب في غزة.

أما المستوى الثاني، فيتصل بتشريع التسلّح غير اللبناني في البلاد، في وقت لا يحظى سلاح «حزب الله» بإجماع القوى السياسية اللبنانية كافة، ولو أنه مغطى رسمياً في بيانات وزارية متعاقبة. وراهناً يقول خصوم الحزب، الذي يُتهم بأنه سهل وصول «كتائب القسام» وقوى أخرى إلى المنطقة الحدودية خلال الأسابيع الماضية لإطلاق الصواريخ من الأراضي اللبنانية باتجاه أهداف إسرائيلية، إن تشريع تسليح «حماس» قد يجدد المخاوف من تسليح قوى سياسية أخرى في لبنان. ويكرّر، تالياً، مرحلة الحرب الأهلية، بل ويمكن أن يمثل انقلاباً على «إعلان فلسطين» الصادر في عام 2008، الذي نصّ على:

- «تجاوز الماضي بأخطائه وخطاياه».

- «الالتزام الفلسطيني الكامل بلا تحفظ، بسيادة لبنان واستقلاله، في ظل الشرعية اللبنانية بجميع مكوناتها التشريعية والتنفيذية والقضائية، ومن دون أي تدخل في شؤونه الداخلية».

- «رفض جميع أشكال التوطين والتهجير».

- «خضوع السلاح الفلسطيني في لبنان، لسيادة الدولة اللبنانية وقوانينها، وفقا لمقتضيات الأمن الوطني اللبناني الذي تعرفه وترعاه السلطات الشرعية».

وينص أيضا على تمسك الفلسطينيين «بحقوقنا الأساسية، بصفتنا لاجئين مقيمين قسراً ومؤقتاً في لبنان، وبصفتنا جزءا من شعب فلسطيني يكافح من أجل حريته واستقلاله على أرضه... وحقوقنا هذه غير مشروطة بقضية السلاح، ولا نفكّر في أي معالجة بأسلوب المبادلة».

مخاطر سيادية

في الحقيقة، تتجاوز تداعيات إعلان «حماس» المسألة السيادية اللبنانية والضوابط المتعلقة بحصرية سلطة الدولة اللبنانية في ضبط أمن الحدود. ويرى الوزير الأسبق ونقيب المحامين الأسبق رشيد درباس أن إعلان «حماس» هذا «يتضمن طعناً بالشرعية الفلسطينية أيضاً»، شارحاً في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن حدث 7 أكتوبر (تشرين الأول) «دخل على الوجدان العربي العام، وأعاد القضية الفلسطينية إلى عروبتها ورونقها، وهو أمر يسري على اللبنانيين أيضاً»... لكن الشعب اللبناني، وإثر إعلان حماس، بدأ يشعر بأنه مستهدف ومظلوم، بالنظر إلى أن حماس اختارت بلداً لا يتمتع بمقوّمات الصمود لتوسيع نشاطها العسكري فيه.

ويرى درباس في إعلان «حماس» من ناحية ثانية «تبديداً للأرباح بلا سبب... ولذا يُفترَض أن تكون لدينا جرأة وشجاعة لنقول لا حرصاً عليها، ذلك أن عدداً إضافياً من المقاتلين في الجنوب لا يقدّم ولا يؤخر في المعركة». ويضيف أنه «عندما تبدأ بعض التنظيمات بالتأهب للحرب، بما يترتب على الأمر من تسلح وتشكيلات عسكرية، فهذا يعني أن اتفاق الطائف تلاشى... وهذا سيشرّع لكل طائفة التسلح، ومنهم بطبيعة الحال المسيحيون، كما أن كل طائفة ستبحث عن حلف أجنبي ونعيد عقارب الساعة إلى الوراء».

رفض واسع

وفعلاً، لاقت خطوة «حماس» رفضاً سياسياً واسعاً شمل جميع المسيحيين من دون استثناء، وكذلك بعض القوى السياسية من المسلمين، فضلاً عن الموقف الرسمي الرافض. ومما قال رئيس «التيار الوطني الحر» (التيار العوني) النائب جبران باسيل «نرفض في المطلق إعلان حركة حماس في لبنان تأسيس طلائع طوفان الأقصى ودعوتها الشّباب الفلسطيني إلى الالتحاق بها؛ كما نعدّ أي عمل مسلح انطلاقاً من الأراضي اللبنانية اعتداء على السيادة الوطنية». وتابع: «نذكّر بما اتفق عليه اللبنانيون منذ الـ90 في الطائف بوجوب سحب السلاح من الفلسطينيين في المخيمات وخارجها وبما أجمعوا عليه من إلغاء اتفاقية القاهرة التي شرّعت منذ 1969 العمل المسلح للفلسطينيين انطلاقاً من لبنان». إن لبنان صاحب حق يقوى «بمقاومته الوطنية» لإسرائيل دفاعاً عن نفسه، ويضعف بإقامة «حماس لاند» في الجنوب من جديد للهجوم على إسرائيل من أراضيه.

أيضاً، رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع أن «هذا البيان غير مقبول لا شكلاً ولا مضموناً، وهو يمسّ بالسيادة اللبنانيّة، كما يحاول من جديد الإساءة إلى العلاقة بين اللبنانيين والفلسطينيين». وأردف «من الثابت أنّ حماس وسواها من المنظمات تخضع في لبنان لإمرة (حزب الله) وقراره. ومن سابع المستحيلات أن تقوم بأي تحرّكاتٍ عسكريّة من دون علم الحزب وموافقته، لا بل إن الحزب هو مَن يطلب منها إطلاق الصواريخ لاعتباراته العسكريّة، ناهيك من أنه لا إمكانية أن تصدر حماس بياناً في هذا الاتجاه، لولا التوقيع الفعلي لـ(حزب الله) عليه».

واقع الأمر، أن الرفض اللبناني الواسع ساهم بتراجع حركة «حماس» عن خطوتها، وهنا يقول النائب اللبناني السابق والخبير العسكري الجنرال المتقاعد وهبة قاطيشا إن «شبه الإجماع اللبناني الرافض لهذه الخطوة، دفع الحركة للتراجع»، في إشارة إلى معظم القوى السياسية والأحزاب اللبنانية باستثناء «حزب الله» الذي لم يصدر أي بيان حول الخطوة. ويتابع قاطيشا لـ«الشرق الأوسط» إن «(حزب الله) هو من يتحكم بالساحة الجنوبية، وبإمكانه وحده تكبيرها أو تصغيرها، رغم أنه من الناحية الشعبية، يحاول الإيحاء بأنه ليس حارساً للحدود ولا علاقة له بالساحة»، ويضيف «لكن التهيّب اللبناني من خطوة حماس، والإجماع اللبناني على رفضها، أجهضاها قبل أن تولد».

ومن جهة ثانية، يرى قاطيشا أن هدف «حزب الله» يتمثل في «الحفاظ على سلاحه... وهو ما دفعه لإطلاق معركة مع إسرائيل، وتغطية معركة الفلسطينيين من الداخل اللبناني باتجاه إسرائيل... إنه - تحقيقاً لهدفه - لا يستطيع إلا أن يشارك في المعركة».

الوزير السابق رشيد درباس (الشرق الأوسط)

بين «اتفاق الهدنة» و«اتفاق القاهرة»

ويعود قاطيشا إلى التاريخ، فيذكّر بأن الجيش اللبناني في عام 1948، خاض معارك مع الإسرائيليين ودفع ضريبة الدم في معركة المالكية التي قتل فيها الملازم محمد زغيب وعناصر آخرون، لكن منذ تثبيت اتفاق الهدنة في عام 1949 (الذي اعتمد حدود فلسطين المرسّمة، هي الحدود الدولية)، وحتى «اتفاق القاهرة» في عام 1969، «شهدت المنطقة الحدودية خروقاً ولم تشهد معارك كبيرة؛ حيث لم تترتب على المناوشات عمليات خطيرة، وكانت الأمم المتحدة تتسلم مخترقي الحدود على ضفتي الحدود»، لكنه يضيف أنه «بعدما وصل الفلسطينيون إلى الجنوب وسيطروا على منطقة العرقوب (1969) وبدأوا بالتمدد جنوباً، تضاعفت الاعتداءات مع تراجع دور الدولة اللبنانية». وهنا يرى قاطيشا أن أهل الجنوب الذين تعاونوا مع الفلسطينيين على حساب الجيش اللبناني «أسقطوا الدولة في الجنوب... وانسحب الجيش لاحقاً (بدءاً من عام 1976 مع ظهور (جيش لبنان العربي)، وصارت البلاد فالتة ولم تعد خاضعة للدولة، وهكذا استباح الإسرائيلي المنطقة... وعندما باتت الأرض بلا دولة، تحوّل الجنوب إلى ساحة للفلسطيني والإسرائيلي».

لحظة سياسية دقيقة

في أي حال، جاء إعلان «حماس» في لحظة سياسية دقيقة في لبنان، الذي يعاني من شغور رئاسي منذ أكثر من 13 شهراً، ويتمدد الشغور إلى 50 في المائة من المؤسسات حيث يصعب ملؤها في ظل وجود حكومة تصريف أعمال. وتتباين القوى السياسية حالياً حول آلية تجنب الشغور في موقع قيادة الجيش قبل إحالة قائده العماد جوزيف عون إلى التقاعد في يناير (كانون الثاني) المقبل.

في هذا الجو، لا يحصر درباس الانتقادات بـ«حماس» فحسب، إذ يؤكد أنه قبل إعلان «حزب الله» عن انخراطه في معركة الجنوب: «كان عليه أن ينتخب رئيساً ويجابه بالدولة» القادرة على مخاطبة المجتمع الدولي وتأمين المساعدات وغيرها، «أما أن يذهب الحزب إلى الحرب في ظل شغور رئاسي وحكومة تصريف أعمال ومجتمع مصاب بالوهن، فإن ذلك لا ينفع، رغم أن كل القلوب مع حماس، والناس معجبة بما فعلته لجهة استعادة القضية لرونقها، وهدم المنظومة الإسرائيلية».

تحرّكات إسرائيل

في المقابل، أنتج انخراط «حزب الله» في المعركة، وإعلان «حماس» في وقت لاحقاً، تحديات كبيرة بالنسبة لإسرائيل في المنطقة الحدودية تتمثل في إخلاء 120 ألف إسرائيلي لمناطق سكنهم في منطقة الجليل، وحسب قاطيشا «هؤلاء لن يعودوا إلا بحلّ مسألة الحدود... لن يكون الحل سوى حل عسكري حاسم عبر تطوير العمليات وتمدّد الحرب، أو اتفاقية ملزمة، لا نعرف ما إذا كان تطبيقها سيحصل على البارد أو تحت النار». ويرى قاطيشا أن «الحزب يفضل ألا تقع معركة عسكرية، لكن رغم ذلك، ليس واضحاً ما إذا كان سيقبل بفرض الشروط عليه والتقيد بالـ1701، هنا تبدو الحلول غامضة، لكن الجانب الإسرائيلي يصرّ على حل المشكلة... وهناك سيناريوهات واحتمالات، بينها فرض منطقة عازلة في جنوب الليطاني تطبق بعملية عسكرية، أو اتفاق جديد لا نعرف كيف سيصار إلى تنفيذه».

تجنب المخاطر

أخيراً، تترتب على إعلان «حماس» مخاطر كثيرة، حسبما يرى اللبنانيون. وإذ يُعرب درباس عن مخاوفه من «تطيير اتفاق الطائف والدولة والوحدة الوطنية» جراء إعلان كهذا، فإنه يؤكد أن الحل هو «بصدور موقف رسمي رافض لهذا الاتجاه، وموقف ديني من جميع رجال الدين على مختلف أسمائهم لإعلان رفضهم لهذا الإعلان، كما أن الأولى بحزب الله أن يصدر موقفاً بأن الإعلان غير مقبول». ويشير إلى «أننا دولة لم يبقَ لها صاحب، ويدفعون الناس للاعتياد على الفراغ».

ويتابع الوزير السابق بالقول إن أولى إشارات الحل، أن نستبشر بإجراء حوار «حماس» حواراً جدياً مع منظمة التحرير لتوحيد القضية، فيتوقف الجميع عن الكلام عن قطاع غزة والضفة الغربية بشكل منفصل، لافتاً إلى أن «اللعاب السائل على الضفة يقضي على كل الإنجازات». ويختتم: «حماس كيان لا يمكن القضاء عليه، لكونه دخل إلى الوجدان العام، لكن خروجه من الوجدان العام تترتب عليه مخاطر كبيرة، وتسهل القضاء عليه... وأشدد على أنه إذا كانت حماس جزءاً من المعادلة، فهذا سيكون أفضل من أن تكون أشلاء، وهذا كلام جريء علينا أن نقوله».

 

 

تتجاوز تداعيات إعلان «حماس» المسألة السيادية اللبنانية والضوابط المتعلقة بحصرية سلطة الدولة اللبنانية في ضبط أمن الحدود

النائب السابق وهبه قاطيشا (الشرق الأوسط)

قاطيشا يتذكر زيارة عرفات لمركز الجيش اللبناني في مارون الراس

> ينطلق الجنرال المتقاعد من الجيش اللبناني وهبة قاطيشا من إصابته في مواجهة مع الجيش الإسرائيلي، في 25 مايو (أيار) 1970، عندما كان ملازماً يخدم في بلدة ماروس الراس الحدودية، للتذكير بزيارة الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات إلى نقطته العسكرية في ذلك الوقت. ويقول: «كنت ضابطاً برتبة ملازم، وأخبرني قائد القطاع أن ضيوفاً من قبله سيصلون إلى مركزنا، وعليّ استقبالهم، من غير الكشف عن هويتهم. وصلت سيارة مرسيدس 190 رصاصية اللون إلى المركز، وعلى متنها أربعة أشخاص. لم تكن السيارة تثير الشبهات؛ لأن نصف سيارات لبنان تقريباً كانت من ذلك الطراز. وخرج منها أربعة شبان، وكانوا فلسطينيين». استقبل قاطيشا ضيوفه لأقل من نصف ساعة، كان بينهم شاب لا يتكلم ولا يسأل ولا يشارك بالحديث، لكنْ بدا له أن وجهه مألوف، من دون أن يتيقن من هويته. وبينما كان الثلاثة الآخرون يسألون عن طبيعة الأرض، في المقابل، من المراكز العسكرية الإسرائيلية في أفيفيم وغيرها، إلى المدن والمستوطنات المقابلة، «كان الرجل الرابع يستمع ويتفرّج، وينظر إلى المناطق الحدودية على الضفة الأخرى من طاقة المراقبة العائدة للجيش اللبناني، ويتغزل بالأرض قبالته». ويضيف قاطيشا: «بعد أقل من نصف ساعة، لاحظتُ أنه غمز الشبان الثلاثة معه، فهَمّ الشبان بالمغادرة، وقدّموا شكرهم لي على استقبالهم، وجولة الأفق التي أجريناها». في تلك اللحظة «عرفتُ أن الرجل الرابع هو قائد المجموعة، وتأكدتُ من أنه ياسر عرفات، مع أنهم غادروا من دون الكشف عن هويتهم». بعد ثلاثة أيام على الحادثة، حصل اشتباك مع القوات الإسرائيلية يوم 25 مايو، وهو اشتباك سبقه آخر بعشرة أيام وقع في بلدة مروَحين (القطاع الغربي)، وقُتل على أثره ضابط بالجيش، بالرصاص الإسرائيلي، تلاه قصف إسرائيلي لأهداف في بلدة بليدا (قريبة من مدينة بنت جبيل)، يوم 10 يونيو (حزيران) 1970، وأسفر عن مقتل ضابط لبناني آخر. ويتابع قاطيشا (انتخب نائباً في البرلمان عام 2018 عن كتلة «القوات اللبنانية») أنه «في 25 مايو 1970، دخلت قوات إسرائيلية الجنوب من جهة يارون وبنت جبيل، وحاولت تطويقي في مركزي بقرية مارون الراس، وكانت القوات الإسرائيلية على بُعد 500 متر عنا في الداخل اللبناني، حين بدأ تبادل القصف بيننا، ما أدى إلى إصابتي وإصابة عناصر آخرين في المركز، واستشهاد ضابط آخر في مارون الراس».


مقالات ذات صلة

إسرائيل تقتل عشرات في غزة... ومصر تستضيف قادة من «حماس» لمناقشة وقف النار

المشرق العربي فلسطينيون يسيرون بجوار مبانٍ مدمرة بهجمات إسرائيلية في النصيرات بوسط قطاع غزة (رويترز)

إسرائيل تقتل عشرات في غزة... ومصر تستضيف قادة من «حماس» لمناقشة وقف النار

قال مسعفون إن ما لا يقل عن 40 فلسطينياً لقوا حتفهم في ضربات للجيش الإسرائيلي في غزة، في حين تلقت جهود إحياء محادثات وقف إطلاق النار في غزة دفعة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي فلسطينيون يحملون أواني معدنية انتظاراً لتلقي الطعام من خان يونس (إ.ب.أ) play-circle 01:35

«أطباء بلا حدود»: المساعدات الإنسانية لقطاع غزة وصلت لأدنى مستوياتها منذ أشهر

حذرت منظمة «أطباء بلا حدود»، اليوم (الجمعة)، من تراجع وتيرة دخول المساعدات الإنسانية لقطاع غزة إلى أدنى مستوياتها منذ أشهر.

«الشرق الأوسط» (غزة)
العالم العربي طائرة تقلع من مطار بيروت يوم 7 أكتوبر 2024 (رويترز)

شركات طيران تعلق رحلاتها للشرق الأوسط مع تفاقم التوتر

دفعت المخاوف من اتساع رقعة الصراع في الشرق الأوسط شركات طيران عالمية إلى تعليق رحلاتها إلى المنطقة أو تجنب المجالات الجوية التي تنطوي على مخاطر.

المشرق العربي إخلاء سكان مخيمي النصيرات والبريج للاجئين خلال العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة (إ.ب.أ)

مصر تحشد دولياً لمؤتمر «مساعدات غزة»

جددت القاهرة، الجمعة، تأكيدها ضرورة «وقف إطلاق النار في قطاع غزة، والنفاذ الكامل وغير المشروط للمساعدات الإنسانية».

أحمد إمبابي (القاهرة)
المشرق العربي فتى فلسطيني يقفز قرب صاروخ غير منفجر بعد انسحاب القوات الإسرائيلية من مخيم النصيرات الجمعة (إ.ب.أ)

دبابات إسرائيلية تنسحب من مخيم النصيرات مخلِّفة عشرات القتلى

قال الجيش الإسرائيلي إن قواته التي تنفذ عمليات منذ الخامس من أكتوبر تستهدف منع مسلحي «حماس» من معاودة تنظيم أنفسهم وشن عمليات.

«الشرق الأوسط» (غزة)

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها
TT

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

خطفت بوتسوانا (بتشوانالاند سابقاً) أنظار العالم منذ أشهر باكتشاف ثاني أكبر ماسة في العالم، بيد أن أنظار المراقبين تخاطفت الإعجاب مبكراً بتلك الدولة الأفريقية الحبيسة، بفضل نموذجها الديمقراطي النادر في قارتها، وأدائها الاقتصادي الصاعد.

قد يكون هذا الإعجاب سجل خفوتاً في مؤشراته، خصوصاً مع موجة ركود وبطالة اجتاحت البلاد منذ سنوات قليلة، إلا أنه يبحث عن استعادة البريق مع رئيس جديد منتخب ديمقراطياً.

على عكس الكثير من دول «القارة السمراء»، لم تودّع بوتسوانا حقبة الاستعمار عام 1966 بمتوالية ديكتاتوريات وانقلابات عسكرية، بل اختارت صندوق الاقتراع ليفرز برلماناً تختار أغلبيته الرئيس. وأظهر أربعة من زعماء بوتسوانا التزاماً نادراً بالتنحي عن السلطة بمجرد استكمال مدّد ولايتهم المنصوص عليها دستورياً، بدءاً من كيتوميلي ماسيري، الذي خلف «السير» سيريتسي خاما عند وفاته في منصبه بصفته أول رئيس لبوتسوانا. وهذا التقليد الذي يصفه «مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية» بأنه «مثير للإعجاب»، جنت بوتسوانا ثماره أخيراً بانتقال سلمي للسلطة إلى الحقوقي والمحامي اليساري المعارض دوما بوكو.

انتصار بوكو جاء بعد معركة شرسة مع الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه الحزب الديمقراطي... الذي حكم البلاد لمدة قاربت ستة عقود.

ويبدو أن تجربة تأسيس الحزب الديمقراطي من زعماء قبائل ونُخَب أوروبية كانت العلامة الأهم في رسم المسار الديمقراطي لبوتسوانا، عبر ما يعرف بـ«الإدماج الناعم» لهؤلاء الزعماء القبليين في بنية الدولة. لكن المفارقة كانت «الدور الإيجابي للاستعمار في هذا الشأن»، وفق كلام كايلو موليفي مُستشار الديمقراطية في مكتب رئيس بوتسوانا السابق للإذاعة السويسرية. وتكمن كلمة السر هنا في «كغوتلا»، فبحسب موليفي، اختار البريطانيون الحُكم غير المُباشر، عبر تَرك السلطة للقادة القبليين لتسيير شؤون شعبهم، من دون التدخل بهياكل الحكم التقليدية القائمة.

نظام «كغوتلا» يقوم على «مجلس اجتماعي»، ويحق بموجبه لكل فرد التعبير عن نفسه، بينما يناط إلى زعيم القبيلة مسؤولية التوصل إلى القرارات المُجتمعية بتوافق الآراء. ووفق هذا التقدير، قاد التحالف البلاد إلى استقرار سياسي، مع أنه تعيش في بوتسوانا 4 قبائل أكبرها «التسوانا» - التي تشكل 80 في المائة من السكان وهي التي أعطت البلاد اسمها -، بجانب «الكالانغا» و«الباسار» و«الهرو».

وإلى جانب البنية الديمقراطية ودور القبيلة، كان للنشأة الحديثة للجيش البوتسواني في حضن الديمقراطية دور مؤثر في قطع الطريق أمام شهوة السلطة ورغباتها الانقلابية، بفضل تأسيسه في عام 1977 وإفلاته من صراعات مع الجيران في جنوب أفريقيا وزيمبابوي وناميبيا.

على الصعيد الاقتصادي، كان الاستعمار البريطاني سخياً – على نحو غير مقصود – مع بوتسوانا في تجربة الحكم، إلا أنه تركها 1966 سابع أفقر دولة بناتج محلي ضئيل وبنية تحتية متهالكة، أو قل شبه معدومة في بعض القطاعات.

مع هذا، انعكس التأسيس الديمقراطي، وفق محللين، على تجربة رئيسها الأول «السير» سيريتسي خاما؛ إذ مضى عكس اتجاه الرياح الأفريقية، منتهجاً نظام «رأسمالية الدولة»، واقتصاد السوق، إلى جانب حرب شنَّها ضد الفساد الإداري.

على صعيد موازٍ، أنعشت التجربة البوتسوانية تصدير اللحوم، كما عزّز اكتشاف احتياطيات مهمة من المعادن - لا سيما النحاس والماس - الاقتصاد البوتسواني؛ إذ تحتضن بلدة أورابا أكبر منجم للماس في العالم.

ثم إنه، خلال العقدين الأخيرين، جنت بوتسوانا - التي تغطي صحرء كالاهاري 70 في المائة من أرضها - ثمار سياسات اقتصادية واعدة؛ إذ قفز متوسط الدخل السنوي للمواطن البوتسواني إلى 16 ألف دولار أميركي مقابل 20 دولاراً، بإجمالي ناتج محلي بلغ 19.3 مليار دولار، وفق أرقام البنك الدولي. كذلك حازت مراكز متقدمة في محاربة الفساد بشهادة «منظمة الشفافية العالمية». ومع أن الرئيس البوتسواني المنتخب تسلم مهام منصبه هذا الأسبوع في ظل مستويات بطالة مرتفعة، وانكماش النشاط الاقتصادي المدفوع بانخفاض الطلب الخارجي على الماس، إلا أن رهان المتابعين يبقى قائماً على استعادة الماسة البوتسوانية بريقها.