لطالما عُدت أمراض الخلايا العصبية الحركية مثل «التصلب الجانبي الضموري» و«الشلل التشنجي الوراثي» حالات منفصلة من حيث أسبابها الوراثية رغم تشابه الأعراض في المرضين. لكن دراسة حديثة كشفت أن هذه الأمراض تشترك في تغيرات جينية نادرة جداً قد تفسر ظهورها لدى بعض المرضى حتى عند عدم وجود تاريخ عائلي للإصابة.
تغيرات جينية نادرة
ونشرت نتائج الدراسة التي قادها علماء من مستشفى سانت جود لأبحاث الأطفال في الولايات المتحدة بالتعاون مع جامعة ميامي في مجلة Translational Neurodegeneration في 29 أكتوبر (تشرين الأول) 2025. ويُعد هذا الاكتشاف خطوة مهمة لفهم أصول هذه الأمراض، وتطوير علاجات أكثر فاعلية مستقبلاً.
الفرق بين المرضين
كلا المرضين يصيب الخلايا العصبية المسؤولة عن الحركة ما يؤدي إلى ضعف تدريجي وتيبس في العضلات. ففي التصلب الجانبي الضموري amyotrophic lateral sclerosis ALS)) قد يبدأ الضعف في الذراعين أو الساقين أو الرأس أو الرقبة، ويتطور ليؤثر في الكلام والتنفس والحركة. أما الشلل التشنجي الوراثي hereditary spastic paraplegia (HSP) فيبدأ عادةً في الساقين مسبّباً صعوبة في المشي وتيبس العضلات. ورغم التشابه في الأعراض كان يُعتقد أن لكل مرض مجموعة جينات مختلفة مسببة للإصابة.
بحث عن القواسم الوراثية المشتركة
حلّل الباحثون عينات من الحمض النووي «دي إن إيه» من 222 مريضاً بالتصلب الجانبي الضموري و134 مريضاً بالشلل التشنجي الوراثي وقارنوها مع بيانات لأشخاص أصحاء. وباستخدام أداة تحليل متقدمة تُعرف باسم CoCoRV (هو إطار عمل لتحليل المتغيرات النادرة لتحديد أولويات الجينات المسببة للاستعداد للإصابة بالأمراض) طوّرها باحثو
مستشفى سانت جود، تمكن الفريق من تحديد 423 تغيراً جينياً مسبباً للأمراض.
وكانت المفاجأة أن كثيراً من مرضى التصلب الجانبي الضموري يحملون طفرات عادةً مرتبطة بالشلل التشنجي الوراثي والعكس صحيح. وقال الدكتور غانغ وو من مركز المعلوماتية الحيوية التطبيقية بمستشفى سانت جود لأبحاث للأطفال تينيسي بالولايات المتحدة الأميركية، وأحد الباحثين الرئيسيين في الدراسة: «كنا نميل إلى تجاهل بعض الطفرات إذا لم تتطابق مع المرض المعروف، لكن تحليل البيانات على نطاق أوسع أظهر أن بعض الجينات المرتبطة بالشلل التشنجي الوراثي يمكن أن تزيد أيضاً من خطر الإصابة بالتصلب الجانبي الضموري».
اكتشاف جينات مؤثرة في كلا المرضين
وجد الفريق أن جينات مثل AP4S1 المعروفة بدورها في الشلل التشنجي الوراثي كانت أكثر شيوعاً أيضاً لدى مرضى التصلب الجانبي الضموري من أصول أوروبية. وهذا يشير إلى أن بعض الجينات قد تكون عوامل خطر مشتركة بين المرضين.
وأكد الدكتور مايكل بيناتار بقسم طب الأعصاب ومركز التصلب الجانبي الضموري بكلية الطب بجامعة ميامي بفلوريدا بالولايات المتحدة الأميركية، والمشارك بالدراسة، أن هذا الاكتشاف يدعم فكرة قديمة هي أن دراسة الاضطرابات المتعددة والمترابطة معاً يمكن أن تكشف عن مسارات بيولوجية مشتركة. ثم إن هذا العمل يُظهر قيمة النظر إلى هذه الحالات جنباً إلى جنب. فهو يساعدنا على فهم مرض ما من خلال منظور مرض آخر.
نحو تشخيص وعلاج أكثر دقة
تشجع النتائج على اتباع نهج جديد لدراسة أمراض الخلايا العصبية الحركية يتجاوز التصنيفات التقليدية، ويأخذ في الاعتبار التعقيد الجيني. وصرح الدكتور بول تايلور بقسم البيولوجيا الخلوية والجزيئية بمستشفى سانت جود لأبحاث الأطفال بتينيسي بالولايات المتحدة الأميركية والمشارك بالدراسة بأن هذه الدراسة تُسهم في تقدمنا بإظهار أن الجينات التي كنا نعتقد أنها فريدة لمرض واحد يمكن أن تؤثر في الواقع على عدة أمراض ما يفتح الباب أمام تشخيص أكثر دقة ورعاية أكثر تخصيصاً.
وفي النهاية يساعد هذا البحث الأطباء على تحديد المرضى المعرضين للخطر بسرعة أكبر وتصميم علاجات تستهدف الأسباب الجذرية لتدهور الخلايا العصبية الحركية بدلاً من الاكتفاء بعلاج الأعراض.
خطوة جديدة نحو فهم أعمق
لا يزال كلا المرضين من الأمراض العصبية الخطيرة التي لا يوجد لها علاج شافٍ، لكن هذه الدراسة تمثل خطوة مهمة لفك الشيفرة الوراثية المشتركة بينهما، ما قد يمهد الطريق لتطوير علاجات أكثر فاعلية في المستقبل، أي علاجات تستهدف السبب الجذري بدلاً من الاكتفاء بعلاج الأعراض.
وقال الدكتور وو في ختام الدراسة: «نحن نعيد رسم خريطة الفهم لهذه الأمراض. فكلما ربطنا بين النقاط الجينية المختلفة، اقتربنا أكثر من الصورة الكاملة، ومن الأمل بعلاج فعّال في المستقبل».
حقائق
423
تغيرات جينية مسببة لأمراض تم تحديدها

