طائرات من دون طيار تحلق من دون نظام تحديد المواقع العالمي

الحرب الإلكترونية الحديثة تشوش إشاراته

البرنامج يتيح التعرف على المواقع والتضاريس الأرضية
البرنامج يتيح التعرف على المواقع والتضاريس الأرضية
TT

طائرات من دون طيار تحلق من دون نظام تحديد المواقع العالمي

البرنامج يتيح التعرف على المواقع والتضاريس الأرضية
البرنامج يتيح التعرف على المواقع والتضاريس الأرضية

قبل ظهور نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، وخاصةً في البحر، كانت الملاحة تعني تحديد موقعك بالنظر إلى النجوم. أما اليوم، فمع تعطل نظام تحديد المواقع العالمي أو تشويشه بسبب الحرب الإلكترونية، تتعلم الطائرات من دون طيار القيام بشيء مماثل، حيث تُوجّه نفسها... بالنظر إلى الأرض، كما كتب أليكس باستيرناك(*).

يُشكّل هذا المفهوم أساساً لموجة متنامية من الجهود المبذولة لاستخدام الكاميرات وأجهزة الاستشعار والذكاء الاصطناعي لإبقاء الطائرات من دون طيار «على دراية» بمحيطها، مما يسمح لها بإكمال مهامها أو متابعة أهدافها دون الحاجة إلى نظام تحديد المواقع العالمي، أو حتى أية إشارة اتصال.

البرنامج يربط نظم التصوير الجوية بالبيانات الأرضية المختزنة إلكترونياً

برنامج «رابتور»: التصوير والمطابقة

هذا الأسبوع، دخلت شركة ماكسار العملاقة للأقمار الاصطناعية هذا المجال ببرنامج رابتور Raptor، وهو مجموعة برامج تُمكّن من تحديد موقع الطائرة من دون طيار على الكوكب من خلال مطابقة بث الكاميرا مع مجموعة الشركة الضخمة من بيانات الأرض ثلاثية الأبعاد.

يقول بيتر ويلتشينسكي، كبير مسؤولي المنتجات في شركة ماكسار إنتليجنس، إن النظام بدأ يتبلور قبل عام تقريباً. ويضيف أنه بحلول ذلك الوقت، «بلغ الأمر ذروته لدرجة أن العاملين في مجال الدفاع أدركوا فجأةً أن جميع هذه الأنظمة المصممة بنظام تحديد المواقع العالمي لن تعمل في ساحة المعركة الحديثة».

ظهرت في السنوات الأخيرة مجموعة من تقنيات الملاحة الذاتية وتحديد المواقع البديلة، مدفوعةً بظهور الطائرات من دون طيار والكاميرات وأجهزة الاستشعار والرقائق الأرخص والأكثر قوة. ولكن حتى مع استفادة شركات أخرى من الصور ثنائية وثلاثية الأبعاد للملاحة دون الحاجة إلى نظام تحديد المواقع العالمي، إلا أنها لم تكن تستفيد من وفرة بيانات الأقمار الاصطناعية التي كانت لدى ماكسار.

مزايا الرصد في الارتفاعات المنخفضة

مقارنةً بالخرائط الأساسية التي تستخدمها أنظمة تحديد المواقع الأخرى القائمة على الرؤية، يقول ويلتشينسكي إن أساس رابتور ثلاثي الأبعاد أنه يوفر مزايا خاصة على الارتفاعات المنخفضة، وخلال العمليات الليلية، وخاصةً مع كاميرات الأشعة تحت الحمراء، وفي التضاريس المعقدة، بدقة تبلغ نحو ثلاثة أمتار.

ويغطي مجسم الكرة الأرضية ثلاثي الأبعاد من ماكسار، الذي يبلغ حجمه الإجمالي 125 بيتابايت، الآن مساحة تزيد عن 90 مليون كيلومتر مربع، مع إضافة نحو ثلاثة ملايين كيلومتر مربع شهرياً.

وتأتي الصور من وحدة الفضاء التابعة لماكسار، التي تُشغل كوكبة من 10 أقمار اصطناعية لرصد الأرض، تُوفر صوراً لعملاء الدفاع والاستخبارات والحكومة والصناعة.

في العام الماضي، أضافت الشركة أسطول WorldView Legion، وهو أسطول من ستة أقمار اصطناعية عالية الأداء، مما وسّع قدرته على إعادة زيارة المناطق الأكثر تغيراً على الأرض بسرعة أكبر.

والمعروف أن بعض التقارير العامة المبكرة عن الحشد العسكري الروسي على طول حدود أوكرانيا عام 2022 قد جاءت من صور ماكسار غير السرية، وقد وفرت أقمارها الاصطناعية معلومات استخباراتية أساسية للعمليات الهجومية والدفاعية للبلاد. ويقول ويلتشينسكي إن الحرب «أكدت على أهمية هذه التقنيات».

حرب أوكرانيا

مع عبور الأقمار الاصطناعية للأرض بعيداً فوق أوكرانيا، ملأت الطائرات من دون طيار سماءها، إلى جانب الموجات الراديوية التي تهدف إلى تعطيل أنظمة الملاحة أو الاتصالات الخاصة بها. كانت بعض أنظمة مكافحة الأقمار الاصطناعية الروسية قوية جداً لدرجة أنها أدت إلى تدهور الإشارات المشفرة التي تستخدمها كوكبة أقمار GPS الأمريكية. بينما يسعى كلا الجانبين إلى أنظمة يمكنها الصمود في وجه مثل هذه الهجمات، كانت الوحدات العسكرية الروسية والأوكرانية تحلق بطائرات من دون طيار متصلة بوحدات التحكم الخاصة بها بواسطة كابلات الألياف الضوئية التي يبلغ طولها أميالاً؛ من دون أي إشارات لاسلكية، لا يمكن التغلب عليها بالتشويش الإلكتروني.

نظام تصوير ملاحي

صُمم نظام ماكسار للعمل مع كاميرات الطائرات المسيَّرة الحالية ووحدات الملاحة بالقصور الذاتي المدمجة. يتطلب إجراء مطابقة الصور الفورية أثناء الطيران وحدة معالجة رسومية (GPU)، إما مثبتة على جهاز كمبيوتر في محطة أرضية أو مدمجة في الطائرة المسيرة نفسها، مما يسمح لها بالعمل دون اتصال بالإنترنت.

بالإضافة إلى المساعدة في توفير تحديد المواقع للمركبات، يمكن للمشغلين عن بُعد الذين يعملون جنباً إلى جنب مع وحدات تحكم الطائرات المسيرة استخدام البرنامج على أجهزة الكمبيوتر المحمولة التجارية لاستخراج إحداثيات الأرض المستهدفة في الوقت الفعلي من موجزات الفيديو الجوي كاملة الحركة للطائرات المسيرة. وكما هو الحال مع بيانات صور ماكسار، صُمم النظام للتكامل مع سير العمل في أنظمة القيادة والتحكم القائمة على الخرائط.

ويمثل «رابتور» تحولاً كبيراً لشركة ماكسار، من رسم الخرائط ثنائية الأبعاد إلى ثلاثية الأبعاد، واستراتيجية عمل جديدة تتجاوز التصوير الجوي والبيانات. رفض ويلتشينسكي ذكر أسماء عملاء رابتور، لكنه قال إن الشركة بدأت بالفعل في إجراء اختبارات تشغيلية مع مصنعي الطائرات من دون طيار «في مناطق النزاع»، وتخطط للعمل مع كبار مسؤولي الدفاع في أوروبا والولايات المتحدة لتحديث التقنيات الحالية غير المتوافقة مع نظام تحديد المواقع العالمي.

طرق أخرى للطيران من دون «جي بي إس»

في أوكرانيا، حيث يمكن أن تنتج صناعة الطائرات من دون طيار المحلية ثلاثة ملايين طائرة من دون طيار هذا العام، أصبح التحكم الذاتي محور تركيز رئيسي. وصرح مسؤولون حكوميون بأن المزيد من الطائرات من دون طيار ذاتية التشغيل المزودة باستهداف الذكاء الاصطناعي ستصل إلى ساحة المعركة في عام 2025، مما قد يفسح المجال «لاستخدامات أسراب الطائرات من دون طيار الحقيقية».

كما تعمل الشركات الناشئة الأميركية على تطوير برمجيات وأجهزة استشعار لمساعدة الطائرات من دون طيار على الطيران بشكل مستقل، دون إشارة اتصالات أو مع تعطيل نظام تحديد المواقع العالمي، والعثور على الأهداف الأرضية والطائرات من دون طيار الأخرى ومهاجمتها، وكذلك على تطوير طائرات من دون طيار جديدة ذاتية القيادة للملاحة في سماء محرومة من نظام تحديد المواقع العالمي.

كما يُطور الباحثون طرقاً أكثر غرابة لتزويد الطائرات من دون طيار بوعي جغرافي مكاني. في العام الماضي، قدمت شركة NILEQ، التابعة لشركة MBDA البريطانية لصناعة الصواريخ، نظام ملاحة بصرية منخفض الطاقة يعتمد على كاميرات عصبية الشكل، والتي، بدلاً من معالجة صورة كاملة، يمكنها العمل بكفاءة أكبر من خلال قياس الاختلافات بين وحدات البكسل في صورة متحركة.

لا تزال النجوم مفيدة أيضاً. ففي العام الماضي، استعرض مهندسون في جامعة جنوب أستراليا نموذجاً أولياً جديداً منخفض التكلفة لنظام يدمج الحوسبة الخوارزمية القائمة على الرؤية مع التثليث السماوي للطائرات من دون طيار التي تحلق ليلاً. ولا تزال الدقة تُشكل تحدياً.

هيمنة الخرائط «ثلاثية الأبعاد»

وتعمل شركة ماكسار حالياً على تطوير أساليب لاستخدام صور الأقمار الاصطناعية ثنائية الأبعاد ومقاطع الفيديو من الطائرات من دون طيار لتحديث خريطتها المرجعية ثلاثية الأبعاد بسرعة أكبر، مما يتيح خرائط أكثر تحديثاً، لا سيما في المناطق سريعة التغير. ويُعد تحسين الدقة أيضاً أولوية، لا سيما على الارتفاعات المنخفضة؛ وفي نهاية المطاف، يمكن أن يحل رابتور محل نظام تحديد المواقع العالمي للمركبات ذاتية القيادة الأرضية أيضاً.

إلى جانب تحديد المواقع والملاحة، يمثل رابتور رؤية أوسع نطاقاً لشركة ماكسار لـ«كرة أرضية حية» مشتركة وديناميكية، كما يقول ويلتشينسكي، قادرة على ربط الأنظمة المختلفة وبيانات الاستشعار في الوقت الفعلي تقريباً. كان هذا المشروع قيد التنفيذ منذ عام 2015 على الأقل، عندما دخلت شركة ديجيتال غلوب، الشركة السابقة لشركة ماكسار، في مشروع مشترك مع شركة ساب لتصنيع المعدات الدفاعية لإنتاج نماذج ارتفاع رقمية ثلاثية الأبعاد واقعية للصور للمؤسسات. ويقول ويلتشينسكي: «ننقل بيانات الطائرات من دون طيار، وبيانات الأقمار الاصطناعية ثنائية الأبعاد إلى عالم ثلاثي الأبعاد».

ومن بين أكبر عملائها لبيانات الأرض ثلاثية الأبعاد الجيش الأمريكي، الذي يدفع لشركة ماكسار لتشغيل برنامج One World Terrain (OWT)، وهو بيئة محاكاة عالمية تُستخدم في التدريب العسكري. ويضيف ويلتشينسكي: «لدينا اعتقاد بأن رسم الخرائط خلال السنوات العشر المقبلة سيتحول من هيمنة ثنائية الأبعاد إلى هيمنة ثلاثية الأبعاد».

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».


مقالات ذات صلة

تقرير: رصد مسيرات قرب مسار طائرة تقل زيلينسكي إلى آيرلندا

أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وعقيلته أولينا يهبطان من طائرة تحمل شعار الرئاسة الأوكرانية لدى وصولهما إلى مطار دبلن (أ.ف.ب)

تقرير: رصد مسيرات قرب مسار طائرة تقل زيلينسكي إلى آيرلندا

ذكرت وسائل إعلام محلية في آيرلندا أن سفينة تابعة للبحرية الآيرلندية رصدت ما يصل إلى 5 طائرات مسيرة تحلق بالقرب من مسار طائرة الرئيس الأوكراني زيلينسكي.

«الشرق الأوسط» (دبلن)
الولايات المتحدة​ طائرات مُسيّرة أميركية من طراز «لوكاس» (القيادة المركزية الأميركية)

الولايات المتحدة تنشر أول سرب مسيرات انتحارية في الشرق الأوسط

أعلن الجيش الأميركي الأربعاء عن تشكيل قوة مهام جديدة لأول سرب طائرات مُسيّرة هجومية أحادية الاتجاه للجيش تتمركز في الشرق الأوسط

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي صورة أرشيفية تظهر تصاعد الدخان بعد غارات جوية إسرائيلية على وزارة الدفاع السورية في دمشق، سوريا 16 يوليو 2025 (رويترز)

مُسيّرة إسرائيلية تستهدف منطقة قرب بيت جن بريف دمشق

استهدفت طائرة مُسيّرة إسرائيلية، الأربعاء، منطقة جنوب تلة باط الوردة قرب بلدة بيت جن في ريف دمشق.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
أوروبا شرطي من وحدة مكافحة الطائرات دون طيار يشارك في عرض بألمانيا (إ.ب.أ)

ألمانيا تُطلق وحدة شرطة مضادة للمسيّرات

أطلقت الحكومة الألمانية، اليوم الثلاثاء، وحدة شرطة مخصّصة لمكافحة الطائرات المسيّرة، في خطوة تستهدف مواجهة سلسلة من التحليقات فوق مواقع حساسة.

«الشرق الأوسط» (برلين)
أوروبا ناقلة نفط روسية تعبر مضيق البوسفور في إسطنبول 15 أغسطس 2022 (رويترز)

أوكرانيا تنفي علاقتها بهجوم على ناقلة ترفع العلم الروسي قرب تركيا

قال متحدث باسم وزارة الخارجية الأوكرانية، اليوم (الثلاثاء)، إن كييف لا علاقة لها بالهجوم على ناقلة ترفع العلم الروسي محمّلة بزيت دوار الشمس بالقرب من تركيا.

«الشرق الأوسط» (كييف)

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟
TT

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

في سباق محتدم لنشر نماذج اللغات الكبيرة والذكاء الاصطناعي التوليدي في الأسواق العالمية، تفترض العديد من الشركات أن «النموذج الإنجليزي ← المترجم» كافٍ لذلك.

اللغة- ثقافة وأعراف

ولكن إذا كنتَ مسؤولاً تنفيذياً أميركياً تستعد للتوسع في آسيا أو أوروبا أو الشرق الأوسط أو أفريقيا، فقد يكون هذا الافتراض أكبر نقطة ضعف لديك. ففي تلك المناطق، ليست اللغة مجرد تفصيل في التغليف: إنها الثقافة والأعراف والقيم ومنطق العمل، كلها مُدمجة في شيء واحد.

وإذا لم يُبدّل نظام الذكاء الاصطناعي الخاص بك تسلسل رموزه الكمبيوترية فلن يكون أداؤه ضعيفاً فحسب؛ بل قد يُسيء التفسير أو يُسيء المواءمة مع الوضع الجديد أو يُسيء خدمة سوقك الجديدة.

الفجوة بين التعدد اللغوي والثقافي في برامج الدردشة الذكية

لا تزال معظم النماذج الرئيسية مُدربة بشكل أساسي على مجموعات النصوص باللغة الإنجليزية، وهذا يُسبب عيباً مزدوجاً عند نشرها بلغات أخرى. وعلى سبيل المثال، وجدت دراسة أن اللغات غير الإنجليزية والمعقدة لغويا غالباً ما تتطلب رموزاً أكثر (وبالتالي تكلفةً وحساباً) لكل وحدة نصية بمقدار 3-5 أضعاف مقارنةً باللغة الإنجليزية.

ووجدت ورقة بحثية أخرى أن نحو 1.5 مليار شخص يتحدثون لغات منخفضة الموارد يواجهون تكلفة أعلى وأداءً أسوأ عند استخدام نماذج اللغة الإنجليزية السائدة.

والنتيجة: قد يتعثر نموذج يعمل جيداً للمستخدمين الأميركيين، عند عمله في الهند أو الخليج العربي أو جنوب شرق آسيا، ليس لأن مشكلة العمل أصعب، ولكن لأن النظام يفتقر إلى البنية التحتية الثقافية واللغوية اللازمة للتعامل معها.

«ميسترال سابا» نظام الذكاء الاصطناعي الفرنسي مصمم خصيصاً للغات العربية وجنوب آسيا

مثال «ميسترال سابا» الإقليمي جدير بالذكر

لنأخذ نموذج «ميسترال سابا» (Mistral Saba)، الذي أطلقته شركة ميسترال للذكاء الاصطناعي الفرنسية كنموذج مصمم خصيصاً للغات العربية وجنوب آسيا (التاميلية والمالايالامية... إلخ). تشيد «ميسترال» بأن «(سابا) يوفر استجابات أكثر دقة وملاءمة من النماذج التي يبلغ حجمها 5 أضعاف» عند استخدامه في تلك المناطق. لكن أداءه أيضاً أقل من المتوقع في معايير اللغة الإنجليزية.

وهذه هي النقطة المهمة: السياق أهم من الحجم. قد يكون النموذج أصغر حجماً ولكنه أذكى بكثير بالنسبة لمكانه.

بالنسبة لشركة أميركية تدخل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أو سوق جنوب آسيا، هذا يعني أن استراتيجيتك «العالمية» للذكاء الاصطناعي ليست عالمية ما لم تحترم اللغات والمصطلحات واللوائح والسياق المحلي.

تكاليف الرموز والتحيز اللغوي

من منظور الأعمال، تُعدّ التفاصيل التقنية للترميز أمراً بالغ الأهمية. تشير مقالة حديثة إلى أن تكاليف الاستدلال في اللغة الصينية قد تكون ضعف تكلفة اللغة الإنجليزية، بينما بالنسبة للغات مثل الشان أو البورمية، يمكن أن يصل تضخم عدد الرموز إلى 15 ضعفاً.

هذا يعني أنه إذا استخدم نموذجك ترميزاً قائماً على اللغة الإنجليزية ونشرتَه في أسواق غير إنجليزية، فإن تكلفة الاستخدام سترتفع بشكل كبير، أو تنخفض الجودة بسبب تقليل الرموز. ولأن مجموعة التدريب الخاصة بك كانت تركز بشكل كبير على اللغة الإنجليزية، فقد يفتقر «نموذجك الأساسي» إلى العمق الدلالي في لغات أخرى.

أضف إلى هذا المزيج اختلافات الثقافة والمعايير: النبرة، والمراجع، وممارسات العمل، والافتراضات الثقافية، وما إلى ذلك، وستصل إلى مجموعة تنافسية مختلفة تماماً: ليس «هل كنا دقيقين» بل «هل كنا ملائمين».

التوسع في الخارج

لماذا يهم هذا الأمر المديرين التنفيذيين الذين يتوسعون في الخارج؟

إذا كنت تقود شركة أميركية أو توسّع نطاق شركة ناشئة في الأسواق الدولية، فإليك ثلاثة آثار:

-اختيار النموذج ليس حلاً واحداً يناسب الجميع: قد تحتاج إلى نموذج إقليمي أو طبقة ضبط دقيقة متخصصة، وليس فقط أكبر نموذج إنجليزي يمكنك ترخيصه.

-يختلف هيكل التكلفة باختلاف اللغة والمنطقة: فتضخم الرموز وعدم كفاءة الترميز يعنيان أن تكلفة الوحدة في الأسواق غير الإنجليزية ستكون أعلى على الأرجح، ما لم تخطط لذلك.

-مخاطر العلامة التجارية وتجربة المستخدم ثقافية: فبرنامج الدردشة الآلي الذي يسيء فهم السياق المحلي الأساسي (مثل التقويم الديني، والمصطلحات المحلية، والمعايير التنظيمية) سيُضعف الثقة بشكل أسرع من الاستجابة البطيئة.

بناء استراتيجية ذكاء اصطناعي متعددة اللغات واعية ثقافياً

للمديرين التنفيذيين الجاهزين للبيع والخدمة والعمل في الأسواق العالمية، إليكم خطوات عملية:

• حدّد اللغات والأسواق كميزات من الدرجة الأولى. قبل اختيار نموذجك الأكبر، اذكر أسواقك ولغاتك ومعاييرك المحلية وأولويات عملك. إذا كانت اللغات العربية أو الهندية أو الملايوية أو التايلاندية مهمة، فلا تتعامل معها كـ«ترجمات» بل كحالات استخدام من الدرجة الأولى.

• فكّر في النماذج الإقليمية أو النشر المشترك. قد يتعامل نموذج مثل «Mistral Saba» مع المحتوى العربي بتكلفة أقل ودقة أكبر وبأسلوب أصلي أكثر من نموذج إنجليزي عام مُعدّل بدقة.

• خطط لتضخم تكلفة الرموز. استخدم أدوات مقارنة الأسعار. قد تبلغ تكلفة النموذج في الولايات المتحدة «س» دولاراً أميركياً لكل مليون رمز، ولكن إذا كان النشر تركياً أو تايلاندياً، فقد تكون التكلفة الفعلية ضعف ذلك أو أكثر.

• لا تحسّن اللغة فقط، بل الثقافة ومنطق العمل أيضاً. لا ينبغي أن تقتصر مجموعات البيانات المحلية على اللغة فحسب، بل ينبغي أن تشمل السياق الإقليمي: اللوائح، وعادات الأعمال، والمصطلحات الاصطلاحية، وأطر المخاطر.

صمم بهدف التبديل والتقييم النشطين. لا تفترض أن نموذجك العالمي سيعمل محلياً. انشر اختبارات تجريبية، وقيّم النموذج بناءً على معايير محلية، واختبر قبول المستخدمين، وأدرج الحوكمة المحلية في عملية الطرح.

المنظور الأخلاقي والاستراتيجية الأوسع

عندما تُفضّل نماذج الذكاء الاصطناعي المعايير الإنجليزية والناطقة بالإنجليزية، فإننا نُخاطر بتعزيز الهيمنة الثقافية.

كمسؤولين تنفيذيين، من المغري التفكير «سنترجم لاحقاً». لكن الترجمة وحدها لا تُعالج تضخم القيمة الرمزية، وعدم التوافق الدلالي، وعدم الأهمية الثقافية. يكمن التحدي الحقيقي في جعل الذكاء الاصطناعي مُتجذراً محلياً وقابلاً للتوسع عالمياً.

إذا كنت تُراهن على الذكاء الاصطناعي التوليدي لدعم توسعك في أسواق جديدة، فلا تُعامل اللغة كحاشية هامشية. فاللغة بنية تحتية، والطلاقة الثقافية ميزة تنافسية. أما التكاليف الرمزية وتفاوتات الأداء فليست تقنية فحسب، بل إنها استراتيجية.

في عالم الذكاء الاصطناعي، كانت اللغة الإنجليزية هي الطريق الأقل مقاومة. ولكن ما هي حدود نموك التالية؟ قد يتطلب الأمر لغةً وثقافةً وهياكل تكلفة تُمثل عوامل تمييز أكثر منها عقبات.

اختر نموذجك ولغاتك واستراتيجية طرحك، لا بناءً على عدد المعاملات، بل على مدى فهمه لسوقك. إن لم تفعل، فلن تتخلف في الأداء فحسب، بل ستتخلف أيضاً في المصداقية والأهمية.

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».


الذكاء الاصطناعي... نجم المؤتمر السنوي لطب الأسنان في نيويورك

آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
TT

الذكاء الاصطناعي... نجم المؤتمر السنوي لطب الأسنان في نيويورك

آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي

في مدينةٍ لا تهدأ، وتحديداً في مركز «جاڤِتس» على ضفاف نهر هدسون، اختتمت أمس أعمال اجتماعات نيويورك السنوية لطبّ الأسنان، التي استمرت 5 أيام، أحد أكبر التجمعات العالمية للمهنة، بمشاركة نحو 50 ألف طبيب وخبير من أكثر من 150 دولة.

لم يكن الحدث مجرد مؤتمر، بل منصّة حيّة لمستقبل طبّ الأسنان؛ فبين أروقته تتقدّم التكنولوجيا بخطى ثابتة: من الروبوتات الجراحية إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي القادرة على قراءة الأشعة في ثوانٍ، وصولاً إلى تجارب التجديد الحيوي التي قد تغيّر شكل العلاج خلال سنوات قليلة.

الذكاء الاصطناعي نجم المؤتمر بلا منافس

كان الذكاء الاصطناعي العنوان الأبرز لهذا العام، إذ جاء المؤتمر في لحظةٍ تتسارع فيها التحوّلات العلمية بسرعة تفوق قدرة المناهج التقليدية على مواكبتها. وقد برزت تقنيات محورية: أنظمة تحليل الأشعة الفورية، والمساعد السريري الذكي، والتخطيط الرقمي للابتسامة. وعلى امتداد القاعات، كان واضحاً أن هذه التقنيات لم تعد تجارب مختبرية، بل هي حلول جاهزة تغيّر طريقة ممارسة المهنة أمام أعيننا.

الروبوتات تدخل غرفة العمليات

شكّلت الجراحة الروبوتية محوراً لافتاً هذا العام، بعد أن عرضت شركات متخصصة أنظمة دقيقة تعتمد على بيانات الأشعة ثلاثية الأبعاد وتتكيف لحظياً مع حاجة الإجراء. وقد أظهرت العروض قدرة هذه الروبوتات على تنفيذ خطوات معقدة بثباتٍ يفوق اليد البشرية، مع تقليل هامش الخطأ ورفع مستوى الأمان الجراحي.

التجديد الحيوي... من الخيال إلى التجربة

عرضت جامعات نيويورك وكورنيل أبحاثاً حول بروتينات مثل «BMP-2»، وهو بروتين ينشّط نمو العظم، و«FGF-2» عامل يساعد الخلايا على الانقسام والتئام الأنسجة خصوصاً الألياف، إلى جانب تقنيات الخلايا الجذعية لإحياء الهياكل الدقيقة للسن.

في حديث مباشر مع «الشرق الأوسط»

وأثناء جولة «الشرق الأوسط» في معرض اجتماع نيويورك لطبّ الأسنان، التقت الدكتورة لورنا فلامر–كالديرا، الرئيس المنتخب لاجتماع نيويورك الكبرى لطب الأسنان، التي أكدت أنّ طبّ الأسنان يشهد «أكبر تحوّل منذ ثلاثة عقود»، مشيرة إلى أنّ المملكة العربية السعودية أصبحت جزءاً فاعلاً في هذا التحوّل العالمي.

وأضافت الدكتورة لورنا، خلال حديثها مع الصحيفة في أروقة المؤتمر، أنّ اجتماع نيويورك «يتطلّع إلى بناء شراكات متقدمة مع جهات في السعودية، أسوة بالتعاون القائم مع الإمارات ومؤسسة (إندكس) وجهات دولية أخرى»، موضحة أنّ هناك «فرصاً واسعة للتعاون البحثي والتعليمي في مجالات الزراعة الرقمية والذكاء الاصطناعي والعلاجات المتقدمة»، وأن هذا التوجّه ينسجم بطبيعة الحال مع طموحات «رؤية السعودية 2030».

العرب في قلب الحدث

شارك وفود من السعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين ومصر والعراق في جلسات متقدمة حول الذكاء الاصطناعي والزراعة الرقمية، وكان حضور الوفود لافتاً في النقاشات العلمية، ما عكس الدور المتنامي للمنطقة في تشكيل مستقبل طبّ الأسنان عالمياً.

نيويورك... حيث يبدأ الغد

منذ بدايات اجتماع نيويورك قبل أكثر من قرن، بقيت المدينة مرآةً لتحوّلات المهنة ومختبراً مفتوحاً للمستقبل. وعلى امتداد 5 أيام من الجلسات والمحاضرات والورش العلمية، رسّخ اجتماع نيويورك السنوي مكانته كأكبر تجمع عالمي لطبّ الأسنان، وكمنصّة تُختبر فيها التقنيات التي ستعيد رسم ملامح المهنة في السنوات المقبلة. كما يقول ويليام جيمس، مؤسس الفلسفة البراغماتية الأميركية، إنّ أميركا ليست مكاناً، بل تجربة في صناعة المستقبل... وفي نيويورك تحديداً، يبدو مستقبل طبّ الأسنان قد بدأ بالفعل.


دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
TT

دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)

أدت الزيادة الكبيرة في أعداد الأقمار الاصطناعية المتمركزة في مدار منخفض حول الأرض إلى تطورات في مجال الاتصالات، منها توفير خدمات النطاق العريض في المناطق الريفية والنائية في أنحاء العالم.

لكنها تسببت أيضا في زيادة حادة في التلوث الضوئي في الفضاء، ما يشكل تهديدا لعمل المراصد الفلكية المدارية. وتشير دراسة جديدة أجرتها إدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) وتركز على أربعة تلسكوبات فضائية، منها تلسكوبان يعملان حاليا وآخران يجري العمل عليهما، إلى أن نسبة كبيرة من الصور التي سيجري التقاطها بواسطة هذه المراصد على مدى العقد المقبل قد تتأثر بالضوء المنبعث أو المنعكس من الأقمار الاصطناعية التي تشترك معها في المدار المنخفض.

وخلص الباحثون إلى أن نحو 40 بالمئة من الصور التي يلتقطها تلسكوب «هابل» الفضائي ونحو 96 بالمئة من تلك التي يلتقطها مرصد «سفير إكس»، يمكن أن تتأثر بضوء الأقمار الاصطناعية. وقال الباحثون إن «هابل» سيكون أقل تأثرا بسبب مجال رؤيته الضيق.

والتلسكوبات المدارية عنصر أساسي في استكشاف الفضاء، نظرا لما تمتلكه من قدرة على رصد نطاق أوسع من الطيف الكهرومغناطيسي مقارنة بالتلسكوبات الأرضية، كما أن غياب التداخل مع العوامل الجوية يمكنها من التقاط صور أكثر وضوحا للكون، مما يتيح التصوير المباشر للمجرات البعيدة أو الكواكب خارج نظامنا الشمسي.

وقال أليخاندرو بورلاف، وهو عالم فلك من مركز أميس للأبحاث التابع لوكالة ناسا في كاليفورنيا وقائد الدراسة التي نشرت في مجلة نيتشر «في حين أن معظم تلوث الضوء حتى الآن صادر من المدن والمركبات، فإن زيادة مجموعات الأقمار الاصطناعية للاتصالات بدأ يؤثر بوتيرة أسرع على المراصد الفلكية في جميع أنحاء العالم».

وأضاف «في الوقت الذي ترصد فيه التلسكوبات الكون في مسعى لاستكشاف المجرات والكواكب والكويكبات البعيدة، تعترض الأقمار الاصطناعية في كثير من الأحيان مجال الرؤية أمام عدساتها، تاركة آثارا ضوئية ساطعة تمحو الإشارة الخافتة التي نستقبلها من الكون. كانت هذه مشكلة شائعة في التلسكوبات الأرضية. ولكن، كان يعتقد، قبل الآن، أن التلسكوبات الفضائية، الأكثر كلفة والمتمركزة في مواقع مراقبة مميزة في الفضاء، خالية تقريبا من التلوث الضوئي الناتج عن أنشطة الإنسان».

وفي 2019، كان هناك نحو ألفي قمر اصطناعي في مدار أرضي منخفض. ويبلغ العدد الآن نحو 15 ألف قمر. وقال بورلاف إن المقترحات المقدمة من قطاع الفضاء تتوقع تمركز نحو 650 ألف قمر اصطناعي في مدار أرضي منخفض خلال العقد المقبل.