نظام «كريسبر» جديد لإسكات الجينات بدلاً من «قصّها»

أداة وراثية أكثر أماناً لا تعتمد على قطع الحمض النووي

نظام «كريسبر» جديد لإسكات الجينات بدلاً من «قصّها»
TT

نظام «كريسبر» جديد لإسكات الجينات بدلاً من «قصّها»

نظام «كريسبر» جديد لإسكات الجينات بدلاً من «قصّها»

توصَّل باحثون في «مركز علوم الحياة بجامعة» فيلنيوس في ليتوانيا، إلى اكتشاف طريقة جديدة رائدة في مجال البحث الجيني تسمح بإسكات (أو إيقاف عمل) جينات معينة دون إجراء قطع دائم للحمض النووي (دي إن إيه).

وتُقدِّم الدراسة مساراً جديداً محتملاً لتعديل الجينات بشكل أكثر أماناً يشبه الضغط على زر «إيقاف مؤقت» على التعليمات الجينية داخل الخلايا.

آلية عمل نظام «كريسبر» الجديد

اكتشف فريق البروفسور باتريك باوش من معهد الشراكة لتقنيات تحرير الجينوم بمركز العلوم الحياتية في جامعة فيلنيوس بليتوانيا، بالتعاون مع خبراء دوليين في البحث المنشور في مجلة «Nature Communications» في 29 أكتوبر (تشرين الأول) 2024، نظاماً جديداً مختلفاً للتعديل الجيني.

وعلى عكس نظام «كريسبر كاس9 (CRISPR-Cas9)»، المعروف الذي اشتهر بقدرته على قطع الحمض النووي (DNA)، يعمل نظام «كريسبر» من النوع «آي في إيه» (IV-A CRISPR) بشكل مختلف، حيث يستخدم مركباً موجهاً بالحمض النووي الريبي لإسكات الجينات دون انشقاق خيوط الحمض النووي «دي إن إيه (DNA)».

كما يستخدم النظام الجديد مركباً مؤثراً يجنِّد إنزيماً يُعرف باسم «دين جي (DinG)». ويعمل هذا الإنزيم عن طريق التحرك على طول خيط الحمض النووي (DNA)، وتسهيل إسكات الجينات من خلال عملية غير جراحية.

تقنية «كريسبر-كاس9» للقص الجيني

هي أداة تعمل كمقص جزيئي لقص تسلسلات معينة من الحمض النووي (دي إن إيه). وتستخدم الحمض النووي الريبي الموجه للعثور على الحمض النووي المستهدف. و«كاس9» هو البروتين الذي يقوم بالقص، وهذا ما يسمح للعلماء بتعديل الجينات عن طريق إضافة أو إزالة أو تغيير أجزاء من الحمض النووي، وهو ما قد يساعد على علاج الأمراض الوراثية، وتعزيز الأبحاث.

** آفاق جديدة لتعديل الجينات بشكل أكثر أماناً وغير جراحي

بروتينات وحلقات

يستخدم نظام «كريسبر» من النوع «IV-A» بروتينين مهمين، هما «Cas8»، و«Cas5» للعثور على بقع محددة على الحمض النووي (DNA). ويبحث هذان البروتينان عن تسلسل قصير من الحمض النووي بجوار المنطقة المستهدفة التي تتطابق مع دليل الحمض النووي الريبي. وبمجرد العثور عليه يبدآن في فك الحمض النووي وإنشاء هياكل تسمى حلقات «آر (R)».

وحلقات «آر» هي الأماكن التي يلتصق فيها الحمض النووي الريبي بخيط واحد من الحمض النووي (DNA)، وتعمل بوصفها إشارةً للنظام لبدء إيقاف أو إسكات الجين.

وكما أوضح البروفسور باوش، فإن «آر» في حلقة «R» تعني الحمض النووي الريبي. وهذه الهياكل أساسية لأنها تخبر النظام متى وأين يبدأ العمل. ولكي تكون حلقات «آر» مستقرةً وفعالةً يجب أن يتطابق الحمض النووي، ودليل الحمض النووي الريبي بشكل صحيح.

وظيفة إنزيم «دين جي»

يساعد إنزيم «DinG» نظام «كريسبر» على العمل بشكل أفضل من خلال فك خيوط الحمض النووي (DNA). وهذا يجعل من الأسهل على النظام التأثير على قسم أكبر من هذا الحمض النووي، ما يجعل عملية إسكات الجينات أكثر فعالية وتستمر لفترة أطول.

وأشار البروفسور باوش إلى أنه نظراً لأن إنزيم «DinG» يمكنه تغيير كيفية التعبير عن الجينات دون قطع الحمض النووي، فقد يؤدي ذلك إلى تطوير أدوات وراثية أكثر أماناً في المستقبل.

تطبيقات محتملة لتخفيف تلف الحمض النووي

يحمل الاكتشاف إمكانات هائلة لتحرير الجينوم والبحث في المستقبل، إذ يمكن أن تخفف الطبيعة غير القاطعة لهذه الطريقة من المخاطر المرتبطة بتلف الحمض النووي( DNA). وهو مصدر قلق عند توظيف تقنيات تحرير الجينات الحالية.

ومن خلال تمكين تعديل الجينات دون إحداث تغييرات دائمة في الحمض النووي( DNA) يمكن أن يكون هذا النهج الجديد مفيداً بشكل خاص في التطبيقات السريرية مثل العلاج الجيني للاضطرابات الوراثية. كما أن القدرة الفريدة لهذا النظام على عبور الحمض النووي دون إجراء قطع، أمر مثير للاهتمام لتطبيقات تحرير الجينات المتقدمة.

الدقة والسلامة

ويعتقد فريق البحث بأن هذه الطريقة يمكن أن تزوِّد العلماء وخبراء التكنولوجيا الحيوية بأدوات أكثر دقة لدراسة وظائف الجينات وتصحيح التشوهات الجينية بطريقة خاضعة للرقابة.

ويمثل الاكتشاف تقدماً كبيراً في مجال البحث الجيني؛ حيث يفتح نظام «كريسبر» من النوع «IV-A» آفاقاً جديدة لتعديل الجينات بشكل أكثر أماناً وغير جراحي، ويمكن أن تحدث هذه الطريقة ثورةً في كيفية دراسة الأمراض الوراثية وعلاجها، مع التركيز على الدقة والسلامة.


مقالات ذات صلة

لماذا يحتاج بعض الناس إلى نوم أقل من غيرهم؟

يوميات الشرق آثار قلة النوم تتراكم مع مرور الوقت مما قد يسبب ضعف التركيز (رويترز)

لماذا يحتاج بعض الناس إلى نوم أقل من غيرهم؟

هل لاحظتَ يوماً كيف ينهض بعض الناس من فراشهم بعد بضع ساعات فقط من النوم، بينما بالكاد يستطيع آخرون العمل دون ثماني ساعات متواصلة؟

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك يعاني مرضى الوسواس القهري مستويات عالية من القلق (رويترز)

كيف تتسبب الجينات في الإصابة بالوسواس القهري؟ دراسة تجيب

كشفت دراسة جديدة عن أن الوسواس القهري قد ينتج عن مئات الجينات التي يلعب كل منها دوراً صغيراً في خطر الإصابة بالاضطراب.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم اكتشاف إنزيم في بكتيريا الأمعاء يمنع اليرقان

اكتشاف إنزيم في بكتيريا الأمعاء يمنع اليرقان

صحة الإنسان تعتمد على «رقصة تكافلية مع السكان الميكروبيين»

د. وفا جاسم الرجب (لندن)
علوم التحكم في حموضة الخلايا قد يكون مفتاحاً لعلاج أمراض المناعة الذاتية

التحكم في حموضة الخلايا قد يكون مفتاحاً لعلاج أمراض المناعة الذاتية

أظهرت دراسة رائدة أجراها باحثون في كلية بيرلمان للطب بجامعة بنسلفانيا في الولايات المتحدة، أن التحكم في حموضة الخلايا قد يمهد الطريق لعلاجات جديدة لأمراض…

د. وفا جاسم الرجب (لندن)
علوم علماء صينيون يكتشفون 64 جيناً مرتبطاً بشيخوخة الدماغ

علماء صينيون يكتشفون 64 جيناً مرتبطاً بشيخوخة الدماغ

«فجوة عمر الدماغ»، مقياس لتقدير «عمر الدماغ» الفعلي وليس الزمني.

د. وفا جاسم الرجب (لندن)

كوريا الجنوبية مهدَّدة بـ«فجوة كبرى» في تطوير الذكاء الاصطناعي

كوريا الجنوبية مهدَّدة بـ«فجوة كبرى» في تطوير الذكاء الاصطناعي
TT

كوريا الجنوبية مهدَّدة بـ«فجوة كبرى» في تطوير الذكاء الاصطناعي

كوريا الجنوبية مهدَّدة بـ«فجوة كبرى» في تطوير الذكاء الاصطناعي

مع تعهد كوريا الجنوبية باستثمار أكثر من 100 تريليون وون (74 مليار دولار) في الذكاء الاصطناعي، فإنها تُرسّخ مكانتها منافساً قوياً في سباق الذكاء الاصطناعي العالمي. وبفضل شركاتها التقنية المتطورة، وبنيتها التحتية القوية، ومواهبها المتميزة، يُتوقع أن تكون كوريا الجنوبية على أهبة الاستعداد للنجاح، كما كتب جوبو شيم*.

معضلة متفاقمة... صراع على سلطة القرار

لكن تحت السطح، تكمن معضلة متفاقمة تُثير تساؤلات مُقلقة حول من يستفيد حقاً من ابتكارات الذكاء الاصطناعي، ومن سيتخلف عن الركب.

في كوريا الجنوبية، لا يُمثل الذكاء الاصطناعي مجرد تحدٍّ تكنولوجي، بل ساحة صراع على السلطة. ففي حين عرقلت فئات مهنية نخبوية -مثل المحامين والأطباء ومحاسبي الضرائب- مراراً وتكراراً الإصلاحات التي يقودها الذكاء الاصطناعي التي تُهدد سلطتها، وجدت المجتمعات المهمشة اجتماعياً واقتصادياً التي غالباً ما تفتقر إلى المهارات أو الدعم اللازم للتكيف، وجدت نفسها في مواجهة تغيرات سريعة.

مقاومة مجتمعية داخلية

لم تأتِ مقاومة ابتكارات الذكاء الاصطناعي من الجهات المعتادة -الحكومات أو الجهات التنظيمية أو المنافسين الدوليين- بل جاءت من الداخل.

خذْ على سبيل المثال «تادا»، خدمة طلب سيارات الأجرة التي وعدت سابقاً ببديل أذكى لنظام سيارات الأجرة القديم في كوريا الجنوبية. إذ على الرغم من نجاحها الأوّلي، اضطرت «تادا» إلى الإغلاق بعد رد فعل عنيف من نقابات سيارات الأجرة، والقيود القانونية اللاحقة. ورد كوريا الجنوبية في هذا الشأن لم ينتهِ بفشل في التسويق، بل بتراجع سياسي تحت ضغط من مجموعة راسخة.

معارضة المحامين والمحاسبين والأطباء

تكرَّر النمط نفسه في مجالات أخرى. فقد عارضت نقابة المحامين الكورية بشدة روبوت الدردشة بالذكاء الاصطناعي التابع لشركة المحاماة «DR & AJU»، وهي منصة تقدم استشارات قانونية، واتهمتها بتقويض المهنة القانونية.

ودخلت «3o3»، وهي خدمة استرداد ضرائب تعتمد على الذكاء الاصطناعي، في صراع مع الجمعية الكورية لمحاسبي الضرائب العموميين المعتمدين. وأثارت «DoctorNow»، وهي شركة ناشئة في مجال الطب عن بُعد، غضب الصيادلة والأطباء الذين يخشون فقدان أدوارهم التقليدية.

وفي كل حالة، لم تكن المقاومة نابعة من عدم نضج التكنولوجيا أو انعدام ثقة الجمهور بها، بل كانت دفاعاً مدروساً عن منطقة مهنية.

خنق الابتكار لتهديده هياكل السلطة القديمة

أظهرت هذه المجموعات -التي غالباً ما تكون منظمة جيداً، ومتصلة سياسياً، وعالية الصوت- أنه في كوريا الجنوبية، يمكن خنق الابتكار ليس بسبب جدواه، ولكن بسبب تهديده هياكل السلطة القديمة. الذكاء الاصطناعي، في هذا السياق، لا يمثل التقدم فحسب، بل يمثل أيضاً تغييراً جذرياً، ولا يرحب به الجميع.

إهمال العاملين المهمَّشين في الوظائف الدنيا

بينما ينشغل المهنيون الأقوياء في كوريا الجنوبية بإقامة حواجز لحماية نفوذهم، يجري إهمال فئة أخرى تماماً: المهمشين اجتماعياً واقتصادياً.

في خضم الاندفاع نحو الأتمتة وتبني الذكاء الاصطناعي، لم يُولَ اهتمام يُذكر لأولئك الذين تكون سبل عيشهم الأكثر عرضة للخطر. ففي متاجر التجزئة وسلاسل مطاعم الوجبات السريعة، حلَّت الأكشاك محل الصرافين البشريين بشكل مطرد.

وفي مجال الخدمات اللوجيستية، بدأت الأنظمة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي في تبسيط عمليات التخزين والتوصيل -غالباً على حساب العمالة المبتدئة. وتشير التقارير إلى أن شركة «ميتابلانت أميركا (HMGMA)» التابعة لمجموعة «هيونداي موتور» في ولاية جورجيا الأميركية توظف روبوتات أكثر من البشر.

استبعاد العاملين... اقتصادياً ومعلوماتياً

قد تعزز هذه التغييرات الإنتاجية، ولكنها تشير، بالنسبة إلى كثير من العمال ذوي المهارات المحدودة، إلى نزوح... أكثر من كونها فرصة. وقد تأخرت كوريا الجنوبية في إيجاد مسارات هادفة للعمال الضعفاء للانتقال إلى اقتصاد الذكاء الاصطناعي.

هذا الاستبعاد ليس اقتصادياً فحسب؛ بل هو أيضاً معلوماتي. إذ لا يزال الإلمام بالذكاء الاصطناعي منخفضاً بين كبار السن والمجتمعات الريفية والفئات ذات الدخل المنخفض. ومن دون الحصول على التدريب أو التعليم، غالباً ما يُعامل هؤلاء المواطنون على أنهم متلقون سلبيون للتغيير، بدلاً من أن يكونوا مشاركين فاعلين في تشكيله.

عندما تُعرقل المقاومة الراسخة الابتكار ويظل المجتمع مجزأً، فإن التكلفة لا تقتصر على عدم المساواة، بل تصبح عائقاً أمام التقدم الوطني نفسه.

تخطيط طموح وأضرار محتملة

إن خطة الحكومة الكورية الطموحة لاستثمار 100 تريليون وون في الذكاء الاصطناعي تُرسل إشارة قوية على النية. ولكن إذا تدفقت هذه الأموال إلى أيدي صناعات محمية بالفعل، أو عززت سيطرة الجهات التنظيمية، أو موَّلت الأتمتة دون ضمانات للعمال المُسرّحين، فإنها تُخاطر بإلحاق ضرر أكبر من نفعها. فمن دون تخطيط شامل، قد تُسرّع هذه الاستثمارات من عدم المساواة بدلاً من الابتكار.

إنشاء نظامٍ أكثر عدلاً يدعم الفئات الضعيفة

هذه ليست مشكلةً فريدةً في كوريا الجنوبية. ففي جميع أنحاء العالم، بدأت الدول التي تتبع خطىً سريعةً في هذا المجال تواجه المفارقة نفسها.

إذا أرادت كوريا الجنوبية حقاً أن تصبح قوةً في مجال الذكاء الاصطناعي، فعليها أن تتجاوز إطار بناء آلاتٍ أكثر ذكاءً... إنها تحتاج إلى إنشاء نظامٍ أكثر عدلاً يُخفّض الحواجز، ويدعم الفئات الضعيفة، ويضمن للجميع مكاناً في المستقبل الذي تتصوره.

* مجلة «ذا ديبلومات»، خدمات «تريبيون ميديا».