تحليل دور الجينات في مرض الكبد الدهني

دراستان بريطانية وأميركية لرصدها لدى المصابين

تحليل دور الجينات في مرض الكبد الدهني
TT

تحليل دور الجينات في مرض الكبد الدهني

تحليل دور الجينات في مرض الكبد الدهني

كشف بحث جديد عن اختراق محتمل في علاج مرض الكبد الدهني غير الكحولي (non-alcoholic fatty liver disease). وهي حالة تؤثر على نحو شخص من كل أربعة في جميع أنحاء العالم.

وأجرى الدراسة فريق دولي بقيادة البروفسورة لورا هيسلر، من «معهد رويت» بجامعة أبردين في المملكة المتحدة، والدكتورة فيونا موراي من «معهد العلوم الطبية» بالجامعة، ونُشرت في مجلة «سيل ميتابولزم» (Cell Metabolism) في 26 أبريل (نيسان) 2024.

تحليل جيني بريطاني لمرض الكبد

حللت الدراسة بيانات عن جينات أكثر من 400 ألف فرد من البنك الحيوي في المملكة المتحدة، وكشفت عن وجود ارتباط كبير بين المتغيرات في جين يدعى «جي بي آر 75» (GPR75) وبين التعرض للتنكس الدهني الكبدي (hepatic steatosis) وهو شكل من أشكال مرض الكبد الدهني غير الكحولي الذي يتميز بتراكم الدهون في الكبد.

علاوة على ذلك، أظهرت التجارب التي أُجريت على الفئران أن إزالة الجين «جي بي آر 75» حالت دون تطور الكبد الدهني، حتى في حالة اتباع النظام الغذائي في الدول الغربية. وهذا ما سلط الضوء على الآثار العلاجية المحتملة لاستهداف هذا الجين.

والنظام الغذائي ذو النمط الغربي هو نمط غذائي يتميز عموماً بتناول كميات كبيرة من الأطعمة الجاهزة المعبأة مسبقاً، والحبوب المكررة، واللحوم الحمراء، واللحوم المصنعة، والمشروبات عالية السكر، والحلوى، والأطعمة المقلية، والمنتجات الحيوانية المنتجة صناعياً، والزبدة.

تطويرات علاجية

وشددت لورا هيسلر على أهمية هذه النتائج؛ مشيرة إلى وجود نقص في الأدوية المتاحة المصممة خصيصاً لعلاج مرض الكبد الدهني غير الكحولي، وكذلك العواقب الوخيمة للمرض المتقدم، مثل تليف الكبد الذي قد يتطلب زراعة الكبد.

من جهتها، أكدت الدكتورة فيونا موراي إمكانية استخدام الجين «جي بي آر 75» بوصفه هدفاً قابلاً للارتباط (druggable target). وهذا مصطلح يُستخدم في ميدان اكتشاف الأدوية، لوصف هدف بيولوجي -مثل البروتين- معروف، أو متوقع له أن يرتبط بشكل كبير بالدواء.

ومن خلال الاستفادة من هذا الاكتشاف، يهدف الباحثون إلى مواصلة البحث في استراتيجيات تثبيط نشاط الجين «جي بي آر 75»، من أجل ترجمة النتائج التي توصلوا إليها إلى تطبيقات سريرية.

وتمتد آثار الدراسة إلى ما هو أبعد من مرض الكبد الدهني غير الكحولي، لتتماشى مع الأهداف البحثية الأوسع لـ«مركز أبردين للقلب والأوعية الدموية والسكري» في المملكة المتحدة، للكشف عن أهداف علاجية جديدة للأمراض الأيضية، والحالات ذات الصلة، بما في ذلك أمراض القلب وارتفاع ضغط الدم والسكري.

دراسة أميركية لخلل التمثيل الغذائي

وقد وفَّرت دراسة رائدة أخرى نُشرت في مجلة (Life Science Alliance) في 2 أبريل 2024 من قبل إجنازيو بيراس، من قسم علم الجينوم العصبي، وجوانا ديستيفانو من وحدة أبحاث مرض السكري والأمراض الأيضية، وكلاهما من معهد أبحاث الجينوم الانتقالي، بمدينة فينيكس، بولاية أريزونا، في الولايات المتحدة، رؤى مهمة حول الدوافع الجزيئية لمرض الكبد الدهني المرتبط بخلل التمثيل الغذائي (الخلل الأيضي) وشكله الأكثر خطورة التهاب الكبد الدهني المرتبط بخلل التمثيل الغذائي metabolic dysfunction-associated steatohepatitis» (MASH)»؛ إذ يؤثر مرض الخلل الأيضي المرتبط بمرض الكبد الدهني Metabolic dysfunction-associated steatotic liver disease» (MASLD)» الذي يُعرف أيضاً باسم مرض الكبد الدهني غير الكحولي، على جزء كبير من سكان العالم. ومن المتوقع أن يصبح أكثر انتشاراً في العقود القادمة، كما يشكل خطراً أكبر لحدوث مضاعفات صحية خطيرة، ما يسلط الضوء على الحاجة الملحة للتدخلات الدوائية الفعالة.

شبكات جينات ترتبط بمرض الكبد

وتمثل الدراسة أكبر تحليل لمجموعات بيانات التعبير الجيني -وهي العملية التي يتم من خلالها استخدام المعلومات الجينية لاصطناع منتجات جينية وظيفية؛ إذ تحتوي كل خلية في الجسم على الحمض النووي نفسه، باستثناء بعض الخلايا، مثل خلايا الدم الحمراء وبعض خلايا الجهاز المناعي- حتى الآن.

وتتضمن البيانات معلومات من 10 مجموعات متنوعة، تضم أكثر من ألف مريض، وعناصر تحكم من خلال فحص أنماط التعبير الجيني عبر مجموعات البيانات هذه؛ حيث حدد الباحثون شبكات الجينات المرتبطة بالخلل الأيضي المرتبط بمرض الكبد الدهني. واكتشفوا جينات جديدة لم يتم ربطها سابقاً بالمرض.

وتقدم هذه النتائج رؤى قيِّمة حول الآليات الجزيئية الكامنة وراء تطور الخلل الأيضي المرتبط بمرض الكبد الدهني، وتوفر أهدافاً محتملة للتدخلات العلاجية. ومن خلال استهداف هذه الجينات يهدف الباحثون إلى تطوير علاجات جديدة لمنع تطور التهاب الكبد الدهني المرتبط بخلل التمثيل الغذائي، والتخفيف من المخاطر الصحية المرتبطة به.


مقالات ذات صلة

نظام «كريسبر» جديد لإسكات الجينات بدلاً من «قصّها»

علوم نظام «كريسبر» جديد لإسكات الجينات بدلاً من «قصّها»

نظام «كريسبر» جديد لإسكات الجينات بدلاً من «قصّها»

زر «إيقاف مؤقت» على التعليمات الجينية داخل الخلايا

د. وفا جاسم الرجب (لندن)
صحتك أطفال سوريون في مخيم ببلدة سعد نايل في منطقة البقاع (أ.ف.ب)

الحرب تؤثر على جينات الأطفال وتبطئ نموهم

لا يعاني الأطفال الذين يعيشون في بلدان مزقتها الحرب من نتائج صحية نفسية سيئة فحسب، بل قد تتسبب الحرب في حدوث تغييرات بيولوجية ضارة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
علوم  41 منطقة جديدة من الجينوم تعمل على تعديل خطر الإصابة بالانزلاق الغضروفي (غيتي)

الكشف عن العوامل الوراثية المرتبطة بـ«الانزلاق الغضروفي»

تؤثر مناطق الجينوم المكتشفة حديثاً على بنية القرص الفقري والالتهاب ووظيفة الأعصاب.

د. وفا جاسم الرجب (لندن)
علوم الصورة لحالة من سرطان الخلايا القاعدية... أحد أنواع سرطان الجلد

«تقنيات جينومية» لفهم أعمق لسرطان الجلد العدواني

«قرحة مارجولين» الخبيثة لا يمكن تشخيصها بسهولة.

د. وفا جاسم الرجب
علوم «الحمض النووي الريبي الطويل غير المشفَّر» مفتاح لعلاج الصرع والتوحد

«الحمض النووي الريبي الطويل غير المشفَّر» مفتاح لعلاج الصرع والتوحد

اكتشاف مهم للمرضى المعانين من اضطراب نادر في النمو العصبي

د. وفا جاسم الرجب (لندن)

جدل أخلاقي حول «تحرير الجينوم البشري» لإنجاب أطفال معدّلين وراثياً

gettyimages
gettyimages
TT

جدل أخلاقي حول «تحرير الجينوم البشري» لإنجاب أطفال معدّلين وراثياً

gettyimages
gettyimages

أثار التغيير الأخير في إرشادات البحث الصحي الوطنية بجنوب أفريقيا الذي صدر في مايو (أيار) 2024 موجة من الجدل الأخلاقي، إذ يبدو أنه يفتح الطريق أمام استخدام تقنية تحرير الجينوم لإنجاب أطفال معدلين وراثياً مما يجعل جنوب أفريقيا أول دولة تتبنى هذ ا التوجه بشكل علني.

القصّ الجيني

ويعود السبب في الخلاف الحاد حول تحرير الجينوم البشري الوراثي (الفصّ الجيني) إلى تأثيراته الاجتماعية وإمكانياته المتعلقة بالانتقاء الجيني، ويعدُّ هذا التوجه مثيراً للاستغراب نظراً للمخاطر العالية التي تحيط بهذه التقنية.

وقد لفتت الانتباه إلى أن جنوب أفريقيا بصدد تسهيل هذا النوع من الأبحاث، كما ذكرت كاتي هاسون المديرة المساعدة في مركز علم الوراثة والمجتمع المشاركة في تأليف مقالة نشرت في 24 أكتوبر (تشرين الأول) 2024 في مجلة The Conversation.

وكان عام 2018 شهد قضية عالم صيني قام بتعديل جينات أطفال باستخدام تقنية «كريسبر» CRISPR لحمايتهم من فيروس نقص المناعة البشرية، مما أثار استنكاراً عالمياً وانتقادات من العلماء والمجتمع الدولي الذين رأوا أن هذا الاستخدام غير مبرر. وانتقد البعض سرية الطريقة، في حين شدد آخرون على ضرورة توفير رقابة عامة صارمة حول هذه التقنية ذات الأثر الاجتماعي الكبير.

معايير جديدة

ومع ذلك يبدو أن جنوب أفريقيا قد عدلت توجيهاتها للأبحاث في الصحة لتشمل معايير محددة لأبحاث تحرير الجينوم الوراثي لكنها تفتقر إلى قواعد صارمة تتعلق بالموافقة المجتمعية رغم أن التوجيهات تنص على ضرورة تبرير البحث من الناحية العلمية والطبية مع وضع ضوابط أخلاقية صارمة وضمان السلامة والفعالية. إلا أن هذه المعايير ما زالت أقل تشدداً من توصيات منظمة الصحة العالمية.

* التوافق مع القانون. وتأتي هذه الخطوة وسط انقسام في القانون بجنوب أفريقيا حيث يحظر قانون الصحة الوطني لعام 2004 التلاعب بالمواد الوراثية في الأجنة لأغراض الاستنساخ البشري. ورغم أن القانون لا يذكر تقنيات تعديل الجينات الحديثة مثل «كريسبر» فإن نصوصه تشمل منع تعديل المادة الوراثية البشرية ما يُلقي بتساؤلات حول التوافق بين القانون والتوجيهات الأخلاقية.

* المخاوف الأخلاقية. ويثير هذا التطور مخاوف واسعة بما في ذلك تأثيرات تقنية كريسبر على النساء والآباء المستقبليين والأطفال والمجتمع والنظام الجيني البشري ككل. وأثيرت تساؤلات حول إمكانية أن تكون جنوب أفريقيا مهيأة لاستقطاب «سياحة علمية»، حيث قد تنجذب مختبرات علمية من دول أخرى للاستفادة من قوانينها الميسرة.

استخدام تقنية «كريسبر»

وفي سابقة هي الأولى من نوعها في العالم وافقت الجهات التنظيمية الطبية في المملكة المتحدة العام الماضي على علاج جيني لاضطرابين في الدم.

ويعد علاج مرض «فقر الدم المنجلي» و«بيتا ثلاسيميا» أول علاج يتم ترخيصه باستخدام أداة تحرير الجينات المعروفة باسم كريسبر. ويعد هذا تقدماً ثورياً لعلاج حالتين وراثيتين في الدم وكلاهما ناتج عن أخطاء في جين الهيموغلوبين، حيث ينتج الأشخاص المصابون بمرض فقر الدم المنجلي خلايا دم حمراء ذات شكل غير عادي يمكن أن تسبب مشكلات لأنها لا تعيش طويلاً مثل خلايا الدم السليمة، ويمكن أن تسد الأوعية الدموية مما يسبب الألم والالتهابات التي تهدد الحياة.

وفي حالة المصابين ببيتا ثلاسيميا فإنهم لا ينتجون ما يكفي من الهيموغلوبين الذي تستخدمه خلايا الدم الحمراء لحمل الأكسجين في جميع أنحاء الجسم، وغالباً ما يحتاج مرضى بيتا ثلاسيميا إلى نقل دم كل بضعة أسابيع طوال حياتهم

علاج واعد لاضطرابات الدم

الموافقة عليه أخيراً في المملكة المتحدة على تحرير الجينات باستخدام طريقة مطورة من تقنية «كريسبر - كاس 9» CRISPR - Cas 9 لعلاج مرض فقر الدم المنجلي ومرض بيتا ثلاسيميا، من خلال تعديل الحمض النووي «دي إن إيه» بدقة حيث يتم أخذ الخلايا الجذعية من نخاع العظم وهي الخلايا المكونة للدم في الجسم من دم المريض.

ويتم تحرير الجينات باستخدام مقصات «كريسبر» الجزيئية بإجراء قطع دقيقة في الحمض النووي لهذه الخلايا المستخرجة واستهداف الجين المعيب المسؤول عن إنتاج الهيموغلوبين المعيب. ويؤدي هذا إلى تعطيل «الجين - المشكلة» وإزالة مصدر الاضطراب بشكل فعال ثم يعاد إدخال الخلايا المعدلة إلى مجرى دم المريض. ومع اندماج هذه الخلايا الجذعية المعدلة في نخاع العظم تبدأ في إنتاج خلايا الدم الحمراء الصحية القادرة على العمل بشكل طبيعي حيث يصبح الجسم الآن قادراً على توليد الهيموغلوبين المناسب.

وقد أظهرت هذه العملية نتائج واعدة في التجارب السريرية فقد تم تخفيف الألم الشديد لدى جميع مرضى فقر الدم المنجلي تقريباً (28 من 29 مريضاً) ولم يعد 93 في المائة من مرضى ثلاسيميا بيتا (39 من 42 مريضاً) بحاجة إلى نقل الدم لمدة عام على الأقل. ويشعر الخبراء بالتفاؤل بأن هذا قد يوفرعلاجاً طويل الأمد وربما مدى الحياة.

ويقود البروفسور جوسو دي لا فوينتي من مؤسسة إمبريال كوليدج للرعاية الصحية التابعة لهيئة الخدمات الصحية الوطنية، التجارب في المملكة المتحدة لهذا العلاج لكل من البالغين والأطفال، ويصفه بأنه اختراق تحويلي مع وجود نحو 15 ألف شخص في المملكة المتحدة مصابين بمرض فقر الدم المنجلي ونحو ألف مصابين بالثلاسيميا، إذ يمكن أن يحسن «كاسجيفي» نوعية الحياة بشكل كبير، وخاصة بالنسبة لأولئك الذين يواجهون نطاق علاج محدود.

وتُعد «كريسبر - كاس 9» واحدة من الابتكارات الرائدة التي أحدثت تحولاً في الأبحاث الطبية والأدوية رغم أن استخدامها يثير جدلاً أخلاقياً، نظراً لاحتمالية تأثير تعديل الجينات على الأجيال المقبلة. وقد مُنحت جائزة نوبل في الكيمياء لعام 2020 لجنيفر دودنا وإيمانويل شاربنتييه لمساهمتهما الأساسية في اكتشاف طريقة فعالة لتحرير الجينات، أي التدخل الدقيق الذي يسمح بإدخال التعديلات المطلوبة داخل الحمض النووي بطريقة بسيطة بكفاءة وسريعة واقتصادية.