«الحمض النووي الريبي الطويل غير المشفَّر» مفتاح لعلاج الصرع والتوحد

دراسته تبشر بتطوير وسائل الحدّ من الاضطرابات الوراثية

«الحمض النووي الريبي الطويل غير المشفَّر» مفتاح لعلاج الصرع والتوحد
TT

«الحمض النووي الريبي الطويل غير المشفَّر» مفتاح لعلاج الصرع والتوحد

«الحمض النووي الريبي الطويل غير المشفَّر» مفتاح لعلاج الصرع والتوحد

تمكن باحثون في كلية الطب بجامعة نورث وسترن في الولايات المتحدة من تحديد الحمض النووي الريبي الطويل غير المشفر الذي يعمل مثل المكابح، حيث يتحكم في كمية البروتين التي ينتجها الجين.

ويعد هذا الاكتشاف مهماً للمرضى الذين يعانون من اضطراب نادر في النمو العصبي عندما يتسارع إنتاج البروتين بشكل لا يمكن السيطرة عليه، ما يؤدي إلى أعراض شديدة بما في ذلك حدوث الإعاقات الفكرية الشديدة، وضعف الكلام وفقدان المهارات الحركية.

الحمض النووي الريبي الطويل غير المشفّر

وتسلط دراسة جديدة نُشرت في مجلة نيو إنغلاند الطبية the New England Journal of Medicine في 23 أكتوبر (تشرين الأول) 2024 برئاسة الباحثة الرئيسية الدكتورة جيما كارفيل، الأستاذة المساعدة في علم الأعصاب وعلم الأدوية وطب الأطفال في كلية فاينبرغ للطب بجامعة نورث وسترن الولايات المتحدة الضوء على دور الحمض النووي الريبي الطويل غير المشفر الذي يسمى (lncRNA) (long non - coding RNA). وهو نوع من الحمض النووي الريبي الذي لا يتم ترجمته إلى بروتين، والذي يلعب دوره في منع الإفراط في إنتاج البروتين.

آفاق علاجية للصرع والتوحد

وتؤكد الدراسة إمكانات الآليات التنظيمية القائمة على الحمض النووي الريبي بوصفها أهدافاً للعلاجات المستقبلية. ففي حين أن معظم الحمض النووي الريبي يصنع البروتينات، فإن الحمض النووي الريبي الطويل غير المشفر لا يصنع البروتينات، ولكنه ضروري لتنظيم نشاط الجينات.

ولا يقتصر الأمر على أن هذا الاكتشاف له آفاق علاجية على المرضى الذين يعانون من اضطرابات النمو العصبي مثل الصرع والتوحد، بل إن الدراسة تؤكد أيضاً الحاجة إلى استكشاف المناطق غير المشفرة غير المدروسة داخل الجينوم البشري.

فرط إنتاج البروتين

ويعد أحد الجينات وهو الجين CHD2 بالغ الأهمية لتطور الدماغ، حيث ينتج بروتيناً يجب أن يكون موجوداً بكمية متوازنة، فالكثير جداً أو القليل جداً يؤدي إلى خلل كبير في وظائف الدماغ.

وفي حالة المرضى الذين يعانون من اضطراب نادر عندما يُزال الحمض النووي الريبي الطويل غير المشفر، تتم إزالة «الفرامل» عن إنتاج البروتين بشكل فعال، ما يؤدي إلى الإفراط في الإنتاج. وينتج عن ذلك أعراض شديدة بما في ذلك التأخير الفكري وعدم القدرة على الكلام والإعاقة البدنية.

دراسة بشرية

وبينما ركزت الدراسات السابقة في الغالب على نماذج الفئران، فإن هذه الدراسة قدمت أول دليل على البشر باستخدام بيانات من ثلاثة مرضى يعانون من إنتاج البروتين المفرط بسبب حذف الحمض النووي الريبي الطويل غير المشفر.

وأشارت النتائج إلى أن جين CHD2 هو واحد فقط من العديد من الجينات التي تحتاج إلى مستويات بروتين منظمة بإحكام للعمل السليم. وقد لاحظت المؤلفة المشاركة آن أودونيل لوريا، المديرة المشاركة لمركز برود لعلم الجينوم المندلي وعضوة المعهد في برود وطبيبة علم الوراثة السريرية في مستشفى بوسطن للأطفال والأستاذة المساعدة في طب الأطفال في كلية الطب بجامعة هارفارد، أن هذه النتائج يمكن أن تساعد في تقديم إجابات للمرضى الذين يعانون من اضطرابات وراثية نادرة غير مشخصة.

وهذا، كما تقول، يشير إلى الحاجة إلى استكشاف المناطق غير المشفرة في الجينوم في التشخيص؛ إذ غالباً ما تخفق أو تفشل الاختبارات الجينية التقليدية التي تفحص فقط 1 بالمائة من الجينوم الذي يشفر البروتينات. أما العناصر غير المشفرة مثل الحمض النووي الريبي الطويل غير المشفر فيمكن أن تكشف عن الأسباب الجينية الخفية للمرض، وقد تقدم إجابات لبعض العائلات العديدة التي لا تزال تنتظر تشخيص مرض نادر.

علاجات مستقبلية

وحالياً يتم علاج مرضى الصرع بأدوية مضادة للنوبات، ولكنها تعالج أعراض الاضطراب وليس السبب الجذري. وبالإضافة إلى ذلك لا يستجيب 30 بالمائة من مرضى الصرع للأدوية الحالية.

ومن الناحية المثالية ترغب كارفيل وفريقها في علاج مرضى الصرع والاضطرابات الأخرى المرتبطة بالنوبات باستخدام علاجات تستهدف الجينات لتصحيح السبب الجذري، أي التغيير الجيني. ويمثل تحديد المناطق غير المشفرة التي تتحكم في التعبير الجيني مثل الحمض النووي الريبي الطويل غير المشفر إحدى الطرق التي يفكر بها فريقها في استخدام معرفتهم بالجينوم البشري لتصميم علاجات تستهدف الجينات.

خريطة طريق لعلاج الاضطرابات

تم اكتشاف طفرات الجين CHD2 في عام 2013 بوصفها عاملاً وراثياً في ​​الصرع. وغالباً ما تؤدي الطفرات إلى نوبات مقاومة للعلاج وإعاقة ذهنية وتأخر في النمو والتوحد وأعراض عصبية أخرى.

كما سلطت إحدى الدراسات الحديثة التي نشرت في 8 أكتوبر 2024 في مجلة Therapeutic Advances in Rare Disease برئاسة برايان برودبنت، طبيب مشارك في التحالف لعلاج طفرات الجين CHD2 في مدينة دالاس الأميركية، الضوء على الحمض النووي الريبي الطويل غير المشفر القريب الذي ينظم التعبير عن الجين CHD2 بوصفه هدفاً علاجياً محتملاً.

ويُظهر الأفراد الذين يعانون من حذف هذا الحمض تعبيراً (إنتاجاً) زائداً عن الجين، ونتيجة لذلك يعانون من أعراض أكثر حدة.

وتهدف «خريطة الطريق لعلاج الجين CHD2» التي وضعها مركز «التحالف من أجل العلاج» في الولايات المتحدة (CCC) CHD2 The Coalition to Cure لإيجاد علاجات آمنة وفعالة من شأنها علاج الاضطرابات المرتبطة بالجين، وكذلك إلى تسريع التقدم من خلال ست خطوات هي: تحديد المرضى وتعريفهم، وتطوير نماذج الجين، ودراسة هذه النماذج، واختبار العلاجات، وإشراك مجتمع المرضى، وفي النهاية إيجاد العلاج.

وتشمل العلاجات المحتملة كلاً من العلاجات الجديدة الخاصة ببيولوجيا الجين CHD2 وإعادة استخدام المركبات المعتمدة من قِبل إدارة الغذاء والدواء في الولايات المتحدة. لكن لا تزال هناك تحديات رئيسية مثل تحديد المؤشرات الحيوية القابلة للقياس وضمان توصيل العلاج إلى المخ، والإجابة عن الأسئلة العلمية المعقدة المحيطة بوظائف الجين والحمض النووي الريبي الطويل غير المشفر.


مقالات ذات صلة

لماذا يحتاج بعض الناس إلى نوم أقل من غيرهم؟

يوميات الشرق آثار قلة النوم تتراكم مع مرور الوقت مما قد يسبب ضعف التركيز (رويترز)

لماذا يحتاج بعض الناس إلى نوم أقل من غيرهم؟

هل لاحظتَ يوماً كيف ينهض بعض الناس من فراشهم بعد بضع ساعات فقط من النوم، بينما بالكاد يستطيع آخرون العمل دون ثماني ساعات متواصلة؟

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك يعاني مرضى الوسواس القهري مستويات عالية من القلق (رويترز)

كيف تتسبب الجينات في الإصابة بالوسواس القهري؟ دراسة تجيب

كشفت دراسة جديدة عن أن الوسواس القهري قد ينتج عن مئات الجينات التي يلعب كل منها دوراً صغيراً في خطر الإصابة بالاضطراب.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم اكتشاف إنزيم في بكتيريا الأمعاء يمنع اليرقان

اكتشاف إنزيم في بكتيريا الأمعاء يمنع اليرقان

صحة الإنسان تعتمد على «رقصة تكافلية مع السكان الميكروبيين»

د. وفا جاسم الرجب (لندن)
علوم التحكم في حموضة الخلايا قد يكون مفتاحاً لعلاج أمراض المناعة الذاتية

التحكم في حموضة الخلايا قد يكون مفتاحاً لعلاج أمراض المناعة الذاتية

أظهرت دراسة رائدة أجراها باحثون في كلية بيرلمان للطب بجامعة بنسلفانيا في الولايات المتحدة، أن التحكم في حموضة الخلايا قد يمهد الطريق لعلاجات جديدة لأمراض…

د. وفا جاسم الرجب (لندن)
علوم علماء صينيون يكتشفون 64 جيناً مرتبطاً بشيخوخة الدماغ

علماء صينيون يكتشفون 64 جيناً مرتبطاً بشيخوخة الدماغ

«فجوة عمر الدماغ»، مقياس لتقدير «عمر الدماغ» الفعلي وليس الزمني.

د. وفا جاسم الرجب (لندن)

روبوت يُجري عملية استئصال مرارة بكفاءة بشرية

في غرف العمليات حول العالم يُعزز الذكاء الاصطناعي دقة الجراحة وكفاءتها من خلال أنظمة روبوتية مدعومة بالذكاء الاصطناعي (رويترز)
في غرف العمليات حول العالم يُعزز الذكاء الاصطناعي دقة الجراحة وكفاءتها من خلال أنظمة روبوتية مدعومة بالذكاء الاصطناعي (رويترز)
TT

روبوت يُجري عملية استئصال مرارة بكفاءة بشرية

في غرف العمليات حول العالم يُعزز الذكاء الاصطناعي دقة الجراحة وكفاءتها من خلال أنظمة روبوتية مدعومة بالذكاء الاصطناعي (رويترز)
في غرف العمليات حول العالم يُعزز الذكاء الاصطناعي دقة الجراحة وكفاءتها من خلال أنظمة روبوتية مدعومة بالذكاء الاصطناعي (رويترز)

في إنجاز يُعد سابقة علمية في مجال الجراحة الآلية، أعلن باحثون من جامعة «جونز هوبكنز» الأميركية نجاح روبوت جراحي في إجراء عملية استئصال مرارة بشكل مستقل وبدقة بلغت 100 في المائة، في تجربة تُوصف بأنها نقطة تحول نحو مستقبل يعتمد على أنظمة جراحية مستقلة، وفقاً لموقع «سكاي».

وقال الباحثون إن الروبوت استطاع تنفيذ الجراحة على نموذج يحاكي جسد الإنسان بدقة، بعد أن خضع لتدريب متقدم على تسجيلات مصورة لعمليات جراحية سابقة، ليتمكن من اتخاذ قرارات فورية، والتعامل مع مفاجآت مشابهة لما قد يواجهه الجراح البشري داخل غرفة العمليات.

وفي تعليق على التجربة، قال الدكتور أكسل كريغر، الأستاذ المشارك في قسم الهندسة الميكانيكية بالجامعة: «ما قمنا به يمثل انتقالاً نوعياً من روبوتات تنفِّذ أوامر محددة إلى أنظمة تدرك السياق الجراحي الكامل. هذه قفزة تكنولوجية حقيقية تقرِّبنا من بيئة طبية تستخدم روبوتات قادرة على اتخاذ القرار والتكيف مع المتغيرات بشكل ذاتي».

العملية التي نُفذت شملت 17 خطوة دقيقة، منها تحديد الشرايين والقنوات، ووضع المشابك الجراحية في نقاط استراتيجية، ومن ثم إزالة المرارة باستخدام أدوات دقيقة. حتى عند إدخال مادة صبغية غيّرت مظهر الأنسجة، حافظ الروبوت على أدائه الدقيق، دون تدخل بشري مباشر.

وتمكّن الجهاز من الاستجابة لتوجيهات صوتية مثل: «أمسك رأس المرارة» و «حرّك الذراع اليسرى قليلاً».

ويستند هذا النظام إلى نماذج تعليم آلي شبيهة بتلك التي تدعم تقنيات الذكاء الاصطناعي مثل «شات جي بي تي»، مما يتيح له القدرة على التكيف مع اختلافات التشريح بين المرضى وتصحيح الأخطاء تلقائياً في أثناء الجراحة.

وقد مولت هذا البحث جهات فيدرالية، ونُشرت نتائجه في دورية «Science Robotics» العلمية المتخصصة.

وفي مقارنة بأعمال سابقة، أشار الفريق إلى تجربة أُجريت عام 2022، شهدت تنفيذ روبوت جراحة على خنزير، لكنها كانت ضمن بيئة شديدة الضبط وتحت خطة جراحية محددة سلفاً. أما الإنجاز الحالي، فيصفه كريغر بأنه يشبه الانتقال من تعليم قيادة على طريق واحد إلى قدرة القيادة في شوارع متعددة وتحت ظروف متغيرة.

في سياق متصل، شددت الدكتورة نُهى ياسين، استشارية الجراحة الروبوتية وعضو مجلس الكلية الملكية للجراحين في إنجلترا، على ضرورة توخي الحذر رغم الإعجاب بالتقدم العلمي، قائلةً: «رغم ما تحمله هذه النتائج من وعود واعدة، تبقى الاختبارات السريرية على البشر المعيار الحقيقي لقياس مدى أمان وفاعلية هذا النوع من الابتكارات، لا سيما حين يتعلق الأمر بسلامة المريض».

ورغم أن الوقت الذي استغرقه الروبوت في تنفيذ العملية تجاوز نظيره البشري، فإن جودة الأداء والنتائج الجراحية جاءت متطابقة مع ما قد يقدمه جرّاح متمرس، وفقاً لفريق الباحثين. ويواصل الفريق حالياً توسيع نطاق التجارب لتشمل أنواعاً إضافية من العمليات الجراحية، مما قد يؤسس لمرحلة جديدة في عالم الجراحة الآلية.