بعد 27 عاماً في الخدمة... صاروخ «أريان 5» الفضائي يتقاعد

القطاع الأوروبي يعاني من فراغ

صورة تم التقاطها في 29 يوليو تظهر أريان 5 على منصة الإطلاق (أ.ف.ب)
صورة تم التقاطها في 29 يوليو تظهر أريان 5 على منصة الإطلاق (أ.ف.ب)
TT

بعد 27 عاماً في الخدمة... صاروخ «أريان 5» الفضائي يتقاعد

صورة تم التقاطها في 29 يوليو تظهر أريان 5 على منصة الإطلاق (أ.ف.ب)
صورة تم التقاطها في 29 يوليو تظهر أريان 5 على منصة الإطلاق (أ.ف.ب)

يُحال الصاروخ الأوروبي الشهير «أريان 5» على التقاعد بعد 27 عاماً في الخدمة، ويأتي خروجه منها في مرحلة يعاني فيها قطاع الفضاء في أوروبا فراغاً، إذ باتت القارة شبه محرومة من بلوغ الفضاء بإمكاناتها الخاصة المستقلة في انتظار بدء العمل بصاروخ «أريان 6»، بينما تحتدم المنافسة عالمياً في هذا المجال.

صورة التقطت في 7 سبتمبر 2022 لصاروخ أريان 5 مع القمر الصناعي EUTELSAT Konnect VHTS (أ.ف.ب)

وسينقل صاروخ «أريان 5» في مهمة فضائية هي الـ117 والأخيرة له ومرتقبة الجمعة بين الساعة 21:26 و22:01 بتوقيت غرينتش من كورو في غويانا الفرنسية، قمراً اصطناعياً فرنسياً للاتصالات العسكرية (سيراكوز 4 ب) وقمراً اصطناعياً ألمانياً تجريبياً.

وتقول مديرة مركز غويانا الفضائي ماري آن كلير، في حديث لوكالة «الصحافة الفرنسية»، إنّ عملية الإطلاق الأخيرة للصاروخ «مصحوبة بعواطف» لفرق المركز الذي عمل صاروخه لثلاثة عقود. فخلال عبور القاعدة الفضائية الأوروبية الضخمة، تأثر زملاؤها أمام المبنى المخصص لـ«أريان 5» الذي كان فارغاً.

وعرف صاروخ «أريان 5» بدايات صعبة، إذ انفجر عقب إقلاعه في أول مهمة له سنة 1996، وواجه فشلاً آخر سنة 2002.

يلتقط المشاهدون صوراً لصاروخ أريان 5 (أ.ف.ب)

ويقول إرفيه جيليبير الذي كان آنذاك مهندساً للصاروخ إنّ الحادثة كانت «صادمة لنا». كما يوضح المدير التقني الحالي لشركة «أريان غروب» أن «الأمر احتاج عامين للعودة إلى المهمات الفضائية».

ودخل صاروخ «أريان 5» بعد الحادثة عصره الذهبي الذي تكلّل بسلسلة من النجاحات. ويقول جيليبير إنّ الفشل في إطلاق الصاروخ كان له «وقع إيجابي يتمثل في إبقائنا متيقظين بصورة تامة في شأن عمليات الإطلاق».

تمجيد جيمس ويب

واكتسب الصاروخ سمعة جيدة لناحية الموثوقية لدرجة أنّ «ناسا» اعتمدته لإرسال تلسكوب جيمس ويب الفضائي الذي بلغت تكلفته عشرة مليارات دولار. وعقب عملية الإطلاق هذه التي نُفّذت يوم عيد الميلاد سنة 2021 بات الصاروخ الذي أُرسل فيه مسبار روزيتا الفضائي إلى مذنب 67 بي/تشوريوموف جيراسيمنكو (2004) ومستكشف أقمار المشتري الجليدية إلى المشتري في أبريل (نيسان)2023، يحظى بمكانة كبيرة.

ومن الناحية التجارية، كان الصاروخ «عنصراً تقدمياً في المجال الفضائي في أوروبا»، على ما يؤكد مدير النقل الفضائي لوكالة الفضاء الأوروبية دانيال نوينشفاندر.

صاروخ أريان 5 التابع لوكالة ناسا مع تلسكوب جيمس ويب (أ.ف.ب)

وشاركت اثنتا عشرة دولة في تصنيع الصاروخ الثقيل الذي حلّ مكان «أريان 4» مع قدرة إطلاق مضاعفة عنه، وهي ميزة تنافسية مكّنت أوروبا من ترسيخ نفسها في سوق الأقمار الاصطناعية للاتصالات.

وقال نوينشفاندر إن «أوروبا استفادت أيضاً من (فترة راحة) من الولايات المتحدة، إذ احتكر مكوك فضائي أميركي موارد كثيرة».

وتابع: «نشهد راهناً وضعاً معاكساً»، إذ تجد أوروبا نفسها محرومة تقريباً من الوصول المستقل إلى الفضاء،

ويعود سبب ذلك إلى التوقف المفاجئ لاستخدام صواريخ سويوز الروسية عقب الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، ما خفّض من نشاط قاعدة كورو التي شهدت ستّ عمليات إطلاق فقط عام 2022 مقارنة بـ15 عملية مماثلة خلال السنة الفائتة.

صاروخ أريان 5 (أ.ف.ب)

وما فاقم الوضع سوءاً هو فشل الإطلاق التجاري الأول لصاروخ «فيغا سي» الإيطالي في ديسمبر (كانون الأول) 2022 والتأخيرات التراكمية لمستقبل «أريان 6». وبعد الجمعة، لن يبقى سوى عملية إطلاق واحدة لـ«فيغا» مُرتقبة في ديسمبر (أيلول)، وعودة مُحتملة لبرنامج «فيغا-سي» في نهاية العام.

وهذا يعني أشهراً عدة من الفراغ بانتظار تولّي «أريان 6» زمام الأمور نهاية عام 2023 في أحسن الأحوال.

«ليست مرحلة سهلة»

وصُمّم «أريان 6»، وهو أكثر قوة وتنافسية من «أريان 5» وبلغت تكلفته نصف ما أنفق على سلفه «أريان 5»، لمواجهة المنافسة الشرسة في سوق الصواريخ بفعل هيمنة شركة «سبايس إكس» الأميركية التي تنفذ أكثر من عملية إطلاق واحدة في الأسبوع.

وتعيّن على وكالة الفضاء الأوروبية اللجوء إلى الشركة المملوكة لإيلون ماسك لإطلاق مهمتها العلمية «إقليدس»، وهي غير متأكدة من ضمان التوسّع الاستراتيجي لمسبار غاليليو، وهو نظام الملاحة التابع للاتحاد الأوروبي.

وأكد رئيس «أريان سبايس» ستيفان إسرائيل خلال اجتماع لفريق «أريان 6» الذي يواجه ضغطاً لإنجاز عملية الإقلاع في أسرع وقت ممكن: «إنها ليست مرحلة سهلة، لكنّ ذلك لن يستمر».

زوار ينظرون إلى الجزء الداخلي من الصاروخ أريان 5 المعزز في عام 2003 (أ.ف.ب)

وبحلول ذلك الوقت، تتعامل الفرق في كورو مع مشاكلها بصبر، على قول مديرة مركز غويانا الفضائي التي تتوقع انخفاضاً في عدد الموظفين بنحو 190 شخصاً من أصل 1600.

وتتم الاستفادة من مرحلة الاستراحة من أجل تنفيذ خطة لتجديد القاعدة ورفع المساحات الخضراء فيها. وتجرى اختبارات تأهيل «أريان 6» على قدم وساق، ففي غضون أسبوعين، سيتم تشغيل محرك «فولكان» على منصة الإطلاق، وهي مرحلة مهمة مُنتَظَرة بفارغ الصبر.


مقالات ذات صلة

«سبيس إكس» و«ناسا» تطلقان مهمة «كرو-9» إلى الفضاء الشهر المقبل

علوم صاروخ «فالكون 9» (شركة «سبيس إكس»)

«سبيس إكس» و«ناسا» تطلقان مهمة «كرو-9» إلى الفضاء الشهر المقبل

قالت شركة «سبيس إكس» ووكالة «ناسا»، الجمعة، إنهما تعتزمان إطلاق مهمة «كرو-9» التابعة لـ«ناسا» إلى محطة الفضاء الدولية في موعد لا يتجاوز 18 أغسطس.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق هل هناك طريقة لجعل الألماس صلباً؟ (شاتر ستوك)

دراسة: كوكب عطارد به طبقة من الألماس بعمق 18 كيلومتراً

قد يكون عطارد أصغر كواكب المجموعة الشمسية، لكنه يُخفي سراً كبيراً. يشير بحث جديد إلى أن القشرة على سطح كوكب عطارد تُخفي أسفلها طبقة من الألماس.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق الكون لا يبخل بالمفاجآت (أ.ب)

رصدُ كوكب مشتري «آخر» يحتاج إلى قرن ليدور حول نجمه

قُطره تقريباً مثل قُطر المشتري، لكنه يبلغ 6 أضعاف كتلته. كما أنّ غلافه الجوي غنيّ بالهيدروجين مثل المشتري أيضاً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
علوم الذهاب إلى الفضاء يغيرك (ناسا)

في زمن السياحة الفضائية... مخاطر صحية خارج عالمنا حتى للزيارات القصيرة

يقال إن الذهاب إلى الفضاء يغيرك، والفكرة هي أن الناس يحصلون على منظور جديد عن رؤية عالمنا من الأعلى يطلق عليه تأثير النظرة العامة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
علوم تزايد الأقمار الاصطناعية يهدد مستقبل السفر إلى الفضاء

تزايد الأقمار الاصطناعية يهدد مستقبل السفر إلى الفضاء

تزايد عدد الأقمار الاصطناعية في المدار الأرضي المنخفض.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

الجينات المرتبطة بالتوتر والإجهاد قد تساهم في الإصابة بسرطان البروستاتا

الجينات المرتبطة بالتوتر والإجهاد قد تساهم في الإصابة بسرطان البروستاتا
TT

الجينات المرتبطة بالتوتر والإجهاد قد تساهم في الإصابة بسرطان البروستاتا

الجينات المرتبطة بالتوتر والإجهاد قد تساهم في الإصابة بسرطان البروستاتا

وجدت دراسة حديثة أن العيش في الأحياء المحرومة يرتبط بزيادة نشاط الجينات المرتبطة بالتوتر، مما قد يساهم في ارتفاع معدلات سرطان البروستاتا العدواني لدى الرجال الأميركيين من أصل أفريقي.

عوامل بيئية مؤثرة

سلطت الدراسة الضوء على التأثير الكبير للعوامل البيئية والاجتماعية والاقتصادية على التعبير الجيني والنتائج الصحية، حيث يعاني الرجال الأميركيون من أصول أفريقية من ارتفاع معدلات الإصابة بسرطان البروستاتا. كما أنهم أكثر عرضة للوفاة بسبب هذا المرض بأكثر من الضعف، مقارنة بالرجال البيض في الولايات المتحدة، وغالباً ما يتم تشخيص إصابتهم بسرطان شرس في سن مبكرة. لكن الأسباب غير مفهومة جيداً

ونشرت الدراسة في مجلة JAMA Network Open في 12 يوليو(تموز) 2024، وأجرتها كلية الطب بجامعة ميريلاند وجامعة فرجينيا كومنولث في الولايات المتحدة برئاسة كبيرة المؤلفين الدكتورة كاثرين هيوز باري، الأستاذة المساعدة في قسم علم الأوبئة والصحة العامة وباحثة في علم وبائيات السرطان في مركز السرطان الشامل بجامعة ميريلاند.

زيادة النشاط الجيني المرتبط بالتوتر

وقامت الدراسة بتحليل أنسجة الورم لدى 218 رجلاً مصاباً بسرطان البروستاتا. وحددت 290 متغيراً جينياً مرتبطاً بالمرض بما في ذلك 115 متغيراً جديداً.

وقد ارتبطت خمسة جينات ذات تعبير أعلى في هذه الدراسة بالالتهاب، وهو أمر مرتبط بسرطان البروستاتا من بين حالات صحية أخرى. وتم ربط زيادة الالتهاب بزيادة فرصة الإصابة بسرطان البروستاتا أو زيادة احتمال تطور السرطان لدى الرجال المصابين بالمرض. ولوحظ نشاط أعلى للجينات المرتبطة بالتوتر لدى الأفراد من الأحياء المحرومة وهو أكثر شيوعاً بين الأميركيين من أصل أفريقي

وكان الجين ذو الرابط الأقوى هو HTR6 وهو جزء من مسار السيروتونين الذي يساعد على نقل الرسائل بين الدماغ وأجزاء أخرى من الجسم كما يساهم أيضاً في مسارات أخرى يُعتقد أنها تساعد في تنظيم الاستجابة المناعية للجسم. وقد تم ربط مجموعة الجينات HTR المختلفة بسرطان البروستاتا القاتل.

ويعتقد أن هذا المستقبل، أي HTR6، ينظم انتقال الخلايا العصبية في الدماغ. وهناك درجة عالية من الانجذاب لهذا المستقبل لدى العديد من مضادات الاكتئاب والأدوية المضادة للذهان.

تحليل 105 جينات

وقالت كاثرين باري إن هذه الدراسة الرصدية التي حللت 105 جينات مرتبطة بالإجهاد من أكثر من 200 رجل أميركي من أصل أفريقي ورجل أبيض مصابين بسرطان البروستاتا، هي من بين أولى الدراسات التي تشير إلى وجود صلة محتملة بين العوامل الاجتماعية والاقتصادية وتعبير الحامض النووي الريبي (RNA) في أورام البروستاتا. إذ إن هذا الحامض يأتي من الحامض النووي دي إن إيه (DNA) ويشارك في إنتاج البروتينات التي تساعد الخلية على أداء وظيفتها.

ومن بين 218 رجلاً مصاباً بسرطان البروستاتا الذين خضعوا لعملية استئصال البروستاتا الجذري لإزالتها كان 168 أي 77 في المائة عرقهم كأميركيين من أصل أفريقي بينما أفاد الـ50 مريضاً الباقين بأن عرقهم أبيض.

وقام الباحثون بتقييم الأحياء التي يعيش فيها المرضى وقت تشخيصهم بالاعتماد على مؤشرين يقيسان الحرمان في الأحياء مع الأخذ في الاعتبار الدخل والتعليم والتوظيف وجودة السكن كما نظروا في الفصل العنصري، وهو فصل الناس إلى مجموعات عرقية في الحياة اليومية، إذ يمكن أن يشمل الفصل المكاني للأعراق والاستخدام الإلزامي للمؤسسات المختلفة مثل المدارس والمستشفيات من قبل أشخاص من أعراق مختلفة والتي تم فيها حرمان بعض الأحياء بشكل منهجي من طلبات الرهن العقاري أو إعادة التمويل وغالباً ما يكون ذلك على أساس العرق.

الارتباط بمخاطر الالتهاب والسرطان

وحول ظهور خمسة جينات مرتبطة بالالتهاب ترتبط بزيادة خطر الإصابة بسرطان البروستاتا العدواني وارتباط الجين HTR6 بقوة بخطر الإصابة بسرطان البروستاتا، قالت كاثرين باري إن مستويات الحامض النووي الريبي (RNA) التي تنتجها الجينات يمكن أن تتغير استجابة للعوامل البيئية المختلفة وأضافت: «يمكن أن تتغير مستويات الحامض النووي الريبي (RNA) لدى الفرد استجابة للتوتر. ونحن وآخرون نفترض أن التأثيرات البيولوجية الناتجة مثل زيادة الالتهاب قد تساهم في زيادة خطر الإصابة بسرطان البروستاتا العدواني».

الفوارق العرقية

وتشير النتائج إلى تدخلات مستهدفة لمعالجة المسارات الوراثية المرتبطة بالتوتر في المجتمعات المحرومة مما قد يقلل من التفاوتات في السرطان كما أنها تسلط الضوء على أهمية تحسين الظروف المعيشية والعوامل الاجتماعية والاقتصادية لتعزيز النتائج الصحية للأقليات. وتدعو إلى إجراء دراسات أوسع لفهم التفاعل بين العوامل البيئية والتعبير الجيني وتوجيه الاستراتيجيات الرامية إلى التخفيف من الفوارق الصحية.

حقائق

115

متغيراً جينياً جديداً مرتبطاً بالمرض حددته الدراسة

حقائق

5

جينات ذات تعبير أعلى في هذه الدراسة ترتبط بالالتهاب وهو أمر مرتبط بدوره بسرطان البروستاتا

حقائق

105

جينات مرتبطة بالإجهاد حللتها الدراسة