4 جوانب صحية حول شرب الماء

من أهم المواضيع الطبية على الإطلاق

4 جوانب صحية حول شرب الماء
TT

4 جوانب صحية حول شرب الماء

4 جوانب صحية حول شرب الماء

عند الحديث عن الماء وشرب السوائل، فإن الأمر يتعلق بسلامة الحياة، وخاصة في فصل الصيف. ويتعلق الأمر أيضاً بالراحة البدنية والنفسية للعيش في الحياة. والحديث عن شرب الماء، هو من أهم المواضيع الطبية والصحية على الإطلاق.

مناقشات علمية حول الماء

ومع هذه الأهمية الصحية العالية لشرب الماء، فإنه وفي الوقت نفسه، ثمة نقاشات علمية لم يتم حسمها حتى اليوم، حول عدة نقاط تتعلق بشرب الماء. وإليك بعضاً منها:

1- شرب الماء ليس فقط لتروية العطش. إذ إن الماء هو المكون الكيميائي الرئيسي للجسم، ويشكل ما بين 50 في المائة إلى 70 في المائة من وزن الجسم. وهو، أي الماء، موجود في الجسم بهذه الكمية الوفيرة لأن الجسم يحتاجه بشكل أساسي كي يبقى على قيد الحياة. فكل خلية ونسيج وعضو في الجسم يحتاج إلى الماء كي يؤدي وظائفه على نحو صحيح. ويقول الدكتور جوليان سيفتر، استشاري أمراض الكلى وأستاذ الطب المساعد في كلية الطب بجامعة هارفارد: «لا يشعر كبار السن بالعطش كما شعروا عندما كانوا أصغر سناً. وقد يكون ذلك مشكلة إذا كانوا يتناولون دواءً قد يتسبب في فقدان السوائل، مثل مُدر للبول».

ويفيد الأطباء في مايو كلينك: «إذا شعرت بالعطش، فربما تكون مصاباً بالجفاف بالفعل وهو فقدانك ما بين 1 و2 في المائة من محتوى الماء في جسمك. وقد تبدأ بعد فقد هذه الكمية من الماء في الشعور ببعض الضعف المتعلق بالإدراك مثل التوتر والتهيج والنسيان وغيرها.

والماء هو السائل الذي يُحافظ على صفاء ذهنك ويساعد الجسم على القيام بوظائفه على خير ما يرام والتخلص من السموم الزائدة». وتقول كلية هارفارد للصحة العامة في نشرتها الصحية على موقعها الإلكتروني: «هناك العديد من الخيارات لما يجب شربه، ولكن الماء هو الخيار الأفضل لمعظم الأشخاص الذين يمكنهم الحصول على مياه الشرب الآمنة. فهو خال من السعرات الحرارية ويسهل العثور عليه كأقرب صنبور».

وتضيف: «يساعد الماء على استعادة السوائل المفقودة من خلال عملية التمثيل الغذائي والتنفس والتعرق وإزالة الفضلات. فهو يساعد على حمايتك من ارتفاع درجة الحرارة، وتليين المفاصل والأنسجة، ويحافظ على صحة الجلد، وهو ضروري لعملية الهضم السليم. إنه المشروب المثالي الخالي من السعرات الحرارية لإرواء العطش وإعادة ترطيب الجسم».

توصيات تناول السوائل

2.صحيح أن الأكاديمية الوطنية الأميركية للطب The National Academy of Medicine تقترح تناول الأصحاء كمية كافية من السوائل يومياً، نحو 13 كوباً للرجال و9 أكواب للنساء. حيث يعادل كوب واحد 8 أونصات (نحو 225 ملّيلترا). ولكن، ووفق ما يذكره الباحثون من كلية هارفارد للصحة العامة: «من المهم ملاحظة أن هذه الكمية ليست هدفاً يومياً، بل إنها اقتراح عام».

وقد تكون هناك حاجة لكميات أعلى لأولئك الذين يمارسون النشاط البدني أو الذين يتعرضون لمناخات دافئة جداً. قد تكون هناك حاجة إلى كميات أقل لأولئك الذين لديهم أحجام جسم أصغر. إذ إن الإصابة بحمى ارتفاع حرارة الجسم، وممارسة الرياضة، والتعرض لدرجات حرارة مناخية شديدة، وفقدان سوائل الجسم بشكل مفرط (كما هو الحال مع القيء أو الإسهال) ستزيد من احتياجات السوائل».

ويقول أطباء مايو كلينك: «على مدار سنوات طويلة أخرجت الدراسات توصيات متباينة. لكن احتياجاتك الفردية من المياه تعتمد على العديد من العوامل، منها صحتك ومدى نشاطك والمكان الذي تعيش فيه. فليست هناك تركيبة واحدة تناسب الجميع. رغم ذلك فإن معرفة المزيد عن احتياجات جسمك من السوائل من شأنه أن يساعدك في تقييم كمية الماء التي يتعين عليك شربها كل يوم».

تنبه المصادر الطبية إلى أن كمية ولون البول يمكن أن توفر تقديراً تقريبياً للتروية التي يحتاجها الجسم. لأنه وبشكل عام، يصبح لون البول داكناً كلما كان أكثر تركيزاً (أي أنه يحتوي على كمية أقل من الماء). كما قد تشير الكميات الصغيرة من البول إلى الجفاف، خاصة إذا كان لونه أغمق أيضاً.

فقدان الماء وتعويضه

3. من بين مكونات الجسم الرئيسية الأربعة، الماء من أسرع العناصر التي يفقدها الجسم بشكل متواصل، مقارنة بالدهون والسكريات والبروتينات. ويفقد الإنسان الماء كل يوم عبر التنفس والتعرق والتبول والتبرز. ولكي يتمكن الجسم من أداء وظائفه على النحو السليم، فلا بد من إعادة محتواه من الماء عن طريق تناول مشروبات وأطعمة تحتوي على الماء.

وتجدر ملاحظة المعلومة التي يذكرها أطباء «مايو كلينك»، وهي أن: «نسبة 20 في المائة تقريباً من كمية السوائل اليومية التي تدخل الجسم تأتي عادةً من الطعام. وتأتي النسبة الباقية من المشروبات بأنواعها، الماء وغيره».

ولذا ليس عليك الاعتماد على الماء فقط لتلبية احتياجات جسمك من السوائل. فما تأكله أيضاً يوفر لك جزءاً مهماً. فعلى سبيل المثال، تبلغ نسبة الماء في الكثير من الفواكه والخضراوات مثل البطيخ والسبانخ 100 في المائة تقريباً. وتشير المصادر الطبية إلى أن حتى المشروبات المحتوية على الكافيين - كالقهوة والصودا - يمكنها أن تسهم في محتوى الماء الذي يدخل إلى جسمك يومياً.

لكن حاول أن تكون معتدلاً في تناول المشروبات المحلاة بالسكر. فالمشروبات الغازية العادية، ومشروبات الطاقة أو المشروبات الرياضية، وغيرها من المشروبات المحلاة تحتوي عادة على كمية كبيرة من السكر المضاف الذي قد يُمد جسمك بكمية من السعرات الحرارية أكبر مما تحتاج.

بالأساس، لا توجد أوقات محددة لشرب الماء. ولكن هناك ظروف تتطلب تعويض الجسم بالماء، مثل الأوقات قبل وأثناء وبعد ممارسة الجهد البدني الرياضي، أو في حالات الجفاف بسبب ارتفاع حرارة الأجواء أو زيادة التعرّق أو الإسهال. والمهم أن يتذكر المرء أن عليه شرب الماء، كي يبقى لون البول شفافاً أو أصفر باهتاً.

وعلى سبيل المثال، يقول البروفسور ستافروس كافوراس من جامعة أركنساس: «إن شرب الماء في الصباح فكرة جيدة جداً لأننا عندما نستيقظ في الصباح، يكون لدى جسمنا مستويات منخفضة جداً من الماء. وكذلك شرب كوب واحد من الماء قبل الاستحمام بالماء الساخن، لأنه نظرياً قد يساعد على منع خفض ضغط الدم».

كما لا توجد نصيحة طبية محددة حول ضرورة أو تجنب شرب الماء قبل النوم. لأن لدى البعض قد يتسبب ذلك بالاضطرار للاستيقاظ للتبول بعد الاستغراق في النوم. وبالمقابل تشير بعض الدراسات إلى أن شرب الماء قبل النوم قد يُقلل من احتمالات الإصابة بالسكتة الدماغية أو النوبات القلبية. وبالنسبة لشرب الماء مع الأكل، يقول أطباء «مايو كلينك»: «يمكن محاولة شرب الماء خلال الوجبات أو شرب كوب من الماء قبل بدء تناول الطعام».

الماء وخفض الوزن

4. علاقة شرب الماء بالتحكم في الوزن تحتاج إلى توضيحات. وعرض جوانب منها باحثون من الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية في دراستهم المنشورة في 25 أبريل (نيسان) الماضي ضمن مجلة بلوس وأن PLOS ONE، التي كانت بعنوان «شرب الماء والسمنة: حسب الكمية والتوقيت ودرجة الحرارة لمياه الشرب». وأفادوا فيها أنه تمت ملاحظة أن: «بغض النظر عن إجمالي استهلاك المياه، كان الشرب قبل النوم مرتبطاً بشكل كبير بانخفاض مؤشر كتلة الجسم». و«ارتبط شرب أكثر من 1 لتر - يوم من الماء البارد بارتفاع مؤشر كتلة الجسم، مقارنة بشرب الماء في درجة حرارة الغرفة».

العطش يؤدي إلى الجفاف والشعور بضعف الإدراك والتوتر والتهيج والنسيان

وتشير دراسات أخرى متعددة إلى أن شرب أكثر من لتر ونصف ماء في اليوم، هو خطوة حاسمة في تقليل الوزن، وتقليل الدهون في الجسم، وكبح الشهية، وخاصة لدى النساء ذوات الوزن الزائد. كما تشير بعض الأبحاث إلى ملاحظة أن شرب المزيد من الماء يرتبط بفقدان الوزن. ولكن الأدلة غير كافية للإشارة إلى وجود علاقة مباشرة بين الإكثار من شرب الماء وخفض الوزن، كعلاقة من نوع «السبب والنتيجة».

وكما أشارت الدراسة الأميركية المتقدمة الذكر حول درجة حرارة ماء الشرب، فإن دراسة أجريت عام 2023. قد وجدت أن الأشخاص الذين شربوا 200 - 250 ملّيلترا من الماء الدافئ بعد كل وجبة، فقدوا وزناً أكبر، وسجلوا مؤشر كتلة الجسم أقل من المجموعة التي لم تفعل ذلك. ولكن الباحثين في الدراسة لم يلاحظوا أن درجة حرارة الماء، سواء بدرجة حرارة الغرفة أو الماء البارد، لها تأثير واضح على نقص الوزن.

كما لم تلاحظ دراسة أخرى لباحثين من جامعة ولاية نيويورك، تم نشرها في عدد أكتوبر (تشرين الأول) عام 2018 من مجلة علم وظائف الأعضاء والسلوك Physiology & Behavior، أن شرب الماء قبل الوجبات يساعد في تقليل الشعور بالجوع وبتناول كميات أقل من الطعام في الوجبة، لدى الأشخاص الذين يعانون من زيادة الوزن أو السمنة. ولكن ذلك حصل لدى الأشخاص ذوي الوزن الطبيعي. كما أدت زيادة تناول المياه إلى كبح الشعور بالجوع وتقليل الرغبة في تناول المواد الغذائية لدى الإناث.

كما وجدت دراسة صغيرة أخرى تم نشرها في المجلة الأوروبية للتغذية European Journal of Nutrition في عدد يناير (كانون الثاني) 2019. أن المشاركين الرجال الذين شربوا كوبين من الماء المثلج عند درجة حرارة 2 درجة مئوية، تناولوا طعاماً أقل، مقارنة بالمجموعات التي شربت الماء الدافئ، وعللوا ذلك بأن درجة الحرارة الباردة تبطئ عملية الهضم وقد تساعد في تقليل الشهية.

ويساعد شرب الماء مع الطعام على الهضم، خاصة عند تناول الأطعمة الغنية بالألياف. لأن الألياف تتحرك عبر الجهاز الهضمي وتمتص الماء، مما يساعد على تكوين البراز وتسهيل الإخراج. ولكي يستفيد المرء منها في ذلك عليه شرب كميات وفيرة من الماء.


مقالات ذات صلة

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

صحتك سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

تعتمد الأوساط الطبية بالعموم في تحديد «مقدار وزن الجسم» على عدد الكيلوغرامات بوصفه «رقماً»

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)
صحتك الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

كشفت أحدث دراسة تناولت العوامل المؤثرة على ضغط الدم، عن الخطورة الكبيرة للحياة الخاملة الخالية من النشاط على الصحة بشكل عام، وعلى الضغط بشكل خاص.

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
صحتك الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف

الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف

الصداع النصفي ليس مجرد صداع عادي يعاني منه الجميع في وقتٍ ما، بل هو اضطراب عصبي معقد يمكن أن يُشعر المريض وكأن العالم قد توقف.

د. عبد الحفيظ يحيى خوجة (جدة)
صحتك استشارات طبية: المغنيسيوم والنوم... وعدم تحمّل دواء خفض الكوليسترول

استشارات طبية: المغنيسيوم والنوم... وعدم تحمّل دواء خفض الكوليسترول

ما تأثير تناول المغنيسيوم الغذائي بالعموم، أو أقراص مكملات المغنيسيوم، على النوم؟

د. حسن محمد صندقجي
صحتك تعريض الجسم للبرودة الشديدة قد يساعد الشخص على النوم بشكل أفضل (رويترز)

تعريض جسمك للبرودة الشديدة قد يساعدك على النوم بشكل أفضل

كشفت دراسة جديدة عن أن تعريض الجسم للبرودة الشديدة قد يساعد الشخص على النوم بشكل أفضل.

«الشرق الأوسط» (أوتاوا)

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام
TT

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

تعتمد الأوساط الطبية بالعموم في تحديد «مقدار وزن الجسم» على عدد الكيلوغرامات بوصفه «رقماً»

مؤشرات وزن الجسم

يستخدم «مؤشر كتلة الجسم» BMI الذي يحسب مقدار وزن الجسم بالكيلوغرامات، مع الأخذ بالاعتبار مقدار طول الجسم بالمتر، ليعطينا «رقماً» يفصل بين 3 حالات: الحالة الطبيعية، وزيادة الوزن، والسمنة.

ونلجأ كذلك إلى قياس «محيط الخصر» WC بعدد السنتيمترات بوصفه «رقماً» يميز وجود سمنة البطن من عدم ذلك.

في السنوات الأخيرة ازداد ظهور أمراض ذات صلة بالسلوكيات غير الصحية في نمط عيش الحياة اليومية، وعادات الأكل السيئة، وتداعيات التقدم التكنولوجي الذي يفصل الناس عن ممارسة النشاط البدني. وقد ثبت تجريبياً أن العواقب الصحية السلبية لذلك تنمو على مستوى العالم بمعدل مثير للقلق. وهي تشمل السمنة Obesity، ومرض السكري من النوع 2، وأمراض القلب.

وإلى جانب ظهور «أمراض نمط الحياة» هذه، هناك انتشار زائد لمتلازمة التمثيل الغذائي Metabolic Syndrome، وهي مجموعة من الاضطرابات الأيضية في العمليات الكيميائية الحيوية التي تجري في الجسم، وترتبط بمقاومة الجسم لمفعول الإنسولين، ونشوء عمليات بطيئة ومستمرة في الالتهابات، واضطرابات الدهون في الدم (خصوصاً ارتفاع الدهون الثلاثية)، وارتفاع ضغط الدم.

«سمنة مركزية» ووزن طبيعي

ومن بين كل ذلك، تطفو السمنة البطنية (السمنة المركزية Central Obesity)، التي تتميز بزيادة كمية الأنسجة الشحمية (الشحوم الصفراء) داخل البطن، بوصفها علامة مميزة في كثير من تلك الحالات.

والسؤال الذي يتبادر للذهن: هل الأمر في شأن الأضرار الصحية مرتبط بالسمنة بوصفها حالة عامة في زيادة كتلة عموم الجسم أم أن الأمر مرتبط على وجه الخصوص بزيادة تراكم الشحوم في البطن (محيط منطقة الوسط)؟

والأدق أيضاً في طرح هذا السؤال عندما يكون لدى المرء حالة «الوزن الطبيعي مع سمنة بطنية» NWCO، أي عندما يكون وزن الجسم طبيعياً لدى الشخص بالنسبة لطوله، ولكن في الوقت نفسه لديه سمنة بطنية... هل من الممكن أن يكون هذا الشيء ضاراً ويمثل خطراً صحياً؟

والإجابة عن هذا السؤال تحتاج بداية إلى التساؤل بالأصل: هل ثمة «مشروعية طبية» لطرح مثل هذا السؤال؟

والإجابة نعم بالتأكيد، أن ثمة مشروعية طبية في طرح هذا السؤال لدواع شتى، أهمها اثنان، هما:

- الداعي الأول أن هناك أمثلة من سمنة أجزاء معينة في الجسم، ثبت أن ليس لها ضرر صحي واضح، حتى لو كان لدى الشخص ارتفاع في مقدار وزن الجسم، وارتفاع في مؤشر كتلة الجسم. وتحديداً أفادت نتائج دراسات عدة بأن سمنة شحوم الأرداف بحد ذاتها لدى النساء، ليس لها تأثير صحي ضار يوازي وجود سمنة تراكم شحوم البطن لديهن. وكذلك ثبت أن سمنة كتلة عضلات الجسم (زيادة مقدار وزن الجسم بسبب زيادة وزن كتلة العضلات فيه وليس زيادة تراكم الشحوم)، التي قد تزيد في مقدار مؤشر كتلة الجسم لتجعله ضمن نطاق السمنة، ليس لها تأثيرات سلبية مقارنة مع سمنة زيادة كتلة الشحوم في الجسم بالعموم وفي البطن على وجه الخصوص. وثبت أيضاً أن سمنة الوزن الطبيعي، مع تدني حجم كتلة العضلات، وارتفاع كتلة الشحوم Sarcopenic Obesity، لها تأثيرات ضارة لا تقل عن سمنة زيادة مؤشر كتلة الجسم.

- الداعي الآخر أن نحو 25 في المائة من البالغين ذوي الوزن الطبيعي، يُصنفون بالفعل على أن لديهم سمنة تراكم شحوم البطن، وفي الوقت نفسه يكون وزن أجسامهم طبيعياً، وفق «المجلة الطبية البريطانية BMJ» عدد 26 أبريل (نيسان) 2017. وهذه النسبة مقاربة جداً للإحصاءات الطبية في الولايات المتحدة. وفي مجتمعات أخرى ثبت أنها أعلى وفق نتائج دراسات طبية فيها. وهي نسبة مهمة بين عموم البالغين الذين قد يعتقدون أن كون مقدار وزن جسمهم طبيعياً يعني تلقائياً أنه لا ضرر متوقعاً عليهم من تراكم الشحوم في بطونهم.

دراسات سمنة البطن

والملاحظ أن الأوساط الطبية تأخرت كثيراً في الاهتمام بهذه الوضعية الصحية ومعرفة آثارها. وأيضاً تأخرت في وضع إرشادات ونصائح طبية للتعامل معها. وفي دراسة مشتركة لباحثين من جامعة آيوا، ومن كلية ألبرت آينشتاين للطب بنيويورك، ومن جامعة كاليفورنيا، ومن كلية الطب بجامعة هارفارد، ومن مركز فريد هاتشينسون لأبحاث السرطان في سياتل، تم طرح الأمر في دراسة بعنوان: «ارتباط السمنة المركزية ذات الوزن الطبيعي بالوفيات بين النساء». ونشر ضمن عدد 24 يوليو (تموز) 2019 من مجلة «شبكة جاما المفتوحة» JAMA NETWORK Open، الصادرة عن «الجمعية الطبية الأميركية» AMA.

وقال فيها الباحثون: «السمنة المركزية، التي تتميز بتراكم الشحوم في منطقة البطن بشكل مرتفع نسبياً، ارتبطت بارتفاع خطر الوفاة، بغض النظر عن مقدار مؤشر كتلة الجسم. ومع ذلك، فإن الأفراد الذين لديهم مؤشر كتلة جسم طبيعي مع السمنة المركزية يتم إهمالهم عادة في الإرشادات الإكلينيكية. وعلاوة على ذلك لا يحظى الأفراد الذين يعانون من السمنة المركزية ذات الوزن الطبيعي باهتمام كبير في وضع استراتيجيات الحد من المخاطر، مثل تعديلات نمط الحياة والتدخلات الأخرى».

ولكن حتى بين الأفراد ذوي الوزن الطبيعي، قد يكون أولئك الذين يعانون من السمنة المركزية مُعرّضين لخطر زائد للوفاة بسبب تراكم الشحوم المفرط في البطن. وفي نتائج دراستهم التي شملت أكثر من 160 ألف امرأة أفادوا بالقول: «ارتبطت السمنة المركزية ذات الوزن الطبيعي بارتفاع خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والوفاة بالسرطان، مقارنة بالوزن الطبيعي دون السمنة المركزية».

عوامل خطر أيضية قلبية

ومن ثمّ بدأت تصدر دراسات طبية من مناطق مختلفة من العالم حول هذا الأمر. وعلى سبيل المثال، نذكر دراسة حديثة من الصين، وأخرى من بنما.

وفي دراسة بعنوان: «ارتباط السمنة المركزية ذات الوزن الطبيعي بارتفاع ضغط الدم»، تم نشرها العام الماضي، عدد 8 مارس (آذار) 2023 من مجلة «BMC» لاضطرابات القلب والأوعية الدموية، لباحثين من الصين، أفادوا بالقول: «السمنة المركزية ذات الوزن الطبيعي (NWCO) هي حالة أيضية تم وصفها أخيراً في عدد قليل من الدراسات. ويتم تجاهل الأفراد المصابين بها بسهولة في الرعاية الصحية الروتينية، بسبب التركيز الصارم على مؤشر كتلة الجسم».

وأضافوا: «قد يكون لدى الفرد ذي الوزن الطبيعي نسبة شحوم كبيرة في الجسم، وهو ما لا يظهر عندما يكون مقدار مؤشر كتلة الجسم طبيعياً. وتشير الأدلة الموجودة إلى أن السمنة المركزية، التي تتميز بالتراكم المرتفع نسبياً للشحوم في البطن، ترتبط ارتباطاً أقوى بعوامل الخطر الأيضية القلبية من السمنة العامة، وحتى بين الأفراد ذوي الوزن الطبيعي». وخلصوا في نتائجهم إلى القول: «ترتبط السمنة المركزية، كما هو محدد بواسطة محيط الخصر، بزيادة خطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم لدى البالغين ذوي مؤشر كتلة الجسم الطبيعي».

وضمن عدد يونيو (حزيران) 2022 من مجلة «لانسيت للصحة الإقليمية - بالأميركتين» The Lancet Regional Health - Americas، نشر باحثون من كلية الطب بجامعة بنما، حول انتشار السمنة المركزية والتعرف على مدى وجود عوامل الخطر القلبية الأيضية Cardiometabolic risk لديهم.

ويتم تعريف مخاطر القلب والأيض على أنها مجموعة من التشوهات في العمليات الأيضية الكيميائية الحيوية، وفي القلب، وفي الأوعية الدموية، بما في ذلك السمنة البطنية، ومقاومة الإنسولين، وارتفاع ضغط الدم، واضطرابات الكولسترول، ودهون الدم، وتصلب الشرايين، التي تجعل الأفراد أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب، والأوعية الدموية، ومرض السكري من النوع 2.

ولاحظوا أن باستخدام مؤشر «نسبة الخصر إلى الطول»WHtR، كان معدل انتشار السمنة البطنية نحو 44 في المائة بين الذين بالأساس لديهم مؤشر كتلة الجسم طبيعياً. وقالوا في نتائجهم: «ارتبطت السمنة البطنية مع الوزن الطبيعي للجسم بعوامل الخطر القلبية الوعائية، خصوصاً مع ارتفاع تركيز الدهون الثلاثية. قد يكون تقييم السمنة البطنية على مستوى الرعاية الصحية الأولية تقنية مفيدة لتحديد الأشخاص ذوي الوزن الطبيعي مع خصائص السمنة الأيضية».

ولذا إذا أردنا ألا نفقد متابعة هذه الفئة من الناس، فيجدر قياس محيط الوسط مع قياس وزن الجسم وحساب مؤشر كتلة الجسم، والالتفات إلى كليهما في التقييم الإكلينيكي. وللتوضيح، على الرغم من حقيقة أن مؤشر كتلة الجسم يتم استخدامه على نطاق واسع لتحديد السمنة في الممارسة الإكلينيكية، فإن أحد القيود المهمة لمؤشر كتلة الجسم هو أنه لا يميز بين أشكال مكونات تركيبات أجزاء الجسم المختلفة، حيث قد يكون لدى الفرد ذي الوزن الطبيعي نسبة شحوم متزايدة في منطقة من الجسم، ولكنها قد تكون مخفية بالقيمة الطبيعية لمؤشر كتلة الجسم.

وحتى بين الأفراد ذوي الوزن الطبيعي، فإن أولئك الذين لديهم نسبة عالية من الشحوم في الجسم، لديهم انتشار أعلى لمتلازمة التمثيل الغذائي ومكوناتها من أولئك الذين لديهم مؤشر كتلة جسم طبيعي، ونسبة شحوم في الجسم طبيعية.

25 % من البالغين ذوي الوزن الطبيعي لديهم سمنة تراكم شحوم البطن

تشخيص السمنة بالأساس مجرد حسابات من الأرقام

* عند التكلم عن السمنة في جانب التشخيص، علينا ابتداءً استخدام لغة الأرقام. ومن بين عدة «طرق» مطروحة لدى الأوساط العلمية والطبية، يظل «الأشهر»، و«الأقرب» هو الطرق الأربع التالية في تقييم وزن الجسم والسمنة:

- حساب «مؤشر كتلة الجسم» BMI يتم بقسمة مقدار الوزن بالكيلوغرامات على مربع طول الجسم بالمتر. و«الطبيعي» أن يكون مؤشر كتلة الجسم ما بين 20 إلى 25، أما ما بين 25 و30 فهو «زيادة في الوزن»، وما بين 30 إلى 35 فهو «سمنة»، وما بين 35 و40 فهو «سمنة شديدة»، وما فوق ذلك هو «سمنة مفرطة».

- حساب محيط الخصر Waist Circumference هو طريقة مهمة في تقييم سمنة البطن بالذات. وبدقة، يتم قياس محيط الخصر عند مستوى منتصف المسافة بين أدنى ضلع ملموس وبين الحافة الحرقفية لأعلى قوس عظمة الحوض، وذلك تقريباً أعلى قليلاً من السرّة، بعد إخراج هواء الزفير من النفس، أي قياس محيط أصغر جزء من الخصر. ولكن تجدر ملاحظة أن محيط الخصر يختلف في المجتمعات الجغرافية المختلفة وفق متوسط الطول فيها وعموم حجم الجسم.

ووفقاً للمعاهد الوطنية للصحة في الولايات المتحدة NIH، فإن محيط الخصر الذي يزيد على 102 سنتيمتر (40 بوصة) للرجال ويزيد على 88 سنتيمتراً (35 بوصة) للنساء (غير الحوامل)، هو سمنة البطن. بينما لدى ذوي الأصول من جنوب شرقي آسيا، فإن الطبيعي نحو 94 سنتيمتراً (37 بوصة) للرجال و80 سنتيمتراً (31 بوصة) للنساء. ولذا تحتاج المجتمعات المختلفة دراسات لتقييم الطبيعي وغير الطبيعي في ذلك.

- حساب نسبة محيط الخصر إلى محيط الورك WHR. ومحيط الورك Hip Circumference يختلف عن محيط الخصر، حيث إن محيط الورك هو قياس محيط الجزء الأكبر من الوركين، أي الجزء الأوسع من كتلة الأرداف. والطبيعي أن تكون تلك النسبة أقل من 0.95 للرجال، وأقل من 0.80 للنساء. وما فوق ذلك فهو سمنة. وهي طريقة يتم بها التغلب على وجود حجم أكبر في الأرداف التي تكون الشحوم فيها مختلفة عن نوعية الشحوم التي في البطن. وتحديداً شحوم بيضاء في الأرداف، وشحوم صفراء في البطن.

- حساب نسبة الخصر إلى الطول WHtR: يكون بقسمة مقدار محيط الخصر على مقدار الطول. والطبيعي أن يكون أقل من 0.5، وما فوق ذلك هو سمنة. وهي طريقة يتم من خلالها التغلب على الاختلافات العرقية في متوسط الطول لدى غالبية الناس في المجتمعات المختلفة.