«عقلك الثاني»... كيف تؤثر صحة الأمعاء على الاكتئاب؟

صحة الأمعاء تعني الصحة العقلية (رويترز)
صحة الأمعاء تعني الصحة العقلية (رويترز)
TT

«عقلك الثاني»... كيف تؤثر صحة الأمعاء على الاكتئاب؟

صحة الأمعاء تعني الصحة العقلية (رويترز)
صحة الأمعاء تعني الصحة العقلية (رويترز)

يعاني نحو 5 في المائة بالعالم من الاكتئاب، وفق تقرير منظمة الصحة العالمية لعام 2023.

لكن في السنوات الأخيرة، وفي عالم أصبح فيه استهلاك الأطعمة عالية التصنيع والسكريات مرتفعاً للغاية، اكتسب التقاطع بين الصحة العقلية والعمليات الأيضية اهتماماً كبيراً، لا سيما دور ميكروبيوم الأمعاء ووظيفة الميتوكوندريا في الاكتئاب.

ولطالما تحدث اختصاصيو التغذية والأطباء النفسيون على مواقع التواصل الاجتماعي عن أن الأمعاء هي «العقل الثاني»، وعدم صحتها يؤدي إلى اضطرابات نفسية، مثل القلق والاكتئاب.

وتتعمق مراجعة منهجية جديدة تحت اسم «التفاعل بوساطة فيتامين بين ميكروبيوم الأمعاء والميتوكوندريا في الاكتئاب»، نشرها موقع «سيكولوجي توداي»، في هذا التفاعل المعقد، وتقدم منظوراً جديداً حول كيفية تأثير هذه الأنظمة على الصحة العقلية من خلال استقلاب الفيتامينات.

العلاقة بين الاكتئاب والميتوكوندريا وميكروبيوم الأمعاء

الاكتئاب اضطراب صحي عقلي منتشر يؤثر على الملايين في جميع أنحاء العالم، وغالباً ما يتميز بالحزن المستمر، وفقدان الاهتمام، والضعف الإدراكي. غالباً ما تؤدي أساليب العلاج التقليدية، بما فيها العلاج النفسي والعلاج الدوائي، إلى نتائج دون المستوى الأمثل، مما يسلط الضوء على الحاجة إلى استراتيجيات علاجية أكثر شمولاً.

تشير الأدلة الناشئة إلى أن الاكتئاب ليس مجرد اضطراب في الدماغ، بل هو حالة جهازية تنطوي على مسارات بيولوجية متعددة. وأحد الجوانب الحاسمة هو خلل الميتوكوندريا.

والميتوكوندريا، التي تُعرف غالباً باسم «مراكز الطاقة في خلايانا»، مسؤولة عن إنتاج الطاقة اللازمة للوظائف الخلوية، ولكنها تتحكم أيضاً في كثير من الجوانب الأخرى للوظيفة الخلوية. وعند الأفراد المصابين بالاكتئاب، غالباً ما يضعف إنتاج طاقة الميتوكوندريا، مما يؤدي إلى انخفاض مستويات «ATP» (وهو مصدر الطاقة للاستخدام والتخزين على المستوى الخلوي) وزيادة الإجهاد التأكسدي.

ما دور الفيتامينات وميكروبيوم الأمعاء؟

وللتوضيح، تلعب الفيتامينات دوراً محورياً في الحفاظ على وظيفة الميتوكوندريا. وتعدّ فيتامينات «B»، على وجه الخصوص، عوامل مساعدة أساسية في عملية إنتاج طاقة الميتوكوندريا المعروفة باسم «الفسفرة التأكسدية».

بالإضافة إلى ذلك، تعمل فيتامينات، مثل «C» و«E»، مضاداتٍ للأكسدة، مما يخفف من الآثار الضارة لأنواع الأكسجين التفاعلية التي يجري إنتاجها في أثناء تنفس الميتوكوندريا.

ومن المثير للاهتمام أن ميكروبيوم الأمعاء، وهو مجتمع متنوع من الكائنات الحية الدقيقة الموجودة في الجهاز الهضمي، يعدّ مصدراً مهماً لهذه الفيتامينات الأساسية.

فيمكن لبكتيريا الأمعاء أن تصنع كثيراً من فيتامينات «B»، وفيتامين «K»، وحتى فيتامين «C». ويعد إنتاج هذا الفيتامين الميكروبي أمراً بالغ الأهمية للحفاظ على مستويات كافية من هذه العناصر الغذائية، خصوصاً عندما يكون المدخول الغذائي ناقصاً.

صحة الأمعاء تعني الصحة العقلية

ويسلط البحث الضوء على أن التغيرات في تكوين ميكروبيوم الأمعاء تُلاحَظ بشكل شائع لدى الأفراد المصابين بالاكتئاب. ويمكن أن تؤدي هذه التغييرات إلى اختلال التوازن في إنتاج الفيتامينات وتوفرها، مما يزيد من تفاقم الخلل الوظيفي في الميتوكوندريا.

وعلى سبيل المثال، يرتبط انخفاض مستويات بكتيريا الأمعاء التي تنتج الفيتامينات «B6» و«B9» و«B12» بالاكتئاب، مما قد يؤدي إلى ضعف وظيفة الميتوكوندريا وزيادة الإجهاد التأكسدي في الدماغ.

إضافة إلى ذلك، فإن محور الأمعاء والدماغ، وهو شبكة اتصال ثنائية الاتجاه بين الأمعاء والدماغ، يلعب دوراً حاسماً في تنظيم المزاج والسلوك. ويمكن أن تؤثر المستقلبات التي تنتجها بكتيريا الأمعاء؛ بما في ذلك الفيتامينات، على وظائف المخ بشكل مباشر من خلال مجرى الدم أو بشكل غير مباشر عن طريق تعديل الجهاز المناعي والاستجابات الالتهابية.

الآثار المترتبة على العلاج

وبالتالي، فإن فهم العلاقات المعقدة بين ميكروبيوم الأمعاء والميتوكوندريا والفيتامينات يفتح طرقاً جديدة لعلاج الاكتئاب. وأظهرت مكملات البروبيوتيك، التي تهدف إلى استعادة ميكروبيوم الأمعاء الصحي، نتائج واعدة في تقليل أعراض الاكتئاب.

وغالباً ما تشتمل هذه البروبيوتيك على سلالات بكتيرية قادرة على تصنيع الفيتامينات الأساسية، مما قد يؤدي إلى تحسين وظيفة الميتوكوندريا وتقليل الإجهاد التأكسدي.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن لمكملات الفيتامينات، خصوصاً فيتامينات «B» ومضادات الأكسدة، مثل فيتامينات «C» و«E»، أن تدعم صحة الميتوكوندريا وتعزز فعالية العلاجات الموجودة. ومع ذلك، فمن الضروري تصميم هذه التدخلات وفقاً للاحتياجات الفردية، مع الأخذ في الحسبان عوامل مثل العادات الغذائية، وتكوين الميكروبيوم الموجود في الأمعاء، ونقص الفيتامينات المحدد.

ماذا يعني كل ذلك؟

أكد البحث في التفاعل الذي تتوسطه الفيتامينات بين ميكروبيوم الأمعاء والميتوكوندريا في الاكتئاب، أهمية اتباع نهج شامل للصحة العقلية يتضمن الاعتبارات الأيضية والغذائية.

ومن خلال معالجة هذه الآليات البيولوجية الأساسية، يمكننا تطوير استراتيجيات علاجية أكثر فاعلية وتكاملية لا تخفف أعراض الاكتئاب فحسب؛ بل تعزز أيضاً الصحة العقلية والتمثيل الغذائي بشكل عام.


مقالات ذات صلة

أطعمة تقلل من خطر الإصابة بـ14 نوعاً مختلفاً من السرطان

صحتك استهلاك الأطعمة التي تحتوي على «أوميغا 3» و«أوميغا 6» مثل الأسماك الزيتية يقلل معدل خطر الإصابة بالسرطان (جمعية الصيادين الاسكوتلنديين)

أطعمة تقلل من خطر الإصابة بـ14 نوعاً مختلفاً من السرطان

وجدت دراسة أن استهلاك «أوميغا 3» و«أوميغا 6»، وهي الأحماض الدهنية التي توجد في الأطعمة النباتية والأسماك الزيتية، قد يؤثر على معدل خطر الإصابة بالسرطان.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق الغضب لا يزال يشكل حافزاً مهماً للنجاح في العالم الحديث (رويترز)

الأشخاص الغاضبون «أكثر ميلاً للنجاح»... كيف؟

كشف أحد علماء الأعصاب أن الأشخاص الغاضبين أكثر ميلاً للنجاح، وقال الدكتور جاي ليشزينر إن الشعور بالغضب قد يكون «محركاً مهماً» للنجاح في العالم الحديث.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم صورة تحت المجهر الإلكتروني والتي قدمها المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في عام 2024 لجزيئات فيروس جدري القردة باللون البرتقالي الموجودة داخل الخلايا المصابة باللون الأخضر (أ.ب)

كندا ترصد أول إصابة بسلالة فرعية من جدري القردة

أكدت وكالة الصحة العامة الكندية أمس (الجمعة) رصد أول حالة إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة في كندا لدى شخص في مانيتوبا.

«الشرق الأوسط» (مونتريال)
المشرق العربي فلسطيني يحمل طفلة صغيرة مصابة داخل مستشفى كمال عدوان في قطاع غزة (أ.ف.ب)

وزارة الصحة: كل مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل خلال 48 ساعة

حذرت وزارة الصحة في قطاع غزة من توقف جميع مستشفيات القطاع عن العمل أو تقليص خدماتها خلال 48 ساعة بسبب نقص الوقود، إذ ترفض إسرائيل دخوله للقطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
صحتك سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

تعتمد الأوساط الطبية بالعموم في تحديد «مقدار وزن الجسم» على عدد الكيلوغرامات بوصفه «رقماً»

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)

أطعمة تقلل من خطر الإصابة بـ14 نوعاً مختلفاً من السرطان

استهلاك الأطعمة التي تحتوي على «أوميغا 3» و«أوميغا 6» مثل الأسماك الزيتية يقلل معدل خطر الإصابة بالسرطان (جمعية الصيادين الاسكوتلنديين)
استهلاك الأطعمة التي تحتوي على «أوميغا 3» و«أوميغا 6» مثل الأسماك الزيتية يقلل معدل خطر الإصابة بالسرطان (جمعية الصيادين الاسكوتلنديين)
TT

أطعمة تقلل من خطر الإصابة بـ14 نوعاً مختلفاً من السرطان

استهلاك الأطعمة التي تحتوي على «أوميغا 3» و«أوميغا 6» مثل الأسماك الزيتية يقلل معدل خطر الإصابة بالسرطان (جمعية الصيادين الاسكوتلنديين)
استهلاك الأطعمة التي تحتوي على «أوميغا 3» و«أوميغا 6» مثل الأسماك الزيتية يقلل معدل خطر الإصابة بالسرطان (جمعية الصيادين الاسكوتلنديين)

وجدت دراسة حديثة أن استهلاك «أوميغا 3» و«أوميغا 6»، وهي الأحماض الدهنية التي توجد غالباً في الأطعمة النباتية والأسماك الزيتية، قد يؤثر على معدل خطر الإصابة بالسرطان.

وحسب الدراسة التي أجريت في أكتوبر (تشرين الأول) ونُشرت في المجلة الدولية للسرطان، أنه كلما زاد انتشار دهون «أوميغا 3» و«أوميغا 6» بدم المشاركين في الدراسة، انخفض احتمال إصابتهم بالسرطان بشكل عام، فيما أشارت جمعية السرطان الأميركية إلى 14 نوعاً مختلفاً من السرطان، بما في ذلك القولون والمعدة والرئة والدماغ والمثانة، وغيرها.

وأوضح مؤلف الدراسة، الدكتور كايكسونغ كالفين يي، من قسم علم الوراثة بجامعة جورجيا الأميركية، أن هذه النتائج تؤكد ما أشارت إليه الدراسات السابقة، وقال: «كانت هناك تقارير سابقة حول الفوائد المحتملة للأحماض الدهنية (أوميغا 3) و(أوميغا 6) في الحد من الإصابة بالسرطان والوفيات»، وفقاً لما ذكره موقع «هيلث» المختص بأخبار الصحة.

ومع ذلك، أعلن يي أن البحث الجديد حاول تجنب بعض القيود التي فرضتها الدراسات السابقة، مثل الاعتماد على البيانات المبلغ عنها ذاتياً، واستخدام أحجام عينات صغيرة، والحد من عدد أنواع السرطان التي تم فحصها.

وأشار يي إلى أن «الأحماض الدهنية (أوميغا 3) تسهم بشكل أكبر في نمو الدماغ، والوظائف الإدراكية، وصحة القلب والأوعية الدموية»، أما «(أوميغا 6) فتسهم بشكل أكبر في وظائف المناعة وصحة الجلد».

ونظراً لأن الجسم لا ينتج دهون «أوميغا 3» و«أوميغا 6» بشكل طبيعي، فلا يمكنك الحصول عليها إلا من مصدر خارجي مثل الطعام.

وتشمل قائمة الأطعمة الغنية بـ«أوميغا 3»: سمك السلمون، الأنشوجة، السردين، الجوز، بذور الشيا، بذور الكتان وفول الصويا.

فيما تشمل الأطعمة الغنية بـ«أوميغا 6»: زيت عباد الشمس، الجوز، بذور اليقطين، بذور عباد الشمس، صفار البيض واللوز.