قلق الآباء... والإيذاء الذاتي للمراهقين

ينعكس بشكل بالغ السلبية على النمو في مرحلة الطفولة

قلق الآباء... والإيذاء الذاتي للمراهقين
TT

قلق الآباء... والإيذاء الذاتي للمراهقين

قلق الآباء... والإيذاء الذاتي للمراهقين

أوضحت دراسة حديثة لباحثين من الجامعة النرويجية للعلوم والتكنولوجيا أن المراهقين يصبحون أكثر عرضة لخطر الإيذاء الذاتي (self-harm) إذا كانت علاقتهم متوترة وغير جيدة مع أحد الوالدين الذي يعاني من مشكلات نفسية، خاصة القلق. ووجد الباحثون أن هؤلاء المراهقين كانوا أكثر عرضة من أقرانهم بـ5 مرات لإيذاء أنفسهم، وذلك نتيجة تعرضهم للمعاملة السيئة من الوالدين حينما كانوا أطفالاً في عمر السادسة نتيجة القلق الذي كان يعاني منه الآباء.

ونشرت الدراسة في نهاية شهر فبراير (شباط) الماضي في مجلة «الأكاديمية الأميركية للطب النفسي للأطفال والمراهقين» (the Journal of the American Academy of Child and Adolescent Psychiatry).

الإيذاء الذاتي

تبعاً للتفسيرات الصادرة من مستشفى مايو كلينيك بالولايات المتحدة، بخصوص التعامل مع الإيذاء الذاتي للمراهقين ومدى خطورته، لا تُعد هذه الجروح مهما بلغت حدتها مؤشراً على أن المراهق سوف يقدم على الانتحار أو بصدد اتباع سلوك عنيف، بل على العكس تماماً يتم الإقدام عليها كوسيلة للحصول على الهدوء والتخلص من شحنات التوتر الجسدي والعاطفي، وتكون أشبه بنوع من الاعتراض العنيف الصامت على الجسد حيث لا يستطيع المراهق التنفيس عن الغضب إلا بأذية النفس.

من المعروف أن الإقدام على إيذاء الذات من دون وجود نية حقيقية للانتحار (suicidal self-injury Non) يُعد من الأمور النادرة الحدوث في الأطفال. لكن في المقابل يُعد من الأمور الشائعة في فترة المراهقة ، لذلك كان من الضروري إجراء الدراسة لمعرفة العوامل التي يمكن أن تؤدي إلى ذلك وإمكانية تلافيها في المستقبل. ومن أهم هذه العوامل علاقة الطفل بوالديه، لأن قلق الآباء ينعكس بشكل بالغ السلبية على نمو الطفل، سواء العضوي أو النفسي أو السلوكي.

في الدراسة الحالية، قام الباحثون بتتبع وتحليل بيانات 759 من المراهقين في مدارس النرويج من عمر السادسة حتى وقت إجراء الدراسة، حيث كانت أعمارهم وقتها تتراوح بين 12 و14 و16 عاماً للكشف عن المعدلات التي يقوم فيها المراهقون بالإيذاء الذاتي. وتبين وجود نسبة بلغت نحو 10 في المائة قاموا بالإقدام على أذية أنفسهم بشكل أو بآخر خلال العام السابق للدراسة. وكانت الفتيات أكثر عرضة بنسبة 12 مرة تقريباً من الذكور لأذية الذات بمختلف الطرق، سواء بالجروح أو الحروق السطحية في الجلد خاصة الذراعين والفخذين أو الإصابة بأي شكل آخر.

كما قام الباحثون أيضاً بجمع بيانات من آباء الأطفال والمعلمين وبقية الأشخاص الذين تعاملوا مع هؤلاء المراهقين حينما كانوا في السادسة من العمر حيث تم سؤال الآباء عن مشاعرهم في ذلك الوقت، وهل عانوا من التوتر أو الحزن والإحساس بالمسئولية حينما دخل أولادهم المدرسة؟ وأيضاً هل كانت علاقة الأب والأم جيدة من عدمه؟ وهل تعرض هؤلاء الآباء لضغوط اقتصادية أو إحساس بالعجز عن تحمل مسئولية إضافية؟ وبجانب ذلك، تم سؤال المدرسين عن أحوال الأطفال في عمر السادسة، وهل عانوا من الإهمال أو الحزن؟ وهل كانت توجد علامات على جسد الطفل كدليل لتعرضه لعقاب بدني في المنزل؟ وفي النهاية، فحص العلماء البيانات المتعلقة بشهادات المراهقين أنفسهم عندما كانوا أطفالاً عن معاملة الآباء، ولأي مدى يمكن وصف سلوك الأب بالعدوانية سواء معهم أو بشكل عام.

طريقة الإيذاء

تم سؤال المراهقين الذين أقدموا على تجربة الإيذاء الذاتي عن تفصيلات هذا الاعتداء حيث تم الاستفسار عن الطريقة المفضلة في الإيذاء، ولأي مدى كانت حدة الجروح، وهل الأذية كانت باليد المجردة أم تم الاستعانة بأدوات أخرى مثل السكين؟ وأيضاً تم سؤالهم عن مدى تكرار هذه الجروح أو محاولات الحرق، إذ إن بعض محاولات الحرق تكون من خلال سكب سائل مغلي على الجلد. وتم سؤالهم عن معرفة أي شخص آخر بقيامهم بأذية أنفسهم، سواء أصدقاء أو إخوة أو آخرون.

قام الآباء بالإجابة على أسئلة متعلقة بالحياة الاجتماعية للأسرة، مثل حضور المناسبات المختلفة سواء التي تتعلق بالطفل مثل الأنشطة الرياضية والفنية أو التي تتعلق بالأسرة نفسها مثل حضور احتفالات أو أعياد ميلاد حتى الخروج بشكل جماعي مع الأطفال، وأيضاً قاموا بسؤالهم عما إذا كانوا قد تعرضوا لحوادث نفسية أليمة أو فقدان الشريك وانعكاس ذلك على علاقتهم بأطفالهم.

وجدت النتائج وجود علاقة مباشرة بين إيذاء النفس لاحقاً في فترة المراهقة والعلاقة المتوترة مع أحد الوالدين في عمر السادسة على وجه التحديد، حتى لو كانت هذه الآثار بسيطة، بمعنى أن الأطفال في معظم الأوقات لم يتم ضربهم أو الصراخ لهم ومعاملتهم بشكل سيئ، لكن مجرد عدم وجود علاقة حميمية بين الطفل وأبويه كان له دور واضح في تجربة الإيذاء الذاتي لاحقاً، لأن الأطفال في كثير من الأحيان يشعرون بالذنب في حالة حزن الآباء أو اكتئابهم، ويعتقدون أن هذه الأحاسيس في الأغلب بسببهم.

حذّرت الدراسة الآباء من خطورة انعكاس المشاعر الشخصية على الحالة النفسية للأبناء، حتى لو كانوا أطفالاً صغاراً وضرورة اللجوء إلى طبيب أو معالج نفسي في حالة الشعور بالقلق المرضي أو المخاوف المختلفة، لأن مجرد التعامل بسلبية مع الأحداث الحياتية للأبناء أو تعنيفهم في فترة الطفولة يمكن أن يؤدي بهم إلى إيذاء الذات. ويجب أن نضع في الحسبان أن الدراسة أُجريت في بلد تُعد من أغنى دول العالم وأكثرها تمتعاً بالرعاية الصحية النفسية والعضوية، ما يعني أن الأمر يمكن أن يكون أشد قسوة على الأطفال في الدول الأخرى.

• استشاري طب الأطفال


مقالات ذات صلة

العلاج لا يصل لـ91 % من مرضى الاكتئاب عالمياً

يوميات الشرق الاكتئاب يُعد أحد أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً على مستوى العالم (جامعة أوكسفورد)

العلاج لا يصل لـ91 % من مرضى الاكتئاب عالمياً

كشفت دراسة دولية أن 91 في المائة من المصابين باضطرابات الاكتئاب بجميع أنحاء العالم لا يحصلون على العلاج الكافي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
صحتك هناك علاقة واضحة بين مستويات التوتر العالية وخطر السكتة الدماغية (أ.ف.ب)

التوتر قد يؤدي إلى الإصابة بالسكتة الدماغية في منتصف العمر

يقول الخبراء إن هناك علاقة واضحة بين مستويات التوتر العالية وخطر السكتة الدماغية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك استخدام الحوامل لمنتجات العناية الشخصية يؤدي إلى ارتفاع مستويات «المواد الكيميائية الأبدية» السامة في دمائهن (رويترز)

دراسة تحذّر الحوامل: المكياج وصبغة الشعر يزيدان مستويات المواد السامة بحليب الثدي

حذرت دراسة جديدة من الاستخدام الزائد لمنتجات العناية الشخصية مثل المكياج وخيط تنظيف الأسنان وصبغة الشعر بين النساء الحوامل.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك صورة توضيحية تُظهر ورماً في المخ (أرشيفية)

الأول من نوعه... نموذج ذكاء اصطناعي يمكنه اكتشاف سرطان الدماغ

يفترض الباحثون أن شبكة الذكاء الاصطناعي التي تم تدريبها على اكتشاف الحيوانات المتخفية يمكن إعادة توظيفها بشكل فعال للكشف عن أورام المخ من صور الرنين المغناطيسي.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك الرجال المتزوجون يتقدمون في العمر أبطأ من الرجال العزاب (رويترز)

الزواج يبطئ شيخوخة الرجال

أظهرت دراسة جديدة أن الرجال المتزوجين يتقدمون في العمر أبطأ من الرجال العزاب، إلا إن الشيء نفسه لا ينطبق على النساء.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

دراسة: الحروب تلحق أضراراً بالحمض النووي للأطفال

أطفال سوريون في مخيم ببلدة سعد نايل في منطقة البقاع (أ.ف.ب)
أطفال سوريون في مخيم ببلدة سعد نايل في منطقة البقاع (أ.ف.ب)
TT

دراسة: الحروب تلحق أضراراً بالحمض النووي للأطفال

أطفال سوريون في مخيم ببلدة سعد نايل في منطقة البقاع (أ.ف.ب)
أطفال سوريون في مخيم ببلدة سعد نايل في منطقة البقاع (أ.ف.ب)

خلصت دراسة جديدة إلى أن الأطفال الذين يعيشون في بلدان تمزقها الحروب لا يعانون فقط من مشكلات في الصحة النفسية بل من المحتمل أيضاً أن يتعرضوا لتغيرات بيولوجية في الحمض النووي (دي إن إيه) يمكن أن تستمر آثارها الصحية مدى الحياة.

وأجرى الباحثون تحليلاً للحمض النووي لعينات لعاب تم جمعها من 1507 لاجئين سوريين تتراوح أعمارهم بين 6 أعوام و19 عاماً يعيشون في تجمعات سكنية عشوائية في لبنان، وراجعوا أيضاً استبيانات أُجريت للأطفال والقائمين على رعايتهم شملت أسئلة عن تعرض الطفل لأحداث مرتبطة بالحرب.

وظهرت في عينات الأطفال الذين تعرضوا لأحداث الحرب تغيرات متعددة في مثيلة الحمض النووي، وهي عملية تفاعل كيميائي تؤدي إلى تشغيل جينات أو تعطيلها.

وقال الباحثون إن بعض هذه التغيرات ارتبطت بالجينات المشاركة في وظائف حيوية مثل التواصل بين الخلايا العصبية ونقل المواد داخل الخلايا.

وقال الباحثون إن هذه التغيرات لم تُرصد لدى مَن تعرضوا لصدمات أخرى، مثل الفقر أو التنمر، ما يشير إلى أن الحرب قد تؤدي إلى رد فعل بيولوجي فريد من نوعه.

وعلى الرغم من تأثر الأطفال من الذكور والإناث على حد سواء، ظهرت في عينات الإناث تأثيرات بيولوجية أكبر، ما يشير إلى أنهن قد يكن أكثر عرضة لخطر التأثيرات طويلة الأمد للصدمة على مستوى الجزيئات.

وقال مايكل بلوس، رئيس الفريق الذي أعد الدراسة في جامعة سري في المملكة المتحدة، في بيان: «من المعروف أن للحرب تأثيراً سلبياً على الصحة النفسية للأطفال، إلا أن دراستنا خلصت إلى أدلة على الآليات البيولوجية الكامنة وراء هذا التأثير».

وأشار بلوس أيضاً إلى أن التعبير الجيني، وهو عملية منظمة تسمح للخلية بالاستجابة لبيئتها المتغيرة، لدى الأطفال الذين تعرضوا للحرب لا يتماشى مع ما هو متوقع لفئاتهم العمرية، وقال: «قد يعني هذا أن الحرب قد تؤثر على نموهم».

وعلى الرغم من محاولات الباحثين لرصد تأثيرات مدى شدة التعرض للحرب، خلصوا في تقرير نُشر يوم الأربعاء في مجلة جاما للطب النفسي إلى أن «من المرجح أن هذا النهج لا يقدر تماماً تعقيدات الحرب» أو تأثير أحداث الحرب المتكررة على الأطفال.

وتشير تقديرات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) إلى أن نحو 400 مليون طفل على مستوى العالم يعيشون في مناطق صراع أو فروا منها.