اضطرابات نمو اللغة عند أطفال سن «ما قبل المدرسة»

مؤشراتها وانعكاساتها وأهمية المعالجة

اضطرابات نمو اللغة عند أطفال سن «ما قبل المدرسة»
TT

اضطرابات نمو اللغة عند أطفال سن «ما قبل المدرسة»

اضطرابات نمو اللغة عند أطفال سن «ما قبل المدرسة»

تحدثنا في عدد الأسبوع الماضي من ملحق «صحتك» عن الأساسيات والأساليب التي تساعد الأسرة في عودة أبنائها إلى المدارس بصحة وعافية وتفوق وإنتاجية عالية. وقد كان ذلك موجهاً للأطفال الطبيعيين الأصحاء الذين لا يعانون من أي اضطرابات قد تحول دون اندماجهم مع أقرانهم بشكل طبيعي، وقد تقلل من مستوى فهمهم وتحصيلهم.

وعلينا ألا نغفل فئة من الأطفال الموجودين بين هؤلاء الطلبة، هم من ذوي الاضطرابات اللغوية النمائية. وهنا تبرز مجموعة من التساؤلات حول كيفية التعرف عليهم، وما يمكننا أن نقدمه لهم لمساعدتهم.

إن البيئة التعليمية متمثلة في المدرسة، وعلى وجه الخصوص في مراحلها الأولى، تقوم بالتركيز على المهارات الأكاديمية واللغوية والاجتماعية بهدف تطويرها بالشكل الذي يساعد الطفل على الاستمرار في المراحل التالية من التعليم، بنمط يتسم بالنمو الفعال والناجح خلال هذه المراحل الأولية؛ حيث يتم تعليم الأطفال قواعد اللعب والتفاعل والتواصل الاجتماعي. وهنا، يبرز التحدي الكبير الذي يواجه الأطفال الذين يعانون من اضطراب في نمو المهارات اللغوية، وهو ما قد يتطلب دعماً إضافياً.

الأطفال وتعلم اللغة

التقت «صحتك» الدكتور وائل عبد الخالق الدكروري، رئيس قسم اضطرابات التواصل بمجمع عيادات العناية النفسية بالرياض، وهو أكاديمي وباحث ومستشار لعدد من الهيئات، وأستاذ مشارك بكلية الطب بجامعة الفيصل بالرياض، كما أنه السفير الدولي للجمعية الأميركية للنطق والسمع، لتخصص علاج أمراض النطق واللغة. وقد قمنا باستشارته في هذا الموضوع بصفته متخصصاً في علاج أمراض النطق واللغة.

وبدأ الدكتور وائل حديثه موضحاً حقيقة علمية علينا أن نعيها، وهي أن الأطفال يتعلمون اللغة بالطريقة نفسها، ولكن ليس دائماً في الوقت نفسه.

وشرح ذلك بأنه من الطبيعي أن يبدأ بعض الأطفال في التواصل لغوياً بشكل مبكرٍ، ويفهمون كل ما يُقال لهم، ولكن البعض الآخر لا يتواصلون لغوياً بشكل فعالٍ وكافٍ، كما أن البعض منهم قد يجد صعوبة في الاستماع والانتباه. وأوضح -أيضاً- أنه من الممكن أن يعاني بعض الأطفال من مشكلات في النطق أو اللغة قبل أن يبدأوا المدرسة.

إن الأطفال في سن «ما قبل المدرسة» الذين تتراوح أعمارهم بين 3 و5 سنوات، منهم من يحظى بالالتحاق بروضة الأطفال مبكراً، ومنهم من لم يحظَ بذلك بعد، فتواجه هذه المجموعة الأخيرة مشكلات في اتباع التوجيهات أو فهم الأسئلة، عندما يبدأون الدراسة. قد يواجهون صعوبة في تعلم كلمات جديدة أو استخدام جمل مناسبة من ناحية التركيب أو المحتوي الدلالي. كما يمكن أن يواجه الطفل، من هذه المجموعة، مشكلات في كليهما، وهو ما يعرف باضطرابات اللغة النمائية.

مؤشرات اضطرابات اللغة

هل هناك مؤشراتٌ لاضطرابات اللغة في مرحلة ما قبل المدرسة؟

يجيب الدكتور وائل الدكروري: نعم، هناك مؤشرات لاضطرابات اللغة في مرحلة ما قبل المدرسة، وإن هذه المؤشرات تظهر على مستويات اللغة المختلفة التي تتمثل بأن يواجه الأطفال مشكلات في الفهم والتعبير ومهارات استخدام اللغة، وتكون على النحو التالي:

• «اللغة الاستقبالية»: مشكلات الفهم اللغوي عند الأطفال في مواجهة الصعوبات على مستوى:

- الإشارة إلى الأشياء والصور عند الطلب منهم.

- الإجابة عن الأسئلة.

- اتباع الإرشادات.

- فهم ما يعنيه الأشخاص عندما يستخدمون الإيماءات والإشارات، مثل هز الكتفين أو الإيماء.

- فهم الجمل والعبارات الطويلة.

- فهم ما يعنيه الأشخاص عندما يستخدمون الضمائر وظروف المكان والزمان.

• «اللغة التعبيرية»: قد يعاني بعض الأطفال من مشكلات في التعبير أو التحدث، وهي ما تسمى «اللغة التعبيرية»، وتتمثل في مواجهة مشكلات على مستوى:

- تسمية الأشياء.

- كيفية طرح الأسئلة واستخدام أدوات الأسئلة المناسبة.

- تَرَكُّز حصيلة المفردات على الأسماء إلى حد كبير، وضعف حصيلة المفردات على مستوى الأفعال والصفات.

- استخدام الإيماءات.

- تجميع الكلمات في جمل، في ضوء القواعد النحوية والصرفية للغة المنطوقة، تبعاً للهجة التي يتحدثها الطفل.

- تعلم الأغاني والأناشيد.

- استخدام الضمائر الصحيحة وظروف الزمان والمكان.

• «اللغة العملية»: من المحتمل -أيضاً- أن يعاني بعض الأطفال من مشكلات في مهارات استخدام اللغة، وهي ما تسمى «اللغة العملية»، والتي تتمثل في مواجهة مشكلات على مستوى:

- معرفة كيفية بدء المحادثة والاستمرار فيها.

- معرفة كيفية تبادل الأدوار عند التحدث مع الآخرين.

- تغيير طريقة التحدث مع أشخاص مختلفين وفي أماكن مختلفة. على سبيل المثال: التحدث مع شخص بالغ بشكل مختلف عن التحدث مع طفل صغير، والتحدث في الخارج بصوت أعلى من التحدث في الداخل.

• القراءة والكتابة: من الجدير بالذكر أنه في الوقت الذي يعاني فيه كثير من الأطفال من مشكلات في الفهم والتحدث، يمكن أن يتزامن ذلك مع مشكلات على مستوى المهارات الأولية للقراءة والكتابة، مثل:

- النظر إلى الصور في الكتاب وقلب الصفحات.

- سرد قصة ذات بداية ووسط ونهاية.

- تسمية الحروف والأرقام.

- تعلم الأبجدية والأرقام.

ثنائية اللغة

هل ثنائية اللغة ممكنة؟ أوضح الدكتور وائل الدكروري أن هناك كثيراً من الخرافات التي يجب التعامل معها حول اضطرابات اللغة النمائية، مثل:

الخرافة الشائعة في كثير من المجتمعات من أن «تعلم لغة ثانية قد يسبب مشكلات لغوية». هذه الخرافة تم دحضها، وثبت علمياً عدم صحتها؛ حيث يتعلم الأطفال في جميع أنحاء العالم التحدث بلغات أخرى غير لغتهم الأصلية، كما أن الطفل سيواجه مشكلات في اللغتين إذا كان يعاني من اضطراب لغة نمائي، فلا ضرر من تعلم أكثر من لغة لغوياً.

قد يشعر بعض الناس بالقلق من أن «تعلم أكثر من لغة واحدة هو أمر سيئ للطفل»، ولكن هذا شيء بعيد عن الحقيقة. وفي الواقع، هناك كثير من المزايا لمعرفة أكثر من لغة واحدة؛ حيث يشعر كثير من اللغويين بأن معرفة لغة ثانية تفيد في تطور النمو المعرفي والإدراكي للطفل؛ حيث أظهرت الدراسات أن الأطفال الذين يتحدثون لغتين تكون اللغتان في صراع، كما لو كانت كل منهما تحاول إقناع الطفل باختيارها عند الاستجابة لمثير لغوي، وهو ما يتطلب قدرة على تنحية لغة وإعلاء اللغة الأخرى؛ ما يستلزم تفعيل الانتباه الاختياري والمرونة الإدراكية؛ حيث توصلت دراسة حديثة إلى أن هذه المهارات تكون أفضل عند الأطفال الذين يتحدثون لغتين، وهو ما يظهر بشكل واضح عند بداية الدراسة الأكاديمية؛ حيث يُظهر الأطفال الذين يتحدثون لغتين تقدماً في المجال الإدراكي، يتمثل في تطورٍ أعلى لمهارات السيطرة على الذات، وهو ما يؤثر بشكل مباشر على مستقبلهم الأكاديمي وتطور المهارات الاجتماعية لديهم، فالطفل الذي لديه مهارات متقدمة في السيطرة على الذات يكون من السهل عليه تركيز انتباهه على النقاط المهمة، وأقل تفاعلاً مع المشتتات المختلفة، مما يكون له تأثير إيجابي على التطور الأكاديمي. أما بالنسبة للتفاعل الاجتماعي فتكون لديه سيطرة أكبر على سلوكياته وتفاعلاته.

إن استخدام أكثر من لغة مع الطفل لا يسبب تأخراً في حد ذاته، في حين أن الأطفال الذين يتعرضون لأكثر من لغة قد تكون بداية الكلام عندهم أبطأ قليلاً من الأطفال الذين يتعرضون للغة واحدة، ولكن يظلون ضمن الحدود الطبيعية؛ بل لقد أظهرت الدراسات، أنه حتى الأطفال الذين يعانون من تأخر في نمو مهارات اللغة والكلام يمكنهم الاستفادة من تعلم أكثر من نظام لغوي.

علاج اضطرابات ما قبل المدرسة

وحول علاج اضطرابات اللغة عند أطفال سن ما قبل المدرسة، يؤكد الدكتور وائل الدكروري أن دور اختصاصي علاج أمراض النطق واللغة المعتمد مهم ومحوري، بالنسبة لتطوير المهارات اللغوية عند الأطفال، على مستوى الفهم والتعبير والاستخدام. كما يلعب برنامج التدخل الذي يقدمه اختصاصي علاج أمراض النطق واللغة دوراً مهماً في مساعدة الطفل على الاستعداد للقراءة والكتابة.

وينوه الدكتور وائل إلى أن المهارات اللغوية الجيدة تساعد الطفل على التعلم والتفاعل الاجتماعي، وتكوين الصداقات والشعور بالثقة والرضا تجاه النفس.

ويضيف الدكتور وائل أنه من الجدير بالذكر أن اختصاصي علاج أمراض النطق واللغة يجب أن يعمل مع الأسرة ويشركها في البرنامج العلاجي الذي يجب أن يحتوي أنشطة وأهدافاً محتملة، مثل:

- زيادة فهم الطفل.

- تحسين كيفية استخدام الطفل للغة للتعبير والتواصل الفعال.

- تدريب المعلمين والعائلة على كيفية التفاعل مع الطفل، ومعرفة المزيد حول ما يمكن القيام به في المنزل لمساعدة الطفل.

- مساعدة الطفل على استخدام طرق أخرى للتواصل عند الحاجة.

- تعليم مهارات القراءة والكتابة مبكراً.

* استشاري طب المجتمع


مقالات ذات صلة

العلاج لا يصل لـ91 % من مرضى الاكتئاب عالمياً

يوميات الشرق الاكتئاب يُعد أحد أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً على مستوى العالم (جامعة أوكسفورد)

العلاج لا يصل لـ91 % من مرضى الاكتئاب عالمياً

كشفت دراسة دولية أن 91 في المائة من المصابين باضطرابات الاكتئاب بجميع أنحاء العالم لا يحصلون على العلاج الكافي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
صحتك هناك علاقة واضحة بين مستويات التوتر العالية وخطر السكتة الدماغية (أ.ف.ب)

التوتر قد يؤدي إلى الإصابة بالسكتة الدماغية في منتصف العمر

يقول الخبراء إن هناك علاقة واضحة بين مستويات التوتر العالية وخطر السكتة الدماغية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك استخدام الحوامل لمنتجات العناية الشخصية يؤدي إلى ارتفاع مستويات «المواد الكيميائية الأبدية» السامة في دمائهن (رويترز)

دراسة تحذّر الحوامل: المكياج وصبغة الشعر يزيدان مستويات المواد السامة بحليب الثدي

حذرت دراسة جديدة من الاستخدام الزائد لمنتجات العناية الشخصية مثل المكياج وخيط تنظيف الأسنان وصبغة الشعر بين النساء الحوامل.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك صورة توضيحية تُظهر ورماً في المخ (أرشيفية)

الأول من نوعه... نموذج ذكاء اصطناعي يمكنه اكتشاف سرطان الدماغ

يفترض الباحثون أن شبكة الذكاء الاصطناعي التي تم تدريبها على اكتشاف الحيوانات المتخفية يمكن إعادة توظيفها بشكل فعال للكشف عن أورام المخ من صور الرنين المغناطيسي.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك الرجال المتزوجون يتقدمون في العمر أبطأ من الرجال العزاب (رويترز)

الزواج يبطئ شيخوخة الرجال

أظهرت دراسة جديدة أن الرجال المتزوجين يتقدمون في العمر أبطأ من الرجال العزاب، إلا إن الشيء نفسه لا ينطبق على النساء.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

أطعمة تقلل من خطر الإصابة بـ14 نوعاً مختلفاً من السرطان

استهلاك الأطعمة التي تحتوي على «أوميغا 3» و«أوميغا 6» مثل الأسماك الزيتية يقلل معدل خطر الإصابة بالسرطان (جمعية الصيادين الاسكوتلنديين)
استهلاك الأطعمة التي تحتوي على «أوميغا 3» و«أوميغا 6» مثل الأسماك الزيتية يقلل معدل خطر الإصابة بالسرطان (جمعية الصيادين الاسكوتلنديين)
TT

أطعمة تقلل من خطر الإصابة بـ14 نوعاً مختلفاً من السرطان

استهلاك الأطعمة التي تحتوي على «أوميغا 3» و«أوميغا 6» مثل الأسماك الزيتية يقلل معدل خطر الإصابة بالسرطان (جمعية الصيادين الاسكوتلنديين)
استهلاك الأطعمة التي تحتوي على «أوميغا 3» و«أوميغا 6» مثل الأسماك الزيتية يقلل معدل خطر الإصابة بالسرطان (جمعية الصيادين الاسكوتلنديين)

وجدت دراسة حديثة أن استهلاك «أوميغا 3» و«أوميغا 6»، وهي الأحماض الدهنية التي توجد غالباً في الأطعمة النباتية والأسماك الزيتية، قد يؤثر على معدل خطر الإصابة بالسرطان.

وحسب الدراسة التي أجريت في أكتوبر (تشرين الأول) ونُشرت في المجلة الدولية للسرطان، أنه كلما زاد انتشار دهون «أوميغا 3» و«أوميغا 6» بدم المشاركين في الدراسة، انخفض احتمال إصابتهم بالسرطان بشكل عام، فيما أشارت جمعية السرطان الأميركية إلى 14 نوعاً مختلفاً من السرطان، بما في ذلك القولون والمعدة والرئة والدماغ والمثانة، وغيرها.

وأوضح مؤلف الدراسة، الدكتور كايكسونغ كالفين يي، من قسم علم الوراثة بجامعة جورجيا الأميركية، أن هذه النتائج تؤكد ما أشارت إليه الدراسات السابقة، وقال: «كانت هناك تقارير سابقة حول الفوائد المحتملة للأحماض الدهنية (أوميغا 3) و(أوميغا 6) في الحد من الإصابة بالسرطان والوفيات»، وفقاً لما ذكره موقع «هيلث» المختص بأخبار الصحة.

ومع ذلك، أعلن يي أن البحث الجديد حاول تجنب بعض القيود التي فرضتها الدراسات السابقة، مثل الاعتماد على البيانات المبلغ عنها ذاتياً، واستخدام أحجام عينات صغيرة، والحد من عدد أنواع السرطان التي تم فحصها.

وأشار يي إلى أن «الأحماض الدهنية (أوميغا 3) تسهم بشكل أكبر في نمو الدماغ، والوظائف الإدراكية، وصحة القلب والأوعية الدموية»، أما «(أوميغا 6) فتسهم بشكل أكبر في وظائف المناعة وصحة الجلد».

ونظراً لأن الجسم لا ينتج دهون «أوميغا 3» و«أوميغا 6» بشكل طبيعي، فلا يمكنك الحصول عليها إلا من مصدر خارجي مثل الطعام.

وتشمل قائمة الأطعمة الغنية بـ«أوميغا 3»: سمك السلمون، الأنشوجة، السردين، الجوز، بذور الشيا، بذور الكتان وفول الصويا.

فيما تشمل الأطعمة الغنية بـ«أوميغا 6»: زيت عباد الشمس، الجوز، بذور اليقطين، بذور عباد الشمس، صفار البيض واللوز.