قبلت محكمة تركية لائحة اتهام بحق رئيس بلدية إسطنبول المعارض المحتجز أكرم إمام أوغلو ومئات آخرين في إطار تحقيقات في شبهات فساد في بلدية المدينة الكبرى على الإطلاق في تركيا، التي يقطنها أكثر من 16 مليون شخص.
وأعلنت الدائرة الـ40 للمحكمة الجنائية في إسطنبول، الثلاثاء، قبول لائحة الاتهام المقدمة من مكتب المدعي العام للمدينة ضد 402 مشتبه بهم، منهم 105 محتجزون حالياً، في إطار التحقيقات يتقدمهم إمام أوغلو. ولم تحدد موعداً لبدء محاكمتهم.
وتشير لائحة الاتهام، التي قدمت إلى المحكمة في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، إلى إمام أوغلو الذي اعتقل في 19 مارس (آذار) الماضي، بوصفه «مؤسس وزعيم منظمة إمام أوغلو الإجرامية الربحية».

وأثار اعتقال إمام أوغلو، أبرز المنافسين السياسيين للرئيس رجب طيب إردوغان والمرشح للرئاسة من حزب «الشعب الجمهوري»، أكبر أحزاب المعارضة التركية، غضباً عارماً، واندلعت على أثره مظاهرات مثلت أسوأ موجة احتجاجات تشهدها تركيا منذ عام 2013.
اتهامات متعددة
وتضمنت اللائحة 142 تهمة منفصلة لإمام أوغلو، الذي يحظى بشعبية كبيرة في الشارع التركي، وطالب المدعي العام بسجنه لمدة ألفين و453 سنة.
وجاء في لائحة الاتهام أنه «في إطار التحقيق الذي أجراه مكتب مكافحة الجرائم المنظمة التابع لمكتب المدعي العام الرئيسي بشأن (منظمة إمام أوغلو الإجرامية الربحية)، وجهت لائحة الاتهام، حتى اليوم، تهماً إلى 105 محتجزين، و170 تحت المراقبة القضائية، و7 مطلوبين بموجب أوامر توقيف، و402 مشتبه بهم، وواحد تحت المراقبة القضائية، و5 مشتكين، ومشتك واحد تحت المراقبة القضائية، بإجمالي 142 اتهاماً مختلفاً».

وأضافت أن هذه التهم تشمل: «تأسيس وإدارة منظمة إجرامية، والانتماء إلى منظمة إجرامية، ومساعدة المنظمة عن علم وطواعية رغم عدم شمولها بالهيكل الهرمي، وقبول الرشى، وتقديمها، والابتزاز، والتلاعب في المناقصات، والاحتيال على المؤسسات والمنظمات العامة، وانتهاك قانون الإجراءات الضريبية، وتحصيل ديون الأصول المتأتية من الجريمة».
وتضمنت الاتهامات الموجهة إلى إمام أوغلو، الجرائم المباشرة التي ارتكبها وهي: تأسيس منظمة بغرض ارتكاب جريمة والرشوة (12 مرة)، وغسل عائدات الجريمة (7 مرات)، والاحتيال على المؤسسات والمنظمات العامة (7 مرات).
وجاء في اللائحة، أنه لكون إمام أوغلو مؤسساً وزعيماً لـ«منظمة إجرامية»، وجهت إليه التهم التالية: «تسجيل بيانات شخصية عالجها أعضاء المنظمة في إطار أنشطتها، والحصول على بيانات شخصية ونشرها (مرتان)، وإخفاء أدلة جنائية (4 مرات)، واعتراض اتصالات، وإتلاف ممتلكات عامة، وقبول رشى (47 مرة)، ونشر معلومات مضللة علناً، والابتزاز (9 مرات)، والاحتيال على المؤسسات والمنظمات العامة (39 مرة)، وغسل أصول متأتية من الجريمة (4 مرات)، والتلاعب في المناقصات (70 مرة)، والتلويث البيئي المتعمد، وانتهاك قانون الإجراءات الضريبية، وانتهاك قانون الغابات، وانتهاك قانون التعدين».
دوافع سياسية
وينفي إمام أوغلو جميع الادعاءات الموجهة إليه، كما يؤكد حزب الشعب الجمهوري أن العمليات التي تستهدفه وبلدياته «ذات دوافع سياسية»، بعد أن حقق فوزاً ساحقاً في الانتخابات المحلية الأخيرة في 31 مارس (آذار) 2024، وتقدم للمرة الأولى في 22 عاماً على حزب «العدالة والتنمية» الحاكم، وأصبح الحزب الأول في البلاد بعد 47 عاماً.

ويقول رئيس الحزب، أوزغور أوزيل، إن السبب الوحيد لاعتقال إمام أوغلو في 19 مارس، ثم سجنه في 23 من الشهر ذاته وهو اليوم الذي أجريت فيه انتخابات تمهيدية حصل فيها على 15 مليوناً و500 ألف صوت، هو منعه من خوض انتخابات الرئاسة في عام 2028، وخوف الرئيس رجب طيب إردوغان من مواجهته.
ويطالب الحزب، كما إمام أوغلو، ببث محاكمته في التهم الموجهة إليه في بث مباشر على تلفزيون الدولة الرسمي (تي آر تي) والقنوات الأخرى، لأنه ليس لديه ما يخشاه، ويجادلان بأن لائحة الاتهام لم تحو دليلاً ملموساً واحداً على الاتهامات الموجهة إليه.
انتقادات أوروبية
وتؤكد الحكومة التركية أنه لا علاقة لها بهذه التحقيقات، وأن القضاء في البلاد يعمل بشكل مستقل. لكن المفوضية الأوروبية عبرت في «تقرير تركيا 2025» الصادر في 4 نوفمبر الحالي، عن استيائها من أداء تركيا في جوانب أساسية في إطار استيفاء معايير الانضمام للاتحاد الأوروبي.
ورصد التقرير، الذي يقيس مدى التزام تركيا بوصفها دولة مرشحة لعضوية الاتحاد بمعايير كوبنهاغن، غياب دور البرلمان في محاسبة الحكومة، وبقاء السلطة القضائية تحت سيطرة السلطة التنفيذية.

وأشار إلى اعتقالات وتوجيه اتهامات لمسؤولين منتخبين وشخصيات معارضة ونشطاء سياسيين وممثلين للمجتمع المدني وقطاع الأعمال والصحافيين وغيرهم، وأنه بينما فتحت قضايا فساد ضد رؤساء البلديات المنتخبين من المعارضة (في إشارة إلى اعتقال رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو وعدد آخر)، لم تفتح أي تحقيقات ضد المسؤولين المنتخبين الحاليين أو السابقين من الحزب الحاكم، وأن هذه «الانتقائية» لا توفر الثقة في فاعلية مكافحة السلطات للفساد.






