ترمب يُعيد تموضع واشنطن ليربح «سلام غزة»

يُحاول أن يظهر أنه وحده القادر على «تغيير قواعد اللعبة»

ترمب مستقبلاً نتنياهو في البيت الأبيض في 29 سبتمبر 2025 (رويترز)
ترمب مستقبلاً نتنياهو في البيت الأبيض في 29 سبتمبر 2025 (رويترز)
TT

ترمب يُعيد تموضع واشنطن ليربح «سلام غزة»

ترمب مستقبلاً نتنياهو في البيت الأبيض في 29 سبتمبر 2025 (رويترز)
ترمب مستقبلاً نتنياهو في البيت الأبيض في 29 سبتمبر 2025 (رويترز)

على غير عادته، بدا الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، أكثر ميلاً للضغط على حليفه بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، من إصراره على معاقبة «حماس»؛ ففي تصريحات نشرها على منصته «تروث سوشيال»، دعا إسرائيل إلى «وقف فوري للقصف» لتأمين ظروف إطلاق سراح الرهائن، مؤكداً أن «(حماس) مستعدة لسلام دائم».

كما أكّد الرئيس الأميركي أنه لن يتهاون «مع أي تأخير من (حماس)» في تطبيق خطته للسلام في غزة، وهو ما يعتقد كثيرون أنه قد يحصل، «أو أي نتيجة تشكّل غزة بموجبها خطراً من جديد... لننجز هذا الأمر سريعاً، وإلا فلا يمكن توقع ما سيحدث»، داعياً الحركة، اليوم (السبت)، إلى «التحرك بسرعة، وإلا فستصبح جميع الاحتمالات واردة».

وأشاد بـ«إيقاف إسرائيل قصف غزة مؤقتاً لإعطاء إتمام عملية الإفراج عن المحتجزين فرصة»، مع العلم بأن القصف لم يتوقف.

ونقل موقع «أكسيوس» الإخباري، اليوم (السبت)، عن ترمب قوله إن إبرام اتفاق سلام في غزة أصبح في المتناول، وإنه سيدفع بكل قوة لإنجاز هذا الاتفاق. وأضاف ترمب أنه أبلغ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن هذه فرصة لتحقيق النصر، وأن نتنياهو بدا موافقاً على ذلك. وتابع ترمب قائلاً: «يجب أن يوافق (نتنياهو) على ذلك... ليس لديه خيار، معي يجب أن توافق».

وأردف: «كانت ردود الفعل رائعة إزاء خطتنا. كل بلدان العالم موافقة؛ نتنياهو موافق و(حماس) ترغب في إبرام الاتفاق. يتعين علينا الآن إنجاز الأمر».

وأشاد ترمب بالرئيس التركي رجب طيب إردوغان قائلاً إنه «قدم المساعدة» في الضغط على «حماس» للمضي قدماً والإفراج عن المحتجزين، واصفاً إردوغان بأنه صديقه وقام بعمل رائع. وقال ترمب إن نتنياهو «بالغ في الأمر؛ ما أدى إلى فقدان إسرائيل كثيراً من الدعم العالمي، لكني سوف أعيد هذا الدعم إلى إسرائيل».

ترمب يفرض حضوره في ملفات الشرق الأوسط

وعدّ مراقبون أن هذه هي المرة الأولى منذ عودته إلى السلطة التي يوجّه فيها ترمب رسالة مباشرة إلى إسرائيل بضرورة تغيير قواعد اللعبة.

ومنذ عودته إلى البيت الأبيض، حرص ترمب على إعادة فرض حضوره في ملفات الشرق الأوسط باعتباره صانع صفقات يسعى إلى ترك إرث سياسي يتجاوز حدود واشنطن. وفي الحرب الدائرة على غزة، برز فجأة بوصفه وسيطاً رئيسياً، مطلقاً خطة سلام من 20 بنداً، ومهدداً بفتح «جحيم لم يره أحد من قبل»، إذا لم توافق «حماس» عليها في غضون أيام. لكنه في الوقت نفسه أرسل رسالة غير مسبوقة لنتنياهو، داعياً إياه إلى وقف القصف فوراً لتأمين ظروف إطلاق سراح الرهائن.

هذا التحول عكس رغبة ترمب في كسر الصورة التقليدية للولايات المتحدة، بوصفها حليفاً مطلقاً لإسرائيل، وتقديم نفسه لاعباً يفرض التوازن بين الطرفين. وحسب مراقبين في واشنطن، فإن ترمب يحاول أن يظهر أنه وحده القادر على «تغيير قواعد اللعبة» في منطقة استنزفت الإدارات الأميركية المتعاقبة.

ردّ «حماس»: «نعم... ولكن»

ردّ «حماس» على خطة ترمب حمل كثيراً من الغموض؛ ففي حين أعلنت الحركة استعدادها لإطلاق سراح الرهائن مقابل انسحاب إسرائيلي كامل ووقف الحرب، فإنها تجنّبت الالتزام الصريح بنزع السلاح، وطلبت «مفاوضات تقنية» لتوضيح تفاصيل الخطة.

وفي حين رأى ترمب في هذا الموقف «استعداداً لسلام دائم»، وصف السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام رد «حماس» بأنه «رفض مقنع»، قائلاً: «لا نزع للسلاح، وربط إطلاق الرهائن بالمفاوضات، هذه إجابة كلاسيكية: (نعم... ولكن».

لكن ترمب، خلافاً لمعارضيه، تبنّى الرواية الإيجابية، وعدّ أن مجرد تجاوب «حماس» يُمثل «لحظة تاريخية» يجب البناء عليها. وقد نشر على منصاته مقطع فيديو أكّد فيه أن الولايات المتحدة «قريبة جداً» من إنهاء الحرب، وأن جميع الأطراف «ستُعامَل بإنصاف».

نازحة فلسطينية في خيمتها بوسط قطاع غزة بعد إعلان «حماس» موافقتها على إطلاق المحتجزين الإسرائيليين السبت (رويترز)

ضغوط البيت الأبيض

أثارت خطوة ترمب ارتباكاً في إسرائيل؛ فقد كشفت مصادر إسرائيلية لموقع «أكسيوس» أن نتنياهو فوجئ بردّ الرئيس الأميركي، وأنه في اجتماعات مغلقة عدّ موقف «حماس» رفضاً للخطة، لكن المفارقة أن بعض أعضاء فريق التفاوض الإسرائيلي رأوا أن ردّ الحركة قد يفتح الباب أمام صفقة محتملة، وهو ما يعكس التباين داخل المؤسسة الإسرائيلية نفسها.

وفي حين يجد نتنياهو نفسه مضطرّاً للحفاظ على دعم ترمب، فإنه يواجه في الداخل معارضة من قيادات اليمين التي ترى في وقف القتال خضوعاً لضغوط خارجية، ولذلك يحاول الموازنة بين التزامات أمنية ميدانية وخشية خسارة الغطاء الأميركي الوحيد القادر على تحصين إسرائيل دبلوماسياً في المحافل الدولية.

ويقول دبلوماسي عربي شارك في المفاوضات مع واشنطن، إن «ترمب قلب الطاولة على الجميع؛ فقد نقل الضغط من (حماس) وحدها إلى إسرائيل أيضاً، وهو ما لم تجرؤ أي إدارة أميركية سابقة على فعله».

هل ينجح ترمب في فرض إرثه؟

التقديرات الاستخباراتية الأميركية التي تسرّبت إلى وسائل الإعلام لم تكن متفائلة؛ فقد أشار مسؤول رفيع إلى أن «حماس» قد تستخدم المفاوضات لكسب الوقت، وأن الانقسامات داخلها قد تعرقل أي اتفاق نهائي، لكن بالنسبة لترمب، يبدو الرهان مختلفاً؛ فحتى مجرد إطلاق مسار تفاوضي يُحسب له بوصفه إنجازاً سياسياً كبيراً؛ خصوصاً إذا اقترن بوقف إطلاق نار ولو مؤقتاً.

فتى فلسطيني يلعب بطائرة ورقية قرب خيم النازحين في النصيرات بوسط قطاع غزة السبت (أ.ف.ب)

ويؤكد محللون أن الرئيس الأميركي يسعى إلى تحقيق 3 أهداف متوازية؛ إثبات أنه الوسيط الوحيد القادر على تحريك الجمود في مقابل فشل إدارات سابقة؛ وتعزيز موقعه أمام الرأي العام الأميركي بإظهار أنه جلب «سلاماً طال انتظاره» إلى الشرق الأوسط؛ وإعادة صياغة العلاقة مع إسرائيل بما يتيح له فرض شروط على نتنياهو، بدلاً من تبني مواقفه من دون نقاش.

ومع ذلك، لا يمكن تجاهل العقبات الكبرى. وحسب تقرير في «وول ستريت جورنال»، فإن «حماس» تعاني انقساماً داخلياً بين قادة الخارج الذين يميلون للتسوية، وقادة الداخل الذين يخشون فقدان السيطرة على المقاتلين. كما أن إسرائيل لا تزال مصرّة على نزع سلاح الحركة بالكامل، وهو شرط لم تلتزم به «حماس» حتى الآن.

ويُحذر وسطاء من احتمال انشقاق بعض مقاتلي «حماس» وانضمامهم إلى جماعات أكثر تشدداً، ما يعني أن وقف الحرب قد لا يكون شاملاً. أما إذا رفضت الخطة، فقد يطلق ترمب الضوء الأخضر لإسرائيل لمواصلة حربها بلا قيود، بعد أن يكون قد قدّم نفسه للرأي العام على أنه بذل «المحاولة الأخيرة».

ما يحدث في غزة اليوم لا يمكن قراءته بعيداً عن الحسابات الأميركية، فترمب لا يطرح مبادرة تقنية بقدر ما يسعى إلى إعادة رسم دور واشنطن بوصفها لاعباً لا غنى عنه. وفي حين يرحب الوسطاء الإقليميون بالدور الأميركي الجديد، تبقى الكرة في ملعب «حماس»، التي يتعين عليها حسم انقساماتها الداخلية، وإسرائيل التي تواجه ضغطاً غير مسبوق من أقرب حلفائها.

وفي المحصلة، يظل السؤال: هل ينجح ترمب في انتزاع «سلام غزة» ليجعله علامة فارقة في رئاسته، أم أن تعقيدات الميدان وتناقضات الأطراف ستقلب المبادرة إلى محطة عابرة في حرب طويلة؟


مقالات ذات صلة

خطوط أميركية حمراء لنتنياهو قبل لقاء ترمب

الولايات المتحدة​ 
فلسطينيون يحاولون أمس التعرف على جثث انتُشلت من تحت أنقاض مبنى دُمّر عام 2023 في حي الرمال بمدينة غزة (أ.ف.ب)

خطوط أميركية حمراء لنتنياهو قبل لقاء ترمب

قبل لقاءٍ مرتقب مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب نهاية الشهر، تلقَّى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، من واشنطن «رسائلَ حادة وخاصة» و«خطوطاً حمراء» بشأن.

نظير مجلي (تل أبيب)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب (رويترز)

ترمب يطالب «بي بي سي» بـ10 مليارات دولار تعويضا عن تهمة التشهير

أقام الرئيس الأميركي دونالد ترمب الاثنين دعوى قضائية على هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) يطالبها فيها بتعويض لا يقل عن 10 مليارات بعد اتهامها بالتشهير.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي خلال توقيعه الأمر التنفيذي في البيت الابيض (رويترز)

يقتل 200 ألف سنويا... ترمب يصنف مخدر الفنتانيل «سلاح دمار شامل»

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب الإثنين تصنيف مادة الفنتانيل المخدّرة سلاح دمار شامل، معززا حملة إدارته ضد كارتيلات تهريب المخدرات في أميركا اللاتينية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي الرئيس الأميركي دونالد ترمب (أ.ف.ب) play-circle

ترمب: نبحث ما إذا كانت إسرائيل انتهكت وقف النار بقتل قيادي في «حماس»

قال الرئيس الأميركي، الاثنين، إن إدارته تبحث فيما إذا كانت إسرائيل انتهكت وقف إطلاق النار في قطاع غزة بقتلها، السبت، قيادياً في حركة «حماس» الفلسطينية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا صورة جماعية للقادة الأوروبيين المجتمعين في برلين لإجراء محادثات حول كيفية إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية (أ.ف.ب) play-circle

أوروبا ترفض تنازل أوكرانيا عن أراضٍ من دون «ضمانات أمنية قوية»

قال قادة أوروبيون بعد محادثات سلام في برلين، الاثنين، إن القرارات بشأن احتمال تقديم تنازلات بشأن الأرض لا يمكن أن يتخذها سوى شعب أوكرانيا وبعد ضمانات أمنية قوية

«الشرق الأوسط» (برلين)

وزارة الدفاع التركية تعلن إسقاط طائرة مسيّرة فوق البحر الأسود

طائرة مقاتلة من طراز «إف 16» تابعة للقوات الجوية التركية تقلع في مناورات جوية في شمال ألمانيا 9 يونيو 2023 (رويترز)
طائرة مقاتلة من طراز «إف 16» تابعة للقوات الجوية التركية تقلع في مناورات جوية في شمال ألمانيا 9 يونيو 2023 (رويترز)
TT

وزارة الدفاع التركية تعلن إسقاط طائرة مسيّرة فوق البحر الأسود

طائرة مقاتلة من طراز «إف 16» تابعة للقوات الجوية التركية تقلع في مناورات جوية في شمال ألمانيا 9 يونيو 2023 (رويترز)
طائرة مقاتلة من طراز «إف 16» تابعة للقوات الجوية التركية تقلع في مناورات جوية في شمال ألمانيا 9 يونيو 2023 (رويترز)

أعلنت وزارة الدفاع التركية إسقاط مسيّرة «خارج السيطرة»، الاثنين، بعدما اقتربت من المجال الجوي التركي من جهة البحر الأسود.

وجاء في بيان للوزارة: «تجنّباً لأي عواقب ضارة، أُسقطت الطائرة المسيّرة في منطقة آمنة وبعيدة من أي مناطق مأهولة»، حسبما أفادت «وكالة الصحافة الفرنسية».

وقالت أنقرة: «تم رصد وتعقب أثر جوي... في إطار الآليات الروتينية» فوق البحر الأسود، و«تبيّن أن الأثر الجوي المعني هو مسيّرة خارج السيطرة». وأضافت: «بهدف ضمان أمن المجال الجوي، تم نشر مقاتلاتنا من طراز (إف-16) تحت قيادة حلف شمال الاطلسي (ناتو) والقيادة الوطنية، في مهمة اعتراض».

ويأتي هذا الحادث بعدما حذّر الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، السبت، من تحوّل البحر الأسود إلى «منطقة مواجهة» بين روسيا وأوكرانيا، وذلك إثر ضربات عدة طالت سفناً في الأسابيع الأخيرة.


مستشار خامنئي: نعارض بشدة «مشروع ترمب» في القوقاز

ولايتي يلتقي السفير الأرميني غريغور هاكوبيان (إرنا)
ولايتي يلتقي السفير الأرميني غريغور هاكوبيان (إرنا)
TT

مستشار خامنئي: نعارض بشدة «مشروع ترمب» في القوقاز

ولايتي يلتقي السفير الأرميني غريغور هاكوبيان (إرنا)
ولايتي يلتقي السفير الأرميني غريغور هاكوبيان (إرنا)

قال علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الإيراني للشؤون الدولية، إن طهران تعارض بشدة ما وصفه بـ«مشروع الرئيس الأميركي دونالد ترمب» في القوقاز، وذلك عقب اتفاق رعته واشنطن بين أرمينيا وأذربيجان لإنشاء ممر عبور جديد.

وجاءت تصريحات ولايتي لدى استقباله السفير أرمينيا لدى طهران، غريغور هاكوبيان، حيث ناقشا آخر المستجدات بما في ذلك أوضاع جنوب القوقاز.

ووقعت أرمينيا وأذربيجان، في وقت سابق من أغسطس (آب) الحالي، اتفاقاً في البيت الأبيض برعاية الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، يرمي إلى وضع حد لعقود من النزاع بين الجمهوريتين السوفياتيتين السابقتين.

ونصّ الاتفاق على إنشاء «منطقة عبور» عبر أرمينيا تربط أذربيجان بجيب نخجوان التابع لها غرباً، على أن يُسمى «طريق ترمب للسلام والازدهار الدوليين»، الذي عرف بـ«ممر تريب». وبموجب الاتفاق، تحظى الولايات المتحدة بحقوق تطوير الممر المعروف كذلك بـ«ممر زنغزور».

مصافحة ثلاثية بين دونالد ترمب وإلهام علييف ونيكول باشينيان في البيت الأبيض يوم 8 أغسطس 2025 بعد توقيع الاتفاق بين أرمينيا وأذربيجان (رويترز)

ونقلت وكالة «إيسنا» الحكومية عن ولايتي قوله إن ما يُعرف بـ«مشروع ترمب» في القوقاز، لا يختلف عن «ممر زنغزور»، وأن إيران تعارضه بشكل قاطع. وأضاف أن طهران عارضت منذ البداية مشروع ممر زنغزور، بسبب رفضها أي تغيير في الحدود أو أي تطورات من شأنها تهديد أمنها الإقليمي.

ورأى ولايتي أن «مشروع ترمب» هو عملياً المشروع نفسه مع تغيير في التسمية فقط، ويجري حالياً الترويج له عبر دخول شركات أميركية إلى أرمينيا.

وأوضح ولايتي أن إيران أعلنت معارضتها الحازمة لهذا المشروع، سواء بمشاركة روسيا أو من دونها، حتى في الفترة التي كانت فيها موسكو منشغلة بالحرب في أوكرانيا، مضيفاً أن طهران نجحت في منع تنفيذه؛ لأن هذا الممر كان يمكن أن يفتح الطريق أمام وجود حلف شمال الأطلسي (ناتو) شمال إيران، ويشكّل تهديداً خطيراً لأمن شمال إيران وجنوب روسيا.

وحذر ولايتي من أن «التجربة أثبتت أن الولايات المتحدة تدخل المناطق الحساسة بدايةً عبر مشاريع ذات طابع اقتصادي، قبل أن يتوسع وجودها تدريجياً ليأخذ أبعاداً عسكرية وأمنية»، مشدداً على أن «أي مشروع يفتح الباب أمام الوجود الأميركي على حدود إيران ستكون له تداعيات أمنية واضحة».

وفي أغسطس، توالت المواقف الإيرانية المنددة بمشروع «ممر تريب (طريق ترمب للسلام والازدهار الدوليين)»، منذ الإعلان عن الاتفاق بين باكو ويريفان.

وقال مسؤولون ونواب إيرانيون إن مشروع «ممر زنغزور» لا يمكن عده قضية عابرة، «بل يمثل خطاً أحمر يتعلق بأمن الحدود والسيادة الإقليمية». وكان ولايتي قد عدّ أن «مؤامرة» من شأنها أن تعرّض «أمن جنوب القوقاز للخطر»، محذراً من أنه «لن يتحول إلى ممر يملكه ترمب، بل سيكون مقبرة لمرتزقته».

وبعد أسبوع من توقيع الاتفاق، توجه الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، إلى بريفان، عاصمة أرمينيا، وأجرى مباحثات مع رئيس الوزراء الأرميني، نيكول باشينيان، في محاولة للاطلاع على تفاصيل الاتفاق.

وقلل وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، حينها من الردود الداخلية، قائلاً إن الاتفاق «يحترم مواقفنا المبدئية، لكن الوجود المحتمل لشركة أميركية يثير القلق، وسنواصل التشاور ومتابعة التطورات من كثب».


برّاك يحاول إقناع نتنياهو بقبول تركيا في غزة

جانب من اجتماع المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توم برّاك ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم الاثنين (الحكومة الإسرائيلية)
جانب من اجتماع المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توم برّاك ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم الاثنين (الحكومة الإسرائيلية)
TT

برّاك يحاول إقناع نتنياهو بقبول تركيا في غزة

جانب من اجتماع المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توم برّاك ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم الاثنين (الحكومة الإسرائيلية)
جانب من اجتماع المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توم برّاك ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم الاثنين (الحكومة الإسرائيلية)

تطابقت التقارير العبرية، حول لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والمبعوث الأميركي الخاص لسوريا سفير الولايات المتحدة لدى تركيا، توم برّاك، الاثنين، في القدس، على تلقّي الأول «رسائل حادة وخاصة» من إدارة الرئيس دونالد ترمب، قبل قمة أميركية - إسرائيلية مرتقبة، نهاية الشهر، في فلوريدا. وتركز الاجتماع بين برّاك ونتنياهو على 3 محاور هي: غزة، وسوريا، واللقاء مع ترمب.

تصريحات غير مقبولة في غزة

وفي ملف غزة، والانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار الهش الذي بدأ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، فإن صحيفة «يديعوت أحرونوت» أفادت بأن «برّاك حاول تبديد مخاوف نتنياهو من الدور التركي وإقناعه بمشاركتها في القوات الدولية في قطاع غزة، موضحاً أن تركيا هي الدولة الأكثر تأثيراً على (حماس)، والأكثر قدرة على إقناعها بنزع سلاحها».

وأفادت الصحيفة بأن براك ذكّر نتنياهو بأن تركيا «وقّعت على خطة ترمب (بشأن وقف إطلاق النار في غزة)، وتعهدت باسم (حماس) ببند تسليم الأسلحة، وستؤدي مشاركتها إلى تحفيز العديد من الدول المترددة حالياً بالمشاركة في القوة الدولية».

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خلال توقيعه على إعلان شرم الشيخ حول السلام بالشرق الأوسط (الرئاسة التركية)

وحسبما نقلت الصحيفة، فإن برّاك قال «إن عدم مشاركة تركيا يجعل تلك الدول تتراجع عن المشاركة، والرئيس ترمب لن يسمح بفشل هذه الفكرة، موضحاً أن تصريحات نتنياهو التي قال فيها إنه لا يثق بأن (حماس) ستتخلى عن أسلحتها، وتهديده بأن إسرائيل هي التي ستستطيع ذلك، هي تصريحات غير مقبولة، وتشكل تهديداً للخطة».

وتوافقت الإفادات السابقة، مع ما نقلته «القناة 12 للتلفزيون الإسرائيلي»، الاثنين، أن «البيت الأبيض نقل رسالة (خاصة وحادة) إلى نتنياهو، شددت على أن اغتيال القيادي العسكري البارز في حركة (حماس)، رائد سعد، يشكّل خرقاً لاتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه بوساطة ترمب».

كما أكدت القناة وجود «توتر متصاعد بين إدارة ترمب وحكومة نتنياهو، على خلفية الخلاف حول الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق لإنهاء الحرب على غزة، إضافة إلى السياسات الإسرائيلية الأوسع في المنطقة».

وقال مسؤولان أميركيان للقناة إن وزير الخارجية ماركو روبيو، والمبعوث الخاص للبيت الأبيض ستيف ويتكوف، وجاريد كوشنر صهر الرئيس الأميركي، باتوا «محبطين للغاية» من سلوك نتنياهو.

ونقل التقرير عن مسؤول أميركي رفيع قوله إن فحوى الرسالة التي وُجّهت إلى نتنياهو كان واضحاً: «إذا كنت تريد تدمير سمعتك وإظهار أنك لا تلتزم بالاتفاقات فهذا شأنك، لكننا لن نسمح لك بتدمير سمعة الرئيس ترمب بعد أن توسط في اتفاق غزة».

وفي الضفة الغربية، قال مسؤول أميركي كبير ومصدر مطّلع إن البيت الأبيض يشعر بقلق متزايد إزاء عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين، وما يراه «استفزازات إسرائيلية» تضر بالجهود الأميركية لتوسيع (الاتفاقيات الإبراهيمية)، وأضاف المسؤول الأميركي: «الولايات المتحدة لا تطلب من نتنياهو المساس بأمن إسرائيل، بل تطلب منه عدم اتخاذ خطوات تُفسَّر في العالم العربي على أنها استفزازية».

وقال مسؤول أميركي: «نتنياهو تحوّل خلال العامين الماضيين إلى شخصية منبوذة دولياً. عليه أن يسأل نفسه لماذا يرفض (الرئيس المصري عبد الفتاح) السيسي لقاءه، ولماذا، بعد خمس سنوات على اتفاقيات أبراهام، لم تتم دعوته لزيارة الإمارات».

وأضاف: «إدارة ترمب تبذل جهداً كبيراً لإصلاح الوضع، لكن إذا لم يكن نتنياهو مستعداً لاتخاذ خطوات لخفض التصعيد، فلن نضيّع وقتنا في محاولة توسيع (الاتفاقيات الإبراهيمية)»

شتائم لنتنياهو في البيت الأبيض

وبدا لافتاً أن ترمب أوفد براك إلى نتنياهو، رغم الهجوم الذي شنه رئيس الوزراء الإسرائيلي ضد الدبلوماسي الأميركي خلال الآونة الأخيرة، إلى حد تصريحه بأنه يرى فيه «سفيراً تركياً لدى أمريكا، وليس سفيراً أميركياً لدى تركيا».

كما ازدادات حمى غضب نتنياهو من براك، عندما شكك بالديمقراطية الإسرائيلية قبل أسبوعين، ما دعا برّاك للاعتذار، قبل زيارته، عن التصريح مع مطالبة نتنياهو بعدم تضخيم الأزمة على حساب القضايا الكبرى التي جاء لبحثها.

ونقل الصحافي ناحوم بارنياع في «يديعوت أحرونوت»، الاثنين، عن مصدر مطلع، أن «الأمريكيين بدؤوا يكتشفوا أن نتنياهو ليس جاداً في التقدم نحو تطبيق خطة ترمب للسلام، وأنه يعمل كل ما بوسعه كي تبقى إسرائيل في حرب الى الأبد».

وقال بارنياع: «روى لي مصدر مطلع، بأن وابلاً من الشتائم في البيت الأبيض نزلت على رأس رئيس وزراء إسرائيل؛ قيلت كلمات تمتنع صحيفة شريفة عن كتابتها. ولا ينبغي استبعاد إمكانية أن شيئاً من هذا قيل لنتنياهو مباشرة في أثناء نهاية الأسبوع»، وفق ما أفاد الكاتب الإسرائيلي.

خطوط حمراء في سوريا

وتذهب التقديرات الإسرائيلية إلى أن برّاك حدد في اجتماعه مع نتنياهو «خطوطاً حمراء» بشأن النشاط الإسرائيلي في سوريا، عبر التأكيد على رغبة ترمب التي عبّر عنها سابقاً، في أن الرئيس السوري أحمد الشرع يمثل حليفاً لواشنطن، يجب دعمه في مساعيه لاستقرار الدولة ودفعها إلى الأمام، ولذلك يرغب الأميركيون في تجنب أي إجراءات يرونها تقوض حكمه.

ونقلت التقارير العبرية أن برّاك نقل أن الأمريكيين يخشون من أن تؤدي كثرة العمليات الإسرائيلية إلى انهيار النظام في سوريا، بالإضافة إلى رغبتهم في التوصل إلى اتفاق أمني.

وفي شأن لبنان، فإن ترمب يريد من إسرائيل استمرار ممارسة الضغوط على «حزب الله» من خلال عمليات محدودة، لكنه لا يوافق حالياً على عمليات حربية موسعة.

ووذهب محللون إسرائيليون إلى أن نتنياهو لن يرفض كل طلبات برّاك، بل يحاول الانسجام معها ولكن من دون التزام قاطع، وهدفه في ذلك هو أن يمهد الطريق لإنجاح لقائه مع ترمب في فلوريدا، يوم 29 ديسمبر (كانون الاول) الحالي.

ولكن نتنياهو في الوقت نفسه، لم يفوت فرصة الظهور كمن يتخذ قرارات مستقلة، فأرسل قواته لقصف جوي في سوريا، قبل لحظات من وصول براك إلى مكتبه.

المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توم برّاك ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في لقاء يوم الاثنين (الحكومة الإسرائيلية)

وفي إطار الاستفزاز لتركيا ورئيسها رجب طيب اردوغان، قرر استضافة قمة ثلاثية تجمعه مع رئيس وزراء اليونان ورئيس قبرص، في لقاء مشترك وُصف في إسرائيل بأنه يحمل رسالة سياسية مباشرة ضد تركيا. بيد أن براك قال في ختام لقائه مع نتنياهو إن الاجتماع كان «حواراً بناءً يهدف إلى تحقيق السلام والاستقرار الإقليميين».