بعد «نار التنين» البريطاني... إسرائيل تتباهى بـ«الشعاع الحديدي»... فماذا نعرف عنه؟

ولادة سلاح جديد سيغيّر صورة حرب المسيّرات

TT

بعد «نار التنين» البريطاني... إسرائيل تتباهى بـ«الشعاع الحديدي»... فماذا نعرف عنه؟

صورة وزعتها شركة «رافائيل» لأسلحة الليزر في نظام «آيرون بيم» الإسرائيلي (الشرق الأوسط)
صورة وزعتها شركة «رافائيل» لأسلحة الليزر في نظام «آيرون بيم» الإسرائيلي (الشرق الأوسط)

تشكّل الحرب الجارية في أوكرانيا بحقٍّ ساحةَ تجارب لتطوير أنواع مختلفة من الأسلحة. وإذا كان سلاح المسيّرات يُعد أحد أبرز ما ظهر على هذه الساحة في السنتين الأخيرتين، فإن هناك سباقاً كان يدور في الخفاء إلى حد كبير ولا يُعرف عنه سوى النَّزر القليل، في أكثر من دولة، لتطوير سلاح مضاد للطائرات المسيّرة. كانت بريطانيا واحدة من الدول السباقة لكشف جزء من جهودها في هذا الإطار. إذ كشفت، في عام 2024، عن أنها طوّرت سلاحاً يعمل بأشعة الليزر يُعرف بنظام «دراغون فاير» (DragonFire) بإمكانه أن يصيب في الجو هدفاً بحجم عملة جنيه إسترليني واحد من مسافة كيلومتر واحد، وبتكلفة متدنية جداً.

جرت تجربة السلاح البريطاني في ميدان هيبريدس التابع لوزارة الدفاع، حيث حقق نظام DragonFire (نار التنين) أول إطلاق عالي الطاقة لسلاح ليزري بريطاني ضد أهداف جوية. لكن الحكومة البريطانية أبقت مدى DragonFire سرياً، مشيرةً فقط إلى أن هذا النظام يعمل وفق مبدأ خط البصر ويمكنه الاشتباك مع أي هدف مرئي.

وأوضحت وزارة الدفاع أنه يمكن لأسلحة الطاقة الموجّهة بالليزر «الاشتباك مع الأهداف بسرعة الضوء، إذ تستخدم شعاعاً مركَّزاً من الضوء لاختراق الهدف، مما يؤدي إلى تدمير بنيته الهيكلية أو تحقيق تأثير أكبر إذا تم استهداف الرأس الحربي». وتابعت: «يُعادل تشغيل السلاح لمدة 10 ثوانٍ فقط تكلفة تشغيل سخّان كهربائي عادي لمدة ساعة واحدة، مما يمنحه إمكانات كبيرة ليكون بديلاً منخفض التكلفة على المدى الطويل لبعض المهام التي تؤديها الصواريخ حالياً. وتبلغ تكلفة تشغيل الليزر عادةً أقل من 10 جنيهات إسترلينية لكل طلقة».

في مقابل التكتم البريطاني، خرجت إسرائيل قبل أيام بإعلان مفصل عن سلاح ليزر جديد فائق التطور أنتجه تجمع من شركات الصناعات العسكرية الإسرائيلية بقيادة شركة «رافائيل Rafael». ووفقاً لبيان صحافي صادر عن الشركة، فإن نظام «آيرون بيم» Iron Beam (الشعاع الحديدي) اجتاز جميع الاختبارات بنجاح، وسيتم دمجه ضمن منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية متعددة الطبقات بحلول نهاية العام.

وحسب تقرير في مجلة «لوفيغارو» الفرنسية، سيصبح «آيرون بيم» الركيزة الخامسة في منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلي، إلى جانب أنظمة «آرو 2» و«آرو 3» و«مقلاع داوود» و«القبة الحديدية». ويكمن جوهر هذا النظام الثوري في تكنولوجيا «البصريات التكيفية» الرائدة التي طورتها «رافائيل»، والتي تسمح بإنتاج شعاع ليزر ثابت ودقيق ومركز.

وأشارت المجلة إلى أن «آيرون بيم» يُعد أول نظام تشغيلي من نوعه، ويَعِد بإحداث تحوّل جذري في الدفاع الجوي لسببين رئيسيين: سرعته ودقته الفائقة، بالإضافة إلى قدرته على تدمير الصواريخ، وصواريخ كروز، والطائرات من دون طيار، والطائرات، بل حتى قذائف الهاون، بتكلفة شبه معدومة.

تحوُّل في مجال الدفاع الجوي

بمدى يصل إلى 10 كيلومترات، يُحدث «آيرون بيم» تحولاً في اقتصادات الدفاع الجوي، خصوصاً ضد التهديدات قصيرة ومتوسطة المدى. وللمقارنة، فإن صاروخاً واحداً من نظام «القبة الحديدية» -الذي يُعد زهيد التكلفة نسبياً- تتراوح تكلفته بين 35000 و42000 يورو، بينما تُقدّر تكلفة عملية الاعتراض الواحدة بما بين 85000 و125000 يورو. أما طلقة واحدة من «آيرون بيم»، فلا تستهلك إلا نحو 5 يوروات من الطاقة، وتبلغ التكلفة الإجمالية للاعتراض الواحد أقل من 1700 يورو، حسبما جاء في تقرير المجلة الفرنسية.

ومنذ أكثر من عام، تُستخدم نماذج أولية من «آيرون بيم» بالفعل لتعزيز الدفاعات الجوية لإسرائيل في النزاعات الجارية. وخلال الأسابيع الماضية، اجتاز النظام بنجاح سلسلة جديدة من الاختبارات في صحراء جنوب إسرائيل.

وقد وصف أمير بارعام، المدير العام لوزارة الدفاع الإسرائيلية، هذا الإنجاز بأنه «مرحلة تاريخية للقوات المسلحة ولصناعة الدفاع الإسرائيلية». وأشار إلى أنه «أول نظام ليزر عالي الطاقة جاهز للعمل بالكامل في العالم، وقادر على تنفيذ اعتراضات متعددة في سيناريوهات مختلفة». وهكذا، تصبح إسرائيل أول دولة في العالم تمتلك مثل هذا النظام.

ووفقاً لشركة «رافائيل»، فإن النظام الثابت من «آيرون بيم» بقوة 100 كيلوواط، والمُركَّب على حاويات، مناسب بشكل خاص لحماية البُنى التحتية الاستراتيجية مثل المحطات النووية، والمطارات، والصناعات العسكرية، وكذلك لحماية الحدود. كما توجد نسختان أرضيتان متنقلتان: الأولى مُدرعة وثقيلة بقوة 50 كيلوواط، والأخرى أصغر حجماً (Lite Beam) بقوة 10 كيلوواط فقط، ويمكن تركيبها على مركبات صغيرة. ويمكن استخدام هذه النظم، على سبيل المثال، لحماية القوات على الجبهات من هجمات الطائرات المُسيّرة، وهو من التحديات الكبرى التي يواجهها الجنود الأوكرانيون في شرق البلاد. وهناك أيضاً نسخة بحرية مخصصة للدفاع الجوي عن السفن الحربية.

أما رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت، فقال في تغريدة على منصة «إكس» مع فيديو عن طريقة عمل السلاح الجديد: «أول نظام اعتراض يعمل بالليزر في العالم! إسرائيل ستُشارك هذا المنقذ للحياة مع أصدقائها».

وحسب شركة «رافائيل»، يمكن أن يعمل نظام «آيرون بيم» كنظام مستقل، أو يتم دمجه في أنظمة الدفاع الجوي الأخرى، مما يجعله مثالياً لأوكرانيا أو للدول الأوروبية الأعضاء في حلف الناتو. وقد طلبت ألمانيا بالفعل شراء نظام الدفاع الجوي «آرو 3»، وتم تسليم بعض أجزائه، ومن المتوقع أن يكون النظام جاهزاً للعمل بحلول نهاية العام.

«آيرون بيم» يُغير قواعد اللعبة

وحسب تقرير «لوفيغارو»، يبدو أن النظام الإسرائيلي يقدم حلولاً عملية لعديد من التحديات التي كشفت عنها الحرب في أوكرانيا. أول هذه التحديات هي التكلفة، إذ إن الاعتماد على الصواريخ فقط في الدفاع الجوي غير مستدام اقتصادياً على المدى البعيد. فالصواريخ «الذكية» المستخدمة في الدفاع غالباً ما تكون أغلى بكثير من الأهداف التي تعترضها. على سبيل المثال، فإن صواريخ «PAC-3» التي يستخدمها نظام «باتريوت» الأميركي تكلّف ملايين اليوروات للصاروخ الواحد، مما يمنح أفضلية في ميدان المعركة للدول التي تمتلك قدرات هجومية بعيدة المدى كبيرة مثل روسيا.

التحدي الآخر هو تشبّع أنظمة الدفاع الجوي عبر إطلاق أعداد ضخمة من الصواريخ والطائرات المُسيّرة. فروسيا، على سبيل المثال، ترسل الآن مئات الطائرات المُسيّرة الانتحارية الرخيصة لإغراق الدفاعات الجوية الأوكرانية. وبفضل سرعة أشعة الليزر الخاصة بـ«آيرون بيم» و«ذخيرته غير المحدودة»، يمكن تشغيله دون توقف ومن دون الحاجة إلى إعادة التذخير، مما يجعله أصعب بكثير في التشبع مقارنةً بالأنظمة التقليدية.

ويكتب الخبير الأمني الأميركي إليوت أبرامز، في مقال نُشر على موقع «مجلس العلاقات الخارجية»، أن «(آيرون بيم) يُغيِّر قواعد اللعبة»، صحيح أنه لا يُغني عن باقي أنظمة الدفاع، لكنه «يُعد وسيلة إضافية منخفضة التكلفة لمواجهة أسراب الطائرات المُسيّرة الرخيصة التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الحروب الحديثة».

جانب من إعلان دعائي لشركة «رافائيل» عن سلاح «آيرون بيم»... (الشرق الأوسط)

ومعلوم أن الولايات المتحدة كانت قد استثمرت 1.2 مليار دولار في عام 2024، خلال إدارة الرئيس جو بايدن، في تطوير نظام «آيرون بيم». ونظراً إلى أن إسرائيل اتَّبعت نهجاً تقنياً مختلفاً عن مشاريع الليزر الأميركية، كانت واشنطن تأمل في الاستفادة من التجربة الإسرائيلية لاستخلاص دروس وفتح آفاق جديدة لتعزيز منظومتها الدفاعية المعتمدة على الليزر، على ما جاء في تقرير «لوفيغارو».

وفي شهر مايو (أيار) الماضي، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب نيته إطلاق مشروع «القبة الذهبية (Golden Dome)» لحماية كامل أراضي الولايات المتحدة القارية من الهجمات الجوية. ويتضمن هذا المشروع أيضاً منصات إطلاق تُوضع في الفضاء، في خطوة تُعد نسخة محدَّثة من خطط «حرب النجوم» القديمة التي أطلقها ريغان. وتُظهر التطورات الإسرائيلية اليوم أن حلم أسلحة الليزر الذي كان يبدو ذات يوم خيالياً، لم يكن بعيد المنال.

ويكتب الخبير الأمني إليوت أبرامز: «لقد غيّرت الطائرات المُسيّرة طبيعة ساحة المعركة، والدفاع بالليزر سيُغيرها مجدداً».


مقالات ذات صلة

الولايات المتحدة تحظر المسيّرات الصينية لأسباب أمنية

الولايات المتحدة​ الولايات التحدة فرضت حظراً على جميع الطائرات المسيرة الجديدة المصنعة في الخارج (أ.ب)

الولايات المتحدة تحظر المسيّرات الصينية لأسباب أمنية

أعلنت لجنة الاتصالات الاتحادية الأميركية، أمس (الاثنين)، أنها ستفرض حظراً على الطائرات المسيرة الجديدة المصنعة في الخارج.

«الشرق الأوسط» (واشنطن )
شؤون إقليمية مجموعة من الأشخاص يقفون بجوار طائرة مسيرة يعتقد أنها روسية من نوع «أورلان - 10» سقطت في قوجه إيلي بشمال غرب تركيا (وكالة الأنباء التركية - أ.ف.ب) play-circle

السلطات التركية تحقق في تحطم مسيرة بعد أيام من إسقاط أخرى

قالت وزارة الداخلية التركية، اليوم الجمعة، إنها ‌عثرت ‌على ‌طائرة مسيرة روسية ​المنشأ ‌من طراز «أورلان-10» في مدينة قوجه إيلي بشمال غرب ‌البلاد.

«الشرق الأوسط» (أنقرة)
أوروبا رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك (الثاني من اليمين) يزور خط السكة الحديد الذي تعرض للتخريب بالقرب من ميكا - بولندا 17 نوفمبر 2025 (أ.ب) play-circle

مسؤولون غربيون: روسيا تحاول إغراق أوروبا بحملة تخريب واسعة

يقول مسؤولون غربيون إن روسيا تحاول إغراق أوروبا بحملة تخريب واسعة النطاق تشمل عدداً من الدول الأوروبية، أبرزها دول مجاورة لروسيا ودول داعمة لأوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك (يسار) ورئيس ليتوانيا جيتاناس ناوسيدا (وسط) ورئيس الوزراء الفنلندي بيتري أوربو (يمين) خلال المؤتمر الصحافي لقمة الجبهة الشرقية في «الناتو» في هلسنكي... فنلندا 16 ديسمبر 2025 (إ.ب.أ)

بولندا: الدفاع المضاد للطائرات المسيّرة بات أولوية للاتحاد الأوروبي

قال رئيس الوزراء البولندي، دونالد توسك، إن تطوير الدفاعات ضد الطائرات المسيّرة أصبح أولوية ستستثمر فيها دول الاتحاد الأوروبي بكثافة.

«الشرق الأوسط» (وارسو)
شؤون إقليمية طائرة مقاتلة من طراز «إف 16» تابعة للقوات الجوية التركية تقلع في مناورات جوية في شمال ألمانيا 9 يونيو 2023 (رويترز)

وزارة الدفاع التركية تعلن إسقاط طائرة مسيّرة فوق البحر الأسود

أعلنت وزارة الدفاع التركية إسقاط مسيّرة «خارج السيطرة»، الاثنين، بعدما اقتربت من المجال الجوي التركي من جهة البحر الأسود.

«الشرق الأوسط» (إسطنبول)

تركيا: المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان تعطي أولوية لنظر احتجاز إمام أوغلو

متظاهرون يرفعون صورة لرئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو مطالبين بإطلاق سراحه (حزب الشعب الجمهوري - إكس)
متظاهرون يرفعون صورة لرئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو مطالبين بإطلاق سراحه (حزب الشعب الجمهوري - إكس)
TT

تركيا: المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان تعطي أولوية لنظر احتجاز إمام أوغلو

متظاهرون يرفعون صورة لرئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو مطالبين بإطلاق سراحه (حزب الشعب الجمهوري - إكس)
متظاهرون يرفعون صورة لرئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو مطالبين بإطلاق سراحه (حزب الشعب الجمهوري - إكس)

قررت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان إعطاء أولوية لمراجعة قضية احتجاز رئيس بلدية إسطنبول المعارض أكرم إمام أوغلو. كما قرّرت عقد جلسة الاستماع بشأن طلب رجل الأعمال البارز، عثمان كافالا، المسجون منذ 8 سنوات، للإفراج عنه.

وقال محمد بهلون، محامي إمام أوغلو: «تلقينا إخطاراً رسمياً بأن طلبنا المقدم إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بشأن الاحتجاز غير المبرر لموكلنا، أكرم إمام أوغلو، سيُنظر فيه على وجه السرعة».

وأضاف بهلون عبر حسابه في «إكس»، الجمعة: «يُعد قرار المحكمة الأوروبية بإعطاء الأولوية للنظر في الطلب، المتعلق بإمام أوغلو، أمراً نادراً في الطلبات المقدمة من تركيا حتى الآن».

«حالة نادرة»

واعتُقل إمام أوغلو، الذي ينظر إليه على أنه أقوى منافس للرئيس التركي رجب طيب إردوغان على الرئاسة والمرشح عن حزب «الشعب الجمهوري» أكبر أحزاب المعارضة، في الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2028، في 19 مارس (آذار) الماضي لاتهامات تتعلق بشبهات فساد في بلدية إسطنبول.

وأودع إمام أوغلو، الذي فجّر اعتقاله احتجاجات شعبية غير مسبوقة في تركيا منذ احتجاجات «غيزي بارك» عام 2013، إلى سجن سيليفري منذ 23 مارس، في إطار تحقيقات تتعلق بشبهات الفساد والرشوة والمخالفات في المناقصات.

اشتباكات بين الشرطة ومحتجين على اعتقال أكرم إمام أوغلو في إسطنبول في مارس الماضي (رويترز)

ويشمل التحقيق، الذي بدأ مع اعتقاله في 19 مارس، التي تصفها المعارضة بأنها عملية سياسية تستهدف منع إمام أوغلو من منافسة إردوغان، 122 مشتبهاً به. كما تضُمّ لائحة الاتهام، التي صدرت بعد 237 يوماً من الاعتقالات في 3900 صفحة، 402 شخص كمشتبه بهم، وشملت العديد من التهم المالية، بالإضافة إلى 17 تهمة بينها «التلوث البيئي المتعمد».

ويطالب الادعاء العام بسجن رئيس بلدية إسطنبول الكبرى لمدة تتراوح بين 828 و2352 عاماً، بوصفه «مؤسس وزعيم منظمة إمام أوغلو الإجرامية». وستبدأ المحاكمة نظر القضية في 9 مارس المقبل، أمام الدائرة الـ40 لمحكمة إسطنبول الجنائية العليا.

قضية عثمان كافالا

بالتوازي، أعلنت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أن جلسة الاستماع بشأن الطلب الثاني لرجل الأعمال الناشط البارز في مجال المجتمع المدني، عثمان كافالا، المسجون منذ عام 2017، ستُعقد في 25 مارس المقبل.

وأحالت المحكمة طلب كافالا، المتعلق باحتجازه والسجن المؤبد المشدد، إلى الدائرة الكبرى في 16 ديسمبر (كانون الأول) الحالي. ودعت الدائرة الأطراف إلى تقديم آرائهم الخطية بحلول 26 يناير (كانون الثاني) المقبل.

متظاهر يرفع صورة للناشط عثمان كافالا خلال مسيرة في إسطنبول في الذكرى الثامنة لاعتقاله (أ.ف.ب)

ولكي تتمكن حكومة تركيا أو أي أطراف ثالثة من المشاركة في جلسة الاستماع، يجب عليها تقديم طلب للحصول على إذن بحلول 29 يناير. وفي حال الموافقة على هذا الإذن، يجب تقديم الآراء الخطية إلى المحكمة في موعد أقصاه 12 فبراير (شباط).

وتنظر الدائرة الكبرى في الطلبات التي تتضمن مسائل جوهرية تتعلق بتطبيق وتفسير الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.

ويتعلق الطلب الثاني، المُقدم في 18 يناير 2024، باستمرار احتجاز عثمان كافالا رغم قرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بوقوع انتهاك لحقوقه، والمحاكمة التي أسفرت عن الحكم عليه بالسجن المؤبد المشدد.

وذكرت المحكمة الأوروبية في قرارها الصادر في 10 ديسمبر 2019 أن اعتقال كافالا واحتجازه كانا يهدفان إلى إسكاته وتثبيط عزيمة المدافعين الآخرين عن حقوق الإنسان.

إجراءات ضد تركيا

دعت المفوضية الأوروبية الحكومة التركية إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة للإفراج الفوري عن كافالا، وباشرت في عام 2021 إجراءات قانونية ضد أنقرة لعدم تنفيذها قرار الإفراج عنه.

الشرطة التركية تفرق متظاهرين خلال احتجاجات «غيزي بارك» في عام 2013 بخراطيم المياه (أرشيفية)

واحتجز كافالا في 18 أكتوبر (تشرين الأول) 2017، وتم توقيفه في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني)، بتهمة تنظيم أو تمويل احتجاجات حديقة «غيزي بارك» في إسطنبول عام 2013، ومحاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو (تموز) 2016.

ومنذ ذلك الحين، أصدرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أحكاماً تنص على أن احتجازه يُعد انتهاكاً لحقوقه، وأنه يجب الإفراج عنه فوراً. وفي أبريل (نيسان) 2022، حُكم على كافالا بالسجن المؤبد المشدد بتهمة «محاولة قلب نظام الحكم» في قضية «غيزي بارك»، وأيّدت محكمة النقض الحكم في سبتمبر (أيلول) 2023.


واشنطن تبحث عن إيراني خطط لهجمات «عابرة للحدود»

ثلاث صور مُدمجة في تعميم نشره مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي للإيراني سعيد توكلي (إكس)
ثلاث صور مُدمجة في تعميم نشره مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي للإيراني سعيد توكلي (إكس)
TT

واشنطن تبحث عن إيراني خطط لهجمات «عابرة للحدود»

ثلاث صور مُدمجة في تعميم نشره مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي للإيراني سعيد توكلي (إكس)
ثلاث صور مُدمجة في تعميم نشره مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي للإيراني سعيد توكلي (إكس)

أعلنت السلطات الأميركية تكثيف جهودها لتعقّب مسؤول بارز في «الحرس الثوري» الإيراني، في إطار تحقيق فيدرالي يتناول ما تصفه واشنطن بأنشطة هجومية وتجسسية عابرة للحدود.

وأفاد مكتب التحقيقات الفيدرالي «إف بي آي» بأنه يبحث عن مسؤول رفيع في «قوة القدس»، الذراع الخارجية لـ«الحرس الثوري»؛ للاشتباه بتورطه في توجيه وإدارة عمليات استهدفت مسؤولين أميركيين وأوروبيين حاليين وسابقين، في تطورٍ يعيد إلى الواجهة ملف المواجهة المفتوحة بين طهران والغرب، والذي طالما حذّرت منه الولايات المتحدة وحلفاؤها.

وكشف المكتب، في بيان صحافي، أن الشخص الذي كان يُعرَف سابقاً باسمه الحركي سردار عمار هو في الحقيقة سعيد توكلي، داعياً الجمهور إلى المساعدة في تقديم أي معلومات قد تسهم في مسار التحقيق، الذي تتولاه دائرة المكتب بواشنطن العاصمة.

ووفق الرواية الأميركية، فإن توكلي مطلوب للاستجواب، على خلفية شبهات تتعلق بإدارة عمليات استخباراتية سرية وعمليات «قاتلة» طالت معارضين إيرانيين وصحافيين، إضافة إلى مواطنين إسرائيليين ومسؤولين حاليين وسابقين بالحكومة الأميركية، سواء داخل الولايات المتحدة أم في عدد من الدول الأوروبية.

وفي محاولةٍ لتوسيع نطاق البحث، نشر مكتب التحقيقات الفيدرالي أوصافاً جسدية لتوكلي، مشيراً إلى أن شعره رمادي أو أبيض، وعيناه بُنيتان، ويتحدث اللغة الفارسية، داعياً أي شخص يمتلك معلومات عنه إلى التواصل مع أقرب فرع للمكتب أو مع سفارة أو قنصلية أميركية.

صورة جرى توزيعها 5 ديسمبر 2025 من قِبل «الحرس الثوري» الإيراني تُظهِر صاروخاً يتم إطلاقه أثناء تدريب عسكري بالمياه قبالة ساحل جنوب إيران (إ.ب.أ)

شبكة عابرة للحدود

وتقول السلطات الأميركية إن توكلي يتولى قيادة وحدة تُعرف باسم 11000 داخل «الحرس الثوري» الإيراني، وهي وحدة يُعتقد أنها لعبت دوراً محورياً في إدارة شبكة عملياتية مرتبطة بمحاولات هجوم في دول عدة؛ من بينها أستراليا واليونان وألمانيا والمكسيك.

وتنسجم هذه الاتهامات مع ما دأبت واشنطن على تأكيده بشأن اعتماد طهران، عبر «فيلق القدس»، على شبكات سرية تعمل خارج حدودها لتنفيذ عمليات ضغط أمني وسياسي ضد خصومها.

وكان جهاز الموساد الإسرائيلي قد أعلن، في أكتوبر (تشرين الأول) 2025، أن هذه الشبكة حاولت تنفيذ سلسلة هجمات، خلال عاميْ 2024 و2025، زاعماً إحباط عدد منها. ونقل مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن «الموساد» أن أنشطة الشبكة أدت، في إحدى نتائجها، إلى طرد السفير الإيراني من أستراليا؛ في خطوة عكست حجم التوتر بين كانبيرا وطهران، على خلفية تلك الاتهامات.

في السياق نفسه، كانت منظمة الاستخبارات الأمنية الأسترالية قد اتهمت، في أغسطس (آب) 2025، «الحرس الثوري الإيراني» بتوجيه ما لا يقل عن هجوميْ حرق متعمَّد ذويْ طابع مُعادٍ للسامية.

وذكرت أن أحد الهجومين استهدف كنيس «أداس إسرائيل» في ملبورن، في 6 ديسمبر (كانون الأول) 2024، في حين طال الآخر مطعم «لويس كونتيننتال كيتشن» في سيدني بتاريخ 20 أكتوبر 2024، وهي وقائع أثارت قلقاً واسعاً داخل الأوساط السياسية والأمنية الأسترالية.

تحذيرات متراكمة

لا يأتي هذا التطور بمعزل عن سلسلة تحذيرات أطلقتها الإدارة الأميركية، خلال السنوات الأخيرة، بشأن محاولات إيرانية لتنفيذ عمليات خطف واغتيال داخل الأراضي الأميركية نفسها، فيما تعدُّه واشنطن تصعيداً غير مسبوق في أساليب المواجهة.

ففي أكتوبر الماضي، أعلن مكتب الادعاء العام بالمنطقة الجنوبية من نيويورك توجيه اتهامات إلى ثمانية أشخاص، بينهم مسؤول عسكري إيراني، بزعم ارتباطهم بشبكة سعت إلى قتل مواطن أميركي من أصل إيراني عبر استئجار «مجموعة إجرامية» من أوروبا الشرقية لاغتيال صحافي.

وفي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ذهبت وزارة العدل الأميركية أبعد من ذلك، حين أعلنت أن ثلاثة أميركيين عُرضت مكافآت مالية مقابل اغتيالهم من قِبل مسؤول في «الحرس الثوري الإيراني»، وكان من بينهم دونالد ترمب، خلال حملته الانتخابية الرئاسية.

وفي تعليقٍ عكس نبرة التشدد الأميركية، قال وزير العدل الأميركي ميريك غارلاند إن «هناك قلة من الجهات في العالم تشكل تهديداً خطيراً للأمن القومي للولايات المتحدة بقدر ما تُشكله إيران».


الأميركيون يشعرون بأن نتنياهو نادم على قبول خطة ترمب

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يشير بيده بجانب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مطار بن غوريون الدولي خلال زيارته إسرائيل 13 أكتوبر 2025 (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يشير بيده بجانب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مطار بن غوريون الدولي خلال زيارته إسرائيل 13 أكتوبر 2025 (رويترز)
TT

الأميركيون يشعرون بأن نتنياهو نادم على قبول خطة ترمب

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يشير بيده بجانب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مطار بن غوريون الدولي خلال زيارته إسرائيل 13 أكتوبر 2025 (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يشير بيده بجانب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مطار بن غوريون الدولي خلال زيارته إسرائيل 13 أكتوبر 2025 (رويترز)

في الوقت الذي يحظى فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بأكبر دعم سياسي وعسكري واقتصادي غير مسبوق من الولايات المتحدة، عبَّر مسؤولون أميركيون عن قلقهم من قدومه للقاء الرئيس دونالد ترمب في ميامي، حاملاً مطالب تفضي إلى التراجع عن خطة وقف الحرب.

وتحدثوا عن شعورهم بأنه يشعر بالندم على قبوله الخطة ويرغب في العودة إلى استئناف الحرب.

وحسب «القناة 12» للتلفزيون الإسرائيلي، قالت مصادر في واشنطن، إنه في وقت يسعى فيه البيت الأبيض إلى الإعلان، منتصف الشهر المقبل، عن تأسيس «مجلس السلام» وتشكيل حكومة تكنوقراط فلسطينية وقوة الاستقرار الدولية في القطاع، والتقدم في خطة الرئيس ترمب للسلام الشامل، يعود نتنياهو إلى أفكار ومقترحات تهدد بانهيار الخطة.

الرئيس الأميركي دونال دترمب يستقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض 4 فبراير 2025 (أرشيفية - إ.ب.أ)

وذكرت هذه المصادر للقناة الإسرائيلية أن وزير الدفاع الأميركي، بيتر بيريان هيغسيث، ووزير الخارجية، مارك روبيو، والمستشارين ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر، «فقدوا ثقتهم بنتنياهو، وترمب هو الوحيد الذي لا يزال يحب نتنياهو. ولكن ترمب يريد ويصرّ على رؤية تقدم أسرع في اتفاق غزة مما هو يتقدم الآن»، ويريد أن يعقد اجتماع «مجلس السلام» برئاسته، خلال المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، في الأسبوع الأخير من يناير (كانون الثاني) المقبل، ولا يريد عراقيل إسرائيلية لخطته.

وقال مسؤول أميركي للقناة إن «الشعور السائد منذ فترة هو كأن الإسرائيليين نادمون على الاتفاق في غزة».

وفي تل أبيب، يقول اللواء (احتياط) إسرائيل زيف، الرئيس الأسبق لقسم العمليات في رئاسة أركان الجيش الإسرائيلي، إن الرؤية لدى حكومة نتنياهو هي أن الحرب لم تنتهِ فعلياً، بل هي أشبه بهدنة مؤقتة، وفي الوقت نفسه، تُستخدم التهديدات ذريعةً لسياسة أمنية قوية. ويؤكد أنه «على الرغم من انتهاء الحرب في لبنان وسوريا قبل عام، وفي غزة قبل نحو ثلاثة أشهر، فإن الحكومة الإسرائيلية لم تناقش أو تتخذ أي قرار رسمي بشأن إنهاء الحرب، ناهيك عن أنها لم تعترف حتى بشكل كامل بانتهاء الحرب. وثمن عدم إنهاء الحرب باهظ للغاية، لكن هذه الحكومة تُفضّل تبديد ضباب المعركة والتخبط، بل وحتى نقض جميع اتفاقيات وقف إطلاق النار المفروضة عليها على جميع الجبهات. ولا تُبدي أي اهتمام بالاعتراف بنهاية الحرب. بل على العكس، فهي ترغب سياسياً في العودة إلى الحرب بأسرع وقت ممكن؛ وذلك لأسباب داخلية محضة، مثل إزالة مسألة لجنة التحقيق الرسمية من على الطاولة، واختلال وظائفها، والفشل في إعادة تأهيل الشمال، والإهمال الذي تعاني منه إسرائيل جراء الحرب التي تتحمل مسؤوليتها، وتزايد عزلتها الدولية. وفي هذا يتسبب نتنياهو بالإحراج الشديد للرئيس ترمب، الذي وصف بأنه الأفضل لإسرائيل في التاريخ».

ترمب يعرض النسخة التي وقَّع عليها لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة بمدينة شرم الشيخ المصرية 13 أكتوبر 2025 (أرشيفية - أ.ف.ب)

إزاء هذا الوضع، تواصل الإدارة الأميركية التقدم في الإعداد لتطبيق خطة ترمب. ومن خلال الاجتماع الذي عقده ويتكوف مع رئيس وزراء قطر ورئيس المخابرات المصرية ووزير الخارجية التركي، في ميامي، يوم الجمعة الماضي، تبين أن واشنطن تطالب الجيش الإسرائيلي أن يحترم اتفاق وقف إطلاق النار والامتناع عن استهداف المدنيين الغزيين.

وقالت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، إنه تقرر خلال اجتماع ميامي أن تشرف حكومة التكنوقراط الفلسطينية على نزع سلاح غزة، حسب ثلاثة مصادر في البيت الأبيض، وذلك من خلال إقناع «حماس» وتنظيمات مسلحة أخرى، بأن الحكومة الفلسطينية الجديدة هي المسؤولة الوحيدة عن القانون والنظام والمخولة استخدام السلاح. ونقلت الصحيفة عن مسؤول في البيت الأبيض قوله إن نزع السلاح سيتم على مراحل، وسيكون التركيز في البداية على السلاح الثقيل، مثل الصواريخ والقذائف الصاروخية، ولاحقاً سيتم نزع أسلحة خفيفة، وأن هذه العملية ستشمل الميليشيات التي تدعمها وتسلحها إسرائيل، وأن بإمكان الحكومة الفلسطينية طلب مساعدة القوة الدولية.

كتلة خرسانية تمثل «الخط الأصفر» الذي رسمه الجيش الإسرائيلي في البريج وسط قطاع غزة (أرشيفية - أ.ف.ب)

وأشارت «القناة 12» إلى أن نتنياهو «متشكك حيال خطة نزع السلاح وتشكيلة حكومة التكنوقراط والقوة الدولية، وكذلك حيال أدوار تركية وقطرية في غزة»، ونقلت عن مسؤول إسرائيلي قوله إن «لا ننظر إلى نتائج اللقاء في ميامي على أنه إيجابي».

وقال مسؤولون في البيت الأبيض إنه يتوقع أن يطرح ترمب أمام نتنياهو الوضع في الضفة الغربية والتخوف من انهيار السلطة الفلسطينية، وأن إدارة ترمب تريد دفع إصلاح في السلطة الفلسطينية «لكن هذا لن ينجح إذا استمرت إسرائيل في خنقها». وأضافوا أن إدارة ترمب تريد أن تنفذ إسرائيل خطوات للجم عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين، وأن تحرر مليارات الدولارات من مستحقات المقاصة التي تحتجزها، وأن «تتوصل إلى تفاهمات معينة مع الولايات المتحدة حول قضية المستوطنات».

وعلى الرغم من هذه الرسائل السلبية، ذكرت مصادر في تل أبيب أن نتنياهو ينوي إرضاء ترمب بقبول دور تركي في القوات الدولية في غزة، بشرط أن توافق أنقرة على تنسيق أمني مباشر معها.