تركيا: لجنة نزع أسلحة «الكردستاني» تواجه ضغوطاً ومطالب متباينة

يتصدرها رفض المساس بالدستور والمطالبة بتحسين وضع أوجلان

جانب من الاجتماع السادس للجنة وضع الأساس القانوني لنزع أسلحة «العمال الكردستاني» بالبرلمان التركي (موقع البرلمان)
جانب من الاجتماع السادس للجنة وضع الأساس القانوني لنزع أسلحة «العمال الكردستاني» بالبرلمان التركي (موقع البرلمان)
TT

تركيا: لجنة نزع أسلحة «الكردستاني» تواجه ضغوطاً ومطالب متباينة

جانب من الاجتماع السادس للجنة وضع الأساس القانوني لنزع أسلحة «العمال الكردستاني» بالبرلمان التركي (موقع البرلمان)
جانب من الاجتماع السادس للجنة وضع الأساس القانوني لنزع أسلحة «العمال الكردستاني» بالبرلمان التركي (موقع البرلمان)

تواجه لجنة «التضامن الوطني والإخاء والديمقراطية» التي شكّلها البرلمان التركي للنظر في وضع الأساس القانوني لنزع أسلحة حزب العمال الكردستاني ضغوطاً ومطالب متباينة بشأن الدستور وتعديل بعض القوانين ووضع زعيم الحزب السجين عبد الله أوجلان.

وفي مستهل الاجتماع السادس للجنة، الأربعاء، أكد رئيس البرلمان، نعمان كورتولموش، أن «الأحزاب التركية تقع عليها مسؤولية كبيرة في وضع البنية التحتية القانونية الضرورية، وأن دعم نقابات المحامين أساسي لهذه العملية، من أجل وضع نموذجٍ تركي فريدٍ سيُعدّ من الإنجازات التاريخية للجنة». وقال إن هناك فرصة تاريخية الآن، ويجب ضمان الانتقال من مناقشة مسألة نزع الأسلحة، إلى الهدف الأساسي للجنة، وهو تعزيز التوافق الاجتماعي في تركيا.

كورتولموش متحدثاً في افتتاح الجلسة السادسة للجنة البرلمانية (موقع البرلمان التركي)

وأضاف كورتولموش: «لقد تم إحراز تقدم كبير، بشكل استثنائي، في 9 أشهر فقط، أي منذ إطلاق رئيس حزب «الحركة القومية»، دولت بهشلي، مبادرة «تركيا خالية من الإرهاب» بدعم من الرئيس رجب طيب إردوغان في 22 أكتوبر (تشرين الأول)، وحتى انطلاق عمل اللجنة في 5 أغسطس (آب) الحالي. ولفت إلى أنه «مقارنةً بعمليات السلام في دول أخرى، التي تستغرق من 4 إلى 5 سنوات، قطعت تركيا شوطاً كبيراً في نموذجها الخاص خلال 9 أشهر فقط».

احترام الدستور والمحاكم

وتم خلال جلسة الأربعاء الاستماع إلى ممثلي اتحاد نقابات المحامين الأتراك ورؤساء عدد من النقابات التابعة له حول عمل اللجنة والأسس القانونية لنزع أسلحة حزب العمال الكردستاني والسلام الداخلي في تركيا.

وشدد رئيس اتحاد نقابات المحامين الأتراك، إرينتش ساغكان، على أن احترام الدستور الحالي للبلاد هو شرط أساسي لنجاح عملية السلام، وأنه لا يمكن حل أي مشكلة دون ذلك.

وطالب باتباع نهج حذر في حل النزاعات، قائلاً إنه: «لا يمكن حل المشاكل المتجذرة التي امتدت لسنوات طويلة باتخاذ خطوات جذرية مفاجئة، بل يجب العمل على بناء الثقة المتبادلة في إطار من الشفافية».

ولفت إلى أن الممارسات غير القانونية والاعتقالات التي تنفذ بشكل غير متناسب وتعسفي، كما حدث في التحقيقات التي أُجريت ضد بعض رؤساء البلديات المنتخبين في المدن والأحياء وفرض ممارسة تعيين الأوصياء فيها تشكل ممارسات معادية للديمقراطية تقوض فرص نجاح هذه العملية.

الشرطة التركية واجهت بالقوة مظاهرات ضد اعتقال رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو في مارس الماضي واعتقلت عشرات الشباب المشاركين فيها (أ.ب)

وتابع أن تقييد حرية الصحافة وحبس الصحافيين بسبب آرائهم، وحظر النشر في بعض القضايا، إضافة إلى اعتقال الشباب الذين يمارسون حقهم في التعبير كلها إجراءات تنتهك الحقوق الديمقراطية، وتجرح الضمير العام للمجتمع بشدة.

وشدد على ضرورة احترام أحكام المحكمة الدستورية والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، بشأن الإفراج عن بعض السياسيين والناشطين المدنيين المعتقلين، وفي مقدمتهم الزعيم الكردي صلاح الدين ديمرطاش، والنائب البرلماني جان أطالاي والناشط المدني عثمان كافالا، وتنفيذ هذه الأحكام دون تأخير.

وأوضح ساغكان أن هناك شروطاً يجب على حزب العمال الكردستاني استيفاؤها لضمان سير عملية السلام بسلاسة، حيث يجب تسليم جميع الأسلحة والذخائر بشكل كامل، وتقديم ضمانات بعدم إعادة تأسيسه تحت مسمى جديد، وإعلان الالتزام الكامل بوحدة تركيا غير القابلة للتجزئة.

وحذَّر رئيس اتحاد نقابات المحامين من تضمين مبدأ «العفو الضمني» عن عناصر «العمال الكردستاني» في قانون محتمل للفترة الانتقالية، موضحاً أن أي قانون سيُسنّ فقط لضمان العدالة الانتقالية لن يحقق الهدف الأساسي للجنة، والذي لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال اتخاذ خطوات تشمل المجتمع بأكمله وتوسع نطاق الحقوق والحريات الأساسية.

وضع أوجلان

واستبقت الرئيس المشارك لحزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب» المؤيد للأكراد، تولاي حاتم أوغلاري انعقاد الجلسة السادسة للجنة البرلمانية، بالتأكيد على وجود توقعات جدية بسن قوانين ديمقراطية معينة في تركيا تتعلق بمواصلة عملية نزع الأسلحة؛ كونها عملية لا تخص بعض الأفراد، وإنما تشكل آلافاً من مسلحي حزب العمال الكردستاني.

تولاي حاتم أوغلاري (حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب» - إكس)

وأضافت أوغلاري أن اللجنة البرلمانية لا تملك صلاحية التشريع، لكنها تملك صلاحيات اقتراح إصدار قوانين سريعة يتوقعها المجتمع لدفع العملية الجارية وتنفيذها بسرعة، ومنها التعديلات على قانون مكافحة الإرهاب وقانون تنفيذ العقوبات والإجراءات الجنائية والسماح للأكراد باستخدام لغتهم الأم، وينبغي أن تبدأ اللجان المتخصصة بالبرلمان عملها على هذه الاقتراحات مع انطلاق الدورة التشريعية الجديدة في الأول من أكتوبر المقبل.

وكررت أوغلاري المطالبة بعقد جلسة استماع لزعيم حزب العمال الكردستاني، السجين عبد الله أوجلان، قائلة إن هذا مطلب لحزبها، وكذلك لحزب العمال الكردستاني، وإن رئيس حزب الحركة القومية، دولت بهشلي، كان قد دعا إلى ذلك عندما أطلق مبادرته مطالباً بأن يتم إحضار أوجلان للحديث في البرلمان.

آلاف الأكراد طالبوا بإطلاق سراح أوجلان خلال احتفالات عيد النوروز في مارس الماضي (رويترز)

وقالت إن «أهم ما ينتظره المجتمع، وبخاصة الشعب الكردي، هو لقاء اللجنة بالسيد أوجلان في أقرب وقت ممكن، سيكون هذا في غاية الأهمية، كما يجب وضع التشريع اللازم لتسهيل الالتقاء به بعد انتهاء العملية الجارية في البرلمان، وإن عدم تحقيق ذلك سيكون إهمالاً تاريخياً».

ومن المنتظر أن يلتقي وفد حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب»، المعروف باسم «وفد إيمرالي» أوجلان في محبسه، الخميس، للمرة الأولى منذ انطلاق أعمال اللجنة البرلمانية، حيث يقدم له معلومات حول أنشطتها.


مقالات ذات صلة

تركيا: مسيرة ضد المفاوضات مع أوجلان في إطار «عملية السلام»

شؤون إقليمية مظاهرة في ديار بكر للمطالبة بالإفراج عن زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان (رويترز)

تركيا: مسيرة ضد المفاوضات مع أوجلان في إطار «عملية السلام»

خرجت مسيرة حاشدة إلى ضريح مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك في أنقرة، رفضاً للمفاوضات مع زعيم حزب «العمال الكردستاني» السجين عبد الله أوجلان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية عناصر من «قسد» أثناء تحركات في حلب (أ.ف.ب)

تضارب أنباء عن زيارة متوقعة لعبدي إلى دمشق

انتقدت قيادات كردية سياسة تركيا تجاه سوريا والتلويح المتكرر بالتدخل العسكري ضد «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، مؤكدة أن أكراد سوريا لا يسعون إلى تقسيم البلاد.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية قررت اللجنة البرلمانية الخاصة بـ«عملية السلام» تمديد عملها لشهرين إضافيين (البرلمان التركي - إكس)

تركيا: غموض حول الأهداف يبطئ «عملية السلام» مع الأكراد

مددت لجنة بالبرلمان التركي تتولى إعداد الأساس القانوني لـ«عملية السلام»، التي تمرّ عبر حلّ حزب «العمال الكردستاني» ونزع أسلحته، عملها لشهرين إضافيين.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية قائد «قسد» مظلوم عبدي (رويترز)

أوجلان يطالب «قسد» بالتخلص من عناصرها الأجنبية

بعث زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان، برسالة إلى قائد «قسد» مظلوم عبدي، طالبه فيها بإنهاء وجود العناصر الأجنبية ضمن صفوفها.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية أوجلان أكد في رسالة إصراره على إنجاح «عملية السلام»

أوجلان أكد في رسالة إصراره على إنجاح «عملية السلام»

وجّه زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان رسالة دعم جديدة لعملية السلام بتركيا في الوقت الذي تستمر فيه الاتصالات والمناقشات حولها.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

تقارير: الجيش الإسرائيلي يوقِّع خطة للتعاون العسكري مع اليونان وقبرص

عناصر من القوات الخاصة بالبحرية الإسرائيلية خلال تدريبات مشتركة مع قوات أميركية (الجيش الإسرائيلي)
عناصر من القوات الخاصة بالبحرية الإسرائيلية خلال تدريبات مشتركة مع قوات أميركية (الجيش الإسرائيلي)
TT

تقارير: الجيش الإسرائيلي يوقِّع خطة للتعاون العسكري مع اليونان وقبرص

عناصر من القوات الخاصة بالبحرية الإسرائيلية خلال تدريبات مشتركة مع قوات أميركية (الجيش الإسرائيلي)
عناصر من القوات الخاصة بالبحرية الإسرائيلية خلال تدريبات مشتركة مع قوات أميركية (الجيش الإسرائيلي)

أفادت صحيفة «جيروزاليم بوست»، اليوم (الأحد)، بأن الجيش الإسرائيلي أعلن توقيع خطة للتعاون العسكري مع اليونان وقبرص للعام المقبل.

وذكرت الصحيفة أن خطة العمل الثلاثية جرى إبرامها في قبرص الأسبوع الماضي، ولكن الجيش لم يكشف النقاب عنها سوى اليوم، مشيرة إلى أن الخطة تتضمن إجراء مناورات وتدريبات مشتركة، وحواراً عسكرياً استراتيجياً.

وأشارت الصحيفة إلى ما ذكرته في وقت سابق من هذا الشهر، عن أن مسؤولين رفيعي المستوى من إسرائيل واليونان وقبرص ناقشوا إمكانية إنشاء قوة تدخل سريع، مؤلفة من وحدات من القوات المسلحة للدول الثلاث.

وأفادت الصحيفة -نقلاً عن مصادر- بأن المبادرة «تأتي ضمن استراتيجية أوسع لردع الأنشطة العسكرية والاستراتيجية التركية» في شرق البحر المتوسط، موضحة أن القوة لن تكون دائمة؛ بل يمكن نشرها سريعاً في أوقات الأزمات، براً أو بحراً أو جواً.


الرئيس الإيراني يدافع عن موازنة «منضبطة» وسط العقوبات

بزشكيان يدافع عن مشروع الموازنة الجديدة أمام البرلمان الأحد (الرئاسة الإيرانية)
بزشكيان يدافع عن مشروع الموازنة الجديدة أمام البرلمان الأحد (الرئاسة الإيرانية)
TT

الرئيس الإيراني يدافع عن موازنة «منضبطة» وسط العقوبات

بزشكيان يدافع عن مشروع الموازنة الجديدة أمام البرلمان الأحد (الرئاسة الإيرانية)
بزشكيان يدافع عن مشروع الموازنة الجديدة أمام البرلمان الأحد (الرئاسة الإيرانية)

دافع الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، الأحد، عن مشروع موازنة العام الجديد، معتبراً إياه أداة لضبط الاقتصاد في ظل العقوبات وتراجع الإيرادات، وداعياً البرلمان إلى تجنّب إدخال تعديلات قد تؤدي إلى عجز مالي جديد وتغذية التضخم.

وقال بزشكيان، بعد أيام من إحالة مشروع الموازنة إلى البرلمان، إن حكومته اختارت «نهجاً انضباطياً صعباً» يهدف إلى كبح التضخم وضبط الإنفاق، مشيراً إلى أن الموازنة صُممت في ظروف «استثنائية وضاغطة» تختلف عن السنوات السابقة.

وعشية التوجه إلى البرلمان، قال بزشكيان في حوار نادر مع الموقع الرسمي لمكتب المرشد علي خامنئي، إن مشروع الموازنة، الذي يبدأ تطبيقه في 21 مارس (آذار)، أُعد بنمو لا يتجاوز 2 في المائة، واصفاً إياه بأنه «انكماشي»، ومشدداً على أن أي عجز مالي سينعكس سريعاً ضغوطاً إضافية على الأسعار ومعيشة المواطنين.

وأشار إلى أن الحكومة قدمت «برنامجاً من 20 بنداً» لمعالجة ملفات العملة والسلع الأساسية والتضخم، مع تنسيق بين الحكومة والبرلمان ومؤسسات أخرى لتنفيذه، لافتاً إلى أن تراجع أسعار النفط من نحو 75 دولاراً للبرميل إلى قرابة 50 دولاراً أسهم في تقليص الإيرادات، بالتوازي مع تأثير التوترات الأمنية على بعض الخدمات والإنتاج.

وأضاف أن الحكومة تعتزم تخصيص نحو 2.5 مليار دولار حتى حلول عيد النوروز لدعم الفئات المستهدفة عبر بطاقات سلع، مؤكداً أن إيرادات البنزين ستوجه لدعم معيشة المواطنين، وليس لتغطية نفقات حكومية.

موازنة في سياق أمني متوتر

تأتي هذه الموازنة في وقت تشهد فيه المنطقة توتراً متصاعداً، بعدما استؤنفت سياسة «الضغوط القصوى» الأميركية، وتصاعدت المواجهة بين إيران وإسرائيل. وشنت إسرائيل في يونيو (حزيران) هجمات على منشآت داخل إيران، ما أدى إلى اندلاع مواجهة استمرت 12 يوماً، قبل أن تنضم الولايات المتحدة لاحقاً بضربات استهدفت مواقع نووية إيرانية.

بزشكيان يجري حواراً مع موقع المرشد علي خامنئي في خطوة نادرة (الرئاسة الإيرانية)

وقال بزشكيان إن «حرب الأيام الاثني عشر» شكلت اختباراً لتماسك الدولة والمجتمع، لكنها انتهت بنتيجة معاكسة لتوقعات خصوم إيران، مضيفاً أن بلاده تخوض «حرباً شاملة» متعددة الأبعاد تقودها الولايات المتحدة وإسرائيل بدعم أوروبي، وتشمل ضغوطاً اقتصادية وسياسية وإعلامية وأمنية، مؤكداً أن هذه المواجهة أكثر تعقيداً من حرب الثمانينات مع العراق.

وأضاف أن الهدف من هذه الحرب هو إنهاك إيران ومنعها من الوقوف على قدميها، مشدداً على أن إفشال هذا المسار يتطلب تعزيز التماسك الداخلي وضبط الخلافات، معتبراً أن وحدة المجتمع هي السلاح الأهم في مواجهة الضغوط الخارجية.

وأكد أن القوات المسلحة الإيرانية باتت «أكثر جاهزية» من حيث القدرات والتجهيزات مقارنة بمرحلة الهجوم، محذراً من أن أي مواجهة جديدة ستقابل برد «أكثر حزماً»، مع التشديد على أن وحدة الجبهة الداخلية تبقى العامل الحاسم في الردع.

تراجع الإيرادات وضبط الإنفاق

واستهل الرئيس الإيراني دفاعه أمام البرلمان بشرح أثر العقوبات، قائلاً إن إيران واجهت خلال العام الجاري تشديداً إضافياً للعقوبات ومحاولات لفرض أعباء اقتصادية أكبر، بالتوازي مع تراجع حاد في أسعار النفط العالمية وانخفاض الإيرادات المتأتية من صادراته.

وأضاف أن هذه الضغوط ترافقت مع ما وصفه بـ«حرب كبرى فُرضت علينا مع أكثر الأنظمة شراً واستكباراً في العالم»، مضيفاً أن البلاد تجاوزت المرحلة «بتماسك الشعب وتضحيات القوات المسلحة»، وأن الحكومة اضطرت إلى إعداد الموازنة في هذا الإطار مع الحرص على تقديمها في موعدها لتفادي تعطّل الشؤون الجارية.

وفي ملف العجز والتضخم، شدد بزشكيان على أن الحكومة تعمدت خفض نفقات عدد من الأجهزة الرسمية، وإلغاء بنود وصفها بغير الضرورية، واعتماد مبدأ «الموازنة القائمة على الأداء». ووجّه رسالة مباشرة إلى النواب بعدم إضافة «إيرادات غير واقعية» أو «نفقات حتمية» أثناء مناقشة المشروع.

وحسب الأرقام الرسمية، تبلغ موارد ومصارف الموازنة العامة نحو 14.44 تريليون تومان، ما يعادل نحو 101.7 مليار دولار وفق سعر الصرف الحالي، مع الإشارة إلى أن القيمة الفعلية تتأثر بتقلبات العملة.

ورأى أن نجاح الموازنة يعتمد على تعاون السلطتين التنفيذية والتشريعية، وأنها يجب أن تُدار كأداة لضبط الاقتصاد، لا كساحة للمساومات.

خفض الضرائب

واختتم بزشكيان دفاعه بسلسلة وعود، شملت: زيادة رواتب الموظفين والمتقاعدين ضمن حدود الإمكانات المالية، وتوسيع برامج الدعم المباشر للأسر والفئات الأضعف، وزيادة الإنفاق على الصحة والتعليم والمناطق المحرومة، فضلاً عن تقليص الفوارق بين المحافظات والمركز في الرواتب والخدمات، والتوسع في مشاريع الطاقة، ولا سيما الطاقة الشمسية، لضمان أمن الإمدادات وتقليل تكلفة الإنتاج.

وعرض الرئيس الإيراني إجراءات تتعلق بالرواتب والضرائب، موضحاً أنه رغم نمو الموازنة بنسبة 2 في المائة فقط، سعت الحكومة إلى زيادة رواتب الموظفين بنسبة 20 في المائة. وأقر بأن هذه الزيادة لا تتناسب مع التضخم، لكنه قال إن الحكومة حاولت تعويض جزء منها عبر رفع الإعفاءات الضريبية.

وأشار بزشكيان إلى إعفاء ضريبي لمن يتقاضون حتى 40 مليون تومان شهرياً، فيما يدفع من تتراوح رواتبهم بين 40 و93 مليون تومان ضريبة بنسبة 10 في المائة فقط. وأضاف أن الجزء الثالث من مواءمة رواتب المتقاعدين سيُنفذ في العام المقبل، بما يرفع متوسط زيادة رواتبهم إلى 36 في المائة.

نواب يستقبلون بزشكيان لدى وصوله إلى البرلمان الأحد (الرئاسة الإيرانية)

وقال بزشكيان إن الحكومة أنفقت هذا العام نحو 6 مليارات دولار على استيراد البنزين، معتبراً أن استمرار هذا النموذج في ظل الضغوط المعيشية «غير قابل للاستدامة»، وداعياً إلى خفض الاستهلاك وترشيده وتحويل الموارد مباشرة إلى المواطنين.

وأضاف أن الحكومة خصصت نحو 600 ألف مليار تومان للمشاريع العمرانية، وتسعى إلى زيادة هذا المبلغ عبر تفعيل الأصول واستكمال المشاريع ذات الأولوية، إلى جانب تخصيص موارد إضافية لمشاريع السكك الحديدية والممرات الاستراتيجية والطاقة، ولا سيما الطاقة الشمسية.

ووفق طرحه، أن نحو 8 مليارات دولار ستخصص في موازنة العام المقبل للعملة التفضيلية، في وقت لا تختلف فيه أسعار السلع في الأسواق عن أسعارها وفق سعر الصرف الحر.

وشدد بزشكيان على أن أولوية الحكومة الأولى هي معيشة المواطنين، معلناً أن الحكومة ستنفذ «حتماً» مشروع البطاقة السلعية للحفاظ على استقرار أسعار بعض السلع الأساسية، على أن تتحمل الدولة فروقات الأسعار لمنع تقلّص القدرة الشرائية. وقال إن الحكومة خصصت ما يعادل 170 ألف مليار تومان (1.2 مليار دولار) من عائدات ضريبة القيمة المضافة لدعم المعيشة، مع إعفاء سلع أساسية من هذه الضريبة، واقترح فرض 2 في المائة على استهلاك الشرائح الأعلى دخلاً لدعم الفئات الأضعف.

وقال بزشكيان إن الموازنة «ليست أرقاماً فقط»، بل أداة لضبط الاقتصاد وتحقيق قدر من العدالة الاجتماعية، داعياً البرلمان إلى إقرارها في الوقت المناسب لضمان انتظام الشؤون المالية للبلاد.


الجيش الإسرائيلي يحذر من «فشل استراتيجي» في مواجهة الهجمات الفلسطينية

صبية فلسطينيون ينظرون إلى كهف قُتل فيه 3 شبان على يد القوات الإسرائيلية قرب مدينة جنين بالضفة الغربية أكتوبر الماضي (أ.ف.ب)
صبية فلسطينيون ينظرون إلى كهف قُتل فيه 3 شبان على يد القوات الإسرائيلية قرب مدينة جنين بالضفة الغربية أكتوبر الماضي (أ.ف.ب)
TT

الجيش الإسرائيلي يحذر من «فشل استراتيجي» في مواجهة الهجمات الفلسطينية

صبية فلسطينيون ينظرون إلى كهف قُتل فيه 3 شبان على يد القوات الإسرائيلية قرب مدينة جنين بالضفة الغربية أكتوبر الماضي (أ.ف.ب)
صبية فلسطينيون ينظرون إلى كهف قُتل فيه 3 شبان على يد القوات الإسرائيلية قرب مدينة جنين بالضفة الغربية أكتوبر الماضي (أ.ف.ب)

في حين تشدد الأجهزة الأمنية الإسرائيلية قبضتها على الضفة الغربية المحتلة، وتمارس أبشع عمليات القمع ضد الفلسطينيين، تعلو تحذيرات داخلية بأن هذه سياسة «فاشلة استراتيجياً»، وبدلاً من أن تُهدئ الأوضاع وتوقف العمليات العنيفة تتسبب في تصعيد التوتر والكراهية والأحقاد، وتبني جيلاً جديداً من الذين يفجرون غضبهم بمزيد من الهجمات.

ويشكو قادة عسكريون وأمنيون، عبر تسريبات للصحافة، من أن سياسة الحكومة التي تتمثل في سد الآفاق السياسية وخنق الاقتصاد وإغلاق البلدات الفلسطينية والتنكيل بالمواطنين واعتداءات المستوطنين، كلها تنذر بموجة عمليات عنف شبيهة بالعملية المزدوجة التي وقعت يوم الجمعة الماضي بين مدينتي بيسان والعفولة، وأسفرت عن مقتل رجل وامرأة إسرائيليين، وإصابة المنفذ من قباطية جنوب جنين.

وينقل موقع «والا» العبري، عن أمنيين إسرائيليين أن «الثمن الباهظ الذي خلفته العملية، يدفع الأجهزة الأمنية إلى انتهاج سياسة القبضة الحديدية تجاه الضفة الغربية، وأن تعزيز وتكثيف القوات في خط التماس، يشير إلى أن «الأمر لن يمر بهدوء؛ فقوات الجيش تعمل في قباطية ومواقع أخرى».

ما الأسباب الضاغطة؟

في تقدير المسؤولين الإسرائيليين، فإن الهجوم الذي وقع الجمعة يعيد إلى الواجهة التساؤل حول السياسات الحكومية الإسرائيلية، المتعلقة بتقليص حاد في إدخال العمال الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى إسرائيل منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، والضغط الاقتصادي الشديد المفروض على السلطة الفلسطينية على خلفية ارتفاع البطالة، بالإضافة إلى عجز الأجهزة الأمنية (الجيش و«الشاباك» وحرس الحدود والشرطة) على جانبي خط التماس، بكل ما يتعلق باعتقال العمال الفلسطينيين، ومعالجة الظاهرة المتفاقمة، خصوصاً في محيط القدس.

عمال فلسطينيون ينتظرون الانتقال من الجانب الفلسطيني من معبر إيريز شمال غزة إلى الجانب الإسرائيلي في سبتمبر 2023 (أ.ف.ب)

ويأتي ذلك بفعل قرارات حكومة نتنياهو بتقليص العمال الفلسطينيين الداخلين إلى إسرائيل بشكل جذري (طرد أكثر من 100 ألف عامل فلسطيني من العمل في إسرائيل)، واستقدام عمال أجانب من الخارج.

كما تقطع إسرائيل أموال المقاصة للسلطة الفلسطينية (رغم أنها أموال للسلطة تجبيها إسرائيل مقابل عمولة سمينة) التي تنهك السلطة وتضعفها وتجعلها عاجزة عن دفع الرواتب لمئات ألوف الموظفين، وتوسيع الاستيطان بشكل غير مسبوق، ومصادرة الأراضي، وهدم مخيمات اللاجئين، والقمع والتنكيل بالمواطنين الفلسطينيين بشكل عام.

ويتضح أن الجيش الإسرائيلي يعرف أن الفلسطينيين يتسللون إلى إسرائيل عبر ثغرات في الجدار العازل، ويُقدر أن عدد الفلسطينيين الموجودين في إسرائيل من دون تصاريح تجاوز 50 ألفاً.

ويغض الجيش الإسرائيلي، على ما يبدو، الطرف عن بعض المتسللين، لأنه يعرف أن هذا العمل يسد رمق بضعة ألوف من العائلات ويخفف من انفجار الغضب، فضلاً عن أن هناك حدود طويلة بين إسرائيل والضفة تزيد على 600 كيلومتر.

وتسعى الحكومة إلى ممارسة ضغوط لمزيد من منع وصول العمال، وتُحمل الجيش مسؤولية التسلل وتتهمه بالإخفاق، الذي قد يفجر هجمات على بلدات إسرائيلية حدودية شبيهةً بهجوم 7 أكتوبر.

شركاء في التنفيذ بشراسة

وفي تصريحات للقناة «12» يسعى اللواء (احتياط)، إسرائيل زيف، الرئيس الأسبق لقسم العمليات في رئاسة أركان الجيش الإسرائيلي، إلى تفسير التناقض بين مطالبات بعض الأمنيين بالتخفيف لطريقة التعامل مع الفلسطينيين وشراكته في تنفيذها بشراسة، ويقول: «الجيش قابع في مأزق: صدمة السابع من أكتوبر وشعوره بالذنب يدفعانه إلى التعاون بخضوع مع سياسة الحكومة، فيهاجم كل هدف وكل إرهابي متغطرس يجوب جنوب لبنان أو قرب الخط الأصفر في قطاع غزة وكل فتى يحمل حجراً في الضفة الغربية، كما لو كان تهديداً استراتيجياً، فيرد بسياسة هجمات غير منضبطة، تزيد الطين بلة».

لقطة من فيديو تُظهر الفلسطينيين يوسف عصاعصة والمنتصر بالله عبد الله يرفعان أيديهما أمام الجنود الإسرائيليين قبل قتلهما في جنين بالضفة الغربية في نوفمبر الماضي (أ.ف.ب)

وفي موقف يتداوله الجنرالات، أضاف زيف: «مع تفشي رؤية نتنياهو لدحر القضية الفلسطينية، تعود سياسة (حماس بوصفها ذُخراً) وتفضيل إسرائيل عدم السعي لحل في غزة، بل إبقاء خيارات الحرب أولوية تدريجياً».

يذكر أن أجهزة الأمن الإسرائيلية المُحرجة من عملية بيسان، التي أظهرتها عاجزة، ترد عليها بعقوبات جماعية شرسة يعتبرها الفلسطينيون «إرهاب دولة».

ويعتقد كثير من الفلسطينيين أن إسرائيل بهذه الطريقة لا تُحقق أي أمن، بل على العكس تبني جيلاً جديداً من الشباب الكاره الراغب في الانتقام، وتعزز قوة «التنظيمات الفلسطينية المسلحة» ورغبتها في تنفيذ عمليات، وتدفعها إلى «التفنن» في ابتداع «أساليب مقاومة» مفاجئة للاحتلال، وفي هذا ترتد السياسة الإسرائيلية إلى نحرها، وتتحول إلى خطأ استراتيجي فاحش يحقق عكس ما يرمي إليه.