قال محمد بزي هو مدير «مركز هاكوب كيفوركيان لدراسات الشرق الأدنى»، في مقال نشرته صحيفة غارديان البريطانية إنه في حين يدّعي رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أنه يحاول منع إيران من تطوير أسلحة نووية، فإن الهجوم الذي شنه على إيران الجمعة يهدف بالقدر نفسه إلى نسف المفاوضات الجارية بين طهران وإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
وأضاف: «بينما كانت السياسة الخارجية لترمب كارثية بشكل عام، فقد قاوم لأشهر مناشدات نتنياهو بمنح إسرائيل الضوء الأخضر لمهاجمة إيران، بمساعدة الولايات المتحدة، وأصرّ ترمب على رغبته في فرصة للتفاوض على اتفاق مع قادة إيران يُجبر طهران على التخلي عن برنامجها النووي مقابل تخفيف العقوبات الأميركية والدولية».
وتابع أن بعد هجمات يوم الجمعة، أشار ترمب إلى أنه لا يزال من الممكن إقناع النظام الإيراني بالتفاوض، قائلاً إن طهران «يجب أن تتوصل إلى اتفاق قبل أن ينهار كل شيء». وأضاف أن إسرائيل قد تشن هجمات أخرى ستكون «أكثر وحشية».
وقبل تصريحات ترمب العدوانية، كان وزير خارجيته، ماركو روبيو، قد بذل جهداً كبيراً لتوضيح أن إسرائيل اتخذت «إجراءً أحادي الجانب». وحذر طهران من استهداف القواعد العسكرية أو السفارات الأميركية في الشرق الأوسط وقال روبيو: «لسنا متورطين في ضربات ضد إيران، وأولويتنا القصوى هي حماية القوات الأميركية في المنطقة».
ومن الصعب تخيّل أن نتنياهو كان ليشنّ هجوماً جريئاً كهذا على إيران دون دعم ضمني من ترمب على الأقل.
وكغيره من رؤساء الولايات المتحدة المعاصرين، أغدق ترمب على إسرائيل مليارات الدولارات من الأسلحة، وقوّض القانون الدولي ومؤسسات، مثل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لحماية إسرائيل من الانتقادات، لكن ترمب يُقدّر أيضاً سمعته كصانع صفقات، وقد استثمر رصيداً سياسياً كبيراً في التفاوض على اتفاق مع إيران.
وفي مكالمة هاتفية، هذا الأسبوع، أفادت التقارير بأن الرئيس أبلغ رئيس الوزراء بأنه يُفضّل الدبلوماسية.
وبمهاجمته إيران ونسفه المفاوضات، تفوق نتنياهو على ترمب. وقد يُورّط الزعيم الإسرائيلي الولايات المتحدة في صراع جديد في الشرق الأوسط يُصرّ ترمب على أنه لا يريده.
ومنذ أن شنّ نتنياهو حروباً متعددة في المنطقة بعد هجوم «حماس» على جنوب إسرائيل في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، فهو واثق من أن الولايات المتحدة ستُنقذه دائماً. حتى بعد أن شنّت إسرائيل حرباً على غزة، وغزواً برياً استمر شهرين للبنان، وهجمات متكررة على سوريا لا تزال تتلقى أسلحة أميركية غير محدودة تقريباً ودعماً سياسياً من واشنطن.
وتساءل: «هل من المفاجئ أن نتنياهو قد تجرأ على المخاطرة، ويهدد الآن بإغراق الشرق الأوسط الأوسع في حرب إقليمية؟».
وقال: «بدءاً من الدعم الثابت من إدارة جو بايدن واستمراراً مع ترمب، يعلم نتنياهو أن الولايات المتحدة ستحمي إسرائيل دائماً من تكاليف تصعيدها ومغامرتها. ويقدّم دافعو الضرائب الأميركيون الفاتورة: من أكتوبر 2023 إلى سبتمبر (أيلول) 2024، زودت الولايات المتحدة إسرائيل بما يقرب من 18 مليار دولار من الأسلحة، بينما أنفق البنتاغون 4.9 مليار دولار أخرى على أنشطته العسكرية في الشرق الأوسط. هذا يعني أن مبلغ 22.7 مليار دولار من التمويل الأميركي مكّن نتنياهو من إطالة أمد حرب إسرائيل الوحشية على غزة، وهو هجوم ارتكبت فيه إسرائيل جرائم حرب وأثار اتهامات بالإبادة الجماعية».
وتابع أن إدارة ترمب أعلنت في فبراير (شباط) أنها سترسل أكثر من 8 مليارات دولار من الأسلحة الجديدة إلى إسرائيل، استمراراً لسياسة بايدن الفاشلة المتمثلة في شحنات الأسلحة غير المقيدة والدعم السياسي الثابت لنتنياهو.
وحتى الآن، فشل ترمب، صانع الصفقات الكبير المفترض، في استخدام أكثر نفوذه فعالية على رئيس الوزراء الإسرائيلي: توفير الأسلحة الأميركية والغطاء السياسي.
وعلى الرغم من ادعاء ترمب المستمر بأنه يريد أن يكون صانع سلام ينهي إرث أميركا من الحروب الأبدية، فإنه الآن يخاطر بأن يصبح رئيساً أميركياً آخر غارقاً في صراع كارثي في الشرق الأوسط، وذلك بفضل رفضه كبح جماح نتنياهو، حليف الولايات المتحدة الذي لم يدفع أي ثمن بعد لحربه المحمومة.
في خطاب تنصيبه، يناير (كانون الثاني)، عزَّز ترمب رغبته في ترسيخ نفسه وسيطاً ينهي الصراعات العالمية، بما في ذلك الحروب في أوكرانيا وغزة، ويتجنب حروباً جديدة تماماً وقال: «سيكون إرثي الأكثر فخراً هو إرث صانع السلام والموحّد».
كما كان ترمب غاضباً لسنوات من حقيقة أن سلفه، باراك أوباما، فاز بجائزة نوبل للسلام خلال عامه الأول في منصبه عام 2009، بينما لم يُمنح ترمب هذا الشرف، على الرغم من أنه توسط في سلسلة من الصفقات الدبلوماسية عام 2020، المعروفة باسم «اتفاقيات إبراهيم»، بين إسرائيل والعديد من الدول العربية.
إذا كان لدى ترمب أي أمل في الفوز بجائزة نوبل، أو حتى إنقاذ إرث بسيط كصانع سلام، فسيتعين عليه إصلاح الاتفاق النووي مع إيران الذي مزقه قبل 7 سنوات.
وفي عام 2018، خلال فترة ولايته الأولى، انسحب ترمب من جانب واحد من اتفاق وقعه أوباما، واستغرق الأمر سنوات حتى تتفاوض إيران مع 6 قوى عالمية، بموجبه حدت طهران من تخصيبها النووي مقابل تخفيف العقوبات. وسمح اتفاق عام 2015، الذي وصفه ترمب بأنه «كارثة»، لإيران بمواصلة إنتاج الوقود النووي بمستويات منخفضة كافية لتشغيل محطات الطاقة النووية ولكن ليس لإنتاج أسلحة.
بعد أن تخلى ترمب عن الاتفاق الأصلي، اقتربت إيران من تطوير سلاح نووي أكثر من أي وقت مضى، ووفقاً لـ«الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، فقد خصَّبت طهران، حتى مطلع هذا العام، ما يكفي من اليورانيوم لإنتاج ستة أسلحة نووية، مع أن إيران لا تزال بحاجة إلى ما يصل إلى عام من العمل الإضافي لتطوير رأس حربي نووي فعلي ونشره على صاروخ.
وفي الأسابيع الأولى من ولايته الثانية، بدا ترمب حريصاً على التفاوض على اتفاق جديد مع إيران: فقد أرسل رسالة إلى المرشد الإيراني علي خامنئي، قال فيها إن الولايات المتحدة تريد استئناف المفاوضات التي تخلت عنها إدارة بايدن. وكما يفعل عادة في المفاوضات مع الخصوم والأعداء على حد سواء، أصدر ترمب تهديداً، محذراً قادة إيران من أنه في حال فشل الدبلوماسية، فسيتعرضون «لقصف لم يروا مثله من قبل».
وفي مارس (آذار)، أرسل ترمب مبعوثه الخاص، ستيف ويتكوف، لقيادة فريق من المفاوضين الأميركيين للقاء كبار المسؤولين الإيرانيين في محادثات غير مباشرة في معظمها بوساطة سلطنة عُمان.
ومنذ ذلك الحين، عقدت إيران والولايات المتحدة خمس جولات من المحادثات. كان من المفترض أن تُعقد الجولة التالية من المفاوضات يوم الأحد، وربما يكون نتنياهو قد قضى على فرصة ترمب في إبرام اتفاق مع إيران، وقد زاد رئيس الوزراء من احتمالية نشوب حرب كارثية أخرى.