خلال الرحلة من واشنطن إلى تل أبيب، ليل الأحد - الاثنين، طلب آدم بوهلر من قبطان طائرة «العال» منحه الميكروفون، وراح يخاطب المسافرين – وغالبيتهم إسرائيليون – «جئت إليكم بالبشرى. خلال ساعات قليلة سيطلق سراح المواطن الأميركي، عيدان ألكسندر، من أسر (حماس)».
وأتبع بوهلر كلماته العاطفية بمقولة سياسية قاطعة: «اعلموا أن العلاقات الأميركية - الإسرائيلية اليوم أقوى من أي حقبة أخرى في التاريخ».
راح المسافرون يصفقون، وهم يتمنون أن يكون ما يقوله صحيحاً، فالجميع يعلمون أن هناك «خدوشاً عميقة تظهر بوضوح على العلاقة بين الإدارتين، ويخشى كثيرون أن تتحول إلى شروخ».
وبوهلر، هو مساعد مبعوث الرئيس الأميركي، ستيف ويتكوف، إلى إدارة المفاوضات حول سياسة الرئيس دونالد ترمب لتسوية الصراعات في العالم. وقد وضعت عليه إشارة تحفظ كبيرة في إسرائيل، لأنه يتولى مسؤولية ملف تبغضه حكومة نتنياهو: فتح قناة الاتصال المباشر بين البيت الأبيض وبين حركة «حماس». كونه يهودياً، يمينياً، لا يشفع له في الدولة العبرية، ويعدونه رجل «حماس» في البيت الأبيض.
بوهلر، بموافقة ويتكوف والرئيس ترمب، قرر «التفكير خارج الصندوق»، والتفاوض المباشر مع «حماس» لكسر الجمود القائم في المفاوضات. كان ذلك في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي. وقد تطوع لإبلاغ الإسرائيليين بذلك، فأقاموا الدنيا عليه، فقرر تجميد المحادثات.
إخفاء عن إسرائيل
لكن بوهلر عاد وجدد المفاوضات في شهر مارس (آذار) الماضي، وهذه المرة أخفى الموضوع عن إسرائيل.
ومع كثرة الشركاء في المفاوضات من جهة ووجود تيار في إدارة ترمب لا يحب هذه القناة مع «حماس»، من جهة أخرى، وصل الخبر حينها إلى إسرائيل.
اتصل وزير الشؤون الاستراتيجية في الحكومة الإسرائيلية، رون ديرمر، المقرب من نتنياهو وحامل أسراره، ببوهلر وراح يوبخه ويصرخ في وجهه. وفي الخامس عشر من الشهر، استقال بوهلر من مهمته، بوصفه مسؤولاً عن ملف المفاوضات حول الأسرى والمخطوفين، وشعروا في إسرائيل بالنصر.
طلب ويتكوف أن يحضر بنفسه إلى إسرائيل لاستقبال ألكسندر، ومعه عائلة الأسير وكذلك بوهلر. طلب الاستعداد لجعل هذه الخطوة بداية لاستئناف المفاوضات.
بهذه الخطوات، حشر البيت الأبيض نتنياهو في زاوية ضيقة، فهو لا يستطيع الدخول في صدام مع ترمب، حتى الآن. وما فعله مع الرؤساء الديمقراطيون بيل كلينتون وباراك أوباما وجو بايدن، لا يجرؤ على فعله مع ترمب.
فنتنياهو، مثل إسرائيليين يرون أن الرئيس الأميركي يدير السياسة الأميركية بموجات تسونامي جارف لا يرحم فيها عدواً ولا خصماً ولا صديقاً، وينبغي التعامل معه بحذر شديد.
والخبراء في محيط نتنياهو يقولون له صراحة إن سياسته العدائية مع الحزب الديمقراطي، ووضعه كل البيض في سلة الحزب الجمهوري، تجعله أسيراً بيد ترمب. وهناك من يقول إن «نتنياهو بات يشتاق إلى بايدن».
يحفر قبره
في إسرائيل لا يعدون سياسة نتنياهو فاشلة وحسب، بل هي سياسة «من يحفر قبره بنفسه».
زعيم المعارضة، يائير لبيد، يقول: «بعد 100 يوم من عمر إدارة ترمب، بات واضحاً أن نتنياهو يجعل إسرائيل على الهامش».
واستشهد: «في الموضوع الإيراني لم تطلع الإدارة نتنياهو أنها ستبدأ مفاوضات مباشرة مع الإيرانيين، بل أكثر من ذلك: استدعوا نتنياهو على عجل إلى البيت الأبيض ليكون ديكوراً حين أعلن الرئيس ذلك للعالم كله».
وتابع: «لم تكلف إدارة ترمب نفسها عناءً إبلاغنا مسبقاً بأنها تغلق ملف الحوثيين. وفي الملف السوري تم تفضيل تركيا. وها هي الآن تفاوض (حماس) مباشرة وتترك نتنياهو جانباً. هذا ليس فشلاً فحسب بل إنه ضرر استراتيجي».
لسنا نجمة بعلم أميركا
نتنياهو، الذي أصيب بالدوار من هذه التطورات، يحاول لملمة جراحه، وينتظر مكافأة أميركية للتعويض. خرج على الملأ معلناً أن الاتفاق بين «حماس» وواشنطن لن يكلف إسرائيل ثمناً، وأن الحرب ستستمر والعلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة ممتازة.
لكنه أرسل الوزير المقرب منه، آفي ديختر، ليقول في تصريح نقلته «هيئة البث الإسرائيلية»، إن إسرائيل ليست النجمة رقم 51 على العلم الأميركي، في إشارة إلى رفض أي تبعية كاملة للولايات المتحدة أو خضوع لتوجهاتها السياسية،
يبدو نتنياهو كمن يدور حول نفسه، فلا أحد يعتقد أن هناك شرخاً أو حتى خدشاً في العلاقات الاستراتيجية بين إسرائيل والولايات المتحدة.
لكن أسلوب نتنياهو في إدارة الأزمة لم يعد يطاق في الولايات المتحدة، وبدأ يمس بمصالح البلدين، فالرجل لا يرى إلا مصلحته الحزبية الضيقة، البقاء في الحكم، و«من بعدي الطوفان»، على طريقة شمشون، القائد اليهودي القديم.
وتتردد كثيراً الكلمة القائلة إن نتنياهو لم يعد يواكب العصر، ولا يرى التطورات الإقليمية والدولية، ولا يفهم ترمب، ويلتصق بالعقليات القديمة.