أعلنت نحو 50 منظمة وحركة شعبية عن «إعادة الدماء إلى عروق حركة السلام الإسرائيلية»، التي غابت عن الساحة لسنوات عديدة، فيما أعادت عناصر في صفوفها استعادة نشاطها إلى مشاهد قتل أطفال غزة.
وقال ألون لي غرين، المدير اليهودي لحركة «لنقف معاً»، وهي إحدى هذه الحركات: «نحن نرجو ألا يستخف الجمهور بمبادرتنا. فرغم سطوة اليمين المتطرف على الخطاب السياسي وعلى الشارع، نحن نثبت أن السلام ليس لعنة وكلمة سلام لن تسقط».
وأعرب غرين عن اعتقاده بأن «هناك عشرات ألوف الإسرائيليين يبدأون بالصحوة، وينزلون إلى الشوارع ويشاركون في المظاهرات، ويصرون على الإطاحة بحكومة القتل والدمار».
أطفال غزة
وقالت رولا داهود، المديرة العربية لـ«لنقف معاً»: «قد يكون غريباً، لكن قتل أطفال غزة، بدأ يعيد الدماء إلى عروق حركة السلام الإسرائيلية. نحن فوجئنا بأعداد المواطنين الكبيرة التي تجاوبت مع دعوتنا في الأسابيع الأخيرة، وأخذت تتحدى بلطجية اليمين الحاكم وترفع صور هؤلاء الأطفال».
وجاءت هذه التصريحات المتفائلة في أعقاب عدة نشاطات سياسية وشعبية بلغت ذروتها في نهاية الأسبوع، بمؤتمر السلام الشعبي في مدينة القدس الغربية، الذي التأم يومي الخميس والجمعة، ومشاركة نحو عشرة آلاف شخص من أنصار تلك الحركات في مظاهرات السبت.
وتصل ذروة الأنشطة بمهرجان غنائي تقيمه فرقة الرقص الشعبي من بئر السبع، يوم الاثنين، ويرصد دخله لتمويل المظاهرات السلمية.
ويصر المنظمون على رفع صور عشرات الأطفال أبناء قطاع غزة، الذين تم قتلهم بالغارات الإسرائيلية خلال الحرب. وهم يتحدون بذلك قوى اليمين المتطرف التي تلاحقهم وتنفذ الاعتداءات الجسدية عليهم في كل نشاط تقريباً.
وقد شارك في مؤتمر القدس مجموعة من نشطاء السلام الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية بشبكة التواصل الافتراضية، وعشرات نشطاء السلام الأوروبيين والأميركيين.
وقال أحد منظمي المؤتمر، معوز يناي، الذي فقد والديه خلال هجوم «حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 إذ قتلا حرقاً في بيتهما في غلاف غزة: «لقد التقينا معاً، من اليهود والعرب، وأنشدنا معاً وبكينا معاً. لكننا رفعنا راية الحياة. نحن نواجه حكومة ليس عندها ما تعدنا به سوى الكابوس الذي نعيشه اليوم، حرب تلو حرب. وبالمقابل نحن نطرح الأمل. نحن نصر على أن يحظى أولادنا بمستقبل آخر».
«في قلعة اليمين الحصينة»
وقال غرين: «بكل صراحة، أقول إننا عندما خططنا للمؤتمر لم نتوقع حضور خمسة آلاف. فنحن نقف في قلعة اليمين الحصينة، القدس، ونرفع شعارات تبدو مستنكرة ومرفوضة في الشارع الإسرائيلي. إننا نعلن أننا نرفض الحرب ونطالب بسلام إسرائيلي فلسطيني وفق حل الدولتين. نحن نناضل علناً لأجل وقف القتل والتجويع في غزة وإعادة المحتجزين ونحن نقف بوضوح وبلا تأتأة ضد الاحتلال. عندما وقف الجمهور على الأقدام يصفق لهذه الشعارات، شعرنا بالتيار الكهربائي يسري في عروقنا وتقشعر أبداننا».
وأعربت الناشطة السياسية غدير هاني، عضو قيادة النشاط، عن أن «الدولة (الإسرائيلية) تحترق حرفياً، بفعل عشرات آلاف أوامر الاستدعاء للخدمة الاحتياطية، والهجمات الصاروخية التي كان أصاب أحدها مطار بن غوريون، ثم الاستمرار في دفع قوانين الانقلاب القضائي»، مضيفة أن «نتنياهو واليمين المتطرف يواصلان التحريض على كل من لا يناسبهما، ويحاولان توسيع الحرب الوحشية على غزة. هما يريدان إحراق كل شيء، لكن هذا ليس قدَراً. لسنا مضطرين لأن نحترق معهما».
وقال رئيس الوزراء الأسبق، إيهود أولمرت، الذي كان أحد الخطباء في المؤتمر: «أصبح الأمر رسمياً: نتنياهو يريد احتلال غزة والسيطرة على الضفة الغربية وفرض السيادة عليها. وطالما أن الحرب مستمرة؛ فحكومة نتنياهو تبقى، والمزيد يُقتلون، والدمار يتواصل».
وتابع: «يجب أن نناضل ونضع حداً لهذا. نحن نرفض التعاون مع حرب سياسية، لا علاقة لها بأمننا. لن نتوقف عن الفعل والمقاومة معاً، بتضامن، لأننا عندما نكون معاً نكون قوة عظيمة. هذه ليست مجرد اجتماعات خطابية، بل هي إعلان موقف من آلاف النساء والرجال، واليهود والعرب، الذين يرفضون الصمت ويختارون أن يلتقوا ويناضلوا معاً من أجل مستقبلنا جميعاً».
عائلات المحتجزين
رغم المشاركة الضعيفة نسبياً للمواطنين في مظاهرات السبت، توجهت عائلات المحتجزين للرئيس الأميركي دونالد ترمب، في خطابها ورسائلها، فطالبته بأن يحدث انعطافاً في الموقف الأميركي من حكومة نتنياهو والكف عن دعمها وإجبارها على إنقاذ إسرائيل من سياستها الكارثية. وقالوا له: «نحن نثق بك أنت فلا تخيب آمالنا».
وحذرت عائلات الرهائن، في بيانها الرسمي قبيل بدء المظاهرات، مساء اليوم السبت، من أن «إسرائيل على وشك تجربة (فرصة القرن الضائعة)»، وأن «استراتيجية الحكومة معرضة لخطر الانهيار وتقودنا إلى هزيمة كاملة سواء سياسياً وأمنياً وأخلاقياً».
وحث البيان حكومة نتنياهو على «تبني اتفاق إقليمي شامل من شأنه أن يحدث التغيير في الشرق الأوسط، وينهي الحرب، ويسمح بعودة الرهائن التسعة والخمسين، من الرجال والنساء».
وتابع: «بالنسبة للعائلات، تعد هذه لحظة محورية لا يمكن التقليل من أهميتها التاريخية»، وأفاد: «يجب على كل مواطن أن يفهم الليلة أن إسرائيل ترتكب خطأ القرن»، معربين عن خشيتهم من أن «تضيع فرصة تاريخية بسبب عنادها في مواصلة الحرب والتخلي عن الرهائن».
وكان قد تظاهر الآلاف من الإسرائيليين مساء السبت في ثلاث مظاهرات في تل أبيب ومظاهرات أخرى في 70 موقعاً ومفرقاً رئيسياً في طول البلاد وعرضها، ضد حكومة نتنياهو، وللمطالبة بوقف الحرب على غزة، وإبرام صفقة تبادل أسرى، من أجل استعادة الأسرى المحتجزين في القطاع.
وقد بدا واضحاً أن عدد المشاركين هذا الأسبوع يقفل عما كان عليه في الأسبوع الماضي. والتفسير الذي أعطاه منتدى العائلات هو أن الناس تعبوا وهذا مؤسف. وبحسب مصدر عنها فإن الجمهور محبط ولا يفهم أن خروجه إلى الشوارع بمئات الآلاف سيهز الحكومة ويجعلها تغير موقفها.