كيف تتعامل تركيا و«العمال الكردستاني» مع دعوة أوجلان للسلام؟

مطالب متعددة وخلاف حول مصير عناصره... وتفاؤل بالنجاح

تصاعدت المطالبات بالإفراج عن زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بعد دعوته لحل الحزب (أ.ب)
تصاعدت المطالبات بالإفراج عن زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بعد دعوته لحل الحزب (أ.ب)
TT

كيف تتعامل تركيا و«العمال الكردستاني» مع دعوة أوجلان للسلام؟

تصاعدت المطالبات بالإفراج عن زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بعد دعوته لحل الحزب (أ.ب)
تصاعدت المطالبات بالإفراج عن زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بعد دعوته لحل الحزب (أ.ب)

يثار العديد من الأسئلة حول مسار تنفيذ دعوة زعيم حزب «العمال الكردستاني» السجين عبد الله أوجلان للحزب إلى حل نفسه وإلقاء أسلحته، وطريقة تعامل قيادات الحزب في جبل قنديل بشمال العراق والدولة التركية خلال هذه المرحلة.

وطرح نواب من حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب» المؤيد للأكراد، حزمة مطالب واسعة على وزير العدل التركي، يلماظ تونتش، في مقدمتها إنهاء عزلة أوجلان ومنحه حرية الحركة واللقاء ليس فقط مع السياسيين بل مع الصحافيين وغيرهم من الفئات.

والتقى وفد من الحزب مؤلف من نائبَي رئيس مجموعته البرلمانية جولستان كيليتش كوتشيغيت وسيزائي تملي، ونائب الرئيس المشارك للحزب للشؤون القانونية أوزتورك تورك دوغان، في حين شارك مع وزير العدل في اللقاء نائبه رمضان جان.

مطالب وتحفظات

وعقب الاجتماع الذي استغرق ساعة و45 دقيقة، قالت كوتشيغيت إن الفرصة أتيحت لمناقشة العملية التي بدأت في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مع مبادرة رئيس حزب «الحركة القومية»، الشريك الأساسي لحزب «العدالة والتنمية» الحاكم في «تحالف الشعب»، دولت بهشلي، وإنه تمت مناقشة اللوائح القانونية على نطاق واسع خلال الاجتماع، وإن موضوع محادثاتهم الأساسي كان «ظروف عمل وصحة السيد عبد الله أوجلان في سجن إيمرالي».

جانب من لقاء وزير العدل التركي يلماظ تونتش ووفد حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب» الخميس (حساب الحزب في «إكس»)

وعن مسألة «الحق في الأمل» التي سبق أن طرحها بهشلي، والتي تتيح للمحكومين بالسجن المؤبد المشدد بإطلاق سراحهم بعد 25 عاماً والانخراط في المجتمع، قالت كوتشيغيت: «لقد قمنا بتقييم شامل لظروف عمل أوجلان وصحته وأمنه»، لافتة إلى وجود مشاكل في نظام العدالة في تركيا.

وأضافت أنه لم تتم مناقشة مسألة وضع لائحة قانونية على جدول الأعمال بشأن أعضاء حزب «العمال الكردستاني» حال إلقاء أسلحتهم وحل الحزب، مشيرة إلى أنه تمت مناقشة ظروف عمل أوجلان وحقه في الحصول على الهواء النقي وضمان حقوقه مثل حق الوصول إلى الهاتف، وقانون الإعدام، والسجناء المرضى، وتعديل قانون مكافحة الإرهاب.

نائبة رئيس المجموعة البرلمانية لحزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب» جولستان كيليتش كوتشيغيت (حساب الحزب في «إكس»)

وفي أعقاب الاجتماع الذي أعطى فيه وزير العدل يلماظ تونتش رسالة مفادها أن ظروف عمل أوجلان يمكن أن تتحسن بشكل أكبر، وأنه سيتم تقييم الطلبات الجديدة في إطار التشريع، وأنه يمكن اتخاذ الخطوات وفقاً لذلك، قالت كوتشيغيت: «لقد سارت الأمور بشكل أكثر إيجابية مما توقعنا». ولم يقدم الوفد الذي لم يضم أي عضو من «وفد إيمرالي» لأسباب مختلفة، أي طلب لترؤس أوجلان المؤتمر العام لحزب «العمال الكردستاني» الذي سيتم خلاله إعلان حل الحزب، بحسب ما تتمسك قياداته في جبل قنديل.

ويُعتقد أن تلبية الدولة مطلب «الحق في الأمل» الذي أقرته المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان عام 2014، قبل أن يلقي حزب «العمال الكردستاني» أسلحته، سوف تؤدي إلى رد فعل شعبي على نطاق واسع، كما يدرك حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب» نفسه ذلك.

إردوغان يدعم التقدم

وقبل أيام من لقاء وفد حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب» وزير العدل، قام «وفد إيمرالي»، الاثنين، بزيارة رابعة إلى أوجلان في سجن إيمرالي، في إطار المفاوضات الجارية حول دعوته إلى «السلام ومجتمع ديمقراطي» التي تتضمن حل حزب «العمال الكردستاني» نفسه وإلقاء أسلحته، والتي أطلقها في 27 فبراير (شباط).

جانب من لقاء الرئيس رجب طيب إردوغان مع «وفد إيمرالي» في 10 أبريل (الرئاسة التركية)

وسبق هذه الزيارة لقاء مع الرئيس رجب طيب إردوغان في 10 أبريل (نيسان) الحالي. وبحسب مصادر في حزب «العدالة والتنمية»، أعطى إردوغان، مرة أخرى، رسالة «تصميم» بشأن العملية في اجتماع اللجنة التنفيذية للحزب، الاثنين، في حين شكلت إدارة الحزب وفداً لمتابعة التطورات على المستوى المؤسسي. وأعلن المتحدث باسم حزب «العدالة والتنمية»، عمر تشيليك، أنهم «يتوقعون أخباراً جيدة عن العملية في نهاية أبريل الحالي».

بدوره، قال الرئيس المشارك لحزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب»، تونجر باكيرهان، في اجتماع المجموعة البرلمانية للحزب، الثلاثاء: «نتوقع أن حزب (العمال الكردستاني) سيعقد مؤتمر حله قريباً».

«وفد إيمرالي» خلال عرض رسالة أوجلان لحل حزب «العمال الكردستاني» في 27 فبراير (حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب - إكس)

وتتحدث أوساط الحزب عن أن «العمال الكردستاني» لن يتمكن من الإعلان عن قرار حله وإلقاء أسلحته على الملأ، إلا بعد عقد مؤتمره العام، لأسباب أمنية. وبحسب تقارير صحافية، يُنتظر أن يعقد «اتحاد المجتمع الكردستاني» الذي يعد بمثابة اللجنة التنفيذية لـ«العمال الكردستاني»، مؤتمره في مدينة السليمانية في شمال العراق يوم الأحد.

وتقول مصادر حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب» إن فترة أسبوع أو أسبوعين لها أهمية حاسمة بالنسبة للعملية، وإنه من غير المتوقع الإعلان عن موعد ومكان انعقاد المؤتمر. وعلى الرغم من التقديرات المختلفة بشأن موعد ومكان المؤتمر العام لحزب «العمال الكردستاني»، فإن الرأي السائد في كل من حزب «العدالة والتنمية» الحاكم، و«الديمقراطية والمساواة للشعوب»، هو أن «العملية ستنتهي بشكل إيجابي في يونيو (حزيران) على أقصى تقدير».

مصير مجهول

وفي هذا الإطار، تتصاعد التساؤلات بشأن مصير عناصر حزب «العمال الكردستاني» بعد حله، وكيف ستتعامل أنقرة معهم.

وزير الدفاع التركي يشار غولر (الدفاع التركية)

وجاءت الإجابة من جانب وزير الدفاع التركي، يشار غولر، الأربعاء، قائلاً: «الشروط الثلاثة التي ذكرناها سابقاً سارية: ستعلنون حل المنظمة الإرهابية (حزب العمال الكردستاني)، وستسلمون أسلحتكم، وستسلمون أنفسكم. وعندما يقررون سنخبرهم بالمكان الذي سيسلمون فيه أسلحتهم». وأما فيما يتعلق بقادة حزب «العمال الكردستاني»، وأين سيذهبون بعد حل الحزب، فقد حسم ذلك الرئيس المشارك لـ«اتحاد المجتمع الكردستاني»، جميل باييك، في تصريحات مؤخراً، قائلاً إن «الذهاب إلى تركيا يعني الذهاب إلى السجن. لا أحد يقبل بمثل هذا الأسر. لو كانت مسارات الديمقراطية مفتوحة، لَما ذهبنا إلى الجبال». وأضاف: «شرطنا الوحيد هو رفع العزلة المشددة المفروضة على أوجلان في سجن إيمرالي وتمكينه من العمل بحرية».


مقالات ذات صلة

جدل في تركيا حول لجنة برلمانية لمناقشة خطوات ما بعد حل «الكردستاني»

شؤون إقليمية مصير مسلحي حزب العمال الكردستاني من بين الموضوعات التي ستناقشها لجنة برلمانية مقترحة في تركيا (أ.ب)

جدل في تركيا حول لجنة برلمانية لمناقشة خطوات ما بعد حل «الكردستاني»

يثير اقتراح بشأن تشكيل لجنة برلمانية لبحث الخطوات التي سيتم اتخاذها بناء على قرار حزب العمال الكردستاني حل نفسه وإلقاء أسلحته نقاشاً واسعاً في تركيا

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية «حزب العمال الكردستاني» يطالب بكسر عزلة زعيمه السجين عبد الله أوجلان بعد الاستجابة لدعوته لحل الحزب (رويترز)

«العمال الكردستاني» يطالب بكسر عزلة أوجلان ويرفض نفي أعضائه  

بينما دعا «حزب العمال الكردستاني» تركيا إلى تخفيف عزلة زعيمه عبد الله أوجلان لتمكينه من قيادة المفاوضات مع الدولة عقب إعلان الحزب قراره بحل نفسه، وإلقاء أسلحته.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية أوجلان خلال محاكمته في سجن عسكري بجزيرة إيمرالي قبالة الساحل التركي عام 1999 (إ.ب.أ)

«العمال الكردستاني» يدعو تركيا إلى تخفيف «عزلة» أوجلان

دعا «حزب العمال الكردستاني» تركيا إلى تخفيف «عزلة» زعيمه المسجون عبد الله أوجلان، وقدّمه مفاوضاً رئيسياً للحزب في حالة إجراء محادثات سلام.

«الشرق الأوسط» (أنقرة)
شؤون إقليمية أكراد في جنوب شرقي تركيا يرفعون صورة لعبد الله أوجلان ابتهاجاً بدعوته لحل حزب «العمال الكردستاني» في 27 فبراير (أ.ف.ب)

أوجلان يدعو إلى «تحول كبير» في علاقة الأتراك والأكراد

دعا زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان إلى إحداث تحول كبير لإصلاح العلاقة بين الأكراد والأتراك بعد قرار حل حزب «العمال الكردستاني».

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية جانب من مؤتمر صحافي عقده حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب» في 27 فبراير لإعلان دعوة عبد الله أوجلان لحل «حزب العمال الكردستاني» (حساب الحزب في إكس)

«وفد إيمرالي» يزور أوجلان للمرة الأولى بعد قرار حلّ «العمال الكردستاني»

أجرى وفد «إيمرالي» أول زيارة لزعيم «حزب العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان عقب إعلان الحزب قراره حلّ نفسه وإلقاء أسلحته.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

إسرائيل تقطع أوصال الضفة... والفلسطينيون عالقون بين حاجزين وبوابة

الجيش الإسرائيلي يقيم بوابة حديدية على الطريق 465 قرب رام الله (أ.ف.ب)
الجيش الإسرائيلي يقيم بوابة حديدية على الطريق 465 قرب رام الله (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل تقطع أوصال الضفة... والفلسطينيون عالقون بين حاجزين وبوابة

الجيش الإسرائيلي يقيم بوابة حديدية على الطريق 465 قرب رام الله (أ.ف.ب)
الجيش الإسرائيلي يقيم بوابة حديدية على الطريق 465 قرب رام الله (أ.ف.ب)

«المدخل الشمالي لمدينة البيرة مغلق بالاتجاهين. بوابة عطارة بيرزيت مغلقة بالاتجاهين. بوابات عطارة البلد أزمة وتفتيش للخارج. مدخل روابي سالك. عين سينيا سالكة. يبرود سلواد أزمة وتفتيش. الجلزون سالك. كفر عقب كثافة سير. قلنديا أزمة للخارج. العيزرية كثافة سير وشرطة باتجاه الجنوب، حاجز الكونتينر أزمة وتفتيش باتجاه الجنوب. رأس الجورة مغلقة. بوابة الفحص مغلقة. النشاش سالك. بوابة سعير مغلقة. بوابات العروب مغلقة. بوابة دورا مغلقة. المدخل الشمالي لسلفيت مغلق. بوابة بروقين مغلقة. الفندق سالك. حاجز عنبتا مغلق للخارج الداخل سالك. حاجز الحمرا مغلق بالاتجاهين. حاجز تياسير مغلق بالاتجاهين».

هذا جزء من خبر أطول كان يقرأه أحد مذيعي الإذاعات المحلية في رام الله، في محاولة لتقديم آخر تحديث لحالة الطرق في الضفة الغربية، وهو تحديث مستمر 24 ساعة في اليوم طيلة الأسبوع، ومتغير بشكل سريع.

وكما يتابع الناس في بلدان العالم أحوال الطقس، أو أسعار العملات، يترقب الفلسطينيون في الضفة الغربية حالة الطرق منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 بشكل مستمر. فبعدما شنت إسرائيل حرباً دموية على قطاع غزة، وأخرى موازية وإن كانت مختلفة في الضفة، يكاد فلسطيني الضفة يكون الوحيد في العالم الذي يحتاج إلى فحص مجموعة كبيرة من الحواجز من أجل الانتقال خارج مدينته أو قريته، وقد يكلفه ذلك حياته، أو زجّه في السجن، وفي أحسن الأحوال قضاء ساعات عدة على أحد الحواجز العسكرية، ومثلها في التنقل عبر حواجز أخرى، في رحلة مذلّة كان يفترض أن تكون آمنة، وسريعة للغاية، لولا الاحتلال، وقمعه.

ولم ينس الفلسطينيون بعدُ كيف فقد محمد الجندي، الشاب الذي لم يتجاوز 30 عاماً، حياته عند حاجز استحدث قرب منطقة الإسكانات في بيت جالا بمنطقة بيت لحم، فقط لأنه حاول فتح بوابة حديدية لسيدة انتظرت طويلاً لتعبر إلى منزلها. وصادف أن السيدة لم تنتبه للجنود وخافت أن تتقدم، قبل أن يأخذ محمد الذي يسكن في منطقة قريبة المبادرة ويفتح لها البوابة. فكان هذا آخر عمل له في حياته. لقد أعدموه وسط الشارع.

صور نشرها فلسطينيون لأزمة حاجز الكونتينر قرب بيت لحم (وسائل تواصل ومجموعات)

انتظار بلا حدود

تفاجأ محمود العزة، الذي غادر مبكراً من بيت لحم إلى أبو ديس القريبة من أجل الالتحاق بجامعته، بطابور كبير من السيارات على حاجز «الكونتينر» سيئ الصيت، الذي يفصل جنوب الضفة الغربية عن شمالها. وأدرك العزة سريعاً أنه لن يدرك محاضرته الأولى، لكنه كان يأمل أن يتابع بقية الحصص. ولكن بعد 3 ساعات، وجد نفسه عالقاً بين مئات السيارات، لا هو يستطيع التقدم ولا العودة، وقد ضاع يومه، ومثل غيره يحدوه الأمل، بأن يقرر أحد الجنود فتح الحاجز، حتى يتخلص من سجنه داخل السيارة، ويعود إلى منزله.

لم يعد العزة إلا بعد 5 ساعات، وراح يفكر في تأجيل فصله الدراسي قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «المشكلة أنه وضع مستمر. كل يوم يغلقون الحاجز في أوقات مختلفة». ويتابع: «جندي جاي على بالو (قرر مزاجياً) بسكر الحاجز ساعة وساعتين و3 واحنا واقفين بنستنى (ننتظر) أنه يحنّ علينا ويفتح الحاجز... إنه شيء مذل ومرهق ومتعب».

وأضاف: «قبل 7 أكتوبر كانت هذه الحالات تحدث كل بضعة أشهر مرة. اليوم كل يوم وكل ساعة تحدث. فإما يغلقون الحواجز أو يفتشون السيارات واحدة تلو الأخرى ويدققون بالهويات». ويختم الشاب قائلاً: «باختصار، يتعمدون إهانة الناس وإذلالها ونحن لم نعد نحتمل».

ويعدّ حاجز الكونتينر واحداً من مئات الحواجز والبوابات التي تضعها إسرائيل في الضفة الغربية منذ احتلالها عام 1967، وقد تضاعفت مرات عدة منذ السابع من أكتوبر 2023.

بيئة قهرية عازلة

بحسب هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، وصل عدد الحواجز والبوابات الحديدية التي نصبها جيش الاحتلال في الضفة الغربية إلى 898 حاجزاً عسكرياً وبوابة، منها 18 بوابة حديدية منذ بداية العام الحالي 2025، و146 بوابة حديدية نصبها الاحتلال بعد 7 أكتوبر 2023.

وقال المدير العام للنشر والتوثيق في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، أمير داود، إنها «حواجز قديمة وجديدة ثابتة ومنتظمة ومتغيرة الأنماط، وتعكس سياسة إسرائيل. إنهم منذ 1967 يراكمون هذه الحواجز ويراكمون على فكرة الإغلاق».

صور نشرها فلسطينيون لأزمة حاجز الكونتينر قرب بيت لحم (وسائل تواصل ومجموعات)

وأضاف داود لـ«الشرق الأوسط»: «ما نشهده اليوم غير مسبوق»، متّهماً إسرائيل بمحاولة خلق حيز جغرافي بديل للفلسطينيين يتجاوز ما يعرفونه من شوارع وطرقات ومساحات، ويكون مصمماً على فكرة الإغلاق والرقابة والإقصاء.

وقال داود إن البوابات كانت السمة الأبرز منذ السابع من أكتوبر. وأضاف: «قبل السابع من أكتوبر منظومة الإغلاق كانت تستهدف القطاع الأكبر من الجغرافيا. مثل عزل شمال الضفة أو جنوبها. اليوم المنظومة تعمل بطريقة أخرى. الإغلاق يستهدف التجمع الواحد. مثل القرية. هذا نمط جديد».

وأردف: «يضاف إليه طبيعة الجنود. الجنود على الحواجز كانوا نظاميين مدربين إلى حد ما، ولديهم تعليمات واضحة بالالتزام بالقانون الدولي ولو بالحد الأدنى. اليوم ميليشيا موجودة من (صهيونية دينية) وآخرين. وجاءوا من أجل أن ينتقموا من الفلسطينيين. إنهم يفرضون بيئة قهرية».

سجن كبير يضيق

تطوّق الحواجز العسكرية الإسرائيلية كل مدن الضفة الغربية وقراها اليوم، ويوجد حول الخليل مثلاً 229 حاجزاً، ورام الله 156 حاجزاً، وبيت لحم 65 حاجزاً، ويشمل ذلك البوابات التي حولت القرى والبلدات سجناً كبيراً.

ويضطر الفلسطينيون في البلدات والمخيمات المغلقة ببوابات حديدية إلى ترتيب حياتهم وفق مواعيد هذه البوابات.

وقال إبراهيم ثابت، من مخيم العروب القريب من الخليل، إن عليه أن يغادر في أوقات محددة، ويعود في أوقات محددة؛ لأنه بخلاف ذلك سيضطر إلى النوم في الخارج.

جندي إسرائيلي يلوّح بيده بينما يستعد فلسطينيون لإخلاء منازلهم يوم الأربعاء في مخيم نور شمس بالضفة الغربية بعد قرار إسرائيل هدمها (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «يفتحون البوابة في وقت محدد في الصباح، ويعيدون فتحها لوقت محدد قبل المساء. عليك أن تغادر وفق مواعيدهم وتعود وفق مواعيدهم. ولا شيء آخر يهم».

وتابع بغضب: «عندك حالة مرضية حالة طارئة مواعيد... مش مهم. فأنت كإنسان غير مهم أصلاً. عليك أن تتأقلم مع مواعيد فتح وإغلاق السجن أو حظيرة الغنم».

ولا يجد ثابت التعبير المناسب لوصف ما يعيشونه في مخيم العروب سوى أنهم يقاسون روتيناً من القهر والذل في سجن كبير. وقال: «سجن أكبر قليلاً. حرية أكبر قليلاً. نزلاء أكثر قليلاً».

وتغلق إسرائيل إلى جانب مخيم العروب معظم البلدات والمخيمات في المنطقة «ج» التي تقع تحت سيطرة إسرائيلية مطلقة وقريبة من شوارع يمر عليها المستوطنون.

تفتيت الضفّة

وقال المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان إن المعطيات (الحواجز والبوابات) تظهر بوضوح سعي الاحتلال الإسرائيلي إلى تفتيت الضفة الغربية، وتحويلها كانتونات منعزلة عن بعضها بما يمنع الامتداد الجغرافي الفلسطيني الطبيعي، ويحول دون سهولة الحركة والتنقل بين المدن والقرى الفلسطينية. كما تؤشر على أن الاحتلال يستخدم هذه الحواجز والبوابات شكلاً من أشكال العقاب الجماعي ضد الفلسطينيين، وفي إطار تكريس سياسات الضمّ الإسرائيلية.

ويعيش اليوم في الضفة الغربية أكثر من نصف مليون مستوطن من دون القدس، موزعين على مستوطنات تجثم على 3 في المائة من مساحة الضفة، ويخصص لها ما نسبته 40 في المائة من مجمل أراضي الضفة الغربية، بصفتها مناطق محمية، ومن أجل مشاريع البنية التحتية المرتبطة بها، مثل الجدار العنصري العازل، والحواجز، والقواعد العسكرية، والطرق الالتفافية الاستيطانية.

ويحظى المستوطنون بشوارع خاصة يمنع على الفلسطينيين السير فيها وأخرى مشتركة.

وتقول منظمة «بيتسيلم» إن الشوارع التي يحظر فيها تنقل الفلسطينيين هي «مكون إضافي في منظومة القيود».

وحماية هؤلاء المستوطنين هو سبب آخر للحواجز والبوابات.

وبحسب مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، فإن إحدى مهمات تلك الحواجز ليست إحكام القبضة الأمنية على مدن الضفة، أو تفتيش الفلسطينيين المغادرين من المدن المختلفة والعائدين إليها فحسب، بل وتأمين عبور آمن للمستوطنين الذين يحظون بشوارع خاصة فوق ذلك.

قهر على قهر

لعل أكثر ما يزيد القهر مراقبة سيارات المستوطنين وهي تشق طريقها بكل سهولة أمام الطوابير الطويلة المتوقفة عند الحواجز من سيارات الفلسطينيين. وقال سعيد هنية بعد أن قضى 5 ساعات على حاجز جبع: «هذا وضع لا يطاق».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «لن تصدق... أنهيت مشاهدة فيلم وبدأت بالثاني. إنه جنون جنون». وبالنسبة لهنية كانت تلك آخر مرة ينتقل فيها من مدينة إلى أخرى، وقرر عدم تكرار ذلك.

فتيات فلسطينيات يبكين بينما تهدم حفَّارات الجيش الإسرائيلي مبنيين فلسطينيين بقرية قبية شمال غربي رام الله في الضفة الغربية المحتلة (أ.ف.ب)

أما أبو محمد الحداد، وهو سائق تاكسي قديم، فنصح كل زملائه بعدم التنقل بين المدن والحواجز.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «أعلم أن لقمة العيش صعبة. لكن ما يحدث عمره ما صار. شفنا كثير وقليل وعشنا انتفاضات وحروباً ومداً وجزراً، لكن مثل هذه الأيام لم نرَ. عمره ما كان الوضع هيك».

وتابع بأسى: «اليوم أنت لست معرَّضاً للإذلال فحسب، بل أسهل شيء أن يطخوك (يطلقوا عليك الرصاص) وتموت».

ومن أجل تجنب رحلة مذلة، أو أقله التخفيف من شدّتها، أُنشئت عشرات المجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي و«تلغرام» من أجل متابعة الطرق.

ويسأل حازم الزيز على مجموعة «أحوال الطرق» التي تضم آلافاً من الفلسطينيين عن حالة حاجز الكونتينر، ليرد أحدهم: «أزمة وتفتيش»، فيسأل ليث عيسى عن طريق فرش الهوى، ويبشره عزيز بأنه سالك لكن رأس الجورة مغلق.

وهكذا، يقضي الفلسطينيون في الضفة أيامهم بين حاجز سالك، وآخر مغلق، وثالث يشهد «أزمة، وتفتيشاً».