نيابة إسطنبول تبدأ التحقيق مع إمام أوغلو بتهم الفساد والإرهاب

زيادة العنف والاعتقالات... وباباجان حذر إردوغان من قمع الاحتجاجات

امرأة تركية ترفع صورة لإمام أوغلو ومصطفى كمال أتاتورك أمام حواجز الشرطة (رويترز)
امرأة تركية ترفع صورة لإمام أوغلو ومصطفى كمال أتاتورك أمام حواجز الشرطة (رويترز)
TT
20

نيابة إسطنبول تبدأ التحقيق مع إمام أوغلو بتهم الفساد والإرهاب

امرأة تركية ترفع صورة لإمام أوغلو ومصطفى كمال أتاتورك أمام حواجز الشرطة (رويترز)
امرأة تركية ترفع صورة لإمام أوغلو ومصطفى كمال أتاتورك أمام حواجز الشرطة (رويترز)

وسط توتر حاد واحتجاجات عنيفة، أُحيل رئيس بلدية إسطنبول المعتقَل، أكرم إمام أوغلو، إلى النيابة العامة للتحقيق معه في الاتهامات بالفساد ومساعدة منظمة إرهابية، بعد انتهاء التحقيقات معه بقسم الشرطة على مدى يومين.

ويواجه إمام أوغلو، الذي خضع للتحقيق الثاني بعد 4 أيام من احتجازه بمديرية أمن إسطنبول، تهمة الإرهاب، على خلفية مساعدته اتحاد المجتمعات الكردستانية التابع لحزب العمال الكردستاني على إدخال بعض أعضائه في البلديات عبر «المصالحة الحضرية». ونفى وجود أي علاقة له أو أي من أفراد عائلته بأي نشاط أو منظمة إرهابية، مؤكداً أنه لا أحد يحب وطنه أكثر منه، وأنه يعتقد أن هذا السؤال «غير أخلاقي ومتعمد».

إفادة في تحقيق الإرهاب

وبحسب ما نقل محامو إمام أوغلو، فإنه أكد في إفادته أنه سيسعى بكل حزم للحصول على حقوقه القانونية على أعلى مستوى ضد «أولئك الذين تصرفوا عمداً ضده». ورفض إمام أوغلو بشدة أقوال الشهود السريين في التحقيق، قائلاً إنها «مليئة بجمل رديئة المستوى، وكاذبة تماماً، وتشهيرية، ومختلقة، ومهينة لكرامة الأشخاص المعنيين، وإنه يشعر بالأسف الشديد ويدين حقيقة أن القضاء التركي الكبير اختار مثل هذا الأسلوب من الشهود السريين وواجه به رئيس بلدية إسطنبول التي يبلغ عدد سكانها 16 مليون نسمة، والذي فاز في الانتخابات 3 مرات (انتخابات 2019 وإعادتها وانتخابات 2024) بمعدلات تصويت تاريخية».

الشرطة التركية أغلقت محيط مجمع محاكم تشاغليان منذ صباح السبت قبل وصول إمام أوغلو للتحقيق معه (رويترز)
الشرطة التركية أغلقت محيط مجمع محاكم تشاغليان منذ صباح السبت قبل وصول إمام أوغلو للتحقيق معه (رويترز)

وأضاف: «سأبذل قصارى جهدي لضمان أن تفهم أمتنا هذه العملية التي أصبحت تشكل تهديداً كبيراً لبلدنا، أشعر بقوة أمتنا خلفي أكثر بمليون مرة. لا أستطيع حتى وصف شجاعتي. هناك من يعتقد أن لديه الحق في فعل أي شيء لحماية مقعده (في إشارة إلى الرئيس رجب طيب إردوغان)، من الضروري أن تتخلص بلادنا في أقرب وقت ممكن من هذه العقلية التي تعتقد أن الشهادات الجامعية، والممتلكات، والشركات، والمناطق الخضراء، والمدارس، وشواطئ البوسفور هي ملك لها، وإلا فإن مستقبل شعبنا سيكون في خطر».

واستغرقت إفادة إمام أوغلو، التي وقعت في 18 صفحة، 5 ساعات في مديرية أمن إسطنبول، تم نقله بعدها إلى النيابة العامة في مجمع محاكم تشاغلايان، للإدلاء بإفادته أمام المدعي العام لمدينة إسطنبول.

وفرضت قوات الأمن طوقاً أمنياً حول مجمع المحاكم، منذ الصباح الباكر، تحسّباً لتجمع أنصار إمام أوغلو. كما أعلن والي إسطنبول إغلاق جميع الطرق المؤدية إليه حتى الثامنة من صباح الأحد.

رفض الاتهامات بالفساد

وكان إمام أوغلو قد أدلى، الجمعة، بإفادته في تحقيق آخر يتعلق بالفساد. ووقعت إفادته في 121 صفحة، واستغرقت 6 ساعات؛ حيث وجه إليه 28 سؤالاً، ونفى جميع الاتهامات الموجهة إليه. ورفض الرد على الأسئلة المتعلقة بالفساد، وإفادات الشهود السريين، قائلاً: «في الواقع، السبب الوحيد لوجودي هنا هو نموذج للتدخل السياسي والنضال الذي بدأ ضدي؛ حيث أواجه حالياً تدخلاً من أعضاء الحكومة الذين لا يحترمون إرادة الشعب».

وعندما سُئل عما إذا كان لديه أي شيء ليضيفه إلى إفادته، قال إمام أوغلو: «أود أن أعبر عن شعوري بالاستياء الشديد نيابة عن أمتنا ومدينتنا وبلدنا بعد الأسئلة التي طُرحت عليّ، مقارنةً بما شعرت به منذ ساعات احتجازي وحتى الآن».

عناصر من الشرطة تطلق الرصاص المطاطي على المتظاهرين في أنقرة (أ.ف.ب)
عناصر من الشرطة تطلق الرصاص المطاطي على المتظاهرين في أنقرة (أ.ف.ب)

وأضاف: «لن أكتفي بالدفاع عن نفسي. أعدكم أمام شعبي بأنني سأطالب بحقوقي القانونية كاملة تجاه هؤلاء الذين وجّهوا إلى هذه التهم، والذين عذبوا 16 مليوناً من سكان إسطنبول خلال فترة اعتقال رئيس بلديتهم، وسأبذل قصارى جهدي لمحاكمتهم. أمامنا كثير من العمل. أولاً، العدالة، ثم الديمقراطية، وبهذه المبادئ، سنصل بجمهورية تركيا القوية إلى القرن الثاني لجمهوريتنا».

وفي رسالة على «إكس» نشرها محاموه، شكر إمام أوغلو مواطنيه الذين خرجوا إلى الشوارع بعشرات الآلاف، على تحرّكهم، وقال: «أنتم تدافعون عن جمهوريتنا، عن الديمقراطية، عن مستقبل تركيا عادلة وإرادة أمتنا».

استمرار الاحتجاجات الحاشدة

واستمرت المظاهرات الحاشدة في 55 ولاية على الأقل من ولايات تركيا الـ81 بمشاركة مئات الآلاف، وشهدت عنفاً من الشرطة التي استخدمت غاز الفلفل وخراطيم المياه لتفريق المتظاهرين دعماً لإمام أوغلو.

صدامات بين الشرطة والمحتجين على احتجاز إمام أوغلو (أ.ف.ب)
صدامات بين الشرطة والمحتجين على احتجاز إمام أوغلو (أ.ف.ب)

ووقعت أعنف مواجهات بين الشرطة والمتظاهرين في مدينة إزمير، غرب تركيا، كما شهدت العاصمة أنقرة كراً وفراً بين الشرطة والمحتجين. وشارك مئات الآلاف في تجمع حاشد بالميدان الرئيسي في إزمير، السبت، رداً على عنف الشرطة خلال تجمعات ليل الجمعة.

وأعلن وزير الداخلية التركي، علي يرلي كايا، أنه تم القبض على 343 شخصاً على خلفية الاحتجاجات. وتواصلت عمليات التوقيف طوال ليل الجمعة، وتم القبض على بعض المتظاهرين من منازلهم في كثير من المدن عبر أنحاء البلاد، بما في ذلك إسطنبول وأنقرة وإزمير وأنطاليا.

أوزيل متحدثاً في الحشد أمام بلدية إسطنبول ليل الجمعة (حزب الشعب الجمهوري - إكس)
أوزيل متحدثاً في الحشد أمام بلدية إسطنبول ليل الجمعة (حزب الشعب الجمهوري - إكس)

وقال رئيس حزب الشعب الجمهوري، أوزغور أوزيل، موجهاً حديثه إلى إردوغان خلال خطاب في تجمع حاشد أمام مبنى بلدية إسطنبول في ميدان ساراتشهانه، إن «300 ألف شخص شاركوا في التجمع أمام البلدية. كان العدد في اليوم الأول 120 ألفاً، ثم ارتفع في اليوم الثاني إلى 160 ألفاً، وأصبح 300 ألف في اليوم الثالث».

وتابع أوزيل: «نظام رجب طيب إردوغان القائم على الاستبداد والقمع والحظر يهتز، ويوشك على الانهيار».

قمع مسيرة للمحامين

وتطرق أوزيل أيضاً إلى فصل المسؤولين التنفيذيين في نقابة المحامين بإسطنبول، قائلاً: «لن تستسلم نقابة المحامين، ولن يستسلم المحامون، ولن يصمت قطاع الدفاع. هذا النضال لن ينتهي، سنستعيد نقابة محامي إسطنبول، وسيستعيدها الديمقراطيون».

وقررت المحكمة الابتدائية في إسطنبول، السبت، إنهاء مهام رئيس نقابة المحامين في إسطنبول إبراهيم كابوغلو وأعضاء مجلس الإدارة، بتهمة «الدعاية الإرهابية».

الشرطة التركية تمنع محامين من السير إلى ميدان تقسيم احتجاجاً على عزل رئيس نقابتهم في إسطنبول ومجلس النقابة (إعلام تركي)
الشرطة التركية تمنع محامين من السير إلى ميدان تقسيم احتجاجاً على عزل رئيس نقابتهم في إسطنبول ومجلس النقابة (إعلام تركي)

وتدخّلت الشرطة في الاحتجاجات على القرار ضد المحامين الذين أرادوا السير من مقر المحكمة إلى ميدان تقسيم.

باباجان يحذر إردوغان

بدوره، زار رئيس حزب «الديمقراطية والتقدم»، علي باباجان، بلدية إسطنبول، السبت، في رسالة تضامن مع إمام أوغلو.

ووجه باباجان، خلال تصريحات مع أوزيل، تحذيراً إلى إردوغان، قائلاً: «لا ينبغي لك أن تتبنّى أسلوباً أو موقفاً أو قراراً من شأنه استفزاز أحد، وبخاصة شبابنا، أو تنقل الميادين إلى نقطة مختلفة».

وقال باباجان إن الشباب يحملون الأمل من أجل ديمقراطية أفضل، وإن أملهم تعرض لضربة قوية بسبب التطورات الأخيرة، مشدداً على أن «الحق في الاحتجاج هو الحق الأكثر جوهرية في الديمقراطيات».

باباجان متحدثاً خلال زيارة تضامنية لبلدية إسطنبول دعماً لإمام أوغلو (حزب الشعب الجمهوري - إكس)
باباجان متحدثاً خلال زيارة تضامنية لبلدية إسطنبول دعماً لإمام أوغلو (حزب الشعب الجمهوري - إكس)

وأضاف: «إذا كان القضاء في بلد ما مستقلاً؛ فهذا البلد قوي. شبابنا في الشوارع والميادين، لأنهم كانوا يتوقعون أن تحقق تركيا الديمقراطية يوماً ما. وما حدث هذا الأسبوع واعتقال رئيس بلدية إسطنبول السيد أكرم إمام أوغلو يقوض هذه التوقعات».

ولفت باباجان إلى قرار حزب «الشعب الجمهوري» عقد مؤتمر استثنائي، في 6 أبريل (نيسان) المقبل، بسبب التهديد بتعيين وصي على الحزب، قائلاً: «من غير المقبول أن يواجه حزب الشعب الجمهوري تهديد الوصي. إنه لأمر مُخزٍ للديمقراطية أن تُثير هذا الخوف في حزب المعارضة الرئيسي في البلاد وتُجبره على اتخاذ قرار عقد مؤتمر استثنائي».​


مقالات ذات صلة

المعارضة التركية تحشد مئات الآلاف دعماً لإمام أوغلو

شؤون إقليمية أعلن حزب «الشعب الجمهوري» أن 2.2 مليون شخص شاركوا في تجمع لدعم أكرم إمام أوغلو في إسطنبول السبت (موقع الحزب)

المعارضة التركية تحشد مئات الآلاف دعماً لإمام أوغلو

أثار توقيف إمام أوغلو في 19 مارس موجة احتجاجات لم تشهد لها تركيا مثيلاً منذ مظاهرات «غيزي بارك» عام 2013.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية استمرار الاحتجاجات اليومية على خلفية اعتقال أكرم إمام اوغلو (أ.ف.ب)

عودة الاحتجاجات الحاشدة دعماً لإمام أوغلو… وحليف إردوغان يعدُّها مؤامرة

دعا حزب الشعب الجمهوري المواطنين من أنحاء تركيا إلى التجمع في مظاهرة حاشدة في إسطنبول، السبت، لدعم رئيس بلدية إسطنبول المعتقل أكرم إمام أوغلو.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية مظاهرات مستمرة في أنقرة احتجاجاً على حبس إمام أوغلو (د.ب.أ)

«الشعب الجمهوري» يعلن إمام أوغلو مرشحاً للرئاسة ويطلق حملة للانتخابات المبكرة

أعلن حزب الشعب الجمهوري أن رئيس بلدية إسطنبول المحتجز أكرم إمام أوغلو سيكون هو مرشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة وأنه سيبدأ حملة من أجل إجراء انتخابات مبكرة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية جنود يونانيون رددوا هتافات تحمل إهانات لتركيا خلال عرض عسكري في أثينا بمناسبة يوم الاستقلال (رويترز)

أزمة جديدة بين تركيا واليونان تعرقل أجندة إيجابية لحل الخلافات العالقة

طفت أزمة جديدة على السطح بين تركيا واليونان على خلفية ترديد جنود يونانيين هتافات تحمل إهانات لتركيا في عرض عسكري بأثينا خلال احتفالات يوم الاستقلال.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية استمرار الاحتجاجات الحاشدة في تركيا على اعتقال رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو (أ.ب)

المعارضة التركية تدعو إلى توسيع الاحتجاجات... وإردوغان يتوعّدها بالمزيد من الإجراءات

لوّح الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بمزيد من الإجراءات بعد اعتقال رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، بينما أعلنت المعارضة تصعيد الاحتجاجات

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

المعارضة التركية تحشد مئات الآلاف دعماً لإمام أوغلو

أعلن حزب «الشعب الجمهوري» أن 2.2 مليون شخص شاركوا في تجمع لدعم أكرم إمام أوغلو في إسطنبول السبت (موقع الحزب)
أعلن حزب «الشعب الجمهوري» أن 2.2 مليون شخص شاركوا في تجمع لدعم أكرم إمام أوغلو في إسطنبول السبت (موقع الحزب)
TT
20

المعارضة التركية تحشد مئات الآلاف دعماً لإمام أوغلو

أعلن حزب «الشعب الجمهوري» أن 2.2 مليون شخص شاركوا في تجمع لدعم أكرم إمام أوغلو في إسطنبول السبت (موقع الحزب)
أعلن حزب «الشعب الجمهوري» أن 2.2 مليون شخص شاركوا في تجمع لدعم أكرم إمام أوغلو في إسطنبول السبت (موقع الحزب)

شهدت مدينة إسطنبول تجمعاً حاشداً شارك فيه مئات الآلاف من أنصار رئيس بلديتها المعتقل أكرم إمام أوغلو، تأكيداً لاستمرار الاحتجاجات غير المسبوقة التي لم تعرف تركيا مثيلاً لها منذ أكثر من 10 سنوات.

وخلال التجمع الضخم، الذي نظّمه حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة التركية، في منطقة مالتبه بالشطر الآسيوي من إسطنبول، تحت شعار: «تجمّع الحرية لمرشحنا الرئاسي أكرم إمام أوغلو»، أعلن رئيس الحزب، أوزغور أوزيل، إطلاق حملة تستمر خلال عطلة عيد الفطر الممتدة لـ9 أيام، في أنحاء تركيا، لدعم ترشيح إمام أوغلو للرئاسة، والضغط من أجل إجراء انتخابات مبكرة.

وطالب أوزيل بالإفراج الفوري عن إمام أوغلو، وعن رئيس حزب «النصر» القومي المعارض، أوميت أوزداغ، المحتجز منذ أكثر من شهرين دون محاكمة، والرئيس المشارك السابق لحزب «الشعوب الديمقراطية» المؤيد للأكراد، صلاح الدين دميرطاش، الذي قال إنه يقبع بالسجن منذ نحو 8 سنوات فقط، لمجرد أنه قال للرئيس رجب طيب إردوغان قبل 10 سنوات: «لن نجعلك رئيساً».

تجمع حاشد

وانضم إلى التجمع الحاشد، الذي قدّر حزب «الشعب الجمهوري»، عدد حضوره بـ2.2 مليون شخص، مؤيدون لأحزاب «الديمقراطية والمساواة للشعوب»، المؤيد للأكراد، و«العمال التركي»، و«العمل»، و«اليسار»، وأعضاء في نقابات العمال والموظفين، تجمعوا في مالتبه منذ ساعات الصباح.

كثير من الأحزاب ونقابات العمال والموظفين شاركوا في تجمع دعم إمام أوغلو (إ.ب.أ)
كثير من الأحزاب ونقابات العمال والموظفين شاركوا في تجمع دعم إمام أوغلو (إ.ب.أ)

وهتف المشاركون في التجمع، الذين رفعوا علم تركيا، بشعارات مثل «الرئيس إمام أوغلو»، و«استقالة طيب (الرئيس رجب طيب إردوغان)»، و«نحن جنود مصطفى كمال (أتاتورك)»، و«إذا صمتت العدالة، فإن الشعب سيتكلم». ورفع البعض صوراً لإمام أوغلو، ولافتات تطالب بالحرية والديمقراطية والعدالة.

وشكلت الأعداد التي شاركت في التجمع نجاحاً للمعارضة في اختبار قدرتها على الحشد، في وقت يغادر فيه آلاف من سكان إسطنبول المدينة للاحتفال بعيد الفطر مع عائلاتهم في ولايات أخرى. ومدّد الرئيس إردوغان عطلة عيد الفطر لموظفي الدوائر الرسمية والمؤسسات العامة لتصبح 9 أيام، بدلاً من 4 فقط. وأغلقت ولاية إسطنبول بعض الطرق أمام حركة المرور، منذ صباح السبت، بالتزامن مع التدفق على مالتبه.

رئيس حزب «الشعب الجمهوري» أوزغور أوزيل خلال تجمع مالتبه لدعم إمام أوغلو (موقع الحزب)
رئيس حزب «الشعب الجمهوري» أوزغور أوزيل خلال تجمع مالتبه لدعم إمام أوغلو (موقع الحزب)

وقال أوزيل، في كلمته، إن الحكومة حاولت منع الناس من الوصول إلى منطقة التجمع، مضيفاً: «قال البعض إن هذه الساحة ستظل فارغة، وسوف يتم تعطيل هذا النضال العظيم. لقد رأيت عشرات الآلاف من الناس يأتون إلى هنا سيراً على الأقدام». وأضاف أن «الملايين الذين هرعوا إلى ساراتشهانه (الميدان الذي يقع به مبنى بلدية إسطنبول) على مدى الأسبوع الماضي، في تحدٍّ لأولئك الذين حاولوا ترك إرادة إسطنبول وحدها، قالوا بوضوح: لقد تركنا الآن القلق والخوف في المنازل، ونحن في الشوارع والميادين، وستكون لنا».

وتابع مخاطباً الحشد: «أنتم تكسبون مستقبل تركيا، وتقاومون هذا الانقلاب، وتدافعون عن ديمقراطيتنا».

انتقادات للحكومة

وفي إشارة إلى احتجاجات طلاب الجامعات، قال أوزيل: «بدلاً من سماع هذا الصوت، اختارت الحكومة الهجوم بالقوة والحقد، وأرسلت شرطتنا وراءهم، وباتت العائلات تنتظر أبناءها أمام المحكمة - أي عدالة هذه؟!». وتابع: «انظروا، يوجد 2.2 مليون شخص في ساحة مالتبه. كنتم تنوون ترهيب الشباب، فهل ترون أحداً يُرهب هنا؟ كنتم تنوون إسكات الجامعات، فهل ترون أحداً صامتاً هنا؟».

ولفت إلى اتهام الحكومة له بـ«الشكوى من تركيا للعالم»، قائلاً: «إذا كانت الديمقراطية مهددة في بلد ما، وإذا كان من يصل إلى السلطة من خلال الانتخابات لا يريد أن يرحل من خلال الانتخابات، وإذا حدث انقلاب على الديمقراطية، فإن العالم مهتم بذلك».

جانب من التجمع الحاشد لدعم إمام أوغلو في مالتبه (أ.ف.ب)
جانب من التجمع الحاشد لدعم إمام أوغلو في مالتبه (أ.ف.ب)

وأضاف: «لقد وقفنا إلى جانب الديمقراطية مع حزب العدالة والتنمية الحاكم خلال محاولة الانقلاب في 15 يوليو (تموز) 2016. سأشرح هذا الانقلاب على الديمقراطية للعالم أجمع، بالطريقة ذاتها التي شرحنا بها محاولة انقلاب 2016 للعالم أجمع».

وتابع: «عندما عوملت أخواتنا المحجبات بشكل غير عادل في قضية الحجاب، كنتم أنتم (الحزب الحاكم) من توجهتم إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، ولم يقُل أحد إنكم تشتكون تركيا للعالم، كنتم من تنقلتم من بلد إلى آخر وشكوتم من قضايا إغلاق الأحزاب... لقد أصبح ضحايا الماضي هم الظالمين».

وكرر أوزيل دعوته إلى مقاطعة وسائل الإعلام الموالية للحكومة، وعدم شراء منتجات الشركات التي تعلن فيها، وأعلن انضمام أسماء جديدة إلى القائمة التي سبق أن أعلنها الأسبوع الماضي.

رسالة من إمام أوغلو

وقرأ رئيس فرع حزب «الشعب الجمهوري» في إسطنبول، أوزغور تشيليك، رسالة وجّهها إمام أوغلو من محبسه في سجن سيليفري غرب إسطنبول، وأكّد فيها أن «القضية ليست قضيته فقط، وإنما هي قضية الوطن، وقضية الملايين الذين يقفون ضد الظلم، وقضية العدالة والديمقراطية والحرية، وقضية التعليم والإنتاج والمشاركة والحقوق والقانون».

وأضاف: «لهذا السبب يقف الشباب في المقدمة، لأنهم أكثر من يشعر بالقلق بشأن المستقبل، هم أكثر من يشعر بأن حياتهم تفلت من بين أيديهم. يتساءل الشباب من سرق شبابهم، ولا يرون إلا شخصاً واحداً (إردوغان). لم يبذل هذا الشخص أي جهد لفهم شباب هذا البلد. لم يُعِر حتى الشباب الذين صوّتوا له اهتماماً كافياً، وسعى فقط إلى تقسيم الشباب وتحريض بعضهم على بعض، وما زال يفعل الشيء نفسه حتى اليوم، لأنه للفوز في الانتخابات، عليه دائماً أن يُعلن عدواً».

مشاركون في تجمع مالتبه يرفعون صورة لإمام أوغلو دعماً له (رويترز)
مشاركون في تجمع مالتبه يرفعون صورة لإمام أوغلو دعماً له (رويترز)

وتابع إمام أوغلو: «بسبب اعتقالاتهم وممارساتهم الجائرة وغير القانونية التي تُذكرنا بفترات الأحكام العرفية، اختفى 40 في المائة من مدخرات البنك المركزي، أي 26 مليار دولار، في 3 أيام. لكنهم أيضاً يُلقون باللوم، بلا خجل، في هذه الأزمة على ردود الفعل الديمقراطية للشباب، وعلى شعبنا الذي يمارس حقه في الاحتجاج والمطالبة بالعدالة».

وقال إن «الشرور التي ارتكبها إردوغان تُثقل كاهل شعبنا بأعباء اقتصادية جديدة. ورغم قيامه بكل شيء بنفسه، لا يتحمل المسؤولية أبداً، ويلقيها على القوى الأجنبية، وجماعات الضغط، والبنوك، وبائعي السوق، والمزارعين، وحتى البقالين والخبازين».

أنصار إمام أوغلو يرفعون لافتة تحمل صورته (رويترز)
أنصار إمام أوغلو يرفعون لافتة تحمل صورته (رويترز)

ولفت إمام أوغلو إلى أنه خضع بوصفه رئيس بلدية للتحقيق 1300 مرة خلال 6 سنوات، من قبل كثير من مؤسسات الدولة، بُرِّئ فيها جميعها، وخرج بامتياز من 48 تحقيقاً إدارياً و51 تحقيقاً شخصياً. وقال: «الآن يزعمون أنهم اكتشفوا الجرائم التي عجز مفتشو الدولة عن اكتشافها لسنوات، والتي تستند إلى تصريحات سخيفة من شهود سريين وشهود زور». وتابع: «لست أنا من يجب أن يُبرئ نفسه في هذه القضية الوهمية. إردوغان، الذي جعل القضاء يعمل بأوامر وحاول تصفيتي بالاختباء وراء شهود سريين، عليه أن يبرئ نفسه».

واعتبر إمام أوغلو أنه «مع كل خطوة ضدي، يُظهر إردوغان أنه شخص يتجنّب الانتخابات ويخشى خصومه. لن ننحني أمام الاستبداد والقسوة، وسندفن هذا النظام الظالم في التاريخ بالمنهج الديمقراطي والنضال الشجاع، وسنهزم الجبن بالشجاعة».

شابات يرفعن لافتات لدعم الديمقراطية والعدالة خلال تجمع مالتبه لدعم إمام أوغلو (حزب الشعب الجمهوري - إكس)
شابات يرفعن لافتات لدعم الديمقراطية والعدالة خلال تجمع مالتبه لدعم إمام أوغلو (حزب الشعب الجمهوري - إكس)

تواصل الاعتقالات

وأثار توقيف إمام أوغلو في 19 مارس (آذار) موجة احتجاجات غير مسبوقة في أنحاء البلاد، لم تشهد لها تركيا مثيلاً منذ احتجاجات «غيزي بارك» على حكم الرئيس رجب طيب إردوغان في 2013، مع خروج عشرات آلاف المتظاهرين أمام مبنى بلدية إسطنبول في شاراتشهانه مساء كل يوم حتى الثلاثاء الماضي، عندما أعلن حزب «الشعب الجمهوري» التوقف عن الدعوة إلى التجمع أمام مقر البلدية، بعدما اطمأن لعدم تعيين وصي عليها من جانب الحكومة.

ورغم توقف التجمعات أمام البلدية، لم تتوقف المسيرات التي يشارك فيها الآلاف في شوارع المدن المختلفة. كما حاول الشباب، وطلاب الجامعات بصورة خاصة، مواصلة التعبئة. لكن ووجهت محاولاتهم بقمع من الشرطة، واعتقالات لمئات المتظاهرين والصحافيين والمحامين في منازلهم عند الفجر.

وأعلنت وزارة الداخلية التركية عن حصيلة اعتقالات بلغت 1479 متظاهراً، خلال أسبوع من المظاهرات الاحتجاجية على اعتقال إمام أوغلو في أنحاء تركيا. وفي إسطنبول وحدها، تم اعتقال 511 طالباً جامعياً حتى مساء الجمعة الماضي، أودع 275 منهم السجن، بحسب مصادر حقوقية.

أفراد شرطة في زي مدني أثناء القبض على أحد الشباب المشاركين في الاحتجاجات على اعتقال إمام أوغلو (د.ب.أ)
أفراد شرطة في زي مدني أثناء القبض على أحد الشباب المشاركين في الاحتجاجات على اعتقال إمام أوغلو (د.ب.أ)

وشملت الاعتقالات كثيراً من الصحافيين، منهم 10 أفرج عنهم الخميس، لكن في المقابل، تم اعتقال صحافيتين تركيتين شاركتا في متابعة الاحتجاجات، كما أوقف الصحافي السويدي، يواكيم ميدين، الجمعة، بعد اعتقاله يوم الاثنين الماضي، لدى نزوله من الطائرة وأودع أحد سجون إسطنبول بتهمتي (إهانة الرئيس)، والانضمام إلى «منظمة إرهابية مسلحة».

كما طردت السلطات التركية، الخميس، مراسل هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، مارك لوين، الذي جاء لتغطية الاحتجاجات في البلاد، واتهمته بـ«تهديد النظام العام».

واحتجز محامي إمام أوغلو، محمد بهلوان، ليل الخميس، وأطلق سراحه الجمعة، مع إخضاعه للرقابة القضائية ومنعه من السفر، لاتهامه بالضلوع في جرائم غسل أموال.