رونين بار (59 عاماً)، الذي سينتهي عمله الشهر المقبل، بقرار من حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، سيُسجل كأول رئيس لجهاز الأمن الداخلي (الشاباك) يُقال من منصبه، وثاني رئيس للشاباك يترك منصبه قبل نهاية مدته، بعدما سبقه إلى ذلك كرمي غيلون، الذي استقال سنة 1996 بعد اغتيال رئيس الوزراء إسحق رابين.
وعلى الرغم أن نتنياهو كان معجباً به في الماضي، فقد تغيَّر رأيه، حتى إنه سعى جاهداً لدفعه إلى الاستقالة، وعندما فشل في ذلك قرر إقالته.
وكانت مشكلة بار ولعنته التي ستظل تلاحقه... غزة.
فقد برز في شبابه مقاتلاً شرساً ضد غزة وقت الانتفاضة الأولى سنة 1987. كان وقتها ضابطاً في وحدة رئاسة أركان القوات الخاصة (الكوماندوز)، التي تعدّ وحدة النخبة المختارة.
ورغم خدمته القصيرة في بداية الانتفاضة، وكونه أحد ضباط جيش الاحتياط، اعتبره قادته ضابطاً واعداً، شديد البأس، ماهراً في الخدع الحربية، ومنحوه وسام الشجاعة وحاولوا ضمه إلى الجيش النظامي. إلا أنه رفض لأنه كان يطمح للعمل المستقل.
وعندما أنهى خدمته عام 1988، فتح مقهى في تل أبيب اختار له اسم «مقهى بغداد». ولكي يُرضي قادته، واصل التطوع للخدمة الاحتياطية بشكل منتظم، واستُدعي للمشاركة في عمليات نوعية في أوقات إضافية؛ لأنهم رأوا فيه مقاتلاً جسوراً لا يتردد في الإقدام والانقضاض مهما كانت المخاطر.
وعلى سبيل المثال، استُدعي سنة 1989 للمشاركة في عملية خطف الشيخ عبد الكريم عبيد، القيادي في جماعة «حزب الله» اللبنانية.
وفي سنة 1993، استُدعي للعمل في «الشاباك»، وبقي في هذا الجهاز طيلة 32 عاماً، باستثناء سنة أُرسل فيها لخدمة الموساد. وهنا أيضاً كانت له قصص عدة في تنفيذ عمليات في قطاع غزة، إضافة إلى لبنان والضفة الغربية.
ومن أبرز العمليات التي رفعت أسهمه، تمكنه من تدبير عملية اغتيال أحمد الجعبري، نائب قائد كتائب «عز الدين القسام»، الجناح العسكري لحركة «حماس»، سنة 2012 في شمال غزة. وقد قرَّبته هذه العملية من نتنياهو، الذي قلَّده وسام الشجاعة مرة أخرى.
ومن هنا، راح يتدرج في عدة مناصب، حتى عُيّن نائباً لرئيس «الشاباك» سنة 2018.

وفي سنة 2021، عيَّنته حكومة نفتالي بنيت رئيساً لجهاز «الشاباك». وخلال خدمته تلك كان يُعرف بالضابط «ر»؛ لأن الجهاز سري والإعلان عن هويات قادته محظور.
لكن، وقبل أن يتولى رئاسة «الشاباك»، حصلت له حادثة محرجة. فقد نشر نشطاء فلسطينيون اسمه وصورته على ملصق في الشبكات الاجتماعية، تحت عنوان «مطلوب».
فريسة لتضليل استخباري
عُرف رونين بار كأحد الضباط الصقور في جميع الأجهزة الأمنية التي خدم فيها، واتخذ مواقف متطرفة ضد الفلسطينيين، وبسبب توصياته شددت الحكومة من قبضتها عليهم في الحصار على قطاع غزة وفي الضفة الغربية.
وعلى الرغم من وقوعه فريسة للتضليل الاستخباري الكبير الذي حاكته «حماس»، عندما اقتنع بأن هذه الحركة باتت مرتدعة وقررت التخلي عن الحرب والسلاح، فقد أوصى نتنياهو باغتيال يحيى السنوار وغيره من قادة «حماس» قبل الحرب الأخيرة على غزة.
وخلال الحرب، ساهم في وضع خطط الحرب الشعواء على غزة وتحديد النقاط المستهدفة، بما في ذلك المستشفيات والجامعات والمدارس والأحياء السكنية. وهو الذي أوصى قبل عدة شهور بالتصعيد في الضفة الغربية.
لكن كل هذا لم يشفع له لدى اليمين الحاكم الذي سجَّل له مواقف يعتبرها خطاً أحمر قد تخطاه وتجاوزه. فغضب اليمين منه لأنه حذر نتنياهو رسمياً من أن «خطة الانقلاب» التي جلبها على منظومة الحكم والجهاز القضائي تمس بأمن إسرائيل؛ لأن «العدو يفهم منها أن إسرائيل ضعيفة وممزقة وهذا وقت محاربتها».
كما غضب أنصار اليمين منه عندما حذر من اعتداءات المستوطنين اليهود المتطرفين على الجيش الإسرائيلي من جهة، وعلى الفلسطينيين من جهة ثانية.
وعند هجوم «حماس» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تحول الغضب إلى حرب على بار وبقية قادة الأجهزة الأمنية، لأن نتنياهو أراد أن يفلت من مسؤولية الإخفاق بإلقاء مسؤوليتها كاملة على عاتق الجيش والمخابرات.
ينتمي بار لعائلة أشكنازية، ولد في مدينة رحوفوت التي تضم كثيراً من اليهود العراقيين، وهو متزوج من مديرة في شركة اتصالات، ولهما ثلاثة أبناء.
يحمل شهادة من جامعة تل أبيب في العلوم السياسية والفلسفة، وثانية من جامعة هارفارد الأميركية في الإدارة الجماهيرية. يتكلم اللغة العربية بإتقان، إضافة إلى الإنجليزية والعبرية.
وتعدّ إقالته خطوة راديكالية من نتنياهو في معركته ضد الدولة العميقة، وهي تثير عاصفة من النقد في الشارع الإسرائيلي، وهناك من يعدّها طعنة في الظهر لجهاز المخابرات في خضم الحرب.
لكن اليمين يرى فيها قراراً قوياً يجعل نتنياهو مثل الرئيس الأميركي دونالد ترمب... شخصية صارمة لا يهاب الجنرالات.