رئيس «الشاباك»... غزة صعَّدته في شبابه وأسقطته في عز مجده

تاريخه مليء بالعمليات الحربية الشرسة ضد الفلسطينيين لكن هذا لا يشفع له عند اليمين الإسرائيلي

صورة أرشيفية لرئيس الشاباك رونين بار خلال فعالية بالقدس في مايو 2024 (أ.ف.ب)
صورة أرشيفية لرئيس الشاباك رونين بار خلال فعالية بالقدس في مايو 2024 (أ.ف.ب)
TT
20

رئيس «الشاباك»... غزة صعَّدته في شبابه وأسقطته في عز مجده

صورة أرشيفية لرئيس الشاباك رونين بار خلال فعالية بالقدس في مايو 2024 (أ.ف.ب)
صورة أرشيفية لرئيس الشاباك رونين بار خلال فعالية بالقدس في مايو 2024 (أ.ف.ب)

رونين بار (59 عاماً)، الذي سينتهي عمله الشهر المقبل، بقرار من حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، سيُسجل كأول رئيس لجهاز الأمن الداخلي (الشاباك) يُقال من منصبه، وثاني رئيس للشاباك يترك منصبه قبل نهاية مدته، بعدما سبقه إلى ذلك كرمي غيلون، الذي استقال سنة 1996 بعد اغتيال رئيس الوزراء إسحق رابين.

وعلى الرغم أن نتنياهو كان معجباً به في الماضي، فقد تغيَّر رأيه، حتى إنه سعى جاهداً لدفعه إلى الاستقالة، وعندما فشل في ذلك قرر إقالته.

وكانت مشكلة بار ولعنته التي ستظل تلاحقه... غزة.

فقد برز في شبابه مقاتلاً شرساً ضد غزة وقت الانتفاضة الأولى سنة 1987. كان وقتها ضابطاً في وحدة رئاسة أركان القوات الخاصة (الكوماندوز)، التي تعدّ وحدة النخبة المختارة.

ورغم خدمته القصيرة في بداية الانتفاضة، وكونه أحد ضباط جيش الاحتياط، اعتبره قادته ضابطاً واعداً، شديد البأس، ماهراً في الخدع الحربية، ومنحوه وسام الشجاعة وحاولوا ضمه إلى الجيش النظامي. إلا أنه رفض لأنه كان يطمح للعمل المستقل.

وعندما أنهى خدمته عام 1988، فتح مقهى في تل أبيب اختار له اسم «مقهى بغداد». ولكي يُرضي قادته، واصل التطوع للخدمة الاحتياطية بشكل منتظم، واستُدعي للمشاركة في عمليات نوعية في أوقات إضافية؛ لأنهم رأوا فيه مقاتلاً جسوراً لا يتردد في الإقدام والانقضاض مهما كانت المخاطر.

وعلى سبيل المثال، استُدعي سنة 1989 للمشاركة في عملية خطف الشيخ عبد الكريم عبيد، القيادي في جماعة «حزب الله» اللبنانية.

وفي سنة 1993، استُدعي للعمل في «الشاباك»، وبقي في هذا الجهاز طيلة 32 عاماً، باستثناء سنة أُرسل فيها لخدمة الموساد. وهنا أيضاً كانت له قصص عدة في تنفيذ عمليات في قطاع غزة، إضافة إلى لبنان والضفة الغربية.

ومن أبرز العمليات التي رفعت أسهمه، تمكنه من تدبير عملية اغتيال أحمد الجعبري، نائب قائد كتائب «عز الدين القسام»، الجناح العسكري لحركة «حماس»، سنة 2012 في شمال غزة. وقد قرَّبته هذه العملية من نتنياهو، الذي قلَّده وسام الشجاعة مرة أخرى.

ومن هنا، راح يتدرج في عدة مناصب، حتى عُيّن نائباً لرئيس «الشاباك» سنة 2018.

مظاهرات أمام مقر رئيس وزراء إسرائيل للمطالبة بإنهاء الحرب في غزة واستعادة الرهائن (أ.ف.ب)
مظاهرات أمام مقر رئيس وزراء إسرائيل للمطالبة بإنهاء الحرب في غزة واستعادة الرهائن (أ.ف.ب)

وفي سنة 2021، عيَّنته حكومة نفتالي بنيت رئيساً لجهاز «الشاباك». وخلال خدمته تلك كان يُعرف بالضابط «ر»؛ لأن الجهاز سري والإعلان عن هويات قادته محظور.

لكن، وقبل أن يتولى رئاسة «الشاباك»، حصلت له حادثة محرجة. فقد نشر نشطاء فلسطينيون اسمه وصورته على ملصق في الشبكات الاجتماعية، تحت عنوان «مطلوب».

فريسة لتضليل استخباري

عُرف رونين بار كأحد الضباط الصقور في جميع الأجهزة الأمنية التي خدم فيها، واتخذ مواقف متطرفة ضد الفلسطينيين، وبسبب توصياته شددت الحكومة من قبضتها عليهم في الحصار على قطاع غزة وفي الضفة الغربية.

وعلى الرغم من وقوعه فريسة للتضليل الاستخباري الكبير الذي حاكته «حماس»، عندما اقتنع بأن هذه الحركة باتت مرتدعة وقررت التخلي عن الحرب والسلاح، فقد أوصى نتنياهو باغتيال يحيى السنوار وغيره من قادة «حماس» قبل الحرب الأخيرة على غزة.

وخلال الحرب، ساهم في وضع خطط الحرب الشعواء على غزة وتحديد النقاط المستهدفة، بما في ذلك المستشفيات والجامعات والمدارس والأحياء السكنية. وهو الذي أوصى قبل عدة شهور بالتصعيد في الضفة الغربية.

لكن كل هذا لم يشفع له لدى اليمين الحاكم الذي سجَّل له مواقف يعتبرها خطاً أحمر قد تخطاه وتجاوزه. فغضب اليمين منه لأنه حذر نتنياهو رسمياً من أن «خطة الانقلاب» التي جلبها على منظومة الحكم والجهاز القضائي تمس بأمن إسرائيل؛ لأن «العدو يفهم منها أن إسرائيل ضعيفة وممزقة وهذا وقت محاربتها».

كما غضب أنصار اليمين منه عندما حذر من اعتداءات المستوطنين اليهود المتطرفين على الجيش الإسرائيلي من جهة، وعلى الفلسطينيين من جهة ثانية.

وعند هجوم «حماس» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تحول الغضب إلى حرب على بار وبقية قادة الأجهزة الأمنية، لأن نتنياهو أراد أن يفلت من مسؤولية الإخفاق بإلقاء مسؤوليتها كاملة على عاتق الجيش والمخابرات.

ينتمي بار لعائلة أشكنازية، ولد في مدينة رحوفوت التي تضم كثيراً من اليهود العراقيين، وهو متزوج من مديرة في شركة اتصالات، ولهما ثلاثة أبناء.

يحمل شهادة من جامعة تل أبيب في العلوم السياسية والفلسفة، وثانية من جامعة هارفارد الأميركية في الإدارة الجماهيرية. يتكلم اللغة العربية بإتقان، إضافة إلى الإنجليزية والعبرية.

وتعدّ إقالته خطوة راديكالية من نتنياهو في معركته ضد الدولة العميقة، وهي تثير عاصفة من النقد في الشارع الإسرائيلي، وهناك من يعدّها طعنة في الظهر لجهاز المخابرات في خضم الحرب.

لكن اليمين يرى فيها قراراً قوياً يجعل نتنياهو مثل الرئيس الأميركي دونالد ترمب... شخصية صارمة لا يهاب الجنرالات.


مقالات ذات صلة

السعودية تدين قصف إسرائيل بلدة كويا السورية

الخليج دخان القصف الإسرائيلي يتصاعد من بلدة كويا السورية (أ.ف.ب)

السعودية تدين قصف إسرائيل بلدة كويا السورية

أعربت السعودية عن إدانتها واستنكارها الشديدين قصف قوات الاحتلال الإسرائيلية بلدة كويا السورية، الذي أسفر عن مقتل وإصابة العشرات من الأبرياء.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أ.ب)

نتنياهو يعلن بدء إجراء مقابلات لاستبدال رئيس جهاز الأمن الداخلي

أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الثلاثاء، أنه سيبدأ غداً الأربعاء إجراء مقابلات لاستبدال رئيس جهاز الأمن الداخلي (الشاباك) رونين بار.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
الولايات المتحدة​ أرشيفية لحاكم ولاية آركنسو السابق مايك هاكابي خلال فعالية في بنسلفانيا (أ.ب)

هل يفتح تعيين مايك هاكابي سفيراً لإسرائيل فصلاً جديداً في الدبلوماسية الأميركية؟

شهدت جلسة تثبيت تعيين مايك هاكابي، مرشح الرئيس الأميركي لمنصب سفير لدى إسرائيل، الثلاثاء، كثيراً من الجدل والأسئلة حول الدور الذي سيؤديه حال تعيينه.

هبة القدسي (واشنطن)
شؤون إقليمية جنود إسرائيليون يقفون على دبابة على الجانب الإسرائيلي من الحدود مع غزة، 11 فبراير 2025 (رويترز)

الجيش الإسرائيلي يقدّر مقتل 150 مسلّحاً بعد تجدد العمليات العسكرية بغزة

قدّر الجيش الإسرائيلي أنه قتل أكثر من 150 عنصراً من «حماس» وأعضاء في جماعات مسلّحة أخرى منذ استئناف هجومه على قطاع غزة قبل أسبوع.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية وزير الدفاع الإسرائيلي كاتس مع رئيس الأركان زامير خلال حفل تعيين المدير العام لوزارة الدفاع في تل أبيب يوم الاثنين (د.ب.أ)

خلاف كاتس وزامير... صراع على «تسييس» الجيش الإسرائيلي

دخل رئيس الأركان الإسرائيلي الجديد، إيال زامير، أول مواجهة علنية مع وزير الدفاع يسرائيل كاتس، على نحو يعكس إلى حد بعيد الصراع الدائر من أجل السيطرة على الجيش.

كفاح زبون (رام الله)

«الحرس الثوري» يكشف عن ترسانة صاروخية جديدة وسط التوتر مع واشنطن

رئيس الأركان محمد باقري وقائد الوحدة الصاروخية في «الحرس الثوري» أمير علي حاجي زاده خلال الكشف عن ترسانة باليستية  (التلفزيون الرسمي)
رئيس الأركان محمد باقري وقائد الوحدة الصاروخية في «الحرس الثوري» أمير علي حاجي زاده خلال الكشف عن ترسانة باليستية (التلفزيون الرسمي)
TT
20

«الحرس الثوري» يكشف عن ترسانة صاروخية جديدة وسط التوتر مع واشنطن

رئيس الأركان محمد باقري وقائد الوحدة الصاروخية في «الحرس الثوري» أمير علي حاجي زاده خلال الكشف عن ترسانة باليستية  (التلفزيون الرسمي)
رئيس الأركان محمد باقري وقائد الوحدة الصاروخية في «الحرس الثوري» أمير علي حاجي زاده خلال الكشف عن ترسانة باليستية (التلفزيون الرسمي)

كشف «الحرس الثوري» الإيراني عن ترسانة «صواريخ باليستية» جديدة تحت الأرض، وسط تصاعد التوترات مع واشنطن، التي استأنفت استراتيجية «الضغوط القصوى» على طهران.

وتلقت طهران، هذا الشهر، رسالةً من الرئيس الأميركي دونالد ترمب، يُمهل فيها إيران شهرين لاتخاذ قرار بشأن الدخول في مفاوضات جديدة بشأن برنامجها النووي، أو مواجهة تحرُّك عسكري محتمل.

وبثَّ التلفزيون الرسمي لقطات لصواريخ باليستية محمولة على منصات متحركة، ورؤوس حربية في أنفاق تحت الأرض لم يحدِّد موقعها.

وظهر رئيس الأركان محمد باقري، وقائد الوحدة الصاروخية في «الحرس الثوري» أمير علي حاجي زاده، في مراسم تدشين المستودع الجديد للصواريخ الباليستية.

«الحرس الثوري» يكشف عن ترسانة صواريخ باليستية في موقع تحت الأرض (التلفزيون الرسمي)
«الحرس الثوري» يكشف عن ترسانة صواريخ باليستية في موقع تحت الأرض (التلفزيون الرسمي)

وأفاد التلفزيون الرسمي بـ«ترسانة من الصواريخ الباليستية، داخل إحدى مئات المدن الصاروخية»، بما في ذلك «خيبرشكن»، و«قاسم سليماني»، و«عماد»، و«سجيل»، و«قدر»، وصاروخ كروز «باوه».

وقال باقري إن «جميع الأبعاد اللازمة لخلق قدرة تفوق (وعد الصادق) بعشرات المرات قيد التنفيذ، وقد تمَّ بالفعل تحقيق جزء مهم منها».

وكان باقري يشير إلى تبادل إيران وإسرائيل ضربات مباشرة في أبريل (نيسان) وأكتوبر (تشرين الأول) دون أن تؤدي إلى وقوع البلدين في حرب.

واستهدفت إسرائيل في 26 أكتوبر الماضي منشآت حساسة لإنتاج الصواريخ ووقودها، فضلاً عن منظومات رادار مكلَّفَة بحماية المنشآت النووية، ولكن إيران نفت التقارير الإسرائيلية والغربية بتأثر برنامجها للصواريخ الباليستية.

وقال باقري: «بعد نجاح عمليتَي (وعد الصادق 1 و2)، نعلم تماماً أين تكمن نقاط ضعف العدو، وسنعمل على تلك النقاط بشكل أكبر. قبضتنا الحديدية أصبحت أقوى بكثير».

وقال باقري: «سرعتنا في نمو قدرتنا الصاروخية أعلى بكثير من سرعة العدو في ترميم نقاط ضعفه، وفي هذا التوازن القوي، سيبقى العدو متأخراً دون شك».

وأضاف: «تواصل القوات المسلحة مسيرة التطوير والتعزيز لقدراتها بكل جدية وحزم».

وبدوره، قال حاجي زاده: «لو بدأنا اليوم وكشفنا كل أسبوع عن مدينة صاروخية فإنها لا تنتهي بعد عامين».

ولوَّح حاجي زاده، الشهر الماضي، بإطلاق ما بين 500 و1000 صاروخ ومُسيَّرة على إسرائيل، بدلاً من 150 إلى 200 صاروخ ومُسيَّرة أطلقتها طهران.

وتصاعدت الحرب الكلامية بين إيران وإسرائيل، بعد تهديدات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بضرب المنشآت النووية الإيرانية، بدعم من واشنطن.

وأجرى الجيش الإسرائيلي، الشهر الماضي، تدريبات تحاكي ضربةً للمنشآت النووية الإيرانية، وذلك بالتزامن مع طلعات جوية لقاذفات «بي 52» الأميركية، مع مقاتلات إسرائيلية تدرَّبت على التزوُّد بالوقود جواً.

وحذَّرت أجهزة الاستخبارات الأميركية، الشهر الماضي، من أن إسرائيل تدرس تنفيذ ضربات كبيرة ضد المنشآت النووية الإيرانية، خلال النصف الأول من العام الحالي، مستغلّةً حالة الضعف التي تمرُّ بها إيران.

«الحرس الثوري» يكشف عن ترسانة صواريخ باليستية في موقع تحت الأرض (التلفزيون الرسمي)
«الحرس الثوري» يكشف عن ترسانة صواريخ باليستية في موقع تحت الأرض (التلفزيون الرسمي)

وأثار الرئيس الأميركي دونالد ترمب، مرات عدة احتمال قيام إسرائيل بقصف إيران، لكنه ترك الباب مفتوحاً أمام إبرام صفقة مع إيران تمنعها من تطوير سلاح نووي.

وتجد طهران نفسها أمام خيار التفاوض مع ترمب، وسط انتكاساتٍ لنفوذها الإقليمي، وسخط داخليّ متزايد بسبب الاقتصاد.

ويرى ترمب أن تراجع القوة العسكرية الإيرانية جعلها في موقع دفاعي ضعيف؛ ما يزيد من احتمال لجوئها إلى طاولة المفاوضات، بدلاً من التصعيد العسكري.

وأكد مستشار الأمن القومي الأميركي مايك والتز، الأحد، أن واشنطن تسعى إلى تفكيك البرنامج النووي الإيراني بالكامل، مضيفاً أن «جميع الخيارات مطروحة على الطاولة، وحان الوقت لإيران للتخلي تماماً عن طموحاتها النووية بطريقة يراها العالم أجمع».