التقدم الكبير في المفاوضات لا يزيل الشكوك حول نيات نتنياهو الحقيقية

الدفعة الأولى: إطلاق 33 محتجزاً إسرائيلياً مقابل 3 آلاف فلسطيني بينهم نحو 200 أسير «ثقيل»

TT

التقدم الكبير في المفاوضات لا يزيل الشكوك حول نيات نتنياهو الحقيقية

يهودي متشدد يسير بالقدس قرب رسم غرافيتي لبعض الأسرى لدى «حماس» الاثنين (أ.ب)
يهودي متشدد يسير بالقدس قرب رسم غرافيتي لبعض الأسرى لدى «حماس» الاثنين (أ.ب)

على الرغم من ان مصادر سياسية كثيرة في تل أبيب تؤكد أن هذه المرة يوجد أساس متين للتفاؤل بقرب إبرام صفقة تُوقِف إطلاق النار في قطاع غزة، وتحقق تبادل أسرى بين إسرائيل والفلسطينيين، ووسط حديث عن تفاصيل الاتفاق الذي جرى التوصل إليه في الدوحة، يشكك كثيرون في نيات رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو الحقيقية، ولا يستبعدون أن يُقْدم على خطوات تجهض الصفقة مرة أخرى، كما فعل في كثير من المرات السابقة.

لكن مصادر كثيرة في تل أبيب تؤكد أن ما يعوق إتمام الصفقة في الحكومة الإسرائيلية يمكن التغلب عليه، رغم الخطاب العدائي الرافض للصفقة. وإذا كان اليمين المتطرف يدير اليوم حملة ضد الصفقة، فإن نتنياهو قادر على التغلب عليها، بل إنه يستفيد من هذا الرفض ليظهر للرئيس الأميركي، دونالد ترمب، قدراته القيادية في التغلب على الصعاب.

رجل يتابع من جنوب لبنان دخاناً يتصاعد من قطاع غزة جراء قصف إسرائيلي الاثنين (أ.ب)

وكان نتنياهو قد اجتمع بالوزيرين المتطرفين في حكومته، بتسلئيل سموترتش وإيتمار بن غفير، واتفق معهما على حدود معارضتهما، بحيث لا تتجاوز مسألة التهديد بسقوط الحكومة.

وقد خرج سموتريتش بمنشور في الشبكات الاجتماعية يهاجم فيها الصفقة بدعوى أنها لا تشمل إطلاق سراح كل المحتجزين الإسرائيليين لدى «حماس»، وأنها تتيح وقف الحرب قبل تصفية «حماس»، لكنه كان حريصاً على القول إنه سيصوِّت ضدها في الحكومة، ولم يهدد بالانسحاب. ويتوقع أن يكون بن غفير أشد حدة في مهاجمة الصفقة، لكنه هو أيضاً لن ينسحب من الحكومة، علماً بأنه حتى لو انسحب فإنها لن تسقط، إذ ستبقى بأكثرية 62 نائباً.

وهناك 10 نواب في الكنيست (البرلمان)، نصفهم من حزب نتنياهو (الليكود)، توجهوا إليه برسالة يطالبونه فيها بالامتناع عن تمرير الصفقة بشكلها الحالي. لكن هؤلاء يطالبون بمواصلة التفاوض على صفقة شاملة، ولا يعترضون على المبدأ، ثم إنهم لا يهددون الحكومة؛ لأن الصفقة لن تُطْرَح على الكنيست، وسيتم إقرارها فقط في الحكومة، وهناك توجد أكثرية مضمونة لنتنياهو في تأييدها. وبالإضافة إلى ذلك، حتى لو قرر نتنياهو اللجوء إلى الكنيست لإقرار الصفقة، فإنه سيحظى بأكثرية ساحقة؛ لأن معظم نواب المعارضة وعدوا بمنح نتنياهو شبكة أمان بالتصويت معها. وقد أطلق رؤساء 4 أحزاب تصريحات، الاثنين، بهذه الروح، هم: يائير لبيد، رئيس المعارضة وله 24 نائباً، وبيني غانتس، رئيس حزب «المعسكر الرسمي» وله 8 نواب، ومنصور عباس، رئيس «القائمة العربية الموحدة للحركة الإسلامية» وله 5 مقاعد، ويائير غولان، رئيس «حزب الديمقراطيين» وله 4 مقاعد.

وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش المعارض بشدة لاتفاق غزة (رويترز)

وتؤكد المصادر الإسرائيلية أن الانعطاف في موقف نتنياهو لصالح الصفقة يعود أولاً وقبل أي شيء إلى دخول الرئيس ترمب، على الصورة بكل قوته. وهو لم يعد الصفقة لوقف النار وتحرير الأسرى جزءاً من صفقة أكبر يطمح إليها، لفتح آفاق سياسية في الشرق الأوسط كله.

وبحسب صحيفة «يديعوت أحرونوت»، فإن ترمب يرمي إلى وقف الحروب في الشرق الأوسط وأوكرانيا، ولديه طموح جدي للحصول على جائزة نوبل للسلام. وأكدت المصادر أن ترمب ينوي منح «رزمة هدايا» لليمين الإسرائيلي، مقابل عدم إجهاض الصفقة، وذلك بالسماح له ببناء كمية غير عادية من الوحدات السكنية في المستوطنات، وإلغاء العقوبات التي فرضتها إدارة الرئيس جو بايدن على قادة المستوطنين المتطرفين.

وفي هذا السياق، نقلت «القناة 12» الإسرائيلية، عن مسؤول رفيع في تل أبيب قوله إن ترمب لا يريد الانشغال في بداية ولايته بحروب جديدة أو بتعميق حروب قديمة في الشرق الأوسط، وإن مبعوثه، ستيف ويتكوف، الذي وصل إلى إسرائيل، السبت، التقى نتنياهو بهدف دفع صفقة تبادل أسرى، وفي أعقاب ذلك تقرر إيفاد رئيسي «الموساد» و«الشاباك» إلى الدوحة، أوضح أنه «في اليومين الأخيرين بدأ ترمب يتدخل في قضية تبادل الأسرى بشكل شخصي»، وأنه «مَعْنِيّ بالتوصل إلى اتفاق قبل بدء ولايته، في الـ20 من الشهر الحالي، بشكل قاطع». وقال ويتكوف في مقابلة للقناة نفسها حول ضلوع ترمب في صفقة تبادل الأسرى، إن «هذه المهمة الأكثر أهمية بالنسبة للرئيس ترمب. وقد أوعز الرئيس لي بشكل شخصي أن أمارس الحد الأقصى من الضغط من أجل دفع الصفقة».

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أرشيفية - أ.ب)

أضاف ويتكوف أن «الرئيس يفضل حلاً دبلوماسياً، لكن إذا لم يحدث هذا الأمر، مثلما كان الرئيس قد أعلن، فستكون لذلك عواقب وخيمة». وبحسب مصدر آخر، قال ويتكوف إن ترمب سيقف إلى جانب إسرائيل بقوة في حال أجهضت «حماس» الصفقة، وسيؤيد العودة إلى القتال.

أما فيما يتعلق بمضمون الصفقة، فقد كشفت مصادر في السلطة الفلسطينية في رام الله، أن رئيس الهيئة العامة للأسرى، قدورة فارس، سافر إلى الدوحة وذلك بوصفه المسؤول عن هذا الملف في الحكومة الفلسطينية، ودوره سيتركز على اختيار أسماء الأسرى الفلسطينيين الذين سيتم إطلاق سراحهم في هذه الصفقة. وبحسب تصريحات له فإن الدفعة الأولى للصفقة ستفضي إلى إطلاق سراح 33 محتجزاً إسرائيلياً مقابل نحو 3 آلاف أسير، بينهم جميع الأطفال والنساء والمرضى المزمنين، وبينهم أيضاً 150 – 200 أسير «ثقيل»، أي ممن يمضون حكماً بالسجن المؤبد.

وأفاد مسؤول مطّلع على المفاوضات في الدوحة، الإثنين، بأن قطر سلمت إسرائيل و«حماس» «مُسَوَّدة نهائية» لوقف إطلاق النار، وإطلاق سراح الأسرى بهدف إنهاء الحرب في غزة. وأضاف أن انفراجة تحققت في الدوحة، بعد منتصف الليل، بعد محادثات بين رؤساء أجهزة المخابرات الإسرائيلية وبين ويتكوف، ورئيس الوزراء القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، حسبما نقلت وكالة «رويترز» عنه.

وحسب «القناة 12»، فإنه ليس مؤكداً التوصل إلى صفقة منتهية وموقَّعة، وإنما ربما يتم التوصل إلى مذكرة تفاهمات أو مبادئ تلتزم بها إسرائيل و«حماس» «وقد تشكل إنجازاً مع دخول ترمب إلى البيت الأبيض».

وعلى الرغم من هذه الأجواء المتفائلة فإن عائلات المحتجزين الإسرائيليين رفضت بناء آمال عليها وقال ناطق بلسانها، «إن تجاربنا المُرة لا تزيل الشكوك في إجهاض الصفقة في لحظة، ولذلك لن نصدق حقيقة الصفقة إلا إذا رأينا أولادنا في أحضاننا».


مقالات ذات صلة

«تفاهمات» استكمال «هدنة غزة»... هل تصمد أمام «مناورات» نتنياهو؟

تحليل إخباري فلسطينيون يسيرون وسط الدمار في بيت حانون شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)

«تفاهمات» استكمال «هدنة غزة»... هل تصمد أمام «مناورات» نتنياهو؟

جهود مصرية - قطرية مكثفة أسفرت عن «حل مؤقت» لأزمة عدم تسليم الرهائن، السبت المقبل، بإعلان التزام «حماس» وإسرائيل باستكمال الهدنة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خلال مؤتمر صحافي بإندونيسيا 12 فبراير 2025 (أ.ف.ب) play-circle

إردوغان: خطة ترمب بشأن غزة تهديد كبير للسلام العالمي

قال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، اليوم الخميس، إن خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لتهجير الفلسطينيين من غزة تشكل تهديداً كبيراً للسلام العالمي.

«الشرق الأوسط» (أنقرة)
المشرق العربي قطاع غزة (إ.ب.أ)

الجيش الإسرائيلي يقول إنه استهدف قاذفة صواريخ في غزة

قال الجيش الإسرائيلي، الخميس، إنه رصد إطلاق صاروخ بقطاع غزة، مضيفاً أن الصاروخ سقط داخل القطاع. ولم يذكر الجيش مزيداً من التفاصيل، على الفور.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي فتى فلسطيني يحمل وعاءً فوق رأسه يوم الخميس بمنطقة المغراقة وسط قطاع غزة (أ.ف.ب) play-circle 00:42

ابتعاد الحرب يُفرح الغزيين... لكن شبح التهجير مُقلق

أشاع إعلان اتفاق بإلزام إسرائيل بإدخالها مساعدات إنسانية مقابل إتمام تبادل الأسرى مع «حماس» فرحاً بين سكان غزة، لكنه لم يُبدِّد القلقَ من سيناريو التهجير.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شمال افريقيا وزير الخارجية المصري خلال لقائه نظيره الأميركي في واشنطن قبل يومين (الخارجية المصرية)

«أزمة» في العلاقات المصرية - الأميركية... تكتمها السياسة ويبوح بها الإعلام

رغم خلو البيانات الرسمية المصرية والأميركية مما يشير إلى «أزمة»، برزت خلال الأيام الماضية إشارات إعلامية و«سوشيالية» إلى «أزمة» مصحوبة بدعوات «للاصطفاف».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

إيران تلوّح بزيادة منشآتها النووية إذا تعرضت لهجوم إسرائيلي

 الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان يتحدث خلال مراسم افتتاح المرحلة الثانية من محطة بوشهر النووية أمس (الرئاسة الإيرانية)
الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان يتحدث خلال مراسم افتتاح المرحلة الثانية من محطة بوشهر النووية أمس (الرئاسة الإيرانية)
TT

إيران تلوّح بزيادة منشآتها النووية إذا تعرضت لهجوم إسرائيلي

 الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان يتحدث خلال مراسم افتتاح المرحلة الثانية من محطة بوشهر النووية أمس (الرئاسة الإيرانية)
الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان يتحدث خلال مراسم افتتاح المرحلة الثانية من محطة بوشهر النووية أمس (الرئاسة الإيرانية)

لوّحت طهران ببناء منشآت نووية جديدة إذا تعرضت لهجوم إسرائيلي، وذلك بعد تقارير استخباراتية أميركية بشأن احتمال تعرض المواقع النووية الإيرانية إلى هجوم إسرائيلي خلال أشهر، مستغلةً تراجع نفوذ إيران.

وقال الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان من محطة بوشهر النووية جنوب البلاد: «يهددوننا بقصف المنشآت النووية... إذا قصفتم مائة سنبني ألفاً غيرها... يمكنكم قصف المباني والمواقع لكنكم لا تستطيعون قصف مَن يبنونها».

وأضاف: «إذا دمرتم مائة (منشأة نووية)، فإن أبناءنا سيبنون ألفاً».

وأفادت صحف أميركية نقلاً عن أجهزة الاستخبارات في الولايات المتحدة، بأن إسرائيل «ستحاول على الأرجح توجيه ضربة إلى منشأتَي فوردو ونطنز الرئيسيتين لتخصيب اليورانيوم في المنتصف الأول من عام 2025».

وأشارت إلى «خيارين محتملين للضربة، يتضمن كل منهما توفير الولايات المتحدة الدعم في شكل تزويد بالوقود جواً، فضلاً عن المعلومات الاستخبارية والمراقبة والاستطلاع». ووفقاً للتقييمات الاستخباراتية، فإن الهجوم قد يعرقل البرنامج النووي الإيراني مؤقتاً، لكنه قد يؤدي إلى تصعيد التوترات الإقليمية بشكل كبير.