التقى وفد من حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب»، المؤيد للأكراد في تركيا، زعيم حزب العمال الكردستاني السجين عبد الله أوجلان للمرة الأولى منذ أكثر من 10 سنوات، في مستهل عملية جديدة تهدف للتوصل إلى حل سياسي للمشكلة الكردية والتخلي عن العمل المسلح.
في الوقت ذاته، عقد حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة التركية، تجمعاً حاشداً في العاصمة أنقرة للمطالبة باستقالة الرئيس رجب طيب إردوغان وحكومته والتوجه إلى انتخابات مبكرة بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية في البلاد.
لقاء مع أوجلان
والتقى النائبان من حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب»، سري ثريا أوندر نائب إسطنبول، وبروين بولدان نائبة وان (شرق تركيا)، أوجلان، السبت، في سجن إيمرالي شديد الحراسة، الواقع في جزيرة إيمرالي في بحر مرمرة التي تتبع ولاية بورصة، ويبعد مسافة 55 كيلومتراً عن مدينة إسطنبول في غرب تركيا.
وتم نقل النائبين، اللذين سبق لهما عقد لقاءات مماثلة والمشاركة في مفاوضات السلام الداخلي للحل الكردي في 2013، إلى سجن إيمرالي من مرسى للسفن في إسطنبول رفقة حراس أمن، إذ لا يمكن الوصول إلى السجن إلا عن طريق البحر بسبب حظر الطيران فوق جزيرة إيمرالي والصيد قرب سواحلها.
وقال وزير العدل التركي، يلماظ تونتش، الجمعة، إن وزارة العدل وافقت على طلب حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب، المقدم قبل شهر للقاء أوجلان، وأعلن الحزب أن سوء الأحوال الجوية عطل إتمام الزيارة.
مبادرة جدلية
وليس من المعروف متى سيدلي النائبان بتصريحات حول لقائهما أوجلان وما دار فيه، إذ يعد هذا هو اللقاء الأول في إطار مبادرة اقترحها رئيس حزب الحركة القومية، دولت بهشلي، شريك حزب العدالة والتنمية الحاكم في «تحالف الشعب»، في 22 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي لإطلاق حوار مع أوجلان ودعوته للحديث بالبرلمان لإعلان حل الحزب، المصنف منظمة إرهابية، وإنهاء مشكلة الإرهاب في تركيا، مقابل النظر في إصلاحات قانونية تمهد لإطلاق سراحه. وتستند هذه المبادرة إلى ما يعرف بـ«الحق في الأمل»، الذي أقرته محكمة حقوق الإنسان الأوروبية، ويسمح بمنح الفرصة للمحكومين بالسجن المؤبد المشدد للعودة للانخراط في المجتمع، والذي يتطلب تطبيقه في تركيا تعديلات تشريعية.
وتنظر أوساط المعارضة، وكذلك المراقبون والمحللون في تركيا، إلى مبادرة بهشلي، الذي يعتبر حزب العمال الكردستاني «عدواً» للأمة التركية والذي لطالما اتهم الأحزاب السياسية الكردية بدعم الإرهاب، على أنها محاولة لفتح الطريق أمام حليفه إردوغان للترشح للرئاسة للمرة الرابعة بالمخالفة للدستور، اعتماداً على دعم نواب حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب» للتصويت على إجراء انتخابات مبكرة قبل موعدها المقرر في 2028.
زيارة عائلية
وتلقى أوجلان، في 23 أكتوبر الماضي، أول زيارة عائلية بعد 43 شهراً من العزلة، قام بها نجل شقيقه عمر أوجلان، نائب حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب» عن مدينة شانلي أورفا (جنوب شرقي تركيا)، بينما كان مسلحان، يعتقد أنهما من حزب العمال الكردستاني، في طريقهما لتنفيذ هجوم إرهابي على مقر شركة صناعات الطيران والفضاء التركية «توساش» بضواحي العاصمة أنقرة.
وصرح عمر أوجلان، عقب اللقاء، بأن عمّه «بصحة جيّدة»، وأنه وجّه رسالة جاء فيها أنه «إذا سمحت الظروف بذلك، فلديّ السلطة النظرية والعملية اللازمة لنقل هذه العملية من مسرح النزاع والعنف إلى القانون والسياسة».
وأضاف أن حزب العمال الكردستاني أدلى ببيان أكد فيه الوقوف وراء القرار الذي سيتخذه عبد الله أوجلان وما سيقوله حتى النهاية. وقال: «إذا أخذ إردوغان زمام المبادرة في حل هذه المشكلة ولعب دوره، فإن هذا البلد سوف يذهب إلى نقطة مختلفة تماماً، وسوف يصدر السلام إلى الشرق الأوسط ويصبح مركز السلام فيه».
واعتقل أوجلان في 15 فبراير (شباط) 1999 في نيروبي؛ إثر عملية لقوات الأمن التركية بمساعدة مصر وإيران، بعدما كانت تركيا وسوريا على وشك حرب بسبب إيواء أوجلان، وتم نقله إلى تركيا، حيث جرت محاكمته وصدر حكم بإعدامه، في 29 يونيو (حزيران) 1999. لكن الحكم لم ينفذ عندما ألغت تركيا عقوبة الإعدام عام 2004، وخفف إلى عقوبة السجن مدى الحياة، مع عدم إمكانية الإفراج المشروط عنه، في زنزانة في سجن إيمرالي في بحر مرمرة جنوب إسطنبول.
وأسس أوجلان (75 عاماً)، الذي يعدّه الأكراد «بطلاً»، حزب العمال الكردستاني عام 1984، وقاد تمرداً أودى بحياة عشرات آلاف الأشخاص في ظل سعيه إلى نيل الحكم الذاتي للأكراد في جنوب شرقي تركيا.
تجمع للمعارضة
من ناحية أخرى، شارك آلاف الأتراك في تجمع حاشد دعا إليه حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، تحت شعار: «المواطنون يرفعون صوتهم... سننتزع حقوقنا»، احتجاجاً على رفع الحكومة الحد الأدنى للأجور لعام 2025 بنسبة لا تفي بالاحتياجات في ظل التضخم المرتفع والمعاناة من ارتفاع الأسعار.
وطالب رئيس الحزب، أوزغور أوزال، في كلمة خلال التجمع الحاشد، إردوغان بالاستقالة وإجراء انتخابات مبكرة في البلاد، قائلاً: «إردوغان لا يستطيع النزول إلى الميدان للدفاع عن قرارات حكومته ولا يستطيع إيجاد حلول للمشاكل، هو في تركيا لكن كل اهتمامه بسوريا التي يحاول أن يصور للشعب أنه حقق انتصاراً فيها».