بعد سنوات من «المهادنة» التي اعتمدتها ألمانيا مع إيران، قد تكون هذه السياسة قد شارفت على الانتهاء، بعد إقدام طهران على إعدام المواطن الإيراني - الألماني جمشيد شارمهد، رغم ضغوط دبلوماسية مارستها برلين في السنوات الماضية.
ودفع تنفيذ الإعدام ألمانيا إلى إغلاق القنصليات الإيرانية في أراضيها، وهي خطوة وصفت بالـ«قاسية»، وهي نادراً ما تلجأ إليها برلين، حتى مع روسيا، التي لم تُغلق قنصلياتها إلا بعد عام من بداية الحرب في أوكرانيا.
«لائحة الإرهاب» الأوروبية
رغم رمزية هذه الخطوة الدبلوماسية، فإن ضررها ليس بحجم الخطوات الأوسع التي تخطط لها ألمانيا على مستوى الاتحاد الأوروبي.
ألمحت وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك لهذه الخطوات خلال إعلانها عن إغلاق القنصليات الإيرانية، وقالت، إنه «ليس خافياً» أنها تبحث عن سبل لإدراج «الحرس الثوري» الإيراني على لائحة الإرهاب الأوروبية.
وأشارت إلى أن «الأساس القانوني» لهذا الإدراج بات موجوداً، بالعودة إلى قرار محكمة دوسلدورف العليا.
ولم تعط بيربوك أي إشارات إلى الموعد المرجح لإدراج «الحرس الثوري» على لائحة الإرهاب، لكن النقاشات بدأت في بروكسل منذ أشهر بدفع ألماني ومن المتوقع أن تأخذ الآن نبضاً أسرع.
وحكم «دوسلدورف» الذي تحدثت عنه وزيرة الخارجية كان صدر عن المحكمة العليا هناك بحق مواطن ألماني إيراني يدعى باباك ج، على خلفية محاولته الاعتداء على كنيس يهودي في مدينة بوخوم في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022.
وحكمت محكمة دوسلدورف على باباك بالسجن لعامين و9 أشهر. وقال القاضي خلال قراءته الحكم، إن المتهم تصرف بناءً على توجيهات من السلطات الإيرانية، دون أن يحدد الجهة التي أعطته الأمر.
وتبين لاحقاً، أن القاضي أصدر حكمه بناءً على شهادة من المخابرات الألمانية التي قالت إن «باباك تصرف بتوجيهات من الإيراني الألماني رامين يكتابارست»، الذي ينتمي إلى «قوة القدس» التابعة لـ«الحرس الثوري» الإيراني.
لكن يكتابارست هرب إلى طهران قبيل اعتقاله بعد اتهامه بإعطاء الأمر لتنفيذ الهجوم على المعبد اليهودي.
سند قانوني ضد «الحرس الثوري»
وقبل صدور الحكم، كانت ألمانيا والاتحاد الأوروبي يتحججان بغياب السند القانوني لتصنيف «الحرس الثوري» على لائحة الإرهاب الأوروبية. ويقولان إنه «يتعين أن يكون قد صدر حكم داخل دولة تابعة للاتحاد الأوروبي تدين (الحرس الثوري) بالإرهاب».
ويبدو واضحاً الآن أن برلين باتت تعدّ السند القانوني موجوداً، رغم أنه ما زال غير واضح ما إذا كانت كل الدول الأوروبية ستفسر القرار بالشكل نفسه.
ويتعين على دول الاتحاد الأوروبي أن تأخذ قراراً بالإجماع للسماح بإدراج «الحرس الثوري» على لائحة الإرهاب.
ومنذ صدور الحكم، يبدو أن عدداً الدول المنتمية للاتحاد والمؤيدة للإدراج تتزايد. وبعد صدور قرار محكمة دوسلدورف، طلبت الخارجية الألمانية، بحسب ما نقلت صحيفة «تسودويتشه تزايتونغ» الألمانية، رأياً قانونياً ثانياً من الجهاز القانوني داخل المجلس الأوروبي.
وبحسب الصحيفة، فإن الخبراء أكدوا أنه «يمكن اعتماد الحكم الصادر عن محكمة دوسلدورف سنداً قانونياً كافياً لتصنيف (الحرس الثوري) إرهابياً».
بوريل هو «العقبة»
لكن حتى الآن، ينظر إلى مفوض الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل على أنه «عقبة رئيسية» أمام تصنيف «الحرس الثوري» إرهابياً.
ويرى بوريل أن تصنيفاً كهذا ستكون له تبعات سياسية خطيرة على العلاقات مع طهران، خصوصاً وأنه منسق المحادثات النووية بين إيران والدول الغربية.
ويرى بوريل أن السبيل الوحيد لدفع إيران للعودة إلى التزاماتها النووية، هو بالحفاظ على علاقات سياسية سليمة معها والإبقاء على باب الحوار مفتوحاً.
وفشلت المفاوضات النووية بإقناع إيران بالعودة للاتفاق النووي أو التراجع عن تخصيبها المتزايد لليورانيوم والذي يفوق بكثير النسبة المسموح لها بها ضمن الاتفاق النووي.
ويجادل الرافضون لتصنيف «الحرس الثوري» إرهابياً، بأن ذلك سيصعّب مفاوضات إطلاق سراح المواطنين الأوروبيين الذين ما زالوا محتجزين لدى طهران أو أي رهائن آخرين جدد قد تعتقلهم إيران في المستقبل.
وتعي برلين جيداً بأن هذه واحدة من المخاطر التي تواجهها بتصعيدها ضد إيران، وقد حذَّر متحدث باسم الخارجية، الجمعة، مرة جديدة من ذلك.
وجدد الدعوة إلى كل المواطنين الألمان الموجودين في إيران إلى المغادرة فوراً، قائلاً: «لطالما حذَّرنا من السفر إلى إيران من ضرورة مغادرة البلاد؛ لأننا رأينا ما الذي حصل مع جمشيد شارمهد وأن إيران تأخذ من المواطنين الألمان رهائن لدينا، ونريد أن نعفي أي مواطن ألماني من المصير نفسه».
ومن الأسباب الأخرى التي تدفع دبلوماسيين ودولاً أوروبية للتردد في إدراج «الحرس الثوري» على لائحة الإرهاب، أن ذلك لن يضيف قيمة على العقوبات المدرجة أصلاً على إيران والتي تطال عدداً كبيراً من أعضاء «الحرس الثوري» بسبب قضايا تتعلق بحقوق الإنسان أو بسبب برنامج إيران النووي.
رهان على «كالاس»
مع ذلك، فإن برلين عازمة على زيادة الضغوط على طهران. فحزب الخضر الذي تنتمي إليه وزيرة الخارجية الألمانية يتخذ موقفاً أكثر تشدداً من الحزبين الآخرين في الحكومة تجاه إيران، خصوصاً بسبب قمع السلطات للاحتجاجات وبسبب دعم طهران لموسكو.
ويبدو بأن برلين تراهن الآن على تغير في النهج الأوروبي مع تسلم المفوضة الجديدة للشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي منصبها، كايا كالاس والتي تنتظر انتهاء إجراءات تأكيد تعيينها كي تتسلم المنصب. ومن المتوقع أن يحصل ذلك خلال الأسابيع القليلة المقبلة قبل نهاية العام الحالي.
وكالاس التي كانت تشغل منصب رئيسة وزراء إستونيا، تعتمد موقفاً متشدداً ضد روسيا وقد ينسحب ذلك على إيران بسبب دعمها لموسكو في حربها ضد كييف.