صور أقمار اصطناعية تكشف دماراً في منشآت إيران العسكرية

محللون شرحوا أضرار الهجوم على قاعدتي «بارشين» و«خجير»

صورة التقطها أقمار شركة «بلانيت لابس» لمبانٍ متضررة في قاعدة «بارشين» العسكرية جنوب شرقي طهران اليوم (أ.ب)
صورة التقطها أقمار شركة «بلانيت لابس» لمبانٍ متضررة في قاعدة «بارشين» العسكرية جنوب شرقي طهران اليوم (أ.ب)
TT

صور أقمار اصطناعية تكشف دماراً في منشآت إيران العسكرية

صورة التقطها أقمار شركة «بلانيت لابس» لمبانٍ متضررة في قاعدة «بارشين» العسكرية جنوب شرقي طهران اليوم (أ.ب)
صورة التقطها أقمار شركة «بلانيت لابس» لمبانٍ متضررة في قاعدة «بارشين» العسكرية جنوب شرقي طهران اليوم (أ.ب)

أظهرت صور الأقمار الاصطناعية أن الهجوم الإسرائيلي على إيران، فجر السبت، ألحق أضراراً جسيمة بمرافق في قاعدة بارشين العسكرية، جنوب شرقي طهران، وهو موقع مرتبط ببرنامج إيران السابق للأسلحة النووية، بالإضافة إلى منشآت خلط وقود الصواريخ الصلب في قاعدة أخرى، تتصل ببرنامج الصواريخ الباليستية الإيراني.

جاء هذا في تقييمين منفصلين من باحثين استناداً إلى صور الأقمار الاصطناعية، وفقاً لوكالتي «رويترز» و«أسوشييتد برس».

وتضررت بعض المباني في قاعدة بارشين، حيث تشتبه الوكالة الدولية للطاقة الذرية في أن إيران أجرت فيها سابقاً اختبارات على مواد شديدة الانفجار، يمكن أن تُستخدم في تفعيل سلاح نووي. كما تظهر الأضرار أيضاً في قاعدة «خجير» القريبة، التي يُعتقد أنها تحتوي على نظام أنفاق تحت الأرض ومواقع لإنتاج الصواريخ.

ورغم هذا، لم تعترف القوات المسلحة الإيرانية بوجود أضرار في «خجير» أو «بارشين» نتيجة الهجوم، لكنها أفادت بأن الهجوم أسفر عن مقتل 4 جنود إيرانيين، كانوا يعملون في أنظمة الدفاع الجوي.

مقاتلة إسرائيلية تغادر مأوى بقاعدة جوية متجهة لتنفيذ ضربات على إيران (رويترز)

انتشار الأضرار

لا يزال عدد المواقع المستهدفة في الهجوم الإسرائيلي غير مؤكد، ولم تُصدر القوات المسلحة الإيرانية حتى الآن أي صور تُظهر الأضرار. وأعلن الجيش الإسرائيلي أن 3 موجات من الهجمات بالطائرات الحربية استهدفت مصانع صواريخ ومواقع أخرى قرب طهران، وفي غرب إيران، صباح السبت، رداً على إطلاق إيران أكثر من 200 صاروخ على إسرائيل، مطلع الشهر الحالي.

وأفاد الجيش الإيراني بأن الطائرات الإسرائيلية استخدمت «رؤوساً حربية خفيفة للغاية» لضرب أنظمة رادار حدودية في محافظتي إيلام وخوزستان (الأحواز)، بالإضافة إلى مناطق محيطة بالعاصمة طهران.

وأظهرت صور الأقمار الاصطناعية، من «بلانيت لابس»، حقولاً محترقة حول موقع إنتاج الغاز الطبيعي في تانجه بيجار بمحافظة إيلام، على الرغم من أن مدى ارتباط ذلك بالهجوم لم يتضح بعد. وتقع محافظة إيلام على الحدود الإيرانية العراقية في غرب البلاد.

وفي بارشين، التي تقع على بعد نحو 40 كيلومتراً جنوب شرقي طهران بالقرب من سد مامالو، أظهرت الصور تدمير إحدى المنشآت بالكامل وتعرض أخرى لأضرار. كما أظهرت صور الأقمار الاصطناعية أضراراً في هيكلين على الأقل في قاعدة «خجير»، التي تبعد نحو 20 كيلومتراً عن وسط طهران. ووفقاً لمحللين، تحدثوا إلى «أسوشييتد برس»، فإن مواقع القاعدتين تتطابق مع مقاطع الفيديو، التي تُظهر تصدي أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية للمقذوفات الجوية.

قاعدة حساسة

بشأن قاعدة «بارشين» الحساسة، حدّد ديفيد أولبرايت، مفتش الأسلحة السابق في الأمم المتحدة ورئيس معهد العلوم والأمن الدولي، المبنى المدمر قرب سفح الجبل باسم «طالقان 2». وأشار إلى أن الأرشيف النووي الإيراني صنّف المبنى كموقع يضم «غرفة متفجرات صغيرة ممدودة ونظام أشعة سينية لفحص اختبارات المتفجرات على نطاق صغير»، في إطار برنامج «آماد» لتطوير الأسلحة النووية، الذي تخلت عنه إيران.

وكان أولبرايت قد اطلع على ملفات هذا البرنامج أثناء عمله على كتاب، بعد أن تمكن الموساد الإسرائيلي من الحصول عليها من قلب طهران، في عملية بالغة التعقيد في يناير (كانون الثاني) 2018. وأظهرت تلك الملفات أن إيران احتفظت بمعدات اختبار مهمة في «طالقان 2». ووفقاً لتقرير المعهد عام 2018، فقد تكون هذه الاختبارات شملت استخدام متفجرات لضغط نواة من اليورانيوم الطبيعي لمحاكاة بدء تفاعل نووي.

وفي رسالة على منصة «إكس»، يوم الأحد، أضاف أولبرايت: «ليس من المؤكد إذا كانت إيران قد استخدمت اليورانيوم في (طالقان 2)، لكنها ربما درست ضغط أنصاف كرات من اليورانيوم الطبيعي، ما قد يفسر محاولاتها السرية لإعادة تأهيل المنشأة بعد طلب الوكالة الدولية للطاقة الذرية زيارة بارشين عام 2011». وأضاف أن إيران ربما نقلت مواد مهمة قبل الضربة الجوية، لكن «حتى في غياب المعدات، فإن المنشأة كانت ستبقى ذات أهمية لأي أنشطة نووية مستقبلية».

تُظهر هذه الصورة الملتقطة عبر الأقمار الاصطناعية من شركة «بلانيت لابس» قاعدة «بارشين» العسكرية الإيرانية في سبتمبر الماضي (أ.ب)

وأوضح أولبرايت، بعد مراجعته صور الأقمار الاصطناعية، أن الهجوم الإسرائيلي أدى إلى أضرار بـ3 مبانٍ قرب «طالقان 2»، منها اثنان يستخدمان لخلط وقود الصواريخ الصلب. ومع ذلك، لم يُعرف ما إذا كانت هناك معدات داخل «طالقان 2» وقت الهجوم.

وأكد رفائيل غروسي، مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، على منصة «إكس»، أن «المنشآت النووية الإيرانية لم تتأثر»، وأن المفتشين الدوليين ما زالوا يعملون بأمان. ودعا إلى ضبط النفس لتجنب تعريض سلامة المواد النووية أو المشعة للخطر.

وتؤكد إيران على سلمية برنامجها النووي، رغم أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية وأجهزة استخبارات غربية تشير إلى أن طهران كانت تملك برنامج أسلحة نشطاً حتى عام 2003. وكانت إيران قد سمحت بزيارة الأمين العام السابق للوكالة، يوكيا أمانو، لقاعدة «بارشين» في إطار تفاهمات الاتفاق النووي.

تضرر برنامج الصواريخ

من المرجح أن تكون المباني المتضررة في «بارشين»، و«خجير» وهو مركز كبير لإنتاج الصواريخ شرق طهران، قد شملت ورشة لخلط الوقود الصلب الضروري لصواريخ إيران الباليستية، وفقاً لديكر إيفليث، محلل أبحاث مشارك في مؤسسة «سي إن إيه» في واشنطن.

وقالت القوات الإسرائيلية، في بيان، بعد الهجوم يوم السبت، إنها استهدفت «منشآت تصنيع الصواريخ المستخدمة لإنتاج الصواريخ التي أطلقتها إيران على إسرائيل خلال العام الماضي». وأظهرت صور الأقمار الاصطناعية من شركة «بلانيت لابس» أن الضربة الإسرائيلية دمرت 3 مبانٍ في بارشين كانت مخصصة لخلط الوقود الصلب ومستودعاً. كما أظهرت الصور تدمير مبنيين في خجير، محاطين بسواتر ترابية مرتفعة، وهي تصميمات مرتبطة بإنتاج الصواريخ لمنع انتشار الانفجارات.

تُظهر هذه الصورة الملتقطة عبر الأقمار الاصطناعية من شركة «بلانيت لابس» مباني متضررة في قاعدة «خجير» العسكرية شرق طهران أمس (أ.ب)

وأكد إيفليث أن المباني المستهدفة في خجير كانت تحتوي على خلاطات صناعية للوقود الصلب، وهي معدات باهظة الثمن وصعبة الاستبدال بسبب القيود المفروضة على تصديرها. وأضاف أن هذا الهجوم المحدود قد أضعف بشكل كبير قدرة إيران على إنتاج الصواريخ الباليستية بكميات كبيرة، ما يعقد تنفيذ أي هجمات صاروخية مستقبلية ضد الدفاعات الإسرائيلية. ووصف الضربات بأنها «دقيقة للغاية»، وفق إيفليث.

وكانت «رويترز» قد أشارت في يوليو (تموز) الماضي إلى توسعات كبيرة في موقع خجير، حيث أظهرت صور من «بلانيت لابس»، حلّلها إيفليث وجيفري لويس من معهد ميدلبري، تعزيزات في مواقع إنتاج الصواريخ في خجير ومجمع مدرس العسكري. وأكد 3 مسؤولين إيرانيين كبار صحة هذه التحليلات.

مآلات الهجوم

يعتقد المحللون أن تدمير هذه المواقع يمكن أن يعيق بشكل كبير قدرة إيران على تصنيع صواريخ باليستية جديدة لتعويض مخزونها بعد الهجمات على إسرائيل. ولم يصدر أي تعليق من «الحرس الثوري» الإيراني، المسؤول عن برنامج الصواريخ الباليستية، منذ وقوع الهجوم يوم السبت.

صورة التقطها القمر الاصطناعي «بلانس» لمبانٍ بقاعدة «خجير» العسكرية في 8 أكتوبر 2024 (أ.ب)

ويقدّر الجنرال كينيث ماكنزي، القائد السابق للقيادة المركزية الأميركية، أن الترسانة الصاروخية الإيرانية في عام 2022 كانت تتجاوز 3000 صاروخ، تشمل صواريخ قصيرة المدى غير قادرة على الوصول إلى إسرائيل. ومنذ ذلك الوقت، أطلقت إيران مئات الصواريخ في عدة هجمات.

ولم تظهر أي فيديوهات أو صور على وسائل التواصل الاجتماعي لأجزاء من الصواريخ أي أضرار في المناطق المدنية بعد الهجوم الأخير، ما يشير إلى أن الضربات الإسرائيلية كانت أكثر دقة مقارنةً بالهجمات الصاروخية الإيرانية على إسرائيل في أبريل (نيسان) وأكتوبر (تشرين الأول). كما استُخدمت في الهجوم الإسرائيلي صواريخ أطلقت من الطائرات.

ورغم ذلك، يبدو أن مصنعاً في مدينة شمس آباد الصناعية، جنوب طهران، بالقرب من مطار الخميني الدولي، قد تعرض للقصف. وتطابقت مقاطع الفيديو المنشورة على الإنترنت للمبنى المتضرر مع موقع شركة «تايكو»، التي تصنّع معدات متقدمة لصناعة النفط والغاز في إيران.

ووفقاً لموقع «إكسيوس»، استهدفت الضربات الإسرائيلية 12 «خلاطاً صناعياً» تُستخدم في إنتاج الوقود الصلب للصواريخ الباليستية بعيدة المدى. ونقل الموقع عن مصادر إسرائيلية، لم يذكر اسمها، أن هذه الضربات ألحقت أضراراً بالغة بقدرة إيران على تجديد مخزونها الصاروخي، وقد تثنيها عن شنّ هجمات صاروخية كبيرة أخرى على إسرائيل.


مقالات ذات صلة

عراقجي يحذر من «مؤامرة جديدة» تستهدف الداخل الإيراني

شؤون إقليمية صورة نشرها حساب عراقجي من وصوله إلى مقر المؤتمرات الدولية بمدينة أصفهان الخميس

عراقجي يحذر من «مؤامرة جديدة» تستهدف الداخل الإيراني

حذّر وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي من «مؤامرة جديدة» قال إن خصوم إيران يعملون على تنفيذها عبر تعقيد الأوضاع الاقتصادية وإذكاء السخط الاجتماعي

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
شؤون إقليمية أكرم الدين سريع القائد السابق لشرطة ولايتي بغلان وتخار (إكس)

اغتيال مسؤول أمني أفغاني سابق في العاصمة الإيرانية

قتل أكرم الدين سريع، مسؤول أمني سابق في الحكومة الأفغانية السابقة، في هجوم مسلح وقع في العاصمة الإيرانية طهران.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
خاص وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي يبكي على نعش قائد «الحرس الثوري» حسين سلامي خلال تشييع عسكريين كبار قتلوا في الضربات الإسرائيلية في طهران يوم 28 يونيو الماضي (أرشيفية- أ.ف.ب)

خاص «مطرقة الليل» في 2025... ترمب ينهي «أنصاف الحلول» في إيران

مع عودة دونالد ترمب إلى المكتب البيضاوي في مطلع 2025، لم تحتج استراتيجيته المحدثة لـ«الضغوط القصوى» سوى أقل من عام كي تفرض إيقاعها الكامل على إيران.

عادل السالمي (لندن)
شؤون إقليمية إيرانيون يمرون بجانب لوحة دعائية مناهِضة لإسرائيل تحمل عبارة: «نحن مستعدون. هل أنتم مستعدون؟» معلقة في ساحة فلسطين وسط طهران (إ.ب.أ)

إيران تربط التعاون النووي بإدانة قصف منشآتها

رهنت طهران أي تعاون جديد مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ولا سيما ما يتعلق بإعادة تفتيش المنشآت النووية التي تعرضت للقصف، بإدانة واضحة وصريحة من الوكالة.

«الشرق الأوسط» (لندن - نيويورك - طهران)
شؤون إقليمية بزشكيان يسلم مسودة مشروع الموازنة إلى قاليباف الثلاثاء (الرئاسة الإيرانية)

الحكومة الإيرانية تعرض موازنة تتجاوز 107 مليارات دولار

قدّمت الحكومة الإيرانية الثلاثاء مشروع موازنة العام الجديد إلى البرلمان بقيمة تتجاوز 107 مليارات دولار

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)

تقرير: نتنياهو سيُطلع ترمب على معلومات استخباراتية عن الصواريخ الباليستية الإيرانية

استقبال الرئيس الأميركي دونالد ترمب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وزوجته سارة عند المدخل الجنوبي للبيت الأبيض في 7 يوليو 2025 (د.ب.أ)
استقبال الرئيس الأميركي دونالد ترمب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وزوجته سارة عند المدخل الجنوبي للبيت الأبيض في 7 يوليو 2025 (د.ب.أ)
TT

تقرير: نتنياهو سيُطلع ترمب على معلومات استخباراتية عن الصواريخ الباليستية الإيرانية

استقبال الرئيس الأميركي دونالد ترمب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وزوجته سارة عند المدخل الجنوبي للبيت الأبيض في 7 يوليو 2025 (د.ب.أ)
استقبال الرئيس الأميركي دونالد ترمب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وزوجته سارة عند المدخل الجنوبي للبيت الأبيض في 7 يوليو 2025 (د.ب.أ)

نقل موقع «واي نت» الإخباري الإسرائيلي عن مصدر عسكري، قوله، الخميس، إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو سيُطلع الرئيس الأميركي دونالد ترمب على معلومات استخباراتية عن خطر الصواريخ الباليستية الإيرانية خلال اجتماعهما المرتقب قبل نهاية العام الحالي.

وأكد المصدر الإسرائيلي أن بلاده قد تضطر لمواجهة إيران إذا لم تتوصل أميركا لاتفاق يكبح جماح برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)

ووصف المصدر التهديد الذي تمثله الصواريخ الإيرانية بأنه خطير للغاية، مؤكداً أن إطلاق عدد كبير منها على إسرائيل سيلحق أضراراً تعادل «قنبلة نووية صغيرة».

وكان نتنياهو قال، الاثنين الماضي، إن أي تحرك من جانب إيران سيقابل برد عنيف، مؤكداً أن إسرائيل لا تسعى إلى مواجهة مع إيران، مشيراً إلى أن إسرائيل تتابع مناورات إيرانية.

وشنت إسرائيل هجوماً على إيران في يونيو (حزيران) الماضي، وقتلت عدداً من كبار القادة العسكريين والعلماء النوويين في الساعات الأولى من الحرب التي استمرت 12 يوماً، وتدخلت الولايات المتحدة في نهايتها عندما قصفت أهم المنشآت النووية الإيرانية بقنابل ضخمة.


عراقجي يحذر من «مؤامرة جديدة» تستهدف الداخل الإيراني

صورة نشرها حساب عراقجي من وصوله إلى مقر المؤتمرات الدولية بمدينة أصفهان الخميس
صورة نشرها حساب عراقجي من وصوله إلى مقر المؤتمرات الدولية بمدينة أصفهان الخميس
TT

عراقجي يحذر من «مؤامرة جديدة» تستهدف الداخل الإيراني

صورة نشرها حساب عراقجي من وصوله إلى مقر المؤتمرات الدولية بمدينة أصفهان الخميس
صورة نشرها حساب عراقجي من وصوله إلى مقر المؤتمرات الدولية بمدينة أصفهان الخميس

حذّر وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي من «مؤامرة جديدة» قال إن خصوم إيران يعملون على تنفيذها عبر تعقيد الأوضاع الاقتصادية وإذكاء السخط الاجتماعي.

وقال عراقجي خلال ملتقى «تبيين السياسة الخارجية للبلاد والأوضاع الإقليمية» في أصفهان إن «المؤامرة الجديدة» لا تقوم على المواجهة العسكرية المباشرة، بل على محاولة خلق بيئة ضاغطة اقتصادياً بهدف إضعاف الداخل، مضيفاً أن هذا الرهان «لن ينجح تماماً كما فشل رهان الاستسلام خلال الحرب الأخيرة».

وشنّت إسرائيل في 13 يونيو (حزيران) هجوماً واسعاً على منشآت استراتيجية داخل إيران، أسفر عن مقتل عشرات من قادة «الحرس الثوري» ومسؤولين وعلماء مرتبطين بالبرنامج النووي. وانضمت الولايات المتحدة إلى الحرب عبر توجيه ضربات إلى مواقع نووية إيرانية.

ووصف عراقجي الحرب التي استمرت 12 يوماً بأنها «قصة مقاومة بطولية»، وقال إن «صمود إيران أحبط مؤامرة العدو الرامية إلى إرغام البلاد على الاستسلام». وأضاف أن خصوم إيران «اعتقدوا أنهم قادرون خلال أيام قليلة على فرض استسلام غير مشروط، لكنهم وجدوا أنفسهم مضطرين إلى التراجع أمام صمود المجتمع والقوات المسلحة». وصرح بأن الحرب «وجهت رسالة من دون أي شروط مسبقة مفادها أن الشعب الإيراني لن يخضع للقهر أو الإملاءات».

وانتقد عراقجي المبالغة في تصوير آلية «سناب باك» التي أعادت القوى الغربية بموجبها العقوبات الأممية على إيران في نهاية سبتمبر (أيلول). وقال إن الروايات التي جرى تسويقها للجمهور حول هذه الآلية «كانت أسوأ بكثير من الواقع»، وهدفت إلى شل الاقتصاد الإيراني نفسياً عبر بث الخوف، في حين أن هذه الأدوات «لم تكن تمتلك في الواقع الفاعلية التي جرى الادعاء بها».

ودعا عراقجي إلى مقاربة واقعية، قائلاً: «علينا أن نقر بوجود العقوبات، وأن نقر أيضاً بأنه يمكن العيش معها»، لافتاً إلى أنه يدرك تكلفة العقوبات وتأثيراتها، مشيراً إلى أنها تكشف أيضاً عن فرص لإصلاح الاختلالات الداخلية. وأضاف أن العقوبات تستخدم في كثير من الأحيان كأداة «حرب نفسية»، سواء عبر التهويل بآليات مثل «سناب باك» أو عبر تضخيم آثارها بما يتجاوز الواقع، بهدف شل الاقتصاد معنوياً قبل أن يكون مادياً.

صورة نشرها موقع عراقجي الرسمي من خطابه في ملتقى بمدينة أصفهان الخميس

وأوضح عراقجي أن «لإيران الحق في التذمر من العقوبات فقط بعد استنفاد كامل طاقاتها الداخلية والإقليمية»، مشيراً إلى أن البلاد لم تستخدم بعد كل إمكانات الجوار ولا كل أدوات الدبلوماسية الخارجية. وقال إن تفعيل هذه الأدوات يمكن أن يخفف من الأعباء الاقتصادية حتى في ظل استمرار القيود.

«الدبلوماسية الاقتصادية»

وتوقف عراقجي عند مفهوم الدبلوماسية الاقتصادية، مؤكداً أن مهمة وزارة الخارجية تشمل تسهيل مسارات التصدير والاستيراد وفتح أسواق جديدة. وفي هذا السياق، أشار إلى السجاد الإيراني بصفته مثالاً على التداخل بين الاقتصاد والثقافة، موضحاً أن كل سجادة إيرانية في الخارج تمثل «سفيراً ثقافياً»، وأن تراجع صادرات هذا القطاع يشكل خسارة اقتصادية واجتماعية ينبغي معالجتها عبر إزالة العوائق أمام المنتجين والمصدرين.

وقال إن الحكومة «مدينة للشعب»، وإن واجبها هو الخدمة لا المطالبة، عادّاً أن نجاح الدبلوماسية الاقتصادية سيكون أحد معايير تقييم أداء السياسة الخارجية في المرحلة المقبلة، إلى جانب الحفاظ على نهج الصمود في مواجهة الضغوط.

وفيما يخص دور وزارة الخارجية، حدّد عراقجي مهمتين أساسيتين. الأولى مواصلة السعي إلى رفع العقوبات عبر المسارات الدبلوماسية، مع الحفاظ على المبادئ والمصالح الوطنية. وقال: تشكل تجربة الاتفاق النووي والمفاوضات اللاحقة رصيداً تفاوضياً لا يمكن تجاهله، لكنها لا تعني العودة الآلية إلى المسارات السابقة، بل البناء عليها، مؤكداً أن الوزارة «لن تدّخر جهداً» في استثمار أي فرصة لتخفيف الضغوط الدولية.

وأضاف أن المهمة الثانية تتمثل في دعم الاقتصاد الوطني بشكل مباشر، ولا سيما القطاع الخاص. وشدّد على أن السياسة الخارجية لا ينبغي أن تبقى محصورة في التقارير المكتبية، بل أن تتحول إلى عمل ميداني يواكب مشكلات التجار والشركات الإيرانية في الخارج ويسعى إلى حلها. واستشهد بتجربة دعم شركة إيرانية خاصة في مناقصة إقليمية كبيرة انتهت بفوزها في منافسة مع شركات دولية.

ترقب لزيارة نتنياهو

ويأتي ذلك في وقت تصر فيه واشنطن على تنفيذ سياسة «الضغوط القصوى» على الاقتصاد الإيراني، فيما يزداد تركيز إسرائيل على الصواريخ الباليستية بوصفها التهديد الأكثر إلحاحاً، وسط تقديرات إسرائيلية بأن إيران خرجت من حرب يونيو بترسانة أقل مما كانت عليه قبلها، لكنها بدأت خطوات لإعادة البناء.

وقال عراقجي الأسبوع الماضي إن إيران «لا تستبعد» احتمال تعرضها لهجوم جديد، لكنها «مستعدة بالكامل وأكثر من السابق»، مشيراً إلى أن الاستعداد يهدف إلى منع الحرب لا السعي إليها. وأضاف أن استهداف إيران خلال مسار اتصالات دبلوماسية كان «تجربة مريرة»، وأن بلاده أوقفت اتصالات كانت قائمة منذ أشهر، مع تأكيدها أنها مستعدة لاتفاق «عادل ومتوازن».

وتترقب الساحة الإقليمية زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى واشنطن الاثنين المقبل، وسط تقارير إسرائيلية تفيد بأنه يعتزم طرح ملف الصواريخ الإيرانية على الرئيس الأميركي دونالد ترمب.

وتعود مؤشرات التصعيد إلى حرب يونيو التي اندلعت في 13 من الشهر نفسه بهجوم إسرائيلي على منشآت وأهداف داخل إيران، وأشعلت مواجهة استمرت 12 يوماً، قبل أن تنضم الولايات المتحدة لاحقاً بضرب ثلاثة مواقع نووية إيرانية.

وفي طهران، سعى مسؤولون إيرانيون في الأيام الأخيرة إلى تثبيت رواية مفادها أن قدرات البلاد لم تُستنزف خلال الحرب، وأن ما تبقى من أدوات الردع لم يستخدم بعد. وفي هذا الإطار، قال المتحدث باسم القوات المسلحة الإيرانية أبو الفضل شكارجي الأربعاء، إن القدرات البحرية والبرية والصاروخية لإيران «جاهزة لكل سيناريو»، محذراً من رد «قاطع» إذا فُرضت مواجهة، ومضيفاً أن أي تحرك هجومي إيراني سيكون «لمعاقبة المعتدي».

وتزامن ذلك مع تضارب في الرواية الإيرانية حول أنشطة صاروخية داخل البلاد. وفي إسرائيل، قال نتنياهو إن بلاده «على علم» بأن إيران أجرت «تدريبات» في الآونة الأخيرة، وإنها تراقب الوضع وتتخذ الاستعدادات، محذراً من رد قاس على أي عمل ضد إسرائيل، من دون تقديم تفاصيل إضافية، في سياق تحذيرات من سوء تقدير متبادل قد يدفع نحو مواجهة غير مقصودة.


روسيا تتوسط سرّاً بين إسرائيل وسوريا للتوصّل إلى اتفاق أمني

جنود إسرائيليون على متن ناقلة جند مدرعة في المنطقة العازلة التي تفصل مرتفعات الجولان المحتلة عن سوريا قرب قرية مجدل شمس الدرزية فبراير الماضي (أ.ف.ب)
جنود إسرائيليون على متن ناقلة جند مدرعة في المنطقة العازلة التي تفصل مرتفعات الجولان المحتلة عن سوريا قرب قرية مجدل شمس الدرزية فبراير الماضي (أ.ف.ب)
TT

روسيا تتوسط سرّاً بين إسرائيل وسوريا للتوصّل إلى اتفاق أمني

جنود إسرائيليون على متن ناقلة جند مدرعة في المنطقة العازلة التي تفصل مرتفعات الجولان المحتلة عن سوريا قرب قرية مجدل شمس الدرزية فبراير الماضي (أ.ف.ب)
جنود إسرائيليون على متن ناقلة جند مدرعة في المنطقة العازلة التي تفصل مرتفعات الجولان المحتلة عن سوريا قرب قرية مجدل شمس الدرزية فبراير الماضي (أ.ف.ب)

كشفت مصادر سياسية في تل أبيب أنّ روسيا تتوسط سرّاً بين إسرائيل وسوريا للتوصّل إلى اتفاق أمني بين الجانبين، وذلك بمعرفة ورضا الإدارة الأميركية.

وقالت هيئة البثّ الإسرائيلية الرسمية «كان 11» إنّ أذربيجان تستضيف وتقود حالياً الاجتماعات والمحادثات، التي يقوم بها مسؤولون رفيعو المستوى من الطرفين إلى العاصمة باكو.

ولفت مصدر أمني مطّلع إلى أنّ هناك فجوة قائمة في الاتصالات بين إسرائيل وسوريا، على الرغم من الوساطة الروسية، ولكن تمّ إحراز بعض التقدّم خلال الأسابيع الأخيرة.

وذكرت «كان 11» عن المصادر أنّ موسكو ودمشق تعملان على تعزيز العلاقات بينهما، إذ نقلت روسيا، الشهر الماضي، جنوداً ومعدّات إلى منطقة اللاذقية عند الساحل. وأضافت المصادر أنّ إسرائيل تفضّل السماح بوجود روسي يكون على حساب محاولة تركيا لترسيخ وجودها التمركز في الجنوب السوري أيضاً.

لقاء وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني مع نظيره الروسي سيرغي لافروف في موسكو الأربعاء (سانا)

وأمس (الأربعاء)، زار وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني موسكو، والتقى نظيره الروسي سيرغي لافروف، مشيراً إلى أنّ الهدف هو نقل العلاقات بين البلدين إلى مستوى استراتيجي.

وكان التطور الأبرز في العلاقات حين استقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع، في 15 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إذ شدّد الطرفان على أهمية تعزيز العلاقات الاستراتيجية والسياسية بين بلديهما والتعاون في مجالات الطاقة والغذاء.

يذكر أن إسرائيل تقيم علاقات ودية مع روسيا، تحاول فيها تل أبيب التفاهم على تقاسم مصالحهما في سوريا. وفي الشهور الماضية، منذ مايو (أيار) الماضي، أجرى بوتين ونتنياهو 4 مكالمات هاتفية طويلة تباحثا خلالهما في عدة مواضيع، بينها الموضوع السوري.

وأكّدت إدارة الإعلام بوزارة الخارجية والمغتربين السورية، في أعقاب المكالمة في مايو، أن الرئيس الروسي شدد في لقاءاته مع المسؤولين السوريين دائماً على رفض بلاده القاطع لأي تدخلات إسرائيلية أو محاولات لتقسيم سوريا، وأكّد التزام موسكو بدعمها في إعادة الإعمار واستعادة الاستقرار.

وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني والتركي هاكان فيدان خلال مؤتمر صحافي مشترك في دمشق (إ.ب.أ)

وفي تل أبيب يتحدثون عن «عدة مصالح مشتركة مع موسكو في سوريا لمواجهة النفوذ التركي». وبحسب صحيفة «معاريف»، فإن الروس يقيمون علاقات جيدة مع تركيا ومع إسرائيل، ويسعون لمنع تدهور العلاقات بينهما. وفي الوقت ذاته، تريد الحفاظ على مواقعها في سوريا بموافقة الطرفين، وتفعل ذلك بالتنسيق مع جميع الأطراف، بما فيها سوريا.

ومع أن الولايات المتحدة هي التي تتولى موضوع التفاهمات الأمنية بين إسرائيل وسوريا، فإنها لا تمانع في مساهمات إيجابية تأتي من بقية الأصدقاء، بما في ذلك روسيا.

الرئيس السوري أحمد الشرع خلال مباحثاته في إسطنبول السبت مع مبعوث الرئيس الأميركي الخاص إلى سوريا توماس برّاك بحضور وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني (إ.ب.أ)

الدبلوماسي السابق، ميخائيل هراري، الباحث والمحاضر الجامعي في موضوع سوريا والشرق الأوسط، يرى أنه في الوقت الذي يدير فيه أحمد الشرع سوريا بطريقة حكيمة، جعلتها تحظى بهذا الاحتضان الإقليمي والدولي، ينبغي لإسرائيل أن تحرص على ألا تظهر كمن يريد استمرار الفوضى في سوريا.

ولكي تدير إسرائيل مصالحها بشكل جيد، يجب أن تسارع إلى إبرام اتفاق أمني مع دمشق. وأضاف، في مقال لصحيفة «معاريف»، إن إسرائيل تحتاج إلى ترجمة إنجازاتها العسكرية في الحرب الأخيرة إلى مكسب سياسي، وهذا لا يكون بمواصلة السياسة الحالية التي تظهر فيها إسرائيل سلبية.