الهجوم الإسرائيلي على إيران: «قوة الردع» ومساحة للتهدئة

تل أبيب استهدفت النظام الدفاعي وموقعاً سرياً وأبلغت الإيرانيين بأنه يمكن إغلاق الملف الآن

نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض بمقر وزارة الدفاع يتابعان الضربة الموجهة لإيران (وزارة الدفاع الإسرائيلية)
نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض بمقر وزارة الدفاع يتابعان الضربة الموجهة لإيران (وزارة الدفاع الإسرائيلية)
TT

الهجوم الإسرائيلي على إيران: «قوة الردع» ومساحة للتهدئة

نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض بمقر وزارة الدفاع يتابعان الضربة الموجهة لإيران (وزارة الدفاع الإسرائيلية)
نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض بمقر وزارة الدفاع يتابعان الضربة الموجهة لإيران (وزارة الدفاع الإسرائيلية)

مع إعلان الجيش الإسرائيلي عن انتهاء هجومه على إيران، تكشفت أهداف هذا الهجوم السياسية والعسكرية، التي كانت تهدف إلى إلحاق الضرر بالقدرات الصاروخية الإيرانية بطريقة تُظهر الردع الإسرائيلي وضعف إيران في الوقت الحالي. كما أن الهجوم يسمح لسلاح الجو الإسرائيلي بالعمل بحرية أكبر في الأجواء الإيرانية مستقبلاً. ومن جهة أخرى، يسعى هذا الهجوم إلى منح الإيرانيين مساحة واسعة من الإنكار ووسيلة للنزول من الشجرة، في محاولة لإغلاق ملف الضربات المتبادلة.

وأكد مسؤولون إسرائيليون عقب انتهاء الهجوم أن إسرائيل هاجمت أهدافاً غير متوقعة «بدقة عالية». وصرح مسؤول رفيع لصحيفة «يديعوت أحرونوت» بأن المعلومات الاستخباراتية التي قدمتها شعبة «أمان» (الاستخبارات العسكرية)، خلال الهجوم، هي «خيال علمي يفوق الخيال»، مضيفاً: «لقد لحق الضرر بالمصانع التي تنتج صواريخ أرض-أرض، وبالتالي فإن الأثر الذي سيلحق بإيران سيكون كبيراً بشكل خاص. هذه معلومات استخباراتية دقيقة للغاية تتجاوز الوصف المعتاد عن المصنع الذي لا بديل له، وهي ضربة دقيقة لسلاح الجو. لا قريباً ولا تقريبياً».

وأضاف: «لقد هاجمنا معظم قدرات إنتاج صواريخ أرض-أرض، وكان الهدف هو منع إيران من الاستمرار في إنتاجها. وكأن أحدهم قد أسقط خط إنتاج صواريخ رافائيل» (شركة التكنولوجيا الدفاعية الإسرائيلية التي تنتج الصواريخ الدفاعية مثل القبة الحديدية ومقلاع داوود).

ولم يتضح على الفور ما هي القدرات الإيرانية المستهدفة التي تحدث عنها المسؤول، لكن وسائل الإعلام الإسرائيلية ركزت لاحقاً على استهداف إسرائيل «قاعدة بارشين العسكرية السرية» في جنوب شرقي طهران، بالإضافة إلى نظام الدفاع الجوي «إس-300» الخاص بمطار الخميني الدولي، و3 قواعد صاروخية أخرى تابعة لـ«الحرس الثوري» الإيراني.

وشنت إسرائيل هجوماً من 3 مراحل على إيران، استهدف حسب مسؤولين «20 هدفاً استراتيجياً على مسافة نحو 1600 كيلومتر داخل الأراضي الإيرانية». واستمر الهجوم نحو 4 ساعات، حيث بدأ في الثانية فجراً بتوقيت المنطقة وانتهى في السادسة صباحاً».

وقالت القناة 12 الإسرائيلية إن الهجوم الذي شاركت فيه العشرات من المقاتلات في الموجة الأولى تركز على أنظمة الدفاع الجوي ومنشآت الرادار الإيرانية، وسمع دوي انفجارات في عدة مدن رئيسية بمحافظات طهران وخوزستان(الأحواز) وإيلام. وتم توسيع الهجوم في الموجتين الثانية والثالثة ليشمل أهدافاً أخرى، بما في ذلك قواعد الصواريخ ومنشآت إنتاج الطائرات دون طيار.

وشاركت في الهجوم طائرات مقاتلة وطائرات للتزود بالوقود وطائرات لجمع المعلومات الإلكترونية وطائرات القيادة والسيطرة، وقد عادت جميع الطائرات إلى قواعدها وفقاً لما أعلنه الجيش.

وحسب قناة «أي نيوز 24» الإخبارية الإسرائيلية فإن نحو 140 طائرة شاركت بالهجوم.

رئيس هيئة الأركان العامة الإسرائيلية هرتسي هاليفي وقائد سلاح الجو الإسرائيلي تومر بار (يمين) يجلسان خلال هجوم على إيران بمركز قيادة سلاح الجو الإسرائيلي تحت الأرض في قاعدة ربين (د.ب.أ)

وجرى تنفيذ العملية المعقدة، التي وافق عليها المجلس الوزاري المصغر (الكابنيت)، من قاعدة القوات الجوية في كيريا (مقر وزارة الدفاع). وقد تابع العملية عن كثب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع يوآف غالانت، ورئيس الأركان هرتسي هاليفي. وبعد انتهاء الهجوم، أجرى غالانت اتصالاً مع نظيره الأميركي لويد أوستن.

أكدت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أن أوستن شدّد على ضرورة تعزيز وضع القوات الأميركية لحماية الجنود الأميركيين وإسرائيل وشركائها في المنطقة. وقال الجيش الإسرائيلي، صباح السبت، إن الهجوم قد انتهى.

وأوضح المتحدث باسم الجيش أن إيران «دفعت الثمن، والآن نحن نركز على أهداف الحرب في غزة ولبنان». كما أشار إلى أن الجيش يحتفظ بحق الهجوم مجدداً إذا ردت إيران على الضربة.

وحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية، فإن استهداف نظام الدفاع الجوي في إيران أولاً، وكذلك في سوريا والعراق إذا ثبت ذلك، قد منح الطائرات الإسرائيلية حرية العمل في الأجواء الإيرانية.

وذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن إسرائيل قادرة على تنفيذ ضربات جديدة على إيران دون أن تكون لديها أي دفاعات، ما قد يجعل طهران تفكر مرتين قبل أي هجوم مقبل.

استجابة لطلب أميركا

ولا ترغب إسرائيل في تصعيد أكبر مع إيران، وهو ما تجلى في الضربة التي استجابت فيها لطلب أميركي بالامتناع عن استهداف منشآت نووية أو نفطية، مما أتاح لإيران مساحة للامتناع عن الرد.

وقال موقع «والا» الإسرائيلي إن إسرائيل وفرت للإيرانيين «مساحة واسعة من الإنكار وسلماً للنزول من الشجرة».

وفي هذا السياق، كتب المعلق السياسي بن كاسبيت في صحيفة «معاريف»: «ليست فزاعة، لكنها ليست دراما أيضاً. يمكن احتواء الأمر، ويمكنهم إبداء رد فعل بسيط حتى نتمكن من احتوائه، أو يمكنهم الرد بقوة مما يجعل الأمور تخرج عن السيطرة ويستمر (البينغ بونغ). الدور الذي يلعبه الأميركيون في هذه اللحظة حاسم، ومن المفترض أن يساعدوا الإيرانيين على فهم أن الأمر لا يستحق الاستمرار».

وكتب روني بن يشاي في «يديعوت أحرونوت» أنه بعد تحييد أنظمة الدفاع الجوي التابعة للجمهورية الإسلامية في عدة مجالات، سيتعين على قادة إيران التفكير مرتين قبل مهاجمة إسرائيل؛ لأن ذلك مجازفة قد تعرضهم لرد فعل قوي لا يمكنهم السيطرة عليه.

وقال: «من الصعب حالياً الدخول إلى رأس خامنئي وقادة (الحرس الثوري)، لكنهم سيفكرون مرتين فيما إذا كان من الحكمة الاستمرار في هذه الضربات ضد إسرائيل».

وعلى الرغم من ذلك، يسود الاعتقاد في إسرائيل بأن إيران سترد على الضربات العسكرية. وذكرت هيئة البث الإسرائيلية «كان» أن المؤسسة الأمنية تجري تقييمات ومشاورات، حيث تشهد الدفاعات الجوية وسلاح الجو والمنظومات البرية وقيادة الجبهة الداخلية حالة استنفار قصوى.

وأفادت 3 مصادر مطلعة لموقع «أكسيوس» أن إسرائيل أبلغت إيران بتحذير مسبق قبل الهجوم، في محاولة لاحتواء التصعيد وتقليل تبادل الهجمات المستمر بين الجانبين.

وفقاً للمصادر، تضمنت الرسالة الإسرائيلية تحديداً عاماً للأهداف التي سيتم استهدافها وما سيتم تجنبه، وقد نُقلت إلى إيران عبر عدة أطراف. كما أوضح مصدران آخران أن إسرائيل حذرت إيران من الرد، مؤكدة أن أي رد إيراني سيؤدي إلى هجوم إسرائيلي أوسع نطاقاً، خصوصاً إذا تسبب في إصابات بين المدنيين الإسرائيليين.

وأكدت صحيفة «يديعوت أحرونوت» هذه المعلومات، مشيرة إلى أن إسرائيل والولايات المتحدة، اللتين تنسقان فيما بينهما، أوضحتا لطهران أن الهجوم كان يهدف إلى منح إيران فرصة لإنهاء التصعيد، معتبرتين أن بإمكانها «إغلاق الملف» في هذه المرحلة.

وفي حين سلط المسؤولون الإسرائيليون ووسائل الإعلام الضوء على «الحرفية» التي جمعت بين الاستراتيجية والدبلوماسية والاستخبارات والتكنولوجيا، مؤكدين أن الهجوم أظهر قدرة الردع وألحق ضرراً ملموساً بالقدرات العسكرية الإيرانية، في المقابل، انتقد المعارضون وبعض أعضاء «الكنيست» العملية، وعدّوا الهجمات استعراضية.

وصرّح زعيم المعارضة، يائير لابيد، بأن «قرار عدم استهداف المنشآت الاستراتيجية والاقتصادية في إيران كان خطأً، وكان ينبغي على إسرائيل فرض ثمن باهظ على طهران». كما أشار رئيس حزب «يسرائيل بيتينو»، أفيغدور ليبرمان، إلى أن الحكومة الإسرائيلية اكتفت مجدداً بعمليات استعراضية دون اتخاذ إجراءات حاسمة.

وأضافت عضو «الكنيست»، تالي غوتليب (من حزب «الليكود»)، انتقادها للهجوم، معتبرة أن الامتناع عن استهداف المنشآت النووية الإيرانية سيكون له تداعيات سلبية على الأجيال القادمة، واصفة ذلك بأنه «صرخة للأجيال».


مقالات ذات صلة

حكومة نتنياهو تجتمع في مكان محصّن بعيداً عن مكتبه ومقر وزارة الدفاع

شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وزوجته سارة (أ.ب)

حكومة نتنياهو تجتمع في مكان محصّن بعيداً عن مكتبه ومقر وزارة الدفاع

قالت وسائل إعلام إسرائيلية الاثنين إن اجتماع الحكومة اليوم لن يعقد في مكتب رئيس الوزراء بالقدس أو بمقر قيادة الجيش الإسرائيلي (الكرياه) بتل أبيب

شؤون إقليمية هرتسي هاليفي رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي (موقع الجيش الإسرائيلي)

هاليفي عن ضربة إيران: «لدينا القدرة على فعل ما هو أكبر بكثير»

قال هرتسي هاليفي رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي الأحد إن إسرائيل مارست ضبط النفس خلال هجومها على إيران السبت

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية صورة نشرها الجيش الإسرائيلي لمقاتلة شاركت في ضرب إيران قبل لحظات من إقلاعها (أ.ف.ب) play-circle 00:43

قائد «الحرس» الإيراني يتوعد بـ«عواقب مريرة» بعد الضربات الإسرائيلية

توعَّد قائد «الحرس الثوري» الإيراني حسين سلامي، إسرائيل، الاثنين، بـ«عواقب مريرة تتجاوز كل التصورات»، بعد استهدافها مواقع عسكرية إيرانية.

«الشرق الأوسط» (طهران)
شؤون إقليمية صورة نشرها موقع خامنئي من خطابه اليوم

خامنئي يوجّه ضمناً بإعداد رد على إسرائيل

وجّه المرشد الإيراني علي خامنئي، ضمناً، المسؤولين الإيرانيين، بإعداد رد على الضربات الإسرائيلية التي طالت مواقع عسكرية حساسة في ضواحي طهران.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران - واشنطن)
شؤون إقليمية وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي (إ.ب.أ) play-circle 00:50

بريطانيا تتواصل مع إسرائيل وإيران لتجنب تصعيد «كارثي» في الشرق الأوسط

قال وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي إنه تحدث هاتفياً إلى نظيريه الإسرائيلي والإيراني على نحو منفصل، الأحد، سعياً لتجنب تصعيد الصراع إلى حرب إقليمية «كارثية».

«الشرق الأوسط» (لندن)

الكنيست الإسرائيلي يصوّت على مشروعيْ قانونين لتقييد «الأونروا»

موظف بـ«أونروا» يتفقّد مدرسة مدمّرة تابعة للأمم المتحدة في أعقاب غارة جوية على مخيم النصيرات للاجئين الشهر الماضي (إ.ب.أ)
موظف بـ«أونروا» يتفقّد مدرسة مدمّرة تابعة للأمم المتحدة في أعقاب غارة جوية على مخيم النصيرات للاجئين الشهر الماضي (إ.ب.أ)
TT

الكنيست الإسرائيلي يصوّت على مشروعيْ قانونين لتقييد «الأونروا»

موظف بـ«أونروا» يتفقّد مدرسة مدمّرة تابعة للأمم المتحدة في أعقاب غارة جوية على مخيم النصيرات للاجئين الشهر الماضي (إ.ب.أ)
موظف بـ«أونروا» يتفقّد مدرسة مدمّرة تابعة للأمم المتحدة في أعقاب غارة جوية على مخيم النصيرات للاجئين الشهر الماضي (إ.ب.أ)

من المقرر أن يصوّت البرلمان الإسرائيلي، اليوم الاثنين، على مشروعيْ قانونين مثيرين للجدل، من شأنهما أن يتسببا في فرض قيود هائلة على عمل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى «أونروا».

ويهدف مشروع القانون، الذي اقترحه أعضاء في البرلمان من الحكومة والمعارضة، إلى وصف وكالة «أونروا» بأنها منظمة إرهابية، ومنع السلطات الإسرائيلية من إجراء أي اتصال معها. كما سيحظر مشروع القانون عمل الوكالة في الأراضي التي تحتلها إسرائيل، وفقاً لما ذكرته «وكالة الأنباء الألمانية».

من جانبه، اعترض الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش على الخطة بشدة. وكان قد حذَّر، في وقت سابق من الشهر الحالي، من أن مثل هذا القانون من شأنه أن «يعوق» الجهود التي تهدف إلى تخفيف المعاناة الإنسانية والتوترات بقطاع غزة، وأيضاً في الضفة الغربية والقدس الشرقية.

وأضاف غوتيريش أن القانون «سيكون بمثابة كارثة تحلّ على مأساة تامة قائمة بالفعل».

واستهدفت إسرائيل «أونروا» منذ فترة طويلة، وفقاً لموقع «الغارديان»، وذلك قبل اتهامها 12 عضواً من موظفي الوكالة بالمشاركة في هجمات 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، لكن خطوة حظر عمل الوكالة بشكل كامل تشير إلى استقطاب جديد قد يستغرق سنوات لإصلاحه.

وتضيف «الغارديان» أن العواقب المترتبة على ازدراء أحد حلفاء الولايات المتحدة الرئيسيين في الشرق الأوسط، للأمم المتحدة وللمؤسسات القانونية الدولية التي تدعمها، من المرجح أن تكون طويلة الأمد وعميقة التأثير.

وفقاً لمركز «عدالة» القانوني، الذي يهتم بحقوق العرب في إسرائيل، فقد مرّرت لجنتا الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست مشروعيْ قانونين، في 6 أكتوبر الحالي، ومن المتوقع أن يجري عرضهما على الجمعية العامة للكنيست بحلول 28 أكتوبر.

يسعى أحد مشروعات القوانين إلى حظر «أونروا» من العمل ضمن الأراضي التي تقع تحت السيادة الإسرائيلية، وينص على أن الوكالة «لا يجوز لها إقامة أي تمثيل، أو تقديم أي خدمات، أو إجراء أي أنشطة داخل أراضي إسرائيل». وهذا سيؤدي إلى إغلاق مقر «أونروا» بالقدس الشرقية، وإنهاء تأشيرات موظفيها.

ويؤكد مركز «عدالة» أن هذا القانون سيكون مخالفاً لأوامر محكمة العدل الدولية التي تأمر إسرائيل بالتعاون مع الأمم المتحدة في توصيل المساعدات الإنسانية. وفي حال إقراره، سيدخل حيز التنفيذ، خلال ثلاثة أشهر من تمريره.

ورغم أن مشروع القانون نال استنكاراً واسع النطاق، بما في ذلك من سفراء 123 دولة عضواً في الأمم المتحدة، فمن المرجح أن واشنطن وحدها هي القادرة على إقناع إسرائيل بإعادة النظر فيه.