من الدعم النووي إلى مقترح وقف التسليح... ماذا يحدث بين فرنسا وإسرائيل؟

خلافات ماكرون ونتنياهو تتصاعد... واستدعاء لذكريات التأسيس و«المحرقة»

جانب من مفاعل ديمونا النووي الإسرائيلي في صحراء النقب جنوب إسرائيل (غيتي)
جانب من مفاعل ديمونا النووي الإسرائيلي في صحراء النقب جنوب إسرائيل (غيتي)
TT

من الدعم النووي إلى مقترح وقف التسليح... ماذا يحدث بين فرنسا وإسرائيل؟

جانب من مفاعل ديمونا النووي الإسرائيلي في صحراء النقب جنوب إسرائيل (غيتي)
جانب من مفاعل ديمونا النووي الإسرائيلي في صحراء النقب جنوب إسرائيل (غيتي)

بكّر قصر الإليزيه، صباح الأربعاء، بنشر بيان عن الاتصال الهاتفي الذي حصل الثلاثاء، وهو الثالث من نوعه في فترة قصيرة، بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فيما العلاقات بين الطرفين تذهب إلى مزيد من التصعيد.

وبعكس البيان الذي صدر عن مكتب نتنياهو، الذي تميز بحدة بالغة، فإن بيان الإليزيه بقي في إطار اللغة الدبلوماسية المتعارف عليها، لكن من غير وهن، ومع التركيز على نقاط رئيسية تتمسك بها فرنسا وماكرون تحديداً.

وشهدت الفترة الأخيرة توتراً علنياً بين نتنياهو وماكرون إلى حد مطالبة الأخير، الأسبوع الماضي، بوقف تزويد إسرائيل بالسلاح. وقال مصدر دبلوماسي في باريس إن «التوتر يمثل الصفة الغالبة على علاقة الرجلين، حيث يبرز ماكرون على أنه المسؤول الأوروبي الأكثر تشدداً في التعاطي مع نتنياهو».

صورة لنتنياهو وماكرون خلال اجتماعهما في القدس أكتوبر 2023 (أ.ف.ب)

وكان من بين لحظات الذروة في الخلاف بين الجانبين، دعوة ماكرون المتكررة لوقف تزويد إسرائيل بالسلاح الذي تستخدمه في حربها على غزة وعلى لبنان، وقد وجد ذلك أصداء إيجابية لدى دول أوروبية أخرى، مثل إسبانيا وآيرلندا... ويرى الرئيس الفرنسي أن ملف السلاح يعد «الرافعة الوحيدة» للضغط على إسرائيل لوقف حربها المدمرة.

فتّش عن لبنان و«اليونيفيل»

وعلى الرغم من أن ماكرون كان في مقدمة قافلة القادة الغربيين الذين زاروا إسرائيل للتعبير عن دعمهم إياها منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 بعد هجوم، فإن ذلك لم يمنع باريس من التنديد القوي باستهداف القوات الإسرائيلية لقوة السلام الدولية (اليونيفيل) المرابطة جنوب لبنان منذ عام 1978، وتشارك فيها فرنسا بـ700 جندي.

وسارعت باريس، إزاء ضغوط نتنياهو الرامية لتخلي القوات عن مواقعها، إلى التأكيد على بقاء القوة الدولية في مكانها، وطمأنة الدول المشاركة في أن جنودها باقون في جنوب لبنان، فضلاً عن استدعاء سفير إسرائيل لدى فرنسا؛ للاحتجاج على ما وصفته بـ«الاستهداف المتعمد» للقوات.

جنود من «اليونيفيل» في جنوب لبنان (أ.ف.ب)

وما فاقم غيظ إسرائيل مسارعة ماكرون إلى الدعوة إلى مؤتمر دولي سيلتئم الخميس المقبل على المستوى الوزاري. ورغم أن المؤتمر، وفق تقديم الإليزيه، يستهدف توفير المساعدات الإنسانية للبنان، فإن إسرائيل ترى في المؤتمر عامل ضغط عليها من أجل القبول بوقف لإطلاق النار، وإعادة طرح المبادرة الفرنسية - الأميركية التي تستهدف وقف إطلاق النار في لبنان لثلاثة أسابيع.

وبشكل عام، ترى إسرائيل أن حراك الرئيس الفرنسي يعارض خططها، وقد كثّف ماكرون في الأسابيع الأخيرة اتصالاته لبنانياً وعربياً ودولياً، وستكون القمة الأوروبية يومي الأربعاء والخميس في بروكسل فرصة لمتابعتها.

العودة للدبلوماسية

تعد الفقرة الثانية من بيان الإليزيه، الأربعاء، الأهم؛ إذ جاء في حرفيتها ما يلي: «رئيس الجمهورية أعاد التأكيد لرئيس الوزراء الإسرائيلي على الضرورة المطلقة لوقف إطلاق النار في لبنان دون مزيد من التأخير، ووضع حد لعملياته العسكرية».

وذكّر البيان بأن فرنسا كانت قد اقترحت مع الولايات المتحدة وقفاً لإطلاق النار لمدة 21 يوماً، من شأنه أن يفتح الطريق أمام تسوية نهائية على الخط الأزرق.

ووفق ماكرون، فإنه «من الضروري العودة إلى هذا المسار الدبلوماسي الوحيد، الذي من شأنه تلبية متطلبات إسرائيل الأمنية».

أما بخصوص «اليونيفيل»، فقد أشار بيان الإليزيه إلى أن ماكرون «أعرب عن سخطه لإصابة عدد من جنود حفظ السلام بجروح على يد القوات الإسرائيلية في الناقورة، وحث إسرائيل على وضع حد لهذه الاستهدافات غير المبررة». وبنظره، فإن «اليونيفيل»، «عنصر أساسي من عناصر المصداقية لحل الأزمة في جنوب لبنان، وإن بقاءها لصالح أمن إسرائيل ولبنان على حد سواء».

نتنياهو يعارض

لم يتأخر رد فعل نتنياهو، إذ صدر عن مكتبه بيان، جاء فيه أنه أبلغ معارضته «بوقف إطلاق النار من جانب واحد» مع «حزب الله» في لبنان، عادّاً أن أمراً مثل هذا «لا يؤدي إلى تغيير الوضع الأمني في لبنان، ويعيده فقط إلى ما كان عليه».

وتسعى إسرائيل، كما يقول قادتها وعلى رأسهم نتنياهو، إلى إبعاد مقاتلي «حزب الله» عن حدودها الشمالية، وتفكيك بنيته التحتية العسكرية في جنوب لبنان، وحجتها أن ذلك يشكل العامل الوحيد الذي سيسمح لعشرات الآلاف من سكان المستوطنات بالعودة إلى مناطقهم التي أخلوها منها قبل أكثر من عام.

ووفق البيان الإسرائيلي، فإن تل أبيب «لن توافق على أي ترتيبات لا تفضي لذلك، ولا تمنع (حزب الله) من إعادة التسلّح وإعادة رص صفوفه».

استدعاء التاريخ

يرى ماكرون أن تل أبيب لا تلتزم بقرارات الأمم المتحدة، وأمام ذلك لجأ إلى استدعاء تاريخ نشوء إسرائيل نفسها، ووفق ما نُسب للرئيس الفرنسي خلال اجتماع مجلس الوزراء الفرنسي الثلاثاء، فإنه قال: «يتعين على نتنياهو ألا ينسى أن بلاده أنشئت بقرار من الأمم المتحدة»، في إشارة إلى القرار 181 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1947، الذي قضى بتقسيم فلسطين إلى قسمين: دولة لليهود (إسرائيل) ودولة للفلسطينيين.

ويُمكن فهم ما قاله ماكرون من زاويتين: الأولى تتناول تعاطي إسرائيل مع «اليونيفيل» بوصفها أنشئت بقرار دولي، وبالتالي يتعين على إسرائيل احترام وجودها، والامتناع عن الضغط عليها أو المطالبة برحيلها.

والثانية: دفاع فرنسا الدائم عن حل الدولتين الذي ترى فيه الطريق الوحيدة لوضع حل للنزاع الفلسطيني - الإسرائيلي، وضرورة أن تمتثل إسرائيل للقرارات الدولية.

فلسطينيون في مسيرة بمناسبة يوم النكبة بمدينة رام الله بالضفة الغربية مايو 2023 (أرشيفية)

لكن فرنسا رغم مواقفها المبدئية، ما زالت حتى اليوم تتمنع عن اجتياز خطوة الاعتراف بالدولة الفلسطينية على غرار ما قامت به مؤخراً أربع دول أوروبية «إسبانيا، وفنلندا، وآيرلندا، وسلوفينيا»، وحجتها أن الاعتراف «يجب أن يكون مفيداً»، وأن «يحصل في الوقت المناسب».

مرة أخرى، سارع نتنياهو للرد على ماكرون عن طريق بيان لمكتبه جاء فيه: «تذكير لرئيس فرنسا: لم تنشأ دولة إسرائيل بقرار من الأمم المتحدة، بل بموجب الانتصار في حرب الاستقلال، الذي تحقق بدماء المقاتلين الأبطال، وبينهم كثير من الناجين من المحرقة، خصوصاً من نظام فيشي في فرنسا».

ولم يتوقف رد الفعل السلبي على إسرائيل، إذ إن ممثلي الجالية اليهودية في فرنسا عبّروا عن سخطهم، وكتب جوناتان عارفي، رئيس «المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية» في فرنسا على منصة «إكس» إنّ «التصريحات المنسوبة لرئيس الجمهورية، إذا تأكّدت صحّتها، فهي تمثّل خطأً تاريخياً وسياسياً».

من النووي إلى 1967

ولقد مكّنت سياسات باريس في حقبة الجمهورية الرابعة إسرائيل من إنشاء مفاعل ديمونا، والحصول على السلاح النووي، كما أنها شاركتها في العدوان الثلاثي (إلى جانب بريطانيا) على مصر في عام 1956.

لكنّ السنوات اللاحقة في حقبة الجنرال شارل ديغول، شهدت فرض حظر على السلاح الفرنسي لإسرائيل في عام 1967 تنديداً بعدوانها، كما رفض، مباشرة بعد الحرب، الاعتراف بالتغيرات التي حصلت (احتلالها الضفة الغربية وغزة، والجولان، وسيناء).

وعملت الجمعيات والمؤسسات اليهودية على إسقاط ديغول في العام التالي بمناسبة استفتاء طلبَ إجراءه بشأن إصلاحات داخلية، وكذلك حاربت هذه المؤسسات خليفته جورج بومبيدو بسبب «سياسته العربية»، ما شكّل تغيراً جذرياً مع حقب سابقة.

الجنرال شارل ديغول وابنه فيليب على متن مركب خلال زيارة لألمانيا عام 1962 (أ.ف.ب)

كذلك برز التوتر مع الرئيس جاك شيراك في شوارع القدس عام 1996 بمناسبة جولة له في أسواقها القديمة، حيث هدد الأمن الإسرائيلي بقطع زيارته والعودة إلى فرنسا.

ومن الأمور التي لا تنسى تسريب خرائط تصنيع طائرة «الميراج» الفرنسية إلى إسرائيل في الستينات، التي استخدمتها لتصنيع طائرة «الكفير»، وتواطؤ بعض الأجهزة الفرنسية مع إسرائيل لتهريب قطع بحرية من مرفأ شيربورغ «شمال غربي فرنسا».

لكنّ الثابت اليوم أن قدرة باريس على التأثير على إسرائيل ضعيفة للغاية، وأن نتنياهو لا يأخذ أبداً بعين الاعتبار ما تطلبه فرنسا، متسلحاً بالدعم الأميركي وحماية واشنطن.


مقالات ذات صلة

نتنياهو يبلغ ماكرون معارضته «وقفاً لإطلاق النار من جانب واحد» في لبنان

شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أ.ب)

نتنياهو يبلغ ماكرون معارضته «وقفاً لإطلاق النار من جانب واحد» في لبنان

أبلغ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال اتصال هاتفي، الثلاثاء، معارضته وقف إطلاق النار من جانب واحد مع «حزب الله».

«الشرق الأوسط» (القدس)
المشرق العربي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (رويترز)

ماكرون يدعو «حزب الله» إلى أن «يوقف فوراً» قصف إسرائيل

حضّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، السبت، «حزب الله» على أن «يوقف فوراً» قصف إسرائيل، مؤكداً أنه يجب «التوصل فوراً» إلى وقف لإطلاق النار في لبنان.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق ليلي كولينز بطلة مسلسل «إميلي في باريس» (رويترز)

لماذا تفجر «إميلي في باريس» مواجهة دبلوماسية بين فرنسا وإيطاليا؟

انفتحت جبهة جديدة في التاريخ الطويل والمتشابك والمثير للحقد في بعض الأحيان للعلاقات بين إيطاليا وفرنسا، والأمر يدور هذه المرة حول مسلسل «إميلي في باريس».

«الشرق الأوسط» (باريس- روما)
أوروبا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يلقي كلمة أمام قوات من جيش بلاده بقاعدة «مونت دي مارسان» الجوية في فرنسا يوم 20 يناير 2023 (رويترز)

ماكرون يتفقد القوات الأوكرانية في معسكر تدريبي شرق فرنسا

يلتقي الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الأربعاء، لأول مرة بعض القوات الأوكرانية البالغ عددها 15 ألف جندي، التي دربتها فرنسا لمواجهة الغزو الروسي لأوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا رئيس الحكومة الفرنسية ميشال بارنييه (إ.ب.أ)

فرنسا: الجمعية الوطنية تُسقط مذكرة لحجب الثقة عن الحكومة

أُسقطت مذكرة لحجب الثقة عن الحكومة الفرنسية في الجمعية الوطنية، قدّمها ائتلاف اليسار والاشتراكيين والخضر واليسار الراديكالي.

«الشرق الأوسط» (باريس)

زلزال بقوة 5.9 درجة ضرب شمال تركيا وأعاد ذكريات «كهرمان ماراش»

سكان مالاطيا غادروا منازلهم وبقوا في الشوارع بسبب الهلع من الزلزال (إعلام تركي)
سكان مالاطيا غادروا منازلهم وبقوا في الشوارع بسبب الهلع من الزلزال (إعلام تركي)
TT

زلزال بقوة 5.9 درجة ضرب شمال تركيا وأعاد ذكريات «كهرمان ماراش»

سكان مالاطيا غادروا منازلهم وبقوا في الشوارع بسبب الهلع من الزلزال (إعلام تركي)
سكان مالاطيا غادروا منازلهم وبقوا في الشوارع بسبب الهلع من الزلزال (إعلام تركي)

ضرب زلزال بقوة 5.9 درجة على مقياس ريختر ولاية مالاطيا في شرق تركيا تأثرت به بعض المناطق في جنوب شرقي البلاد وفي شمال سوريا، ولم يسفر عن ضحايا أو مصابين بإصابات خطيرة. وذكرت إدارة الكوارث والطوارئ التركية (آفاد) أن الزلزال وقع الساعة 10:46 من صباح الأربعاء (+3 تغ) على عمق 10.07 كيلومتر، وكان مركزه بلدة «قلعة» على بعد 40 كيلومتراً شرق مدينة مالاطيا.

وذكر وزير الداخلية التركي، علي يرلي كايا، عبر حسابه في «إكس» أن إدارة الكوارث والطوارئ (آفاد) وجميع فرق مؤسساتنا ذات الصلة تقوم بالمسح الميداني للزلزال الذي بلغت قوته 5.9 درجة في منطقة قلعة في مالاطيا.

وفي تصريحات خلال ترؤسه اجتماعاً بحضور مسؤولي إدارة الكوارث والطوارئ قال، يرلي كايا، إن انهياراً جزئياً وقع في 4 مبان في كل من مالاطيا وشانلي أورفا وإلازيغ.

وقالت إدارة الكوارث والطوارئ إنه تم إنقاذ 4 أشخاص في مبنى في إلازيغ، لافتة إلى استمرار عمليات المسح في الولايات المتأثرة بالزلزال، وهي مالاطيا، وشانلي أورفا، وإلازيغ، وديار بكر، وبطمان، وتونجلي.

وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا خلال اجتماع تنسيقي عقب زلزال مالاطيا (حسابه في إكس)

وقال والي مالاطيا، سيد آر ياووز، إن سكان عدد من المدن في المنطقة شعروا بالزلزال، ولا سيما ديار بكر، الواقعة على بعد نحو 140 كيلومتراً من مركز الزلزال، وسارع سكان في هذه المدن إلى الخروج إلى الشوارع.

وأكد رئيس بلدية مالاطيا، سامي إر، عدم تلقي أي بلاغات فورية عن خسائر بشرية أو مادية جراء الزلزال، وقال إنه تقرر تعطيل الدراسة بالمدارس لمدة يوم واحد.

وتسبب الزلزال في حالة من الهلع لدى سكان مالاطيا، التي كانت ضمن 11 ولاية تركية تأثرت بالزلزال المزدوج المدمر في كهرمان ماراش في 6 فبراير (شباط) 2023، وأسفر عن سقوط أكثر 53 ألف قتيل في تركيا، ونحو 6 آلاف في شمال سوريا.

وهرع المواطنون الذين أصابهم الذعر إلى الشوارع، بينما ألقى بعضهم بنفسه من شرفات المنازل وأماكن العمل، ما أدى إلى إصابة عدد منهم بجروح طفيفة.