عقوبات أميركية تجمد «أسطول الظل» الإيراني

شبكة سفن وشركات ووسطاء لنقل النفط... والصين في الواجهة

سفينة دورية لوكالة الأمن البحري الإندونيسية تتفقد ناقلة النفط «إم تي أرمان» الإيرانية للاشتباه بتهريب النفط يوليو 2023 (رويترز)
سفينة دورية لوكالة الأمن البحري الإندونيسية تتفقد ناقلة النفط «إم تي أرمان» الإيرانية للاشتباه بتهريب النفط يوليو 2023 (رويترز)
TT

عقوبات أميركية تجمد «أسطول الظل» الإيراني

سفينة دورية لوكالة الأمن البحري الإندونيسية تتفقد ناقلة النفط «إم تي أرمان» الإيرانية للاشتباه بتهريب النفط يوليو 2023 (رويترز)
سفينة دورية لوكالة الأمن البحري الإندونيسية تتفقد ناقلة النفط «إم تي أرمان» الإيرانية للاشتباه بتهريب النفط يوليو 2023 (رويترز)

أعلنت الحكومة الأميركية عقوبات جديدة ضد إيران رداً على هجومها الصاروخي على إسرائيل في الأول من أكتوبر (تشرين الأول)، بينما استهدفت الإجراءات الجديدة «أسطول الظل» الذي تستخدمه إيران لنقل النفط بطريقة غير مشروعة.

وقدّمت وزارة الخزانة الأميركية تفاصيل موسعة عن شبكة دقيقة من شركات وسفن «نقلت النفط نيابة عن إيران»، وامتدت من الصين إلى ماليزيا ودول أخرى. وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، إن الإجراءات تستهدف تعطيل «تدفق الإيرادات التي يستخدمها النظام الإيراني لتمويل برنامجه النووي، وتطوير الصواريخ، ودعم الوكلاء والشركاء الإرهابيين، وإدامة الصراع في جميع أنحاء الشرق الأوسط».

وقال بلينكن، إن العقوبات تستهدف 6 كيانات تعمل في تجارة النفط الإيراني، وحدّد 6 سفن ملكيات مجمدة. وفرضت «الخزانة الأميركية» عقوبات على 10 كيانات، وحدّدت 17 سفينة ممتلكات مجمدة لتورطها في شحنات من المنتجات النفطية والبتروكيماوية الإيرانية لدعم الكيانات التي تُصنّفها الولايات المتحدة «منظمات إرهابية»، ومن بينها «شركة النفط الوطنية الإيرانية» وشركة «تريليانس للبتروكيماويات المحدودة». وقال بلينكن إن وزارة الخزانة تعمل أيضاً على فرض عقوبات «ضد أي شخص عازم على العمل في قطاعَي البترول أو البتروكيماويات بالاقتصاد الإيراني». وأضاف بلينكن: «ما دامت إيران تكرس عائدات الطاقة لديها لتمويل هجمات على حلفائنا، ودعم الإرهاب في جميع أنحاء العالم، وتواصل أعمالها الأخرى المزعزعة للاستقرار، فسنواصل استخدام الأدوات المتاحة لدينا كلها لمحاسبتها».

وقالت وزيرة الخزانة جانيت يلين، إن «العقوبات تستهدف الجهود الإيرانية لتوجيه العائدات من صناعة الطاقة لديها لتمويل الأنشطة القاتلة، بما في ذلك تطوير برنامجها النووي، والصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، ودعم وكلائها في الشرق الأوسط».

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (أ.ب)

ما جديد العقوبات؟

تقول واشنطن إنها توسع العقوبات على قطاعَي النفط والبتروكيماويات في إيران رداً على هجومها على إسرائيل في 1 أكتوبر، وقد يكون هذا مقدمة لاستثناء إسرائيل المنشآت النووية الإيرانية من ردها المحتمل.

ويعمق هذا الإجراء أيضاً، وفقاً لوزارة الخزانة، الضغط المالي على إيران لتقييد قدرة النظام على تحقيق إيرادات حيوية للبرنامج النووي.

إجمالاً، تشمل العقوبات تصنيف 10 كيانات في دول عدة، وتحديد 17 سفينة ممتلكات محجوزة، ضمن ما سمّته وزارة الخزانة الأميركية «أسطول الظل» الإيراني.

واستهدفت مجموعة الإجراءات حصة كبيرة من أسطول الناقلات السري، والجهات التشغيلية غير الشرعية، إلى جانب شبكة - من منسقي الشحن غير المشروعين - لتمكين تصدير النفط الإيراني.

أسطول الظل

تتيح شبكة من وسطاء الشحن غير المشروعين في دول مختلفة إمكانية تصدير النفط الإيراني، بالاعتماد على «التعتيم والخداع» بتحميل ونقل النفط الإيراني للبيع للمشترين في آسيا، وفقاً لنص العقوبات الذي نشرته وزارة الخزانة.

وبالتفصيل، استخدمت شركة «ماكس ماريتايم» سفناً تحت إدارتها لإجراء عمليات نقل متعددة من سفينة إلى سفينة للنفط الإيراني مع سفن تابعة لشركة الناقلات الإيرانية، التي تنقل النفط الإيراني إلى مصافي التكرير في الصين.

أيضاً، أجرت شركتان تديرهما «ماكس ماريتايم» نحو 12 عملية نقل من سفينة إلى سفينة للنفط الإيراني مع سفن تابعة لشركة الناقلات الإيرانية في عام 2023 وحده. وقد تم شحن كثير من هذا النفط لاحقاً إلى مصافي التكرير في الصين.

شعلة غاز على منصة إنتاج النفط بجوار العَلم الإيراني (أرشيفية - رويترز)

ونقلت سفينة تعرف باسم «سيلين»، المدارة من قبل شركة «كاثي هارفيست» ومقرها هونغ كونغ، النفط الإيراني إلى كثير من المصافي في الصين. كما أجرت السفينة نقلاً من سفينة إلى سفينة مع سفينة تابعة لشركة الناقلات الإيرانية بالقرب من سنغافورة لنقل عشرات الآلاف من الأطنان المترية من النفط الخام الإيراني الثقيل.

وشملت العقوبات شركة أخرى لتسلُّمها وثائق شحن مزورة، حيث قامت بإخفاء ملايين البراميل من النفط الخام الإيراني لشركة النفط الإيرانية على أنها نفط مملوك لدولة أخرى.

أما شركة «ريتا للشحن»، ومقرها في جزر مارشال، وهي المالك والمدير المسجل لسفينة «سبريت أوف كاسبر»، فقد شملتها العقوبات لقيامها بنقل شحنات متعددة من النفط الإيراني إلى مصافي التكرير في الصين.

ونقلت سفينة «كريستال روز»، وهي مملوكة لشركة مقرها الصين، مئات الأطنان المترية من النفط الإيراني في شحنات متعددة إلى الصين نيابة عن شركة النفط الإيرانية.

وفي ماليزيا، طالت العقوبات شركة «ديلانز» التي تدير وتشغل سفينة «ديمترا 2» على خلفية شحنها ملايين البراميل من النفط الإيراني من شركة النفط الإيرانية إلى الصين.

وبرز اسم شركة «ديفنا للشحن» في لائحة العقوبات الجديدة، على خلفية «تقديم المساعدة المادية أو الرعاية، أو تقديم الدعم المالي أو المادي أو التكنولوجي، أو السلع أو الخدمات؛ لدعم شركة النفط الإيرانية».


مقالات ذات صلة

تقرير: على بايدن قصف إيران لإظهار أنها «نمر من ورق»

شؤون إقليمية بايدن في اتصال هاتفي مع نتنياهو في 4 أبريل 2024 (رويترز)

تقرير: على بايدن قصف إيران لإظهار أنها «نمر من ورق»

قال أستاذ التاريخ في جامعة ماكجيل الكندية جيل تروي، في مقال نشره موقع «هيل»، إنه يتعين على الرئيس الأميركي جو بايدن أن يقول لإسرائيل عن قصف إيران: «سنقوم بذلك».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية محطة إطلاق لنظام الدفاع الصاروخي الأميركي «ثاد» في إسرائيل (أ.ف.ب)

مصادر: أميركا تنشر نظام «ثاد» للدفاع الجوي في إسرائيل

قالت إذاعة الجيش الإسرائيلي إنه استعداداً لرد متوقع من إيران، ستنشر الولايات المتحدة بطارية «ثاد» للدفاع الجوي في إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
تحليل إخباري رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)

تحليل إخباري ماذا تخبرنا الهجمات الإسرائيلية الأخيرة عن خطوة نتنياهو التالية؟

ستواصل إسرائيل السير في طريقها الخاص، وستقاوم كل الضغوط، بسبب 3 عوامل: 7 أكتوبر، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، والولايات المتحدة، فكيف ذلك؟

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية نتنياهو خلال اجتماع للمجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر «الكابينت» (د.ب.أ)

إسرائيل صادقت على ضربة إيران... وأرجأت موعدها

اتخذت إسرائيل قرار ضرب إيران لكن حجم الضربة وموعدها لم يتقررا بعد، فيما يتفشى قلق من أن يُقدم المرشد الإيراني على إلغاء «تحريم» السلاح النووي.

«الشرق الأوسط» (رام الله)
شؤون إقليمية طائرة «إيرباص» تابعة للخطوط الجوية الإيرانية (رويترز)

إيران تحظر أجهزة النداء اللاسلكية على رحلاتها الجوية بعد تفجيرات لبنان

حظرت إيران استخدام أجهزة النداء اللاسلكية على جميع الرحلات الجوية، السبت، بعد أسابيع من تفجيرات دامية طالت هذه الأجهزة في لبنان، ونُسبت إلى إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (لندن)

ماذا تخبرنا الهجمات الإسرائيلية الأخيرة عن خطوة نتنياهو التالية؟

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
TT

ماذا تخبرنا الهجمات الإسرائيلية الأخيرة عن خطوة نتنياهو التالية؟

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)

قارب الأسبوع الثاني من الغزو البري الإسرائيلي للبنان على الانتهاء، بعد أن دخلت الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة عامها الثاني. وازدادت الدعوات لوقف إطلاق النار في أعقاب الغارة الجوية على بيروت، مساء الخميس، وإصابة جنود حفظ السلام التابعين للأمم المتحدة في جنوب لبنان، يوم الجمعة، لليوم الثاني على التوالي، بنيران الجيش الإسرائيلي.

ويجري الآن هجوم جديد في جباليا بشمال قطاع غزة، على الرغم من الدعوات المستمرة لإنهاء الصراع في القطاع. ويحث حلفاء إسرائيل أيضاً على ضبط النفس بينما تستعد الأخيرة للانتقام من طهران، في أعقاب الهجوم الإيراني الصاروخي الأسبوع الماضي.

لكن إسرائيل ستواصل السير في طريقها الخاص، وستقاوم هذه الضغوط، بسبب 3 عوامل: 7 أكتوبر (تشرين الأول)، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، والولايات المتحدة، وفق ما ذكرته هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي).

تحدي نتنياهو للرئيس الأميركي

أشارت الهيئة إلى اغتيال قاسم سليماني، قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الإيراني في يناير (كانون الثاني) 2020، بضربة طائرة مُسيَّرة في مطار بغداد. وعلى الرغم من أن إسرائيل قدمت معلومات استخباراتية للمساعدة في تحديد موقع «خصمها اللدود»، فإن الطائرة من دون طيار كانت مملوكة للولايات المتحدة. وكان أمر الاغتيال قد صدر من الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترمب، وليس من نتنياهو.

وقال ترمب لاحقاً في خطاب أشار فيه إلى اغتيال سليماني: «لا أنسى أبداً أن نتنياهو خذلنا». وفي مقابلة أخرى، ​​أشار ترمب إلى أنه كان يتوقع أن تلعب إسرائيل دوراً أكثر نشاطاً في الهجوم، واشتكى من أن نتنياهو «مستعد لمحاربة إيران حتى آخر جندي أميركي».

وفي حين أن رواية ترمب للأحداث محل خلاف، فقد كان يُعتقد في ذلك الوقت بأن نتنياهو الذي أشاد بعملية القتل، كان قلقاً من أن التدخل الإسرائيلي المباشر يمكن أن يؤدي إلى هجوم واسع النطاق ضد إسرائيل، إما من إيران مباشرة، وإما من وكلائها في المنطقة.

وبعد ما يزيد قليلاً على 4 سنوات، وبالتحديد في أبريل (نيسان) من هذا العام، أمر نتنياهو نفسه الطائرات الإسرائيلية بقصف مبنى في المجمع الدبلوماسي الإيراني في دمشق، مما أسفر عن مقتل جنرالين إيرانيين من بين آخرين.

ثم في يوليو (تموز)، سمح رئيس الوزراء الإسرائيلي باغتيال فؤاد شكر، القائد العسكري الأعلى لـ«حزب الله»، في غارة جوية على بيروت. وحسبما ورد، كان رد الرئيس الأميركي جو بايدن «هو الشتائم»، وفقاً لكتاب جديد للصحافي الأميركي بوب وودوارد الذي يدَّعي أن بايدن «كان مذعوراً من استعداد رئيس الوزراء الإسرائيلي لتصعيد الصراع» الذي كان البيت الأبيض يحاول احتواءه لأشهر.

 

ما يفصل بين الحلقتين هو يوم 7 أكتوبر 2023، اليوم الأكثر دموية في تاريخ إسرائيل، ومثال الفشل السياسي والعسكري والاستخباراتي ذي الأبعاد الكارثية. لكن ما يجمع بين اللحظتين هو تحدي نتنياهو لإرادة رئيس أميركي. ويساعد كلا العاملين على تفسير الطريقة التي تواصل بها إسرائيل الحرب الحالية، وفق «بي بي سي».

أمر محيِّر

انتهت حروب إسرائيل الأخيرة بعد بضعة أسابيع، عندما ازدادت الضغوط الدولية، وفي الحرب الحالية أصرت الولايات المتحدة على وقف إطلاق النار؛ لكن شراسة وحجم هجوم حركة «حماس» ضد إسرائيل، وتأثيره على المجتمع الإسرائيلي وشعوره بالأمن، يعني أن هذه الحرب ستكون دائماً مختلفة عن أي صراع حديث.

وبالنسبة للإدارة الأميركية التي تضخ أسلحة بقيمة مليارات الدولارات إلى إسرائيل، فإن الوفيات والمعاناة بين المدنيين الفلسطينيين في غزة كانت «غير مريحة للغاية»، و«تسببت في أضرار سياسية» للإدارة. ويرى منتقدو أميركا أن العجز الواضح الذي تعانيه واشنطن عندما يتعلق الأمر بتأثيرها على «الدولة الأكثر تلقي للمساعدات الأميركية» أمر محير.

وحتى بعد مشاركة الطائرات الأميركية في صد الهجمات الإيرانية على إسرائيل في أبريل، وهي علامة واضحة على كيفية ضمان أمن إسرائيل من قبل حليفها الأكبر، واصلت إسرائيل صد المحاولات الأميركية الرامية إلى تغيير مسار حربها. وفي هذا الصيف، اختارت إسرائيل تصعيد صراعها مع «حزب الله» في لبنان، دون الحصول على موافقة مسبقة من الولايات المتحدة.

وباعتباره رئيس وزراء إسرائيل الأطول خدمة، فقد تعلم نتنياهو من أكثر من عشرين عاماً من الخبرة، أن الضغوط الأميركية شيء يمكنه تحمله، إن لم يكن تجاهله. ويدرك نتنياهو أن الولايات المتحدة -وخصوصاً في عام الانتخابات- لن تتخذ أي إجراء يرغمه على التحول عن المسار الذي اختاره، بالإضافة إلى اعتقاده -في كل الأحوال- أنه «يحارب أعداء أميركا أيضاً».

حسابات مختلفة

إسرائيل الآن عازمة على مواصلة حروبها؛ ليس فقط لأنها تشعر بأنها قادرة على الصمود في وجه الضغوط الدولية، ولكن أيضاً لأن تسامح إسرائيل مع التهديدات التي تواجهها قد تغير بعد 7 أكتوبر 2023.

لقد تغير أيضاً تصور إسرائيل للمخاطر. لقد تبخرت المفاهيم السائدة منذ فترة طويلة حول الخطوط الحمراء العسكرية في المنطقة. لقد ارتُكبت عدة أعمال في العام الماضي كان من الممكن أن تؤدي -حتى وقت قريب- إلى صراع شامل.

لقد اغتالت إسرائيل رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» إسماعيل هنية عندما كان ضيفاً على الإيرانيين في طهران؛ كما قتلت قيادة «حزب الله» كلها، بما في ذلك حسن نصر الله؛ واغتالت مسؤولين إيرانيين كباراً داخل المباني الدبلوماسية في سوريا.

بدوره، أطلق «حزب الله» أكثر من 9 آلاف صاروخ ومُسيَّرة على المدن الإسرائيلية. كما أطلق الحوثيون المدعومون من إيران في اليمن صواريخ كبيرة على مدن إسرائيلية. ولم تشن إيران هجوماً واحداً؛ بل شنت هجومين ضد إسرائيل في الأشهر الستة الماضية، شملا أكثر من 500 مُسيَّرة وصاروخ، وأخيراً، لقد غزت إسرائيل لبنان.

وفي الماضي، كان أي من هذه الأمور قد يعجِّل بحرب إقليمية، وحقيقة أن ذلك لم يحدث ستغير الطريقة التي يقرر بها رئيس الوزراء الإسرائيلي الحذِر والمُتجنِّب للمخاطرة عادة خطوته التالية.