تستشعر العواصم الأوروبية خطر الانزلاق إلى حرب مفتوحة في منطقة الشرق الأوسط، بعد التطور الخطير المتمثل بالضربات الصاروخية الإيرانية ضد إسرائيل، مساء الثلاثاء، وتوعد المسؤولين الإسرائيليين بالرد عليها، فيما هدّدت طهران بأنها سترد على الرد. ويقول خبراء إن الأوروبيين الذين لديهم حضور ومصالح في المنطقة لم يعودوا يستبعدون قيام حرب شاملة تنخرط بها الولايات المتحدة إلى جانب إسرائيل. ولخّص المستشار الألماني أولاف شولتس الموقف بتحذيره من «اشتعال المنطقة».
ويأتي هذا التحذير في وقت أكد مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، الثلاثاء، «أنه ستكون هناك عواقب وخيمة لهذا الهجوم (الإيراني)، وسنعمل مع إسرائيل لجعل هذا الأمر واقعاً»، ما يعني عملياً أن القوات الأميركية المحتشدة في المنطقة يمكن أن تكون جزءاً من الرد على إيران. ولاحظ خبراء أن المسؤول الأميركي لم يدعُ إسرائيل إلى ضبط النفس، بعكس ما فعلت واشنطن في الربيع الماضي عندما تعرضت الدولة العبرية لهجوم آخر من إيران. ويرى أكثر من مصدر أوروبي أن ما كان يسعى إليه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من جرّ الولايات المتحدة إلى حرب مفتوحة مع إيران، توفر الفرصة الذهبية لاستهداف برنامج طهران النووي، بات من الممكن أن يتحقق الآن. لكن الجانب الأوروبي لا يريد على الأرجح الوصول إلى هذا المنزلق غير معروف النهايات.
3 مستويات للتحرك الأوروبي
الملاحظ أن ردود الفعل الأوروبية على الهجوم الإيراني، رغم تشدّدها وحدّتها، لم تصل إلى مستوى ردة الفعل الأميركية. ويمكن حصرها بـ3 محاور رئيسية. وللمحور الأول عنوانان: الأول، التنديد الشديد بالهجمات الإيرانية، والثاني تأكيد التمسك بأمن إسرائيل. وجاء في بيان صادر عن الرئاسة الفرنسية، فجر الأربعاء، بعد اجتماع طارئ دعا إليه الرئيس إيمانويل ماكرون، أن الأخير «أدان بأشدّ العبارات الهجمات الجديدة التي شنّتها إيران على إسرائيل»، وأن فرنسا «تؤكد التزامها التام بأمن إسرائيل». والأمر نفسه صدر عن ألمانيا حيث عدّ المستشار أولاف شولتس أنه «يتعين إدانة الهجمات الصاروخية الإيرانية بأشد العبارات»، وأن إيران «تجازف بإشعال المنطقة برمتها». وقالت وزيرة خارجيته، أنالينا بيربوك، إن ما حصل «يقود المنطقة أكثر فأكثر نحو الهاوية». من جانبه، شدّد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر على «التزام بريطانيا الثابت» بأمن إسرائيل، وندّد «بأشد العبارات» بالهجمات الإيرانية، مضيفاً أن «لإسرائيل الحق في الدفاع عن النفس». وتعبر هذه المواقف عموماً عن الموقف الأوروبي الغالب مما يجري.
أما المحور الثاني فقد باشرت به فرنسا التي دعت إلى عقد جلسة لمجلس الأمن حصلت مساء، فيما سارعت رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني، التي ترأس بلادها مجموعة السبع، إلى الدعوة إلى عقد اجتماع عن بعد لزعماء هذه المجموعة للنظر في تطورات الموقف في الشرق الأوسط. أما ستارمر فقد عمد إلى القيام بجولة مشاورات موسعة مع قادة أجانب. وقالت مصادر فرنسية إن الغرض من هذه الاتصالات يتعين أن يكون النظر في كيفية احتواء التصعيد. من هنا تأتي دعوة ماكرون «كل الأطراف المعنية بالأزمة في الشرق الأوسط» إلى «إظهار أكبر قدر من ضبط النفس». أما شولتس فقال إن ألمانيا ستواصل مع شركائها العمل من أجل وقف إطلاق النار، وإنه يتعين منع الانفجار الشامل «بأي ثمن». ونُقل عن ميلوني قولها لمجلس الوزراء إن «إيطاليا ستواصل السعي إلى التوصل إلى حل دبلوماسي». وكان هذا الملف رئيسياً في الاجتماع الذي جرى عصر الأربعاء بين الرئيس ماكرون والمستشار شولتس في ألمانيا. ومن المرتقب أن يتوجه وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو مجدداً إلى الشرق الأوسط بناء على طلب من ماكرون الذي أرسله الأحد الماضي إلى بيروت في محاولة منه لإيجاد وسيلة لخفض التصعيد بين إسرائيل و«حزب الله».
أما المحور الأوروبي الثالث فعسكري الطابع. وقالت الرئاسة الفرنسية إنها «تشارك بوسائلها العسكرية في الشرق الأوسط لمواجهة التهديد الإيراني». وبالتوازي، أشارت مصادر عسكرية إلى أن فرنسا «شاركت» مساء الثلاثاء في اعتراض الصواريخ الإيرانية، من دون أن يتضح كيف تم ذلك. كذلك، فإن وزير الدفاع البريطاني جون هيلي أفاد بأن القوات المسلحة البريطانية شاركت بدورها في «منع مزيد من التصعيد» عندما أطلقت إيران وابلاً من الصواريخ على إسرائيل مساء الثلاثاء. وذكرت وسائل إعلامية بريطانية أن مقاتلات بريطانية شاركت في دعم إسرائيل خلال الهجوم الإيراني.