التفاوض أم الردع؟... إيران بين هاريس وترمب

سجال جمهوري - ديمقراطي حول الاتفاق النووي وتوتر الشرق الأوسط

تختلف سياسات ترمب وهاريس تجاه إيران (أ.ف.ب)
تختلف سياسات ترمب وهاريس تجاه إيران (أ.ف.ب)
TT

التفاوض أم الردع؟... إيران بين هاريس وترمب

تختلف سياسات ترمب وهاريس تجاه إيران (أ.ف.ب)
تختلف سياسات ترمب وهاريس تجاه إيران (أ.ف.ب)

تتواصل الخروقات الإيرانية على الحملات الانتخابية في أميركا، رغم فشل عدد من المحاولات، بحسب الاستخبارات الأميركية، التي أكدت أن إيران تعدّ انتخابات هذا العام مصيرية، ولهذا السبب تستهدف طهران حملة الرئيس السابق دونالد ترمب، وفريق الرئيس الحالي جو بايدن والمرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، على حد سواء.

ولا يعدّ هذا التحرك مفاجئاً، فالنظام الإيراني يقول علانية إن المواجهة مع الولايات المتحدة مفتوحة من دون قيود، ولا تقتصر على القرصنة الانتخابية، بل تمتد لتشمل محاولات اغتيال لمسؤولين حاليين وسابقين على الأراضي الأميركية، وهجمات لوكلاء طهران على القوات الأميركية في المنطقة.

يستعرض تقرير واشنطن وهو ثمرة تعاون بين صحيفة «الشرق الأوسط» وقناة «الشرق»، الفروقات في سياسيات ترمب وهاريس تجاه طهران، وما إذا كانت المساعي الدبلوماسية مطروحة على الطاولة أم أن الوقت حان لسياسة الضغط القصوى.

يتهم ترمب هاريس بالليونة تجاه طهران (رويترز)

التفاوض أم الردع؟

رجح مايك سينغ، المدير السابق لمكتب الشرق الأوسط وإيران في البيت الأبيض في عهد بوش الابن، أن سياسة هاريس ستتشابه إلى حد كبير مع الإدارات الديمقراطية السابقة، مشيراً إلى أن بايدن بذل في بداية عهده جهوداً لاعتماد الدبلوماسية، لكنها «لم تسفر عن أي اتفاق».

وأضاف سينغ أن بايدن «لم يكن يسعى إلى زيادة الضغط على إيران. لكن واشنطن ردت عندما ضربت طهران قواتها، وأيضاً حين هددت إسرائيل»، وعلى هذا الأساس توقع سينغ «موقفاً مماثلاً من إدارة ديمقراطية أخرى في المستقبل».

وبخصوص العودة للاتفاق النووي، قال سينغ: «إذا أظهرت إيران رغبة قوية في التفاوض مع الولايات المتحدة أو التواصل معها، فسوف ترغب هاريس في اختبار الاقتراح».

من ناحيته، أشار ستيفن كوك، كبير الباحثين في مجلس العلاقات الخارجية والكاتب في صحيفة «فورين بوليسي»، إلى أن «التطورات الأخيرة في الشرق الأوسط، وإيران جزء منها، قد تغير المعادلة»، ولهذا فإن هاريس «ليست مستعدة بعدُ للانخراط في أي نوع من المفاوضات الدبلوماسية النووية مع الإيرانيين»، ومع ذلك، «ففي حال انتهى الصراع بين إسرائيل و(حماس)، فسوف تنتهز هاريس الفرصة».

ووافق السفير الأميركي السابق لدى سلطنة عمان، ريتشارد شميرير، على هذه المقاربة، وذكّر بدوره التفاوضي خلال عهد أوباما للتوصل إلى الاتفاق النووي.

وقال شميرير: «عندما كنت في عُمان، وبدأنا المناقشات حول الاتفاق النووي الإيراني، كان الشاغل الأساسي هو التهديد الوجودي الذي يشكله البرنامج النووي الإيراني. وإن توفرت الظروف السياسية المناسبة بعد الانتخابات، وفي حال فاز الديمقراطيون بالرئاسة في البيت الأبيض، أعتقد أن هناك احتمالاً أن تسعى الرئيسة هاريس إلى محاولة تجديد القيود المفروضة على البرنامج النووي الإيراني».

اعتمد ترمب سياسة الضغط القصوى مع إيران (أ.ف.ب)

سياسة الردع

يستغل المرشح الجمهوري دونالد ترمب النقاش حول الاتفاق النووي الإيراني، ليشن هجوماً على منافسته ويتغنى بسياسة الضغط القصوى التي اعتمدتها إدارته. ويرى سينغ أن العقوبات التي فرضها ترمب على طهران «كان لها تأثير هائل».

وقال سينغ: «لقد انخفضت صادرات النفط الإيرانية إلى ما يقارب الصفر. وفي الوقت نفسه لم نر إيران تتقدم في برنامجها النووي كما فعلت عندما انتُخب بايدن. لذلك، بينما كنا نضغط، لم تتقدم إيران في برنامجها النووي. ومن الواضح الآن أن المنطقة غرقت في الاضطرابات عندما تم تخفيف الضغوط».

لكن كوك رأى أن الردع قضية مشتركة بين الحزبين، وقال إن «الإيرانيين عندما انخرطوا في أنشطة خبيثة في أثناء إدارة أوباما، تم التغاضي عن بعض الأمور لحماية المفاوضات النووية. من جهة أخرى، كانت هناك ضغوطات قصوى خلال عهد ترمب، ولكن حين ضربت إيران منشآت خريص النفطية في السعودية، قال إننا لن نرد، ما أدى إلى تبديد 40 عاماً من السياسة الأميركية المعلنة في المنطقة. لذا فإن مواقف الحزبين على مدار السنوات العشر شجعت الأنشطة الخبيثة لإيران، وساعدت على تقدم برنامجها النووي».

ويعارض شميرير الانتقادات المحيطة بالاتفاق النووي، لافتاً إلى أن «المشاركة الدبلوماسية ستوفر ضمانات للمجتمع الدولي بأن البرنامج النووي الإيراني لن يؤدي إلى سلاح نووي». لكنه يعترف بأن الاتفاق لم يتطرق إلى أنشطة إيران الخبيثة»، مشدداً على المقاربة القائلة بأنه «من المهم معالجة القضية النووية بمفردها بهدف إزالة التهديد الوجودي».

واعترض كوك على هذه المقاربة، وقال: «لو كنا عالجنا الأنشطة الخبيثة، لكنا في وضع أفضل للتفاوض مع الإيرانيين». وتابع: «نحن مضطرون الآن للتعامل مع المشكلة في البحر الأحمر؛ لأننا في وضع أسوأ مما كنا عليه في السابق».

هاريس وبايدن في المؤتمر الوطني الديمقراطي في 19 أغسطس 2024 (رويترز)

«غياب» القيادة الأميركية

غياب القيادة الأميركية في المنطقة، كما يصفه البعض، يطرح مشكلة أخرى بين الفريقين، لكن التحدي الحقيقي «لا يتعلق بالشخص الذي يشغل المكتب البيضاوي، بل بصورة القيادة الأميركية في العالم»، على ما يقول سينغ، الذي رأى أن «أميركا باتت منعزلة، وفقدت الثقة بقدرتها على القيادة في مختلف أنحاء العالم».

مع ذلك، شدد سينغ على الرئيس القادم، أنه «لا يمكن التصدي للتحديات التي تفرضها روسيا والصين وإيران بمعزل عن بعضها، بل ينبغي أن يقدم استراتيجية لقيادة للعالم، يستطيع شركاؤنا دعمها، وتخولهم لمعالجة هذه التهديدات مجتمعة».

وقد واجهت إدارة بايدن انتقادات شديدة في بداية عهده عندما اتهمه كثيرون بتجاهل الشرق الأوسط، والتركيز على المنافسة مع الصين، ويقول شميرير إن التركيز على آسيا لا يعني تخفيف التركيز على الشرق الأوسط، مشدداً على أن إدارة بايدن لم تتجاهل المنطقة.

وقال شميرير: «الشرق الأوسط يظل جزءاً بالغ الأهمية من العالم بالنسبة لنا؛ لأسباب مختلفة منها الطاقة والتحالفات المختلفة».

تتهم الاستخبارات الأميركية إيران بقرصنة الحملات الانتخابية (أ.ف.ب)

قرصنة إيرانية

يسعى النظام الإيراني باستمرار إلى تحدي النفوذ الأميركي. وفي آخر تحركاته، عمد إلى خرق الحملات الانتخابية عبر قرصنتها، بحسب تقارير استخباراتية أميركية أفادت بأن المساعي نجحت في خرق حملة ترمب.

رأى كوك أن مساعي القرصنة «محاولة إضافية من جانب الإيرانيين لنشر المزيد من الفوضى، تتطلب الرد»، وخلافاً لمخاوف كثيرين، فإن كوك لا يتفق مع القول بأن الرد على طهران سيفتح حرباً شاملة.

كما أن سينغ أشار إلى أن «إيران تسعى إلى إظهار قوتها بشتى الطرق، وتحاول دفع الولايات المتحدة خارج الشرق الأوسط عبر محاولة إقناعها بأن التعامل مع طهران يمثل مشكلة كبيرة».

لكن سينغ صنف الهجمات السيبرانية الأخيرة على أنها تحوّل معاصر في السياسة الإيرانية، مستبعداً فرضية كانت تقول بأنها تخدم مرشحاً بعينه على حساب الآخر. وقال: «أعتقد أنهم يحاولون ببساطة فرض التكاليف علينا، وإحداث الفوضى حيثما أمكنهم»، وشدد على الرد على هذه الأنشطة «بنفس العزم الذي قد نرد به على أي هجوم على القوات الأميركية».

لكن شميرير يحذر من هذه المقاربة، مشيراً إلى أهمية «إظهار القوة والقيام بمبادرات دبلوماسية تقوض أو تضعف النفوذ الإيراني في المنطقة».


مقالات ذات صلة

إرجاء إصدار الحكم في قضية ترمب بنيويورك إلى «أجل غير مسمى»

الولايات المتحدة​ صورة مركّبة لدونالد ترمب وستورمي دانيالز (رويترز)

إرجاء إصدار الحكم في قضية ترمب بنيويورك إلى «أجل غير مسمى»

أمر القاضي في قضية الاحتيال المالي ضد دونالد ترمب، الجمعة، بتأجيل النطق بالحكم إلى أجل غير مسمى، ما يمثل انتصاراً قانونياً للرئيس المنتخب.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن (أ.ف.ب)

بايدن يصبح أول رئيس أميركي يبلغ 82 عاماً وهو في السلطة

أتم الرئيس الأميركي جو بايدن 82 عاماً، اليوم (الأربعاء)، وهو عمر لم يسبق لرئيس أميركي بلوغه وهو في السلطة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس المنتخب دونالد ترمب وكامالا هاريس مرشحة الحزب الديمقراطي في الانتخابات الأميركية (أ.ف.ب)

متخصص بالتضليل الإعلامي: اليسار الأميركي يغرق في نظريات المؤامرة بعد فوز ترمب

بعد فوز دونالد ترمب بالانتخابات الرئاسية، تراجعت مزاعم اليمين الأميركي بشأن عمليات تزوير على شبكات التواصل الاجتماعي، في حين باشر اليسار تشارك نظريات المؤامرة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الإعلامية أوبرا وينفري تسير إلى جانب المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس خلال تجمع انتخابي (د.ب.أ)

بعد مزاعم حصولها على مليون دولار لدعم هاريس... كيف علّقت أوبرا وينفري؟

نفت الإعلامية الأميركية الشهيرة أوبرا وينفري التقارير التي تفيد بأنها حصلت على مليون دولار مقابل الظهور في حدث ضمن حملة المرشحة الديمقراطية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ ملصق انتخابي لكامالا هاريس في ديترويت (رويترز)

ما هي خيارات هاريس بعد خروجها من البيت الأبيض؟

بحلول 20 يناير (كانون الثاني) 2025 ستكون نائبة الرئيس، كامالا هاريس، خارج البيت الأبيض بعدما خسرت سباق الوصول إليه.

هبة القدسي (واشنطن)

وسط دعوات لإقالة بن غفير... إسرائيل إلى أزمة دستورية

إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)
إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)
TT

وسط دعوات لإقالة بن غفير... إسرائيل إلى أزمة دستورية

إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)
إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)

تسببت عريضة قدمتها مجموعة من المنظمات غير الحكومية للمحكمة العليا بإسرائيل، مطالبةً فيها بإصدار أمر إقالة لوزير الأمن الوطني المنتمي لليمين المتطرف إيتمار بن غفير، في حدوث انشقاق داخل حكومة بنيامين نتنياهو، مما قد يزج بإسرائيل في أزمة دستورية.

وفي رسالة إلى نتنياهو، الأسبوع الماضي، طلبت المدعية العامة غالي باهراف ميارا من رئيس الوزراء أن يدرس إقالة بن غفير، مستندة إلى أدلة تشير لتدخله المباشر في عمليات الشرطة، واتخاذ قرارات الترقيات بداخلها بناء على أسباب سياسية.

وجاءت هذه الرسالة قبل أن تقدم باهراف ميارا رأيها إلى المحكمة العليا في الأسابيع المقبلة بشأن ما إذا كان ينبغي لها قبول العريضة التي قدمتها المنظمات غير الحكومية في سبتمبر (أيلول) والنظر فيها، أم لا.

وفي رسالتها التي نشرها مكتبها، أيدت باهراف ميارا الاتهامات التي ساقتها المنظمات غير الحكومية عن تدخل بن غفير شخصياً في الطريقة التي تعامل بها قادة الشرطة مع الاحتجاجات المناهضة للحكومة.

واستشهدت أيضاً برسالة من المفوض السابق للشرطة يعقوب شبتاي الذي ترك منصبه في يوليو (تموز)، والتي جاء فيها أن بن غفير أصدر تعليمات لكبار قادة الشرطة بتجاهل أوامر مجلس الوزراء بحماية قوافل المساعدات الإنسانية المتجهة إلى غزة.

وقد أثارت رسالة باهراف ميارا رد فعل حاداً من بن غفير الذي دعا علناً إلى إقالتها، قائلاً إن طلبها تُحركه دوافع سياسية. ونفى الوزير ارتكاب أي مخالفات.

وحصل بن غفير على مهام واسعة عندما انضم إلى ائتلاف نتنياهو في نهاية عام 2022، منها المسؤولية عن شرطة الحدود في الضفة الغربية المحتلة، على الرغم من إدانته في عام 2007 بالتحريض العنصري ضد العرب ودعم حركة (كاخ) اليهودية المتطرفة التي تصنفها إسرائيل والولايات المتحدة منظمة إرهابية.

وقد أدى (قانون الشرطة) الذي أقره الكنيست في ديسمبر (كانون الأول) 2022، وهو أحد الشروط التي وضعها بن غفير للانضمام إلى الائتلاف، إلى توسيع سلطاته على الشرطة والسماح له بوضع السياسات العامة، وتحديد أولويات العمل والمبادئ التوجيهية.

وقال بن غفير إن القانون سيعزز قوة الشرطة وقدرتها على مكافحة الجرائم، وزعم أن الشرطة في كل البلدان الديمقراطية تتبع وزيراً منتخباً. وقال منتقدون إن التعديلات منحت بن غفير سلطات شاملة على العمليات، وحوّلته إلى «رئيس للشرطة (بسلطات) مطلقة».

وقال أربعة من قادة الشرطة السابقين وخبيران قانونيان لـ«رويترز» إن التغييرات التي أجراها بن غفير على الكيان الشرطي وثقافته قادت إلى تسييسه.

وقال أمونون الكالاي، وهو سيرجنت سابق في الشرطة استقال في 2021: «يحاول الوزير بن غفير من خلال سلطته الموافقة على التعيينات أو التدخل في الترقيات لخدمة مصالحه السياسية الخاصة».

ولم ترد شرطة إسرائيل ولا مكتب بن غفير على طلبات للتعليق على دور الوزير في تعيينات الشرطة أو التأثير في عملها.

وقاوم نتنياهو، الذي يواجه اتهامات بالفساد، دعوات سابقة لإقالة بن غفير. وإذا انسحب حزب عوتسماه يهوديت (القوة اليهودية) الذي يرأسه بن غفير من الائتلاف الحاكم، فلن يكون لدى نتنياهو إلا أغلبية ضئيلة. وإلى جانب المشكلات القانونية التي تواجه رئيس الوزراء، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة لاعتقاله، الخميس، بتهمة ارتكاب جرائم حرب في صراع غزة. ويصر نتنياهو على براءته من جميع التهم.

ويقول بعض الخبراء القانونيين إن إسرائيل قد تنزلق إلى أزمة دستورية إذا أمرت المحكمة العليا رئيس الوزراء بإقالة بن غفير ورفض ذلك، حيث ستظهر الحكومة وكأنها تضرب بقرارات القضاء عرض الحائط.

وقال عمير فوكس، وهو أحد كبار الباحثين في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، وهو مركز أبحاث مقره القدس: «لا نعرف ماذا سيحدث في مثل هذا الوضع». وأضاف أن هذا قد يضع إسرائيل «في موقف خطير للغاية».

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)

موقف متشدد من الاحتجاجات

في العام الماضي، استقال قائد شرطة تل أبيب عامي إيشد، وأشار لأسباب سياسية وراء قراره، وذلك بعد أن صرح علناً أنه لن يستخدم القوة ضد المتظاهرين المناهضين للحكومة، على الرغم من طلبات بن غفير بذلك. وفي بيان بثه التلفزيون، قال إيشد إن «المستوى الوزاري» كان يتدخل بشكل صارخ في عملية اتخاذ القرار المهني.

ولم يرد مكتب بن غفير علناً على تعليقات إيشد. وكانت المحكمة العليا قد أمرت بن غفير بالتوقف عن إعطاء تعليمات للشرطة حول كيفية استخدام القوة للسيطرة على الاحتجاجات في العام الماضي، قبل أن تعاود الأمر في يناير (كانون الثاني).

وقال قادة الشرطة الأربعة السابقون الذين تحدثوا إلى «رويترز»، إن ثمة تغييراً طرأ على عمل الشرطة تحت قيادة بن غفير. وأوضحوا أن الدليل على ذلك هو عدم تنفيذ الشرطة أي اعتقالات عندما اقتحم متظاهرون من اليمين مجمعين عسكريين في يوليو، بعد وصول محققين لاستجواب جنود في اتهامات بإساءة معاملة سجين فلسطيني.

وعلى النقيض من ذلك، اتخذت الشرطة إجراءات صارمة في مواجهة المظاهرات المناهضة للحكومة. وذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية في يونيو (حزيران) أن 110 أشخاص قُبض عليهم في إحدى ليالي الاحتجاجات، وهو رقم قياسي، ولم توجّه اتهامات إلا إلى شخص واحد منهم.

وقالت الشرطة، رداً على الانتقادات الموجهة إليها باعتقال أعداد كبيرة، إن سلوك بعض المتظاهرين اتسم بالعنف خلال الاحتجاجات، ومنهم من هاجموا قوات إنفاذ القانون وأشعلوا الحرائق.

الحرم القدسي

أدت تعيينات في مناصب عليا في الأشهر القليلة الماضية إلى تحول في قيادة الشرطة، فبعد أن وافقت الحكومة في أغسطس (آب) على مرشحه لمنصب مفوض الشرطة، دانييل ليفي، قال بن غفير إن المفوض الجديد سوف يتبع «أجندة صهيونية ويهودية»، ويقود الشرطة «وفقاً للسياسة التي وضعتها له».

ويشكل العرب ما يزيد قليلاً على 20 في المائة من سكان إسرائيل، ويتعرضون لمعدلات أعلى بكثير من جرائم العنف. ولم يحضر بن غفير ولا ليفي اجتماعاً دعا إليه نتنياهو في سبتمبر لمواجهة ارتفاع معدلات الجريمة في المجتمع العربي بإسرائيل.

وخفف أمير أرزاني، الذي تم تعيينه قائداً لشرطة القدس في فترة تولي بن غفير منصبه، قيود الوصول إلى المسجد الأقصى، في مكان يطلق عليه اليهود اسم جبل المعبد، وهو أحد أكثر الأماكن حساسية في الشرق الأوسط.

وقال أحد كبار المسؤولين سابقاً عن إنفاذ القانون في القدس لـ«رويترز»، إنه في السابق عندما كان يحاول الوزراء الوصول إلى الحرم القدسي لممارسة الطقوس اليهودية كان كبار الضباط يطلبون تصريحاً من وزارة العدل لاعتقالهم على أساس أن ذلك يشكل تهديداً للأمن الوطني.

وصعد بن غفير إلى الحرم القدسي عدة مرات منذ توليه منصبه دون أن يوقفه رجال الشرطة.

وقالت شرطة إسرائيل، في بيان، رداً على أسئلة من «رويترز» بشأن الإرشادات، إن أعضاء الكنيست يمكنهم طلب الوصول إلى الحرم القدسي عبر (حرس الكنيست)، وإن الموافقة تعتمد على تقييم أمني يجري في وقت قريب من موعد الزيارة المطلوبة.

وقال أحد المسؤولين السابقين، الذي خدم في فترة بن غفير وطلب عدم الكشف عن هويته بسبب الطبيعة الحساسة لمنصبه السابق، إن بن غفير لم يُمنع من الوصول إلى الحرم القدسي، حيث عُدّ أنه لا يشكل تهديداً.

أضرار طويلة الأمد

قال يوجين كونتوروفيتش، رئيس قسم القانون الدولي في منتدى كوهيليت للسياسات، وهو مركز أبحاث ذو توجه محافظ مقره القدس، إن الأمر الذي أصدرته المحكمة العليا لرئيس الوزراء بإقالة الوزير قد ينطوي على تجاوز لحدود السلطة القضائية.

وأضاف: «إذا لم يكن لرئيس الوزراء الاختيار بشأن الوزراء الذين يعينهم أو يقيلهم فهو ليس رئيساً للوزراء، بل مجرد دمية في يد المحاكم». وأضاف أن المدعية العامة لم تحدد قوانين بعينها انتهكها بن غفير.

وطعنت (الحركة من أجل جودة الحكم في إسرائيل)، وهي حملة تهدف إلى تعزيز معايير الديمقراطية، على قانون الشرطة لعام 2022 أمام المحكمة العليا.

وقال أوري هيس، المحامي في الحركة، إن القانون أعطى بن غفير سلطة خطيرة للتدخل في السياسة الإسرائيلية؛ لأنه يستطيع استخدام الشرطة لقمع المشاعر المناهضة للحكومة.

وذكر يوآف سيغالوفيتش، وهو عضو في الكنيست عن حزب معارض وضابط إنفاذ قانون سابق ترأس قسم التحقيقات والاستخبارات في الشرطة، إن التغييرات التي أجراها بن غفير يحتمل أن تسبب أضراراً لا رجعة فيها، وقد يستغرق تصحيحها سنوات.

وقال سيغالوفيتش: «ينبغي ألا يتمتع أي سياسي بسلطة على كيفية استخدام الشرطة؛ لأن الشرطة ليست مثل الجيش، فالشرطة تتعامل مع المواطنين؛ الشرطة تتعامل مع القضايا الأكثر حساسية».