طالبت تركيا بإلغاء الانتخابات المحلية في مناطق «الإدارة الذاتية لإقليم شمال شرقي سوريا» الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بعدما أعلنت المفوضية العليا للانتخابات التابعة للإدارة تأجيلها إلى أغسطس (آب) المقبل بعدما كان من المقرر أن تُجرى في 11 يونيو (حزيران) الحالي.
وأثار الإعلان عن الانتخابات غضب تركيا، التي تعد الخصم اللدود لـ«قسد»، وانتقاد الولايات المتحدة، التي تعد أبرز داعميها وحليفاً لأنقرة بالوقت ذاته، والتي سحبت دعمها للانتخابات على أساس أن الظروف غير مهيأة لإجرائها. وقال مسؤول بوزارة الدفاع التركية إن «الموقف الذي أعربت عنه تركيا من خلال رئيسنا المحترم ووزير دفاعنا الموقر أتى بثماره بتأجيل الانتخابات». وأضاف المسؤول، خلال مشاركته الخميس في مؤتمر صحافي أسبوعي يعقده مستشار العلاقات العامة والإعلام في الوزارة زكي أكتورك: «يجب إلغاء هذه الانتخابات المزعومة تماماً».
وذكرت مصادر عسكرية أن تركيا بذلت جهوداً دبلوماسية مكثفة لمنع إجراء الانتخابات، وأن هذه الجهود خلقت وحدة قوى في المنطقة، ولاقت استجابة بالمثل على الساحة الدولية، وأن قرار التأجيل جاء بسبب معارضة الولايات المتحدة. وأعلنت المفوضية العليا للانتخابات في «الإدارة الذاتية» (الكردية) تأجيل الانتخابات المحلية، التي كانت مقررة في 11 يونيو الحالي، لتُجرى في أغسطس المقبل، لاختيار رؤساء البلديات وأعضاء المجالس على مستوى 1792 مركزا في 7 كانتونات تابعة لنفوذها في شمال وشمال شرقي سوريا، هي: الشهباء وعفرين ومنبج بريف محافظة حلب، ومقاطعتا الفرات والطبقة التابعتان لمحافظة الرقة، ومدن وبلدات ريف دير الزور الشرقي ومناطق الجزيرة بمحافظة الحسكة.
وقالت المفوضية، في بيان، إن «التأجيل جاء استجابة لمطالب الأحزاب والتحالفات السياسية المشاركة في العملية الانتخابية، بموجب كتب رسمية منها، وحرصاً على تنفيذ العملية الانتخابية بشكل ديمقراطي، وإن سبب التأجيل هو ضيق الوقت المخصص للفترة الدعائية، ولتأمين المدة اللازمة لمخاطبة المنظمات الدولية لمراقبة سير الانتخابات». ودعت 4 أحزاب وتحالفات إلى تأجيل الانتخابات. وذكرت مصادر أمنية تركية أنه «إلى جانب الموقف التركي احتجت القبائل والطوائف في المنطقة أيضاً على القرار».
ضغوط داخلية وخارجية
وتعرضت «الإدارة الذاتية» إلى ضغوط تركية وأميركية إلى جانب موقف بعض الأحزاب للتراجع عن إجراء الانتخابات المحلية. وأكد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، خلال حضوره مناورة «أفس 2024» في إزمير (غرب تركيا) الأسبوع الماضي، أن بلاده لن تسمح لـ«منظمة حزب العمال الكردستاني الانفصالية» بإنشاء «دويلة إرهابية» قرب حدود تركيا، أو فَرْض أمر واقع في المنطقة، وأنها قامت بكل ما هو ضروري في مواجهة ذلك، ولن تتردَّد في اتخاذ الإجراءات اللازمة، في تلويح بالقيام بعمل عسكري. ونوقشت القضية أيضاً في اجتماع مجلس الأمن القومي التركي برئاسة إردوغان في 28 مايو (أيار) الماضي، وتم التأكيد على أنه سيتم اتخاذ كل الخطوات اللازمة من أجل أمن حدود تركيا وسلام شعوب المنطقة. وقالت وزارة الدفاع التركية إن أنقرة لن تسمح بفرض أمر واقع يهدد أمنها القومي وينتهك وحدة أراضي سوريا، وإن ما يسمى الإجراءات الانتخابية، غير مقبولة من حيث وحدة الأراضي السورية، ويمكن أن تتولد عنها آثار سلبية على حماية السلام والطمأنينة في المنطقة.
وجاء التأجيل وسط انتقادات صدرت على أكثر من مستوى، رغم إصرار مسؤولين محليين على أن الانتخابات «شأن داخلي»، هدفها النهوض بالواقع الخدمي في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية، الموزعة على سبع مقاطعات، يقيم فيها أكراد وعرب.
وخفف الزعيم الكردي الرئيس السابق لحزب «الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري»، صالح مسلم، في وقت سابق من أهمية التهديد التركي، عاداً أن أنقرة «لا تحتاج لأسباب وحجج لمهاجمة مناطقنا».
ولم تتردد واشنطن، حليفة أنقرة في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، والداعمة الرئيسية لـ«قسد»، في دعوة الإدارة الذاتية للتراجع عن الانتخابات أيضاً. وقال نائب المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأميركية فيدانت باتيل، في بيان الأسبوع الماضي: «لا نعتقد أن الظروف الملائمة لمثل هذه الانتخابات متوافرة في شمال شرقي سوريا في الوقت الحاضر، واشنطن حثت الجهات الفاعلة، بما في ذلك الإدارة الذاتية على عدم المضي قدماً في الانتخابات في الوقت الحالي». ولم يصدر عن دمشق، التي تأخذ على الأكراد نزعتهم «الانفصالية» وتلقيهم دعماً أميركياً، أي موقف إزاء الانتخابات، إلا أن مكونات سورية عدة انتقدت ما وصفته بـ«التفرد بالقرار»، وهو اتهام رفضه مسلم، في تصريحات لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» الخميس. وقاطع المجلس الوطني الكردي السوري، وهو مظلة تضم أحزاباً سياسية كردية، ويشوب التوتر علاقته مع أحزاب الإدارة الذاتية، الانتخابات.
توسع تدريجي
ولا تعد الانتخابات المؤجلة هي الأولى للإدارة الذاتية خلال السنوات الماضية، لكنها الأولى التي كان ينبغي أن تشمل جميع مناطق سيطرتها، ففي عام 2015، اقتصرت انتخابات المجالس البلدية على مقاطعة الجزيرة، أي الحسكة. وفي عام 2017 على ثلاث مقاطعات فقط. وكان يفترض أن يشارك أكثر من 5 آلاف مرشح ونحو مليوني ناخب في الانتخابات التي ستُجرى في 7 مقاطعات تضم محافظات في شمال وشمال شرقي سوريا.
وأعلن أكراد سوريا، بعد عقود من التهميش في ظل حكومات سورية متعاقبة، إثر اندلاع الحرب الداخلية في 2011 إقامة «إدارة ذاتية» بعد انسحاب الجيش السوري من مناطق يشكلون غالبية سكانها في شمال البلاد وشرقها، من دون مواجهات، وبنوا مؤسساتهم الخاصة. وتوسعت مناطق سيطرة الإدارة الذاتية تدريجيا لتشمل نحو ربع مساحة سوريا بعدما خاض مقاتلو وحدات حماية الشعب الكردية، الذين يقودون قسد، والذين يلقون الدعم من أميركا، معارك عنيفة لطرد «تنظيم داعش» الإرهابي، إلا أن تركيا تعدهم تنظيماً إرهابياً وامتداداً لحزب «العمال الكردستاني» في سوريا، وتشن حرباً عليهم ونفذت ضدهم 3 عمليات عسكرية، ولا تزال تستهدف مناطقهم خشية نشوء دولة كردية على حدودها الجنوبية في سوريا والعراق.