مخاوف غربية من حصول إيران على اليورانيوم النيجري بدعم من روسيا

طهران سعت لصفقة من 300 طن من «الكعكة الصفراء»... ونيامي تذرعت بأن مخزونها غير متوفر

الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي یستقبل رئيس وزراء النيجر علي محمد الأمين زين والوفد المرافق له في يناير الماضي (الرئاسة الإيرانية)
الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي یستقبل رئيس وزراء النيجر علي محمد الأمين زين والوفد المرافق له في يناير الماضي (الرئاسة الإيرانية)
TT

مخاوف غربية من حصول إيران على اليورانيوم النيجري بدعم من روسيا

الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي یستقبل رئيس وزراء النيجر علي محمد الأمين زين والوفد المرافق له في يناير الماضي (الرئاسة الإيرانية)
الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي یستقبل رئيس وزراء النيجر علي محمد الأمين زين والوفد المرافق له في يناير الماضي (الرئاسة الإيرانية)

يوم 7 يونيو (حزيران) المقبل، تبدأ محاكمة الرئيس النيجري السابق محمد بازوم الذي أطاح به انقلاب عسكري في شهر يوليو (تموز) من العام الماضي. وبازوم الذي كان صديقاً للغرب وخصوصاً لفرنسا التي حاولت بكل الوسائل إعادته إلى السلطة، متهم بـ«الخيانة العظمى» وبـ«تهديد أمن الدولة». ولأن احتمال الإطاحة بالنظام العسكري الجديد الذي تسلم مقدرات البلاد بات شبه معدوم، فإن مصير الرئيس السابق لم يعد موضع اهتمام جدي. بالمقابل، فإن الاهتمام بما يجري في النيجر ينصب على أمرين: الأول، انضمام نيامي (عاصمة النيجر) إلى العواصم الأفريقية الأخرى التي فتحت الباب واسعاً أمام وصول وحدات من قوة «أفريقا كوربس» الروسية التي حلت محل ميليشيا «فاغنر»، والتي تؤشر إلى تزايد النفوذ الروسي في منطقة الساحل وفي أفريقيا بشكل عام. وتشاء الأقدار أن العسكريين الروس، أكانوا من قدامى «فاغنر» أم أفراداً من الجيش الروسي الرسمي، حلوا في قاعدة جوية تابعة للجيش النيجري قرب مطار العاصمة حيث يرابط جنود أميركيون.

بعد رحيل القوات الفرنسية عن النيجر بطلب من السلطات العسكرية، فإن المجلس العسكري النيجري نقض الاتفاقية العسكرية المبرمة سابقاً مع الولايات المتحدة، وطلب خروج قواتها من البلاد، علماً أن النيجر تعد مركزاً بالغ الأهمية لواشنطن؛ إذ بنت قاعدة جوية قريباً من مدينة «أغاديز» بتكلفة تصل إلى 100 مليون دولار، وكانت منطلقاً لمسيّراتها (درون) في كافة أنحاء المنطقة لملاحقة الجهاديين.

صورة لقمر اصطناعي للقاعدة الجوية «101» القريبة من المطار الدولي في نيامي حيث توجد قوة أميركية وأيضاً قوة من «أفريقا كوربس» الروسية (رويترز)

وفي الثاني من الشهر الجاري، أعلن لويد أوستن، وزير الدفاع الأميركي، أن «الروس موجودون في مجمع منفصل ولا يمكنهم الوصول إلى القوات الأميركية أو الوصول إلى معداتنا»، مضيفاً أنه ليس هناك من «احتكاك مباشر» بين الطرفين. ويبين ما سبق التغير «الجيو- استراتيجي» في منطقة الساحل؛ إذ يتراجع النفوذ الغربي بشكل واضح لصالح روسيا. هذا ما جرى في مالي وفي بوركينا فاسو، وكلا البلدين شهدا انقلابات عسكرية على غرار ما عرفته النيجر لاحقاً.

أما الأمر الثاني المهم، فعنوانه اليورانيوم الخام؛ إذ تعد النيجر أحد أبرز منتجيه في العالم، وباطن الأرض يختزن ثروات أخرى مثل الذهب والبترول. وتدرس نيامي كما واغادوغو (بوركينا فاسو) إمكانية بناء مفاعل نووي بخبرات روسية، علماً أن موسكو قد ساعدت إيران لإكمال بناء مفاعل «بوشهر» المطل على الخليج. وتمتلك النيجر أكبر مخزون يورانيوم في أفريقيا والثالث في العالم. وحتى عام 2021، كانت النيجر المصدر الأول لواردات اليورانيوم إلى أوروبا، إلا أنها في عام 2022، خسرت هذا الموقع لصالح كازاخستان التي تقتطع حصة 26.8 في المائة، تليها النيجر (25.3 في المائة)، ثم كندا (22 في المائة)، وأخيراً روسيا (16.8 في المائة)؛ إذ إن اليورانيوم لم يكن خاضعاً في عام 2022 للعقوبات الأميركية والأوروبية. ورغم ثرواتها، فإن النيجر تعد أحد أفقر البلدان في العالم.

فرنسا واليورانيوم النيجري

عاد الحديث عن اليورانيوم النيجري أخيراً بعد معلومات أشارت إلى أن إيران تسعى لصفقة تشتري بموجبها ما لا يقل عن 300 طن مما يسمى «كعكة اليورانيوم الصفراء» بوساطة روسية.

وليس سراً أن مفتاح استخراج اليورانيوم النيجري موجود في فرنسا التي بدأت باستخراجه منذ خمسين عاماً، وهي تمتلك ثلاثة امتيازات، أحدها متوقف عن العمل، والثاني قيد التحضير، والثالث الواقع في منطقة «أرليت» الأقرب إلى حدود الجزائر منها إلى العاصمة نيامي.

ويعود استغلال اليورانيوم النيجري إلى شركة «أورانو» الفرنسية المسماة سابقاً «أريفا» التي تسيطر عليها الدولة الفرنسية. ولكن ثمة شركات أخرى عاملة في القطاع نفسه مثل «سي إن إن سي» الصينية، و«كيبكو» الكورية الجنوبية، إضافة إلى الشركة الوطنية النيجرية.

رغم التغيير السياسي، لم تتأثر أنشطة «أورانو» في النيجر. ونقلت صحيفة «لوموند» الفرنسية عن إيمانويل غريغوار، من «معهد بحوث التنمية»، قوله إن «قطاع استخراج اليورانيوم لم يشهد تغيرات عميقة رغم الانقلابات العديدة (خمسة) التي عرفتها البلاد منذ استقلالها». وفي خبر نشره موقع «أفريكا أنتليجانس» المتخصص بالشؤون الأفريقية، أخيراً، ورد أن السلطات النيجرية «تتفاوض سراً» مع إيران لبيعها 300 طن من اليورانيوم «المركز»، وهو ما أكدته «لوموند» في عددها الصادر في العاشر من الشهر الجاري.

والأهم أن الصحيفة المذكورة بينت أن اليورانيوم المنوي بيعه يأتي من موقع «أرليت» الذي تمتلك فيه الشركة الفرنسية «أورانو» الحصة الكبرى، في حين تبلغ حصة النيجر 36 بالمائة. وبحسب «أورانو»، فإن النيجر «تسوق حصتها من اليورانيوم بكل استقلالية». وتنفي «أورانو» أن تكون على علم أو على علاقة بهذا الأمر، وتحرص على تأكيد أنها «تحترم بشكل صارم العقوبات الدولية التي تمنع بيع اليورانيوم لإيران».

ووفق الصحيفة الفرنسية، فإن المخابرات الأميركية كشفت، بداية العام الجاري، وجود محادثات سرية لصفقة تبلغ قيمتها 56 مليون دولار، إلا أن المجلس العسكري النيجري نفى في 16 أبريل (نيسان) «الأخبار الكاذبة» الأميركية التي تتحدث عن «توقيع اتفاق سري حول صفقة يورانيوم مع طهران». بيد أن «لوموند» نقلت عن مستشار لم تسمه للحكومة النيجرية أمرين: الأول، أنه نفى توقيع أي اتفاق مع إيران. والثاني، أنه اعترف أن إيران «سعت لتوقيع اتفاق تشتري بموجبه 300 طن من اليورانيوم» خلال الزيارة التي قام بها مهدي سفري نهاية فبراير (شباط) الماضي إلى نيامي، إلا أن النيجر رفضت الطلب «بسبب انخراطنا في عقود أخرى ولم يكن يتوافر لدينا المخزون (المطلوب) لبيعه». بكلام آخر، تعترف النيجر بأن المفاوضات كانت حقيقية، وأن ما جاءت به المخابرات الأميركية لم يكن أكاذيب مضللة.

روسيا تتوسط لإيران

حقيقة الأمر أن استخراج اليورانيوم الذي تقوم به «أورانو» في موقع «أرليت» استؤنف في فبراير الماضي، إلا أن السلطات النيجرية وجهت إنذاراً لـ«أورانو» الفرنسية ولنظيرتها الكندية «غوفي إكس» لبدء استخراج اليورانيوم من موقعي «إيمورارين» للأولى، و«ماداوولا» للثانية، تحت طائلة سحب الامتيازين الممنوحين لهما.

وتحتاج السلطات للعائدات المترتبة على بيع حصتها من اليورانيوم المستخرج في الأسواق العالمية حيث ارتفعت أسعاره بنسبة 40 في المائة منذ يوليو الماضي. ووفق نيامي، فإن طهران وموسكو مهتمتان باليورانيوم النيجري «رغم أن أي عقد لم يوقع بعد».

وسبق لوزير الخارجية النيجري باكاري ياوو سنغاريه، أن زار طهران في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وتبعه في يناير (كانون الأول) رئيس الحكومة الأمين زين الذي زار موسكو وطهران حيث استقبله الرئيس إبراهيم رئيسي، ما فتح الباب بين إيران والنيجر لتعزيز التعاون العسكري مع روسيا، وفي الصناعة والطاقة مع إيران. وتنسب «لوموند» لمصادر غربية رسمية أن روسيا هي الجهة التي سهلت التقارب «النووي» بين طهران ونيامي، وأن ذلك «يعود بلا شك إلى الاتفاقيات المبرمة بين إيران وروسيا لدعم المجهود الحربي الروسي في أوكرانيا».

وزیر الخارجیة النيجري باكاري ياوو سنغاريه يجري مباحثات مع نظيره الإيراني حسين أمير عبداللهيان في طهران 24 أكتوبر الماضي (الخارجية الإيرانية)

ورغم أن باريس ترى أن اتفاقاً لشراء اليورانيوم النيجري لن يكون له تأثير على برنامج إيران النووي، فإن «وجود هذه المفاوضات حدث بالغ الأهمية على الصعيد الجيوـ استراتيجي؛ لأنه منذ أن وضعت روسيا قدمها في النيجر، فإنها فتحت الباب لزبائنها، وأولهم إيران».

حتى اليوم، لم يتم توقيع أي عقد. وثمة من يرى أن نيامي قد تكون ساعية لممارسة ضغوط على شركات استخراج اليورانيوم العاملة على أراضيها، وعلى رأسها «أورانو»، لتحسين مواقعها وإدراج تعديلات على شروط استغلال اليورانيوم لجهة زيادة حصتها منه. بيد أن مشكلة نيامي أن العقوبات المفروضة على إيران تمنع وصولها إلى سوق اليورانيوم، ما يعني أن النيجر قد تعرّض نفسها لعقوبات إذا مضت بصفقة كالتي يدور الحديث حولها. فهل ستخاطر بذلك وتعتبر أن القطيعة مع الغربيين أصبحت أمراً واقعاً، وبالتالي أصبحت حرة الحركة؟

في شهر أبريل الماضي، زارت مولي في، مساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأفريقية، نيامي لمناقشة تواصل التعاون العسكري بين الطرفين، بشرط الحصول على ضمانات «لجهة الامتناع عن بيع اليورانيوم لإيران وعدم نشر المرتزقة الروس في المواقع العسكرية الأميركية». بيد أن المحاولة فشلت، وبعد يومين فقط من زيارة الدبلوماسية الأميركية طلبت النيجر رسمياً رحيل العناصر العسكرية الأميركية الألف عن البلاد باعتبار أن واشنطن تتدخل في الشؤون الداخلية النيجرية. وبعد أقل من ثلاثة أسابيع، حط في نيامي نحو مائة رجل من «أفريقا كوربس» الروسية، ليتبعهم آخرون مع أسلحتهم ومعداتهم...


مقالات ذات صلة

شؤون إقليمية العلَم الإيراني ورمز الذرّة وعبارة «البرنامج النووي»... (رويترز)

طهران: الاعتراف بحقوقنا هو الحل الوحيد لملفنا النووي

«كيف يُطلب من إيران السماح بتفتيش منشآت تعرضت لهجمات، وتوجد فيها مخاطر إشعاعية وتسرب مواد مشعة؟».

«الشرق الأوسط» (طهران)
شؤون إقليمية عراقجي مصافحاً فيدان خلال استقباله في طهران (الخارجية التركية)

تركيا وإيران تؤكدان ضرورة الحفاظ على وقف إطلاق النار في غزة

أكدت تركيا وإيران ضرورة الحفاظ على وقف إطلاق النار في غزة ووقف التوسع الإسرائيلي الذي يهدف إلى زعزعة الاستقرار في كل من سوريا ولبنان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية أفراد من القوات الإيرانية يحملون نعش العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده خلال مراسم تشييعه في طهران (رويترز)

قائد الجيش الإيراني ينفي وجود «أبعاد عسكرية» للمشروع النووي لبلاده

«إذا كانت القضية قد أغلِقت رسمياً، فلماذا تُعاد إثارتها استناداً إلى ادعاءات أعداء إيران؟».

«الشرق الأوسط» (طهران)
شؤون إقليمية نواب في جلسة شهدت انتقادات حادة لروحاني وظريف في 26 أكتوبر الماضي (أ.ب)

روحاني: إيران عالقة في حالة «لا حرب ولا سلام»

قال الرئيس الإيراني الأسبق، حسن روحاني، إن إيران تحتاج إلى «فضاء آمن، لا فضاء أمني»، وإن تعزيز الردع يمر عبر جذب النخب وإزالة الأجواء الأمنية.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)

موازنة إسرائيلية تخدم الاستيطان بالضفة الغربية

مركبة عسكرية إسرائيلية تغلق مدخل بلدة طمون جنوب طوباس بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
مركبة عسكرية إسرائيلية تغلق مدخل بلدة طمون جنوب طوباس بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
TT

موازنة إسرائيلية تخدم الاستيطان بالضفة الغربية

مركبة عسكرية إسرائيلية تغلق مدخل بلدة طمون جنوب طوباس بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
مركبة عسكرية إسرائيلية تغلق مدخل بلدة طمون جنوب طوباس بالضفة الغربية (أ.ف.ب)

​اتفق وزيرا المالية والدفاع في إسرائيل على تقليص ميزانية وزارة الدفاع التي طلبتها الأخيرة في إطار إعداد الموازنة العامة لعام 2026، من 144 مليار شيقل، إلى 112 (34.63 مليار دولار) وبما يمثل زيادة وصلت إلى نحو 20 ملياراً على ميزانية العام الحالي 2025، بما يخدم بشكل أساسي المشاريع الاستيطانية في الضفة الغربية على حساب حاجة الجيش لقوات أكبر مع عجز التجنيد.

وأقرت الحكومة الإسرائيلية بالموازنة التي بلغت 662 مليار شيقل، بعجز 3.9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.

ووفقاً لصحيفة «يديعوت أحرونوت» فإنه تم الاتفاق على حزمة بقيمة نحو 725 مليون شيقل، توزع على 3 سنوات، بهدف تعزيز الأمن في الضفة.


إعلام «الحرس الثوري» يتهم روحاني بـ«خدمة إسرائيل»

صورة نشرها موقع حسن روحاني من اجتماعه الأخيرة بفريق أعضاء حكومته السابقة ويبدو في الصورة نائبه الأول إسحاق جهانغيري ووزير الخارجية محمد جواد ظريف
صورة نشرها موقع حسن روحاني من اجتماعه الأخيرة بفريق أعضاء حكومته السابقة ويبدو في الصورة نائبه الأول إسحاق جهانغيري ووزير الخارجية محمد جواد ظريف
TT

إعلام «الحرس الثوري» يتهم روحاني بـ«خدمة إسرائيل»

صورة نشرها موقع حسن روحاني من اجتماعه الأخيرة بفريق أعضاء حكومته السابقة ويبدو في الصورة نائبه الأول إسحاق جهانغيري ووزير الخارجية محمد جواد ظريف
صورة نشرها موقع حسن روحاني من اجتماعه الأخيرة بفريق أعضاء حكومته السابقة ويبدو في الصورة نائبه الأول إسحاق جهانغيري ووزير الخارجية محمد جواد ظريف

اتهمت وسائل إعلام تابعة لـ«الحرس الثوري» الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني ومقربيه بـ«تقديم الخدمة لإسرائيل»، وذلك بعد أسبوع من تصريحات أدلى بها وشكك فيها بقدرة إيران على حماية أجوائها وردع أي هجمات جديدة، إذا ما تجددت الحرب التي شهدتها البلاد لمدة 12 يوماً في يونيو (حزيران).

واحتجت وكالة «تسنيم»، رأس الحربة في إعلام «الحرس الثوري»، بشدة على خطاب روحاني الأخير، وعلى توصياته التي دعا فيها إلى منع تكرار الحرب.

وتزامن الهجوم الإعلامي مع بروز مؤشرات سياسية لافتة، إذ عاد اسم روحاني إلى واجهة الجدل الدائر حول هوية المرشح المحتمل لخلافة المرشد علي خامنئي، فيما المشهد الداخلي يزداد توتراً مع دخول ملف الخلافة مرحلة استقطاب أشد.

وبدأت الحرب عندما شنت إسرائيل ضربات على مقار القيادة العسكرية، خصوصاً «الحرس الثوري»، قبل أن تطول منشآت عسكرية ونووية ومسؤولين وعلماء في البرنامج النووي. وردت طهران بإطلاق صواريخ باليستية وطائرات مسيّرة.

وعنونت الوكالة ملحقها الأسبوعي لتحليل التطورات المهمة بعنوان «العمل لصالح إسرائيل»، واضعة صورة روحاني على الغلاف. واتهمته بتقديم «تفسيرات نرجسية ومشحونة بالغرور» حول مزاعمه بأنه منع وقوع حرب على إيران عبر الدبلوماسية خلال توليه مناصب سابقة. وتساءلت: «هل كان روحاني يدعي أنه لم يكن هناك أي رادع غير مفاوضاته يمنع الحرب؟ وأن أميركا وإسرائيل كانتا في كامل طاقتيهما آنذاك، وأن إيران لم تكن تمتلك أي قدرة ردعية، وأنه وحده بمنطقه السقراطي والأرسطي حال دون اندلاع حرب كبيرة؟».

وأضافت: «هل خروج ترمب من الاتفاق النووي كان بسبب عدم تفاوض روحاني؟ وماذا عن الحالات التي لم يُمنَع فيها الهجوم؟ لماذا لم يمنع اغتيال قاسم سليماني؟ ولماذا لم يمنع اغتيال محسن فخري زاده؟»، وهو مسؤول الأبعاد الدفاعية في البرنامج النووي سابقاً، الذي قتل على يد مسلحين، في هجوم نسب إلى إسرائيل نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) 2020.

وكان روحاني قد انتقد الأسبوع الماضي فرض الأجواء الأمنية المتشددة، قائلاً إن البلاد بحاجة «إلى أجواء آمنة وليست أمنية». وحذر من بقاء إيران في حالة «لا حرب ولا سلام»، مستشهداً بتصريحات المرشد علي خامنئي. وأضاف: «الأمن يخلق الثقة والطمأنينة، أما الأمننة فتزيل الثقة وتثير قلق الناس. نحن لا نريد فضاءً أمنياً، بل فضاءً آمناً».

وأشار روحاني إلى حاجة البلاد لتعزيز الردع في مختلف المجالات، داعياً إلى «ترميم القدرات الردعية» لمواجهة «مؤامرات الأعداء». وقال إن إيران تفتقر اليوم إلى «الردع الإقليمي الواسع»، مشيراً إلى أن أجواء دول الجوار، بما فيها العراق وسوريا ولبنان والأردن، باتت «تحت نفوذ الولايات المتحدة وإسرائيل»، ما جعل التحرك الجوي المعادي حتى حدود إيران «آمناً وخالياً من العوائق». وأضاف أن استمرار الاتفاق النووي كان سيمنع اندلاع حرب الـ12 يوماً، معتبراً أن الأعداء استخدموا الملف النووي «ذريعة للهجوم». وانتقد فشل الحكومات اللاحقة في إعادة إحيائه.

ورأى روحاني أن «أسوأ خيانة للقيادة هي التقليل من الحقائق أو المبالغة فيها»، مؤكداً وجود «أعداء أقوياء وخطرين». وحذّر من الاعتقاد بأن «جميع المشكلات انتهت بعد حرب الـ12 يوماً». وأضاف: «صمدنا وقاومنا، لكننا أيضاً تعرضنا لضربات وواجهنا مشكلات. وبالطبع وجّهنا ضربات للعدو كذلك. غير أن ذلك لا يعني أنّ الأمر لن يتكرر، فمنع تكراره يعتمد علينا».

وهاجمت «تسنيم» مواقف روحاني معتبرةً أنها «تصب عملياً في مصلحة إسرائيل لأنها تبرئ العدو وتلقي بالمسؤولية على الداخل، وتقدّم منطقاً يجعل إسرائيل خارج دائرة اللوم». واعتبرت أن مواقفه «تشكل عملياً عملية سياسية ضد الوحدة المقدسة، وتعمل لصالح إسرائيل، وإن قدّمت في إطار يبدو واقعياً وحريصاً على البلاد».

وقالت الوكالة إن كلام روحاني عن الردع الإقليمي، «ليس خاطئاً، لكن من الغريب أن يصدر منه هو تحديداً؛ فإذا كان يؤمن بذلك، فهل يقرّ بأن عدم دعم حكومته الكافي لجهود إنهاء الأزمة في سوريا عامَي 2013 و2014 كان تقصيراً خطيراً ربما يقترب من مستوى الخيانة؟ كانت إحدى أكبر شكاوى الجنرال قاسم سليماني عدم تعاون حكومة روحاني في الملف السوري، وكان يخرج من بعض الاجتماعات باكياً، إلى أن تدخّل المرشد وأمر بالثبات».

غلاف النشرة الأسبوعية لوكالة «تسنيم» التابعة لـ«الحرس الثوري» الذي يتهم روحاني بتقديم الخدمة لإسرائيل

ورداً على ما قاله روحاني عن «الأمننة»، أضافت الوكالة: «أليس هو أدرى من الجميع بأن حكومته كانت من أكثر الحكومات ذات الطابع الأمني؟ فالوزير الوحيد غير الأمني تقريباً كان وزير الاستخبارات نفسه». وفي إشارة إلى خلفية روحاني، أضافت أن «امتلاك خلفية أمنية ليس عيباً، لكنه مناقض لأسلوب النصائح الذي يقدّمه روحاني الآن».

وفسرت تصريحات روحاني على أنها رد غير مباشر على خطاب متلفز للمرشد علي خامنئي في 27 نوفمبر، حذر فيه من الانقسام الداخلي، مكرراً روايته بأن الولايات المتحدة وإسرائيل «فشلتا» في تحقيق أهداف الحرب، وداعياً الإيرانيين إلى الحفاظ على «الاصطفاف الوطني». وقال: «الخلافات بين التيارات والفئات أمر وارد، لكن المهم أن يقف الجميع معاً في مواجهة العدو».

وخلال ولايتيه الرئاسيتين (2013 – 2021)، كان روحاني قد طرح مراراً شكوكه في دقة المعلومات التي يتلقاها المرشد من مقربيه، في محاولة للنأي بنفسه عن انتقادات تُوجّه إليه بوصفه معارضاً لمواقف خامنئي.

وخلال الأشهر الخمسة الماضية، واجه روحاني اتهامات من خصومه، بينهم نواب في البرلمان، بأنه يسعى لتولي منصب المرشد إذا تعذر على خامنئي ممارسة مهامه لأي سبب، بما في ذلك تعرضه لمحاولة اغتيال من قبل إسرائيل.

وبرزت انتقادات الشهر الماضي على لسان رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، الذي اتهم روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف بـ«الإضرار بالعلاقات الاستراتيجية مع موسكو». وردد نواب شعار «الموت لفريدون» في إشارة إلى لقب روحاني العائلي. وقال النائب المتشدد أمير حسين ثابتي: «أتمنى أن تتصدى السلطة القضائية لقضايا إساءة التصرف من قبل حسن روحاني، حتى يعود من يفكر في المناصب العليا إلى مكانه الحقيقي خلف قضبان السجن».

وبعد نشر تصريحات روحاني الأخيرة، طرحت الاحتمالات تولي روحاني لمنصب المرشد، مرة أخرى لكن هذه المرة في وسائل إعلام إصلاحية، إذ قال المنظر الإصلاحي صادق زيبا كلام إنه «عندما طرحت قضية خلافة المرشد تدريجياً، حسن روحاني قال لنفسه خلال فترة رئاسته: ماذا ينقصني عن بقية الأشخاص الذين تطرح أسماؤهم للخلافة، ما الذي ينقصني عن مجتبى خامنئي ومن طرحت أسماؤهم، في رأيي روحاني محق، فهو أكثر جدارة من الآخرين على صعيد تجربته التنفيذية».

وبالتزامن مع هذا الاهتمام الإصلاحي، نشر رجل الأعمال بابك زنجاني رسالة شديدة اللهجة على منصة «إكس» هاجم فيها إمكانية تولي روحاني أي دور سياسي مستقبلي، قائلاً إن إيران «تحتاج إلى قوة شابة، متعلمة وفعالة»، لا إلى «أصحاب الشهادات المزيفة». وأضاف: «سيأخذون هذا الحلم معهم إلى القبر... سنطهر إيران من العجز ومن المديرين غير الأكفاء». وحذر: «السلاح الذي تعطل في لحظة المعركة، إن عدتم وربطتموه على خصوركم من جديد، فأنتم تستحقون الموت!».

وزنجاني، الذي اعتقل في عهد حكومة روحاني بتهمة الفساد الاقتصادي وصدر بحقه حكم بالإعدام، أطلق سراحه العام الماضي وعاد إلى نشاطه الاقتصادي، في خطوة ربطها مراقبون بسعي طهران للالتفاف على العقوبات، فيما تربطه حالياً علاقات وثيقة بـ«الحرس الثوري».


نتنياهو يسخر من محاكمته بتهم فساد ويصفها بـ«المهزلة»

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
TT

نتنياهو يسخر من محاكمته بتهم فساد ويصفها بـ«المهزلة»

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)

ندّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بقضايا الفساد المرفوعة ضده، ووصفها بأنها «مهزلة»، ودافع في مقطع فيديو عن طلبه عفواً رئاسياً مثيراً للجدل.

ونُشر الفيديو، الذي تبلغ مدته 3 دقائق مساء الخميس، بعد أسبوع من طلب نتنياهو رسمياً العفو من الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ، عادّاً أن محاكمته تؤدي إلى تقسيم الأمة.

كما أرسل الرئيس الأميركي دونالد ترمب الشهر الماضي رسالةً إلى هرتسوغ يحضه فيها على إصدار عفو عن نتنياهو.

وندّد رئيس الوزراء الإسرائيلي في المقطع بمحاكمته، ووصفها بأنها «محاكمة سياسية» تهدف إلى إجباره على ترك منصبه، نافياً مجدداً ارتكاب أي مخالفات.

ويُتهم نتنياهو في قضيتين بعقد صفقات للحصول على تغطية إيجابية من وسائل إعلام إسرائيلية، ويُتهم في قضية ثالثة بقبول أكثر من 260 ألف دولار في شكل هدايا فاخرة، شملت مجوهرات وشمبانيا، من مليارديرات مقابل الحصول على خدمات سياسية. وكانت قضية فساد رابعة قد أسقطت في وقت سابق.

متظاهرون خارج مقر إقامة بنيامين نتنياهو في القدس يطالبون بعدم منحه العفو (رويترز)

في الفيديو، رفع نتنياهو دمية على شكل شخصية الكرتون «باغز باني»، ساخراً من المدعين العامين الذين أشاروا إلى تلقيه دمية للشخصية هديةً لابنه قبل 29 عاماً بوصفها دليلاً ضده. وقال: «من الآن فصاعداً، ستُعرف هذه المحاكمة باسم محاكمة باغز باني».

ونفى تلقيه السيجار هدية «من صديق»، وعدّ بأن سعيه لضمان تغطية إيجابية من «موقع إنترنت من الدرجة الثانية» أدّى بدلاً من ذلك إلى «التغطية الصحافية الأكثر كراهية وعدائية وسلبية التي يمكن تخيلها في إسرائيل».

يُذكر أن نتنياهو هو أول رئيس وزراء إسرائيلي في السلطة يخضع للمحاكمة بتهم فساد.

وقد تطلبت المحاكمة التي بدأت عام 2019، الإدلاء مؤخراً بشهادته 3 مرات أسبوعياً، وهو يرى أن ذلك يمنعه من ممارسة الحكم بشكل فعال.

وتابع: «هذه المهزلة تُكلّف البلاد ثمناً باهظاً. لا أستطيع تقبّل ذلك... لذلك طلبت العفو».

وقد كشفت هذه القضايا عن انقسامات حادة في المجتمع الإسرائيلي.

والاثنين، قبل آخر مثول لنتنياهو أمام المحكمة، تظاهر أنصار ومعارضون له خارج محكمة تل أبيب، وارتدى بعضهم بدلات السجن البرتقالية للإشارة إلى أنه يجب سجنه.