بحث رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إصلاح العلاقات بين إسلام آباد وطهران، بعد تبادلهما ضربات عسكرية غير مسبوقة هذا العام.
وقال مكتب شهباز إن الزعيمين أجريا «مناقشة حيوية» تناولت تعزيز العلاقات الثنائية، خاصة في مجالي التجارة والاتصالات، كما «اتفقا على ضرورة بذل جهود مشتركة من قِبل البلدين لمكافحة الإرهاب».
وحذّر رئيسي، لدى وصوله إلى العاصمة الباكستانية صباح اليوم من سعي إسرائيل «لتخريب العلاقات بين الدول الإسلامية»، قبل أن يلتقي رئيس الوزراء الباكستاني.
وجاءت زيارة رئيسي إلى إسلام آباد في وقت تصاعد التوتر في الشرق الأوسط بعدما شنّت إيران هجوماً غير مسبوق على إسرائيل قبل أسبوع، وتعرّض وسط إيران لما قالت مصادر إنه هجوم إسرائيلي، يوم الجمعة.
ودعا شهباز شريف إلى وقف فوري للأعمال القتالية في قطاع غزة، وحضّ في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيسي، الدول الإسلامية على إبداء موقف موحد من أجل إنهاء الصراع في غزة.
وقال شريف: «تشعر باكستان وإيران بالقلق إزاء وضع سكان غزة وتدينان جرائم النظام الصهيوني... نطالب جميع دول العالم بالتعاون لإنهاء الجرائم في غزة في أسرع وقت ممكن».
ويخيّم التوتر على تاريخ العلاقات بين إيران وباكستان، لكن الهجمات الصاروخية في يناير (كانون الثاني) كانت أخطر الوقائع منذ سنوات.
وسرعان ما أدت جهود للتهدئة بعد ذلك إلى تأكيد كل دولة على احترامها سيادة الأخرى وسلامة أراضيها والتعهد بتوسيع التعاون الأمني.
وأدت الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان إلى إسلام آباد أواخر يناير إلى تعهد الجانبين بتحسين الحوار وتعيين ضباط اتصال. وتسبب القصف الإيراني والرد الباكستاني المماثل في يناير بمقتل 11 شخصاً من الجانبين، معظمهم من النساء والأطفال، بحسب السلطات.
وتمثل زيارة رئيسي خطوة رئيسية نحو تطبيع العلاقات مع إسلام آباد، لكن المرشد الإيراني علي خامنئي، وليس الرئيس، هو من له القول الفصل في شؤون الدولة الأساسية، مثل السياسة الخارجية والنووية.
وقال رئيسي إن مواقف البلدين في مكافحة الإرهاب «مشتركة، كلانا يؤكد على مكافحة عدم الاستقرار ومكافحة الإرهاب، والجرائم المنظمة، ومكافحة تهريب المخدرات».
وأضاف: «مستوى العلاقات غير مقبول؛ لذلك قررنا رفع مستوى العلاقات التجارية والاقتصادية إلى 10 مليارات دولار»، لافتاً إلى أن «الحدود بين البلدين فرصة يمكنها استخدمها لرفع الشعبين».
وقبل مغادرته طهران، قال رئيسي للصحافيين إن «المناقشات مع الحكومة الباكستانية ستدور حول قضايا الحدود بين البلدين».
ووقّع الوفدان الإيراني والباكستاني مذكرات تفاهم للتعاون في مختلف المجالات الاقتصادية والثقافية والصحة والزراعة.
ووصل رئيسي صباح الاثنين إلى إسلام آباد في زيارة رسمية تستغرق ثلاثة أيام وسط إجراءات أمنية مشددة في العاصمة الباكستانية. وكان في استقباله وزير الخارجية الباكستاني محمد إسحاق دار.
ونقلت وسائل إعلام إيرانية عن رئيسي قوله للوزير الخارجية الباكستاني إن «علاقات البلدين تتخطى مجرد حسن الجوار وتقوم على أساس الأخوة والعلاقات القلبية العميقة والتاريخية». وقال رئيسي إن «الصهاينة يستغلون الخلافات بين الدول الإسلامية؛ لهذا استراتيجيتنا الوحدة مقابل استراتيجية الأعداء».
وقالت وزارة الخارجية الباكستانية في بيان: «الرئيس الإيراني ترافقه زوجته ووفد رفيع المستوى»، مضيفة أن الوفد يضم أيضاً وزير الخارجية وأعضاء آخرين في الحكومة ومسؤولين كباراً.
وأضافت أن رئيسي سيلتقي مسؤولين باكستانيين على هامش لقائه مع شهباز شريف، إلى جانب زيارة مدينة لاهور بشرق البلاد ومدينة كراتشي الساحلية بجنوب البلاد.
وأغلقت السلطات طرقاً سريعة رئيسية في إسلام آباد في إطار الإجراءات الأمنية استعداداً لوصول رئيسي. وأعلنت الحكومة عطلة رسمية في كراتشي.
ورأت الدبلوماسية الباكستانية السابقة والخبيرة في مجال العلاقات الدولية مليحة لودهي، أن هذه الزيارة «تمثل فرصة لإعادة العلاقات إلى مسارها الصحيح وإصلاح الضرر الذي حدث في يناير». وقالت لودهي لوكالة الصحافة الفرنسية: «إن التحدي الرئيسي هو إدارة الحدود، حيث يوجد مسلحون على جانبي الحدود الباكستانية الإيرانية؛ لذا فإن الزيارة قد تسفر عن بعض الاتفاق حول هذا الأمر».
ورأى الخبير في القضايا الأمنية قمر شيما أنّ الزيارة الجديدة تهدف إلى «تقليل انعدام الثقة» بين الطرفين. وأضاف: «لكنها مهمة أيضاً من الناحية التجارية»، متوقعاً «تحسينات في إدارة الحدود والانتقال إلى ممارسات تجارية أكثر توحيداً؛ ما سيقلل من التجارة غير الرسمية والتهريب». وشدّد على أنّ «علاقاتنا الاقتصادية ليست على مستوى علاقاتنا السياسية».
وأبرز اتفاق بين إيران وباكستان هو اتفاق إمدادات الغاز المعلّق الذي تم توقيعه في 2010 لبناء خط أنابيب من حقل غاز «جنوب فارس» الإيراني إلى إقليمي بلوشستان والسند جنوب باكستان.
وقد قامت طهران ببناء الجزء الخاص بها من خط أنابيب يبلغ طوله 1800 كيلومتر، ويهدف إلى ربط حقول غاز جنوب بارس بمنطقة نوابشاه في باكستان، بالقرب من كراتشي.
وعلى الرغم من حاجة باكستان الماسة إلى الغاز، فإن إسلام آباد لم تبدأ بعد في بناء الجزء الخاص بها من خط الأنابيب بسبب المخاوف من العقوبات الأميركية، وهي مخاوف رفضتها طهران.
وقالت باكستان إنها ستسعى للحصول على إعفاءات من الولايات المتحدة، لكن واشنطن قالت إنها لا تدعم المشروع، وحذّرت من خطر الوقوع تحت طائلة العقوبات في التعامل مع طهران.
وبسبب احتمال فرض عقوبات على خرق عقد الاتفاق تصل قيمتها إلى مليارات الدولارات، أعطت باكستان مؤخراً الضوء الأخضر لبناء خط الأنابيب بطول 80 كيلومتراً.