ينصبّ اهتمام الإيرانيين على الوضع المعيشي المتأزم أكثر من اختيار المرشح الجيد، ففي سوق طهران يشعر الإيرانيون بالقلق إزاء التضخم المرتفع، فيما تجد الانتخابات التشريعية، المقرر إجراؤها الجمعة، صعوبة في جذب اهتمام الرأي العام، رغم إصرار السلطات.
وتتنوع وعود المرشحين في ملصقات حملاتهم الانتخابية من «محاربة الفساد» إلى «تحسين الوضع الاقتصادي»، لكن الوضع المعيشي المتأزم يبدو أكثر إلحاحاً في أذهان الناخبين.
«أزمة ثقة»
ويشكك كثيرون في وجود حلّ سريع في الأفق. ومن بينهم المتقاعد علي أصغري (62 عاماً) الذي قال لوكالة الصحافة الفرنسية، بالقرب من المدخل الرئيسي لأكبر سوق في العاصمة: «لا أحد من أفراد عائلتي يرغب في المشاركة في التصويت».
وأضاف أن المواطنين «يسمعون كثيراً من الأكاذيب، وقد فقدوا ثقتهم في التصويت». وقال إنه يتمنى أن «يوقف السياسيون الشعارات الفارغة».
وقال المتقاعد، الذي كان يسير في السوق، والذي طلب عدم ذكر اسمه بالكامل أثناء مناقشة هذه القضية الحساسة: «الوضع الاقتصادي مقلق للغاية».
وكما جرت العادة، تزدحم ممرات السوق بسكان طهران من جميع الأعمار والفئات قبل أسابيع من عيد النوروز، لكنهم «يكتفون بالنظر إلى الأسعار والبسطات، دون أن يشتروا» لأن «الوضع الاقتصادي يثير القلق البالغ»، بحسب أصغري.
ويقول مهدي، الذي وقف أمام متجره لبيع الملابس، بأسف: «عندما أخبر الراغبين بالشراء عن ثمن السلعة، يتذمرون ويشتمون الحكومة» قبل أن يغادروا.
وأكد صاحب المتجر، البالغ 58 عاماً، أنه لن يذهب إلى مركز الاقتراع للتصويت على اختيار النواب ومجلس خبراء القيادة، وهي الهيئة التي من المفترض أن تعين خليفة المرشد الحالي علي خامنئي، صاحب كلمة الفصل في النظام، إذا تعذر ممارسة مهامه خلال السنوات الثماني المقبلة.
ولا يستبعد خبراء أن تصل نسبة الامتناع عن التصويت إلى أعلى مستوى لها منذ قيام الجمهورية الإسلامية قبل 45 عاماً.
وخلال الانتخابات التشريعية السابقة في 2020، بلغت نسبة المشاركة 42.57 في المائة، وفق الأرقام الرسمية في أنحاء البلاد، وبلغت نحو 23 في المائة بطهران أكبر الدوائر الانتخابية في البلاد، التي تستحوذ على 30 من أصل 290 مقعداً في البرلمان الإيراني.
وفي مختلف أنحاء إيران، أدى الوضع الاقتصادي المتأزم إلى تأجيج الشعور بالضيق السياسي.
استطلاع التلفزيون الحكومي
وأظهرت نتائج استطلاع رأي، أجراه التلفزيون الحكومي الإيراني أن أكثر من نصف الإيرانيين لا يبالون بالاقتراع، على الرغم من مناشدات وإصرار المسؤولين، وعلى رأسهم المرشد الإيراني خامنئي، على مشاركة «الجميع» في الانتخابات.
لكن بالنسبة لكثيرين في إيران، البلد الذي يزيد عدد سكانه عن 85 مليون نسمة، فإن القضية الكبرى هي التضخم السنوي الذي يقترب من 50 في المائة، وارتفاع أسعار المستهلكين، وانخفاض العملة.
قالت فاطمة، وهي بائعة ملابس أطفال، التي اشتكت من أن كثيراً من الناس لم يعودوا قادرين على شراء الملابس الجديدة، إنه بمجرد توجه الإيرانيين إلى صناديق الاقتراع فإن «المنتجات لن تصبح أرخص».
وأعربت هذه الشابة، البالغة 21 عاماً، عن خشيتها من أن الوضع على العكس من ذلك: «سيزداد سوءاً»، وقالت: «الوضع الاقتصادي للناس فظيع»، مضيفة أنها ستدلي بصوتها على أي حال، على الرغم من أن آمالها ضئيلة في حدوث تغيير حقيقي.
ويخيم الغموض على نمو الاقتصاد، الذي على الرغم من احتياطيات البلاد الهائلة من النفط والغاز لا يزال ضعيفاً بسبب العقوبات التي أعاد فرضها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، الذي تبع استراتيجية الضغوط القصوى لإجبار طهران على تعديل سلوكها الإقليمي، وكذلك برنامج للصواريخ الباليستية.
ويتفاقم الوضع المعيشي للإيرانيين، رغم أن حكومة إبراهيم رئيسي تقدم أرقاماً عن تحسن الوضع الاقتصادي، وتمكنها من بيع النفط، وهو ما يشكك فيه أغلب المحللين الاقتصاديين في البلاد.
وما يزيد الأمر سوءاً التوترات المرتبطة بالحرب الروسية الأوكرانية، ثم الحرب بين إسرائيل و«حماس» في قطاع غزة، خاصة ما يتعلق بالريال، العملة المحلية التي تتعرض لضغوط في الأسابيع الأخيرة.
واشتكى محسن أوميدبخش (40 عاماً) الذي يعمل في القطاع الخاص، من أن «الأسعار تغيرت بشكل كبير... جيوب الناس فارغة، لا يستطيعون شراء ما يريدون».
«شعارات فارغة»
وعلى الجدران، تعد ملصقات المرشحين بـ«إصلاح الاقتصاد» و«محاربة الفساد». لكن معصومة، وهي ربة منزل تبلغ 40 عاماً، ترى فيها «مجرد شعارات فارغة» و«أقوال بلا أفعال». وقالت بأسف: «لا أعتقد أن النواب في المستقبل سيحسنون الوضع الاقتصادي».
وهذه أول انتخابات وطنية منذ حركة الاحتجاج الواسعة التي هزّت إيران بعد وفاة مهسا أميني في سبتمبر (أيلول) 2022. وأميني شابة كردية إيرانية توفيت عن 22 عاماً بعد أن أوقفتها شرطة الأخلاق بدعوى سوء الحجاب.
وبعد أكثر من عام، يقول المرشح محمد باقر نوبخت، المرشح عن فصيل الرئيس السابق حسن روحاني، حزب «الاعتدال والتنمية» في طهران، إن الظروف بالنسبة لإيران قبل الانتخابات «ليست مواتية»، لافتاً إلى أن «هناك حالة من الاستياء تتدفق أحياناً إلى الشارع، مثل ما شهدناه العام الماضي»، في إشارة إلى الاحتجاجات.
وأفادت وسائل إعلام محلية أن مجلس صيانة الدستور، الهيئة التي تنظر في طلبات الترشح، وافقت على طلبات 15200 مرشح، أي أقل من ثلث عدد المتقدمين، البالغ عددهم 49000 مرشح، للترشح للبرلمان.
وقال سياسيون إصلاحيون إن ما بين 20 إلى 30 من الإصلاحيين، الذين قدموا طلباتهم، تمت الموافقة على ترشحهم.
وأعرب نوبخت عن أسفه، لأن البرلمان المقبل سيظل تحت هيمنة المحافظين المتشددين بعد استبعاد كثير من مرشحي التيار الإصلاحي والمعتدل. وأكد نوبخت، في مؤتمر صحافي الشهر الماضي، أن هذا أدى إلى إضعاف حماس الناخبين.
وأضاف أن البرلمان الحالي «لا يمثل كافة المصالح المشروعة المتنوعة للبلاد»، مضيفاً أنه «لم يعد له مكانة مهمة» بين الشعب.
وليس لدى فاطمة، بائعة الأزياء، أمل كبير في أن يكون البرلمان الجديد مختلفاً. وقالت إن «البرلمان لا يمثل إلا طبقة الأقوياء والأغنياء وليس الفقراء».
وبدا علي محمد أبشاري، وهو متقاعد يبلغ 78 عاماً، أكثر تفاؤلاً، فهو يؤمن بتحسن الوضع الاقتصادي «إذا تم انتخاب أشخاص مؤهلين ونزيهين». وهو يعتزم الذهاب إلى مركز الاقتراع في حيّه لأداء ما قال إنه «واجبنا الإسلامي».