إسرائيل تبذل جهوداً ضخمة كي تقلب محكمة لاهاي «رأساً على عقب»

سيقول فريقها إن ما تفعله في غزة «رد فعل» على عملية «حماس» لإبادة الدولة اليهودية

TT

إسرائيل تبذل جهوداً ضخمة كي تقلب محكمة لاهاي «رأساً على عقب»

رئيسة محكمة العدل الدولية جوان دونوغو والقضاة الآخرون في المحكمة قبيل بدء جلسة الاستماع في قضية الإبادة التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل في لاهاي (إ.ب.أ)
رئيسة محكمة العدل الدولية جوان دونوغو والقضاة الآخرون في المحكمة قبيل بدء جلسة الاستماع في قضية الإبادة التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل في لاهاي (إ.ب.أ)

على الرغم من أن قوى اليمين المتطرف في الحكومة الإسرائيلية، كانت معنية بمقاطعة محكمة العدل الدولية في لاهاي، والامتناع عن التعاون معها خلال المداولات في الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا، يعمل فريق ضخم في إسرائيل وفي الخارج على «قلب الدعوى رأسا على عقب»، وإغراق الفضاء الإعلامي في العالم بالصور التي تظهر أن «كل ما نفعله في غزة هو مجرد رد فعل على حرب الإبادة التي شنتها (حماس) على الدولة اليهودية»، والضغط على المحكمة ليكون قرارها «معتدلاً، ويأخذ في الاعتبار الحجج الإسرائيلية».

فمن يرفضون التعاون عادة مع المؤسسات الدولية التابعة للأمم المتحدة، يدركون بأن ما يطرح في هذه المحكمة، قد يشكل انعطافاً رسمياً في التاريخ؛ إذ إن إسرائيل التي تعد دولة الشعب اليهودي، الذي كان ضحية محاولة إبادة من النازية الألمانية، فهل تصبح إسرائيل، بقرار محكمة، متهمة وربما مدانة بارتكاب جريمة إبادة بحق الفلسطينيين في غزة؟

لقد حاولت إسرائيل طيلة 75 عاماً إنكار مسؤوليتها عن النكبة الفلسطينية، وما تخلل حربها في ذلك الوقت من مجازر (سعسع ودير ياسين والطنطورة واللد وعيلبون وعيلوط وغيرها). وحصلت على «تكفير عن الذنب» من ألمانيا يتمثل في دعم مالي هائل ودعم سياسي دائم، ونجحت في استدرار عطف شعوب العالم الغربي. فهل تخسر كل هذا الآن، من خلال محكمة لاهاي التي تُعرض فيها صور رهيبة عن تدمير غزة وقتل الألوف من أطفالها ونسائها؟

صبي فلسطيني جريح يُحمل إلى مدخل مستشفى الشفاء في مدينة غزة 3 نوفمبر 2023 (أ.ب)

لهذا السبب، قررت الحكومة الإسرائيلية بغالبية مركباتها السياسية (اليمين اللبرالي والوسط اللبرالي والمتدينين)، والأجهزة الأمنية (الجيش والمخابرات)، تفعيل كل أسلحتها الإعلامية والقضائية والسياسية لمواجهة الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا إلى محكمة لاهاي. شكلت فريقاً من رجال السياسة والقانون والإعلام، هدفه الأول «إبراز الأفعال الشنيعة التي قام بضع عشرات من الأشخاص خلال هجوم (حماس) في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي على البلدات الإسرائيلية في غلاف غزة، وشملت قتل أبرياء، والتمثيل بجثث، واختطاف نساء وأطفال ومسنين. وحاولت إسرائيل نشر إعلانات ضخمة في لاهاي والطرق المؤدية إليها من مطار أمستردام، تبين صور المخطوفين الإسرائيليين لدى «حماس»، بالقول: «هؤلاء لا تستطيعون سماع صوتهم»، لكن شركات الإعلانات (نحو 120 شركة) رفضت الطلب.

جلبت إسرائيل وفداً من عائلات المخطوفين الأسرى لدى «حماس» إلى المحكمة ليتحدثوا عن معاناتهم، وحرصت بشدة على ألا يكون بينهم أحد من أولئك الذين يتهمون رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بـ«التخلي عن المخطوفين والعمل على إطالة الحرب لكي يطيل عمر حكومته». كما ضمت القاضي أهرون باراك، إلى هيئة القضاة (في المحكمة 15 قاضياً. وبحسب نظامها، يحق لكل دولة معنية بالقضية ضم قاضٍ إضافي. لذلك، أضيف باراك من إسرائيل وقاض آخر من جنوب أفريقيا).

وباراك شخصية معروفة في العالم بوصفه قاضياً ذا بصمات، ومع أنه معارض لحكومة نتنياهو واتهمها بتدمير الديمقراطية الإسرائيلية، فقد تم اختياره لتمثيلها بفضل سمعته الدولية من جهة، ولكونه ابناً لعائلة من الناجين من المحرقة النازية.

تفحص قضاة المحكمة

وقام هذا الفريق الإسرائيلي بإجراء تحقيق خاص حول القضاة أعضاء هيئة المحكمة. والهدف هو ليس فقط التعرف عليهم، بل معرفة سيرة كل منهم وفهم طريقة تفكيره ودراسة السيناريوهات المتوقعة للأحكام التي سيصدرونها، وهل يمكن أن يدينوا إسرائيل بـ«جريمة إبادة شعب» في غزة، والأهم من هذا: كيف يمكن لإسرائيل أن تؤثر على المحكمة حتى تمتنع عن إدانتها؟

مبنى سكني دمرته الغارات الجوية الإسرائيلية في دير البلح وسط قطاع غزة الأربعاء (إ.ب.أ)

وبحسب البروفسور عميحاي كوهين، الخبير في القانون الدولي للنزاعات المسلحة في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، فإنه «لن تكون هناك آثار جنائية على المسؤولين الإسرائيليين إذا حكمت محكمة العدل الدولية ضدها، على الرغم من أن ذلك قد يؤدي إلى تداعيات دبلوماسية شديدة من حيث العقوبات المحتملة وغيرها من التدابير التي يمكن للأمم المتحدة والهيئات الدولية الأخرى اتخاذها ضد إسرائيل».

أضاف: «مع أن هناك مكاناً للتخوف من تعامل المحكمة بإيجابية مع طلب جنوب أفريقيا من هيئتها، (تطبيق إجراءات مؤقتة) قد تشمل إصدار أمر بوقف العمليات القتالية في غزة، لضمان امتثال إسرائيل لالتزاماتها بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، فإنني لا أظن أن المحكمة ستصدر أمراً صريحاً كهذا، وأنها ستأمر إسرائيل فقط بزيادة المساعدات الإنسانية والوقود والإمدادات الطبية».

وقال كوهين، إن «هناك مجالاً واسعاً للتأثير على المحكمة من الآن. فغالبية القضاة هناك أناس ذوو قامة، ولديهم تجارب من قضايا سابقة، وبعضهم أصدر قرارات حيال الحرب في أوكرانيا وكوسوفو وفي أفريقيا وغيرها. مثل قرار قاضٍ بأن التصريحات الروسية بإبادة أوكرانيا لا تكفي لإدانة روسيا. سيكون صعباً تغيير مواقفهم الآن فقط لأن المتهمة هي إسرائيل».

وصول جرحى فلسطينيين إلى مستشفى الشفاء بعد غارات جوية إسرائيلية على مدينة غزة وسط قطاع (أ.ب)

تمهيد لـ«جرائم الحرب»

وقال البروفسور محمد وتد، رئيس كلية القانون في جامعة صفد في الشمال الإسرائيلي، إنه من الناحية القضائية تعد قضية جنوب أفريقيا خاسرة. لكن المحكمة بحد ذاتها وما سيدور فيها يشكل ساحة ستلحق ضرراً معنوياً كبيراً بإسرائيل؛ إذ إنها ستكشف عن ممارسات إسرائيلية عنيفة جداً ضد الفلسطينيين في غزة، من شأنها أن تكون مادة دسمة لإدانتها ليس في هذه المحكمة، بل في المحكمة المجاورة لها في لاهاي، محكمة جرائم الحرب.

تجدر الإشارة إلى أن الدعوى التي قدمتها جنوب أفريقيا تعتمد بالأساس «على «تصريحات فاشية» تفوه بها عدد من القادة. وبين الإجراءات الإسرائيلية لمواجهة المحكمة، استغلال بند في أنظمتها يقول، إنه في حال أقدم القضاء الإسرائيلي على محاكمة هؤلاء المسؤولين، تسقط الحاجة إلى استخدامها في محكمة لاهاي.

فلسطيني أُصيب في قصف إسرائيلي يتلقى العلاج في المستشفى في مخيم خان يونس للاجئين جنوب قطاع غزة (أ.ب)

ونشرت المستشارة القضائية للحكومة، غالي بهراف ميارا، والنائب العام في الدولة، عميت أسمان، بياناً مشتركاً، أعلنا فيه أن النيابة تفحص التصريحات التي أدلى بها مسؤولون إسرائيليون ويفهم منها «التحريض ودعوة للمساس بالمدنيين غير المذنبين بشكل مقصود». وحذرا من أن هناك احتمالاً بتقديم هؤلاء المسؤولين إلى التحقيق الجنائي، وإن كانوا أعضاء كنيست سيطلب من الكنيست رفع الحصانة عنهم.

وجاء في بيان ميارا وايسمان، أن «دولة إسرائيل عموماً وأجهزتها الأمنية بشكل خاص، ملتزمون بمبادئ القانون الدولي وقوانين الحرب. وكل تصريح يدعو للمساس المقصود بالمدنيين غير المشاركين في الحرب، يكون مناهضاً للسياسة الرسمية، ويمكن أن يشكل مخالفة جنائية للقانون. والنيابة تدرس هذه الملفات حالياً».

وقالت القناة 13، إن بين الملفات التي تدرسها النيابة تصريحات لعضو الكنيست من الليكود موشيه سعدة، قال فيها إنه «واضح الآن أن اليمين صدق في مواقفه من القضية الفلسطينية. وأينما تذهب اليوم تسمع كلمة (أبيدوهم). حتى في الكيبوتسات يريدون إبادتهم. رفاقي الذين عملت معهم في النيابة يقولون لي: (يجب إبادة كل الغزاويين)». لكن سعدة ادعى لاحقاً أنه قصد بذلك رجال «حماس».

كذلك، هناك ملف عضو الكنيست نيسيم فيتوري، وهو أيضاً من الليكود، وقد دعا في منشور له على «إكس»، إلى أنه «يجب إحراق غزة الآن. يجب محو غزة عن وجه الأرض». وعاد لتكرار تصريحه يوم الأربعاء، فطالب «بإحراق قطاع غزة دون رحمة». ونقلت صحيفة «يسرائيل هيوم» العبرية، عن نسيم قوله، قبيل يوم واحد من انطلاق جلسة محكمة العدل الدولية في لاهاي، بأنه لن يعتذر عما نشره على حسابه الرسمي على «إكس» في السابع عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حين دعا إلى «إحراق» قطاع غزة دون هوادة.

وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير يتفقد بنادق آلية قبل تسليمها لمتطوعين في عسقلان في 27 أكتوبر الماضي (إ.ب.أ)

وكان وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، قد دعا في الثاني عشر من نوفمبر الماضي، إلى القضاء على حركة «حماس» الفلسطينية وكل من يدعمها. وقال: «حتى أكون واضحاً، عندما يقال إنه يجب القضاء على حركة (حماس)، فإن هذا الأمر يعني أولئك من يغنّون ومن يدعمون الحركة، وكذلك الذين يوزعون الحلوى. كل هؤلاء الداعمين إرهابيون يجب القضاء عليهم». وهناك بالطبع ملف وزير التراث، عميحاي آلياهو، الذي قال في مقابلة إذاعية إن «إحدى الطرق التي ينبغي فحص تنفيذها، إلقاء قنبلة نووية على غزة».

يأس فلسطيني

يذكر أن الفلسطينيين، رغم التقدير البالغ في صفوفهم لخطوة جنوب أفريقيا باعتبارها دعماً كبيراً لقضيتهم، لا يبنون كثيراً على المحكمة، ويعتقدون بأن الضغوط الشديدة عليها ستمنعها من اتخاذ قرار بوقف الحرب.

وأصدرت وزارة الخارجية والمغتربين في رام الله، بياناً رحبت فيه بالدعوى، وقالت إن «إسرائيل، وتصريحات مسؤوليها وممارساتها وحربها التدميرية على شعبنا في قطاع غزة هي إبادة جماعية. وأن تشبيه الشعب الفلسطيني «بالحيوانات البشرية وأطفال الظلام» يعكس نوايا قوات الاحتلال بارتكاب هذه الجريمة، بالإضافة إلى القطع الفعلي للماء، والغذاء، والكهرباء، ومنع دخول الدواء، والوقود، واستهداف البيوت، والمستشفيات وأماكن الإيواء، وتدمير محطات توليد الكهرباء وخزانات الماء، بحيث إن من لم يمت بالقصف والدمار، فإنه يموت من الجوع والعطش».

وطالبت الخارجية، محكمة العدل الدولية، بسرعة الاستجابة لطلب الأصدقاء في جنوب أفريقيا للإجراءات المؤقتة، وبشكل عاجل من أجل منع ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، من خلال إصدار قرار بوقف العدوان، وإطلاق النار، والطلب من الدول المتواطئة في ارتكاب الجريمة ضد شعبنا أن تتوقف عن ذلك، وأن تطالب جميع الدول بوقف إطلاق النار الفوري.

وعلى الصعيد الشعبي، نظم مئات المواطنين وقفات في رام الله ونابلس والخليل، تقديراً لخطوة جنوب أفريقيا


مقالات ذات صلة

تساؤلات حول تناقضات القضاء الفرنسي في ملاحقة أركان نظام الأسد

تحليل إخباري عنصر من القوات السورية الجديدة بالقرب من صورة للرئيس المخلوع بشار الأسد وشقيقه ماهر بمقر الفرقة الرابعة بدمشق (رويترز)

تساؤلات حول تناقضات القضاء الفرنسي في ملاحقة أركان نظام الأسد

تساؤلات حول تناقضات القضاء الفرنسي في ملاحقة أركان نظام الأسد، والنيابة العامة جمدت إشعار الإنتربول وأطراف شنغن بمذكرات توقيف الأسد وشقيقه واثنين من جنرالاته.

ميشال أبونجم (باريس)
المشرق العربي فلسطيني من مجموعة تضم 130 شخصاً سمحت لهم سلطات جنوب أفريقيا بالدخول بعدما وصلوا بشكل غير متوقع (رويترز)

مسؤول إسرائيلي: الفلسطينيون الذين وصلوا إلى جنوب أفريقيا حصلوا على تأشيرة دولة ثالثة

قالت السلطات الإسرائيلية إنّ 153 فلسطينياً أثيرت تساؤلات في شأنهم إثر وصولهم في شكل غير متوقع إلى جنوب أفريقيا، حصلوا على موافقة دخول من دولة ثالثة.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
أوروبا وزير الخارجية النرويجي إسبن بارت خلال فعالية في أوسلو يوم 2 أبريل 2025 (رويترز)

النرويج ستقدّم مشروع قرار أممي لإلزام إسرائيل برفع القيود عن المساعدات لغزة

أعلنت النرويج، الأربعاء، أنها ستقدّم مشروع قرار جديداً للأمم المتحدة لإلزام إسرائيل برفع القيود عن المساعدات لقطاع غزة المُحاصر والمدمر.

«الشرق الأوسط» (أوسلو)
العالم العربي المسؤول الفلسطيني عمار حجازي (يمين) خلال حضوره جلسة استماع في محكمة العدل الدولية في لاهاي (أرشيفية - إ.ب.أ)

مسؤول فلسطيني يدعو العالم لإجبار إسرائيل على الامتثال لقرار محكمة العدل الدولية

حثّ المندوب الفلسطيني لدى محكمة العدل الدولية، الأربعاء، العالم، على ضمان امتثال إسرائيل لقرار المحكمة بالسماح بدخول المساعدات إلى غزة.

«الشرق الأوسط» (لاهاي)
العالم محامون وقضاة داخل قاعة «محكمة العدل الدولية» في لاهاي الأربعاء خلال اليوم الأول من جلسات الاستماع لإصدار رأي استشاري بشأن التزامات إسرائيل بتقديم المساعدة بالأراضي الفلسطينية المحتلة (أ.ف.ب)

«العدل الدولية»: على إسرائيل عدم استخدام التجويع سلاحاً في غزة

رأت محكمة العدل الدولية، أعلى هيئة قانونية تابعة للأمم المتحدة، اليوم (الأربعاء)، أن على إسرائيل عدم استخدام التجويع سلاحاً في قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (لاهاي)

أزمة جديدة تعترض «عملية السلام» في تركيا

أكراد خلال مظاهرة في فرنسا فبراير الماضي للمطالبة بإطلاق سراح زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان (أ.ف.ب)
أكراد خلال مظاهرة في فرنسا فبراير الماضي للمطالبة بإطلاق سراح زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان (أ.ف.ب)
TT

أزمة جديدة تعترض «عملية السلام» في تركيا

أكراد خلال مظاهرة في فرنسا فبراير الماضي للمطالبة بإطلاق سراح زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان (أ.ف.ب)
أكراد خلال مظاهرة في فرنسا فبراير الماضي للمطالبة بإطلاق سراح زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان (أ.ف.ب)

تواجه «عملية السلام» في تركيا، التي تستوجب حلّ حزب «العمال الكردستاني» ونزع أسلحته، أزمة جديدة بسبب الخلاف حول سرية لقاء عقده وفد برلماني مع زعيم الحزب عبد الله أوجلان في سجن إيمرالي غرب البلاد.

وتفجّرت خلافات بين نواب حزب «العدالة والتنمية» الحاكم وحزب «الشعب الجمهوري»، أكبر أحزاب المعارضة، خلال اجتماع لجنة «التضامن الوطني والأخوة والديمقراطية» في البرلمان، المعنية باقتراح الإطار القانوني لنزع السلاح وعملية السلام، التي خُصّصت الخميس للاستماع لتقرير حول لقاء الوفد بأوجلان.

تقرير مجتزأ

وأعلن نواب حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب»، المؤيد للأكراد، أن التقرير الذي قُدّم خلال الجلسة، والذي لخّص محضر لقاء الوفد مع أوجلان في سجن إيمرالي في 24 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أخرج المحضر من سياقه، واجتزأه لينحرف عن المضمون الذي أراده أوجلان.

نواب حزب «الديمقراطية والمساواة للشعب» الأعضاء في اللجنة البرلمانية (حساب الحزب في «إكس»)

وقال النواب الخمسة، غولستان كيليتش كوتشيغيت وميرال دانيش بيشتاش وحقي صاروهان أولوتش وجلال فرات وجنكيز تشيشيك، في بيان، إنه جرى استخدام جمل خارجة عن السياق، واقتباسات غير كاملة تفتح الباب أمام تكهنات عديدة.

وجاء في البيان أن «نشر محتوى الاجتماع بين أوجلان، الفاعل الرئيسي في عملية السلام والمجتمع الديمقراطي، ووفد اللجنة بشكل مجتزأ، مع تفسيرات ناقصة وذاتية، يُخاطر في المقام الأول بتضييق نطاق الدور (التاريخي) لأوجلان في هذه العملية وفتحه للنقاش، وهذا يتعارض مع النهج والوعود والتعريفات والمسؤوليات الأساسية للعملية المستمرة منذ أكثر من عام».

وطالب البيان -الذي نشره الحزب على حسابه في منصّة «إكس»- بنشر محضر الاجتماع مع أوجلان ومشاركته مع جميع أعضاء اللجنة البرلمانية والجمهور بطريقة «وافية وموضوعية وكاملة وصادقة»، ووضع آلية شفافة لضمان دقة المعلومات العامة.

وقال مسؤولون في الحزب إن التقرير أُعدّ بالطريقة التي أرادها حزب «العدالة والتنمية» الحاكم، لكن «عملية السلام والمجتمع الديمقراطي هي عملية «جادة وتاريخية»، ويجب أن تُدار بشكل «موضوعي وشفاف، ولا يخضع للتفسيرات الشخصية».

صدام بين الحكومة والمعارضة

وخلال اجتماع اللجنة للاستماع إلى التقرير، احتجّ نواب من حزب «الشعب الجمهوري»، متسائلين عما إذا كان «جهاز المخابرات قد أعدّ التقرير»، وهل سيعمل نواب البرلمان تحت «رقابة جهاز المخابرات الوطني؟». وطالبوا بعرض محضر الاجتماع كاملاً.

جانب من اجتماع اللجنة البرلمانية لوضع الإطار القانوني لعملية السلام في تركيا (البرلمان التركي - «إكس»)

وقال نواب المعارضة إنه «يتم إخفاء (تفاصيل التقرير) ليس فقط عن الجمهور، بل حتى عن البرلمان». وردّ نائب حزب «العدالة والتنمية»، محمد شاهين على هذه الانتقادات بالقول: «لو أردتم أن تعرفوا ما جرى بالكامل، كان عليكم المشاركة في الوفد الذي زار إيمرالي».

ورفض حزب «الشعب الجمهوري» إرسال أحد نوابه ضمن وفد اللجنة البرلمانية إلى إيمرالي، عادّاً أنه كان يمكن عقد الاجتماع عبر دائرة اتصال تلفزيونية مغلقة لتجنب الحساسيات التي تثيرها زيارة أوجلان.

رئيس حزب «الشعب الجمهوري» أوزغور أوزيل (حساب الحزب في «إكس»)

وانتقد رئيس الحزب، أوغور أوزيل، ما جرى خلال اجتماع اللجنة، مطالباً بالشفافية في كل ما يتعلق بهذه العملية. وقال أوزيل، في مقابلة تلفزيونية، تعليقاً على رفض ذهاب نواب حزبه إلى إيمرالي: «إذا ذهبنا فسنذهب بصراحة، وسنتحدث بصراحة، وسنعود بصراحة، ولن نخفي شيئاً»، متسائلاً عن أسباب إخفاء محضر الاجتماع، وعدم إطلاع نواب اللجنة البرلمانية والرأي العام عليه.

«الكردستاني» يتمسك بموقفه

وفي خضم هذا التوتر، انتقد متحدث الشؤون الخارجية في منظومة اتحاد مجتمعات كردستان، زاغروس هيوا، عمل اللجنة البرلمانية واكتفاء الحكومة التركية بـ«التصريحات فقط، دون اتخاذ خطوات حقيقية في إطار عملية السلام، على الرغم من اتخاذ حزب (العمال الكردستاني) العديد من الخطوات الأحادية».

وقال هيوا، في تصريحات نقلتها وسائل إعلام تركية الجمعة: «إننا لم نكن يوماً مسؤولين عن تخريب عملية السلام، وإن الدولة هي التي اتخذت القرار في عام 2015 بإنهاء العملية السابقة. ولهذا السبب، بدأوا بتجربة أساليب جديدة، ولم يتضح بعد ما إذا كانوا قد غيّروا حقّاً عقليتهم وسياساتهم تجاه الأكراد، أم أنهم يستعدون لموجة جديدة من الهجمات».

متحدث الشؤون الخارجية في منظومة اتحاد مجتمعات كردستان زاغروس هيوا (إعلام تركي)

وقال هيوا إن «المفاوضات لم تبدأ بعد»، وإن لقاء أعضاء من اللجنة البرلمانية مع أوجلان في إيمرالي هي «عملية حوار».

وتابع: «لكي تبدأ المفاوضات، يجب أن يلتقي الطرفان على قدم المساواة، وأهم عنصر في هذه المفاوضات هي حرية أوجلان»، الذي وصفه بـ«كبير مفاوضي حزب (العمال الكردستاني)».

وأضاف: «يجب أن تراعي هذه العملية الاندماج الديمقراطي للأكراد وحركة الحرية الكردية في جمهورية تركيا، وتضمن مشاركتهم الحرة في الحياة السياسية الديمقراطية، لكن ذلك لا يمكن أن يتحقق في ظل الدستور الحالي الذي ينكر وجود الأكراد، بل جميع المجموعات العرقية في تركيا».


إيران تطلق صواريخ خلال مناورات بحرية قرب مضيق هرمز

إطلاق صاروخ إيراني خلال مناورات عسكرية في مكان غير معلن بإيران 20 أغسطس 2025 (رويترز)
إطلاق صاروخ إيراني خلال مناورات عسكرية في مكان غير معلن بإيران 20 أغسطس 2025 (رويترز)
TT

إيران تطلق صواريخ خلال مناورات بحرية قرب مضيق هرمز

إطلاق صاروخ إيراني خلال مناورات عسكرية في مكان غير معلن بإيران 20 أغسطس 2025 (رويترز)
إطلاق صاروخ إيراني خلال مناورات عسكرية في مكان غير معلن بإيران 20 أغسطس 2025 (رويترز)

أفاد التلفزيون الإيراني الرسمي بأن إيران أطلقت صواريخ ضخمة في بحر عمان وبالقرب من مضيق هرمز الاستراتيجي خلال اليوم الثاني من مناورات بحرية.

وأضاف التقرير، أن «الحرس الثوري» شبه العسكري أطلق الصواريخ من عمق البر الرئيسي في إيران، وأصاب أهدافاً في بحر عمان ومنطقة مجاورة بالقرب من مضيق هرمز في تدريبات بدأت الخميس، وفق ما نقلته وكالة «أسوشييتد برس».

صورة نشرتها قوات «الحرس الثوري» 5 ديسمبر 2025 تظهر قارباً نفاثاً يشارك في مناورة عسكرية بالمياه قبالة سواحل جنوب إيران (إ.ب.أ)

وحدد الصواريخ بأنها صواريخ كروز، طراز قدر 110- وقدر380- وغدير، يصل مداها إلى ألفي كيلومتر. وأضاف أن «الحرس الثوري» أطلق أيضاً صاروخاً باليستياً هو 303، من دون أن يدل بمزيد من التفاصيل.

وأظهرت لقطات تلفزيونية إطلاق الصواريخ وإصابة أهدافها.

صورة تم توزيعها 5 ديسمبر 2025 من قِبل «الحرس الثوري» الإيراني تظهِر صاروخاً يتم إطلاقه أثناء تدريب عسكري في المياه قبالة ساحل جنوب إيران (إ.ب.أ)

والمناورات هي الثانية في أعقاب الحرب بين إسرائيل وإيران في يونيو (حزيران)، التي أسفرت عن مقتل نحو 1100 شخص في إيران، من بينهم قادة عسكريون وعلماء نوويون. وأسفرت الهجمات الصاروخية من قِبل إيران عن مقتل 28 شخصاً في إسرائيل.


تقرير: «خيبة أمل» في «الموساد» جراء اختيار نتنياهو لرومان غوفمان رئيساً للجهاز

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (يسار) يعقد مشاورات مع سكرتيره العسكري اللواء رومان غوفمان (د.ب.أ)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (يسار) يعقد مشاورات مع سكرتيره العسكري اللواء رومان غوفمان (د.ب.أ)
TT

تقرير: «خيبة أمل» في «الموساد» جراء اختيار نتنياهو لرومان غوفمان رئيساً للجهاز

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (يسار) يعقد مشاورات مع سكرتيره العسكري اللواء رومان غوفمان (د.ب.أ)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (يسار) يعقد مشاورات مع سكرتيره العسكري اللواء رومان غوفمان (د.ب.أ)

قُوبل قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتعيين سكرتيره العسكري، رومان غوفمان، رئيساً جديداً لـ«الموساد» بخيبة أمل داخل الجهاز، وفقاً لما قاله مسؤولون حاليون وسابقون على الرغم من أن كثيرين قالوا إن الاختيار لم يكن مفاجئاً، بحسب صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية.

وقال المسؤولون إن نتنياهو تجاوز مرشحي «الموساد» المدعومين منه لتعيين رومان غوفمان، مما أثار مخاوف بشأن افتقاره للخبرة الاستخباراتية واحتمالية استقالته، بينما يقول حلفاؤه إن ولاءه وحكمته وفكره العدواني تناسب منصبه.

وبعد أن اختار نتنياهو شخصاً من خارج جهاز «الشاباك»، وهو ديفيد زيني، لقيادته في وقت سابق من هذا العام، توقع كبار مسؤولي «الموساد» أن يتبع نفس النهج: اختيار شخصيات من خارج الجهاز يراها عدوانية وموالية ومتوافقة آيديولوجياً معه.

ويقول المنتقدون إن هذه الخطوة تعكس معركة نتنياهو الأوسع ضد ما يسميه «النخب» و«الدولة العميقة»، ويقول المؤيدون إن غوفمان موثوق به، وكتوم، ومخلص.

وزعم بعض المسؤولين المطلعين على عملية التعيين أن غوفمان خضع لـ«مقابلة» غير رسمية مع زوجة نتنياهو، سارة، قبل اتخاذ القرار- وهو ادعاء نفاه مكتب رئيس الوزراء ووصفه بأنه «كاذب تماماً».

من اليسار إلى اليمين: وزير الدفاع يسرائيل كاتس والسكرتير العسكري لرئيس الوزراء اللواء رومان غوفمان وبنيامين نتنياهو ورئيس ديوان مكتبه تساحي برافرمان والقائم بأعمال رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) يظهرون بمركز قيادة خلال الغارات في قطر (الشاباك)

وأشار آخرون إلى إتقانه للغة الروسية ولغته الإنجليزية المحدودة، مما قد يُعقّد التواصل الدبلوماسي، مع أن حلفاءه يجادلون بأن إتقان اللغة الإنجليزية ليس جوهرياً في مهام «الموساد» الأساسية وتوقع العديد من كبار مسؤولي الدفاع موجة استقالات داخل الجهاز عقب الإعلان.

وتجاوز نتنياهو المرشحين الذين أوصى بهم مدير الموساد المنتهية ولايته، ديفيد برنياع، واختار غوفمان بدلاً منه، الذي لم يرتقِ في دوائر الاستخبارات الإسرائيلية. وقال المطلعون على تفكير رئيس الوزراء إن قراره كان مدفوعاً بولائه وحكمته ووصفه مسؤول دفاعي كبير سابق بأنه «مخلص بشدة لنتنياهو» ووصف التعيين بأنه «محير».

ويقول زملاؤه إن غوفمان ضابط جاد ومنضبط وقارئ نهم للتاريخ والاستراتيجيات العسكرية.

ولفت بعض مسؤولي الأمن السابقين إلى أنه قد يكون متهوراً أيضاً، وأشاروا إلى قضية من فترة عمله قائداً للفرقة 210 «باشان»، حيث زُعم أنه أذن باستخدام شاب مدني يبلغ من العمر 17 عاماً، يُدعى أوري ألماكايس، في عملية غير مصرح بها وهي قضية أدت لاحقاً إلى اعتقال المراهق واحتجازه لفترة طويلة قبل إسقاط التهم عنه.

بنيامين نتنياهو ومدير «الموساد» ديفيد برنياع في القدس (د.ب.أ)

وقال ضابط كبير سابق في الاستخبارات العسكرية إنه على الرغم من أن غوفمان «شخص ماكر وشجاع»، فإنه يفتقر إلى الخلفية الاستخباراتية العملياتية المتوقعة عادةً من مدير الموساد.

وأضاف المسؤول: «إنه يتحدث الروسية والعبرية فقط، ولا ينطق بكلمة إنجليزية واحدة لقد شغل منصب لواء لمدة عام واحد فقط ولم يسبق له إدارة منظمة بهذا الحجم».

وفي المقابل، رفضت مصادر مقربة من نتنياهو بشدة الانتقادات لتعيين غوفمان، واصفةً إياه بالتعيين الممتاز، وقالوا إن إتقانه للغة الروسية وفهمه الإقليمي جعلاه لا يُقدر بثمن في مهمات حساسة في موسكو، وأشاروا إلى أنه أصبح، بصفته السكرتير العسكري، أقرب مستشار أمني لنتنياهو، وأضافوا أنه لعب دوراً في عمليات سرية مهمة، بما في ذلك اغتيالات لكبار شخصيات «حزب الله»، ومهام موجهة ضد إيران خلال الصراع معها في وقت سابق من هذا العام.

ويصف المسؤولون الذين عملوا معه من كثب غوفمان بأنه مفكر عدواني وغير تقليدي «ويقاتل بسكين بين أسنانه ويتفوق في الخداع، ويُحاط بالمعلومات الحساسة، وهي سمات يعتبرونها أساسية للموساد»، وقال أحدهم: «إنه المساعد الأمني ​​الأكثر ثقة لرئيس الوزراء. ليس رئيس الأركان، ولا وزير الدفاع - بل كان غوفمان».

وفي حين يشير البعض إلى قلة لغته الإنجليزية كمصدر قلق، يجادل مؤيدوه بأن ساحات الموساد الرئيسية - إيران وسوريا ولبنان - لا تتطلب إتقان اللغة الإنجليزية بينما تعتبر لغته الروسية ميزة نظراً لعلاقات موسكو مع إيران وغيرها من الجهات المعادية.

وكان رئيس الأركان إيال زامير التقى بغوفمان هذا الأسبوع وهنأه، قائلاً إن الجيش سيدعمه في انتقاله إلى المنصب، وأكد «الموساد» أن برنياع تحدث مع غوفمان وتمنى له النجاح، فيما ذكر نتنياهو أنه اختار غوفمان بعد مقابلات مع عدد من المرشحين، وأشاد بـ«قدراته المهنية الاستثنائية»، مشيراً إلى دوره في مواجهة هجوم حركة «حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، عندما غادر منزله لقتال مسلحي «حماس» وأصيب بجروح بالغة.