«سأقتلك»: المستوطن الإسرائيلي يهدد الفلسطيني والبندقية في يده

فلسطينيون في الضفة الغربية يشيعون أمس جثمان شاب قتلته القوات الإسرائيلية (أ.ب)
فلسطينيون في الضفة الغربية يشيعون أمس جثمان شاب قتلته القوات الإسرائيلية (أ.ب)
TT

«سأقتلك»: المستوطن الإسرائيلي يهدد الفلسطيني والبندقية في يده

فلسطينيون في الضفة الغربية يشيعون أمس جثمان شاب قتلته القوات الإسرائيلية (أ.ب)
فلسطينيون في الضفة الغربية يشيعون أمس جثمان شاب قتلته القوات الإسرائيلية (أ.ب)

يتعرض الفلسطينيون في الضفة الغربية إلى موجة من العنف والتهديدات المتزايدة من المستوطنين الإسرائيليين الذين يسعون لانتزاع أراضيهم تحت حماية الجيش.

ويتزايد القلق الدولي إزاء تصاعد التوترات، خصوصاً في ظل حكومة إسرائيلية متشددة تدعم الاستيطان بطرق غير مسبوقة. حسبما أفادت صحيفة «التايمز» البريطانية.

على طريق ترابي يؤدي إلى بؤرة استيطانية تُدعى «إفياتار»، تقف مجموعة من الفتيات الإسرائيليات المراهقات، يتنقلن بين غرف سكن جاهزة، ويلتقطن صور السيلفي ويتدربن على مهارات الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية. ويحرسهن جندي إسرائيلي، وفصيلة من الجيش تقوم بدوريات في المنطقة، مما يعكس الدعم الرسمي الذي يحظى به المستوطنون في هذه المناطق.

نشطاء يواجهون مستوطنين قرب قرية بيت جالا في الضفة الغربية الخميس الماضي (أ.ف.ب)

والفتيات، اللواتي تتراوح أعمارهن بين 14 و16 عاماً، قدمن لتلقي تدريب المستوطنين لتعلم كيفية الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، في انتهاك للقانون الدولي.

وتؤكد إيمونا بيلا، المشرفة على المخيم البالغة من العمر 19 عاماً، للفتيات أن الله وعدهنّ بهذه الأرض، ويجب بالتالي الاستيلاء عليها حتى لا يأخذها الأشرار.

هذا التوجه العقائدي يدعمه أيضاً قادة دينيون مثل دانييلا فايس البالغة من العمر 79 عاماً، المعلمة الروحية لهؤلاء الفتيات، والتي تقود حركة «ناحالا» لإنشاء مستوطنات غير قانونية منذ 49 عاماً.

تقول فايس للفتيات البالغ عددهن 50 في المخيم: «ستكنّ المبعوثات الجديدات» مضيفة: «أسميه تحرير الأرض، وليس استيطاناً، وهذا واجبنا».

وعرضت فايس خريطة لإسرائيل والأراضي الفلسطينية مليئة بالرموز الوردية الزاهية لتمثيل المستوطنات اليهودية القائمة والمقترحة، ليس في الضفة الغربية فحسب، بل أيضاً في غزة.

وتقول للصحيفة البريطانية: «تسجل 674 شخصاً بالفعل للحصول على قطع أرض هناك على شاطئ البحر، والكثيرون يريدون الانضمام».

وعندما يسألها أحدهم عن الاستيطان في لبنان تبتسم وتقول: «نعم، هناك أيضاً».

نشطاء يواجهون مستوطنين قرب قرية بيت جالا في الضفة الغربية الخميس الماضي (أ.ف.ب)

أسست «إفياتار» قبل بضع سنوات، وأعلنتها السلطات الإسرائيلية غير قانونية في عام 2021، وتم إجلاء سكانها. لكن بعد مقتل أربعة إسرائيليين على أيدي مسلحين من حركة «حماس» في مطعم بجانب الطريق في يونيو (حزيران) من العام الماضي، عاد المستوطنون إلى هناك احتجاجاً.

تقول فايس للصحيفة البريطانية: «هذا مكان خاص جداً»، وأضافت: «لدينا بالفعل عائلات مكونة من ثمانية أو عشرة أفراد في الفيلات ومدرسة دينية تضم 110 طلاب، لديها إمكانات لتصبح مدينة كبيرة».

وفي الشهر الماضي، أعلن صديقها وزميلها المستوطن بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية المتشدد، أن مجلس الأمن القومي قد وافق على تقنينها مع أربع بؤر استيطانية يهودية أخرى.

ومعلوم أن محكمة العدل الدولية أقرّت الشهر الماضي أن احتلال إسرائيل للضفة الغربية غير قانوني، ووصفت المحكمة الجنائية الدولية المستوطنات بأنها «جريمة حرب».

في خضم هذه الأجواء، يعيش الفلسطينيون تحت تهديد مستمر، ويتعرضون لهجمات يومية من المستوطنين الذين يطلقون النار على خزانات المياه، ويحطمون الألواح الشمسية، ويهدمون منازلهم، مما يدفع الكثيرين إلى ترك أراضيهم وقراهم.

تأتي هذه التطورات فيما تشهد الضفة الغربية تصعيداً غير مسبوق في العنف منذ انتفاضة الأقصى الثانية عام 2002. وتفاقمت الأوضاع مع تكثيف الهجمات العسكرية الإسرائيلية وتزايد عمليات القتل والاعتقالات.

ووفقاً للأمم المتحدة، شهدت الضفة الغربية مقتل أكثر من 600 فلسطيني خلال الأشهر العشرة الأخيرة، وهي أعلى حصيلة منذ بدء مراقبة الوضع قبل 20 عاماً.

وحسب التقرير، أنه تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1967، تحولت الضفة الغربية إلى عالم بائس تحوطه الأسلاك الشائكة، وعلامات تحذيرية (لا تدخل)، ونقاط تفتيش مسلحة، وأحياناً موسيقى صاخبة في الأحياء. وهناك بوابات معدنية وكتل خرسانية تغلق الشوارع، تاركة مدناً فلسطينية كانت مزدحمة، مثل الخليل، كمدن أشباح.

وفي ظل هذه الظروف، يعاني الفلسطينيون من ضغوط كبيرة للبقاء على أراضيهم. مثال على ذلك، محمود كهير من قرية بني نعيم، الذي يواجه تهديدات يومية من مستوطن مسلح يدعى ماتانيا، يحاول طرد عائلته من أرضها.

جنود إسرائيليون في الضفة الغربية المحتلة (أرشيفية - رويترز)

يشعر كهير وأسرته بأنهم عالقون في مواجهة غير عادلة، حيث لا توفر السلطات الإسرائيلية أي حماية لهم.

وعلى الجانب الآخر، يواصل المستوطنون الإسرائيليون، تحت قيادة شخصيات بارزة مثل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، توسيع نفوذهم في الضفة الغربية، مدعومين بموارد حكومية متزايدة. ويتم تطوير بنية تحتية جديدة من طرق سريعة تربط المستوطنات، وتوفير الخدمات الضرورية لجذب المزيد من اليهود للإقامة في هذه المناطق.

فلسطيني يعاين سيارة أحرقها المستوطنون في بلدة جيت بالضفة الجمعة (أ.ب)

وفي قرى مثل زاتونا، حيث يحاول الفلسطينيون العودة إلى أراضيهم بعد أن أُجبروا على الرحيل، يجدون أنفسهم أمام تحديات كبرى بعد هدم كل ما يمتلكونه ومنعهم من إعادة البناء.

في هذا السياق، تقول المحامية قمر مشيرقي أسعد، التي تمثل العديد من هذه القرى، «إنها معركة مستمرة ولا أحد يعرف أين ستنتهي».

تستمر المقاومة الفلسطينية رغم كل الصعوبات، لكن الواقع يشير إلى أن التوترات مرشحة للتصاعد بشكل أكبر في ظل غياب حلول دولية فعالة توقف هذه الانتهاكات وتضع حداً لمعاناة الفلسطينيين المتفاقمة.


مقالات ذات صلة

«السلطة» الفلسطينية تعمّق عمليتها في مخيم جنين: لا تراجع ولا تسويات 

المشرق العربي الشرطة الفلسطينية تفرق متظاهرين يحتجون على الاشتباكات بين قوات الأمن والمسلحين في مدينة جنين... السبت (أ.ف.ب)

«السلطة» الفلسطينية تعمّق عمليتها في مخيم جنين: لا تراجع ولا تسويات 

بدأت السلطة الفلسطينية، قبل نحو أسبوعين، عمليةً واسعةً ضد مسلحين في مخيم جنين، في تحرك هو الأقوى منذ سنوات طويلة، في محاولة لاستعادة المبادرة وفرض السيادة.

كفاح زبون (رام الله)
شؤون إقليمية صورة أرشيفية لجلسة للجمعية العامة للأمم المتحدة (رويترز)

الأمم المتحدة تطلب رأي «العدل الدولية» حول التزامات إسرائيل بشأن المساعدات للفلسطينيين

صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة الخميس، على مشروع قرار لطلب رأي محكمة العدل الدولية بشأن التزامات إسرائيل بتسهيل المساعدات للفلسطينيين من المنظمات الدولية.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
المشرق العربي فلسطينيان ينقلان بسيارة إسعاف جثث قتلى سقطوا بضربة إسرائيلية في جباليا الخميس (أ.ف.ب)

مقتل العشرات بهجمات في قطاع غزة

تستغل إسرائيل المماطلة بإبرام اتفاق لوقف النار في قطاع غزة لشن هجمات تُودي بحياة العشرات كل يوم.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي جندي إسرائيلي يوجّه بندقيته خلال مداهمة إسرائيلية في طولكرم شمال الضفة الغربية المحتلة أكتوبر الماضي (أ.ف.ب)

تحديث مقتل 6 فلسطينيين بنيران الجيش الإسرائيلي شمال الضفة الغربية

أفادت وسائل إعلام فلسطينية، الخميس، بمقتل وإصابة عدد من المواطنين جراء قصف الطيران الإسرائيلي مركبة في مخيم طولكرم بالضفة الغربية.

«الشرق الأوسط» (رام الله)
شؤون إقليمية أحد أفراد قوات الأمن الفلسطينية يلوح بيده خلال العملية في مخيم جنين (الفرنسية)

السلطة الفلسطينية ماضية في عمليتها ضد المسلحين بجنين

قال وزير الداخلية الفلسطيني، اللواء زياد هب الريح، إن العملية التي تشنها السلطة في مدينة جنين ومخيمها ستستمر حتى تحقيق أهدافها بفرض الأمن والنظام وبسط القانون.

كفاح زبون (رام الله)

لبنان يبدأ إزالة السلاح الفلسطيني خارج المخيمات

آليات الجيش تدخل مركزاً للتنظيمات الفلسطينية (مديرية التوجيه)
آليات الجيش تدخل مركزاً للتنظيمات الفلسطينية (مديرية التوجيه)
TT

لبنان يبدأ إزالة السلاح الفلسطيني خارج المخيمات

آليات الجيش تدخل مركزاً للتنظيمات الفلسطينية (مديرية التوجيه)
آليات الجيش تدخل مركزاً للتنظيمات الفلسطينية (مديرية التوجيه)

بدأ لبنان عملية إزالة السلاح الفلسطيني المنتشر خارج مخيمات اللاجئين، والذي يتركز بيد فصائل متحالفة مع النظام السوري السابق كانت تنتشر في عدد من البقع في البقاع وجنوب بيروت وعلى الحدود مع سوريا.

وأعلن الجيش اللبناني، السبت، عن تسلمه 3 مراكز عسكرية كانت تابعة لفصيلين فلسطينيين مقربين من نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد. المركزان الأولان يقع أحدهما في البقاع الغربي، والثاني في البقاع الأوسط، وكانا تابعين لـ«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة». أما المركز الثالث فهو عبارة عن معسكر في منطقة راشيا كان تابعاً لتنظيم «فتح الانتفاضة».

وأبلغ مصدر أمني «الشرق الأوسط» أن مديرية المخابرات في الجيش تعمل منذ فترة على معالجة الموضوع، مشيراً إلى أنها أوشكت على إقفال هذا الملف نهائياً، موضحة أن مركز «نفق الناعمة» الشهير جنوب بيروت، بات في حكم المنتهي، وأن من تبقى فيه هو عدد من العناصر لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة. وقال المصدر إن غالبية هؤلاء في سن متقدمة، كما أن أسلحتهم وعتادهم بات متقادماً.

وأعلن الجيش أنه صادر كميات من الأسلحة والذخائر، بالإضافة إلى أعتدة عسكرية، لافتاً إلى أنه سيتابع تسلُّم مراكز عسكرية كانت تشغلها تنظيمات فلسطينية داخل الأراضي اللبنانية، ضمن إطار حفظ الأمن والاستقرار وبسط سلطة الدولة في مختلف المناطق.

وأظهرت صور نشرها الجيش ناقلات جند مصفحة تابعة له تدخل المواقع، وأعتدة عسكرية وذخائر داخل صناديق خشبية وخارجها.

التطور مرتبط بسقوط الأسد

ذخائر صادرها الجيش اللبناني (مديرية التوجيه)

ويأتي هذا التطور غداة اتفاق وقف النار بين إسرائيل و«حزب الله»، والذي نص على تفكيك كل المنشآت العسكرية غير المرخصة والمعنية بصناعة السلاح في لبنان، ومصادرة جميع الأسلحة غير المرخصة بدءاً من منطقة جنوب الليطاني، مع العلم أن تفاهماً وطنياً كان قد تم في مؤتمر الحوار الأول الذي انعقد في مارس (آذار) 2006 بدعوة من رئيس المجلس النيابي نبيه بري، على جمع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، وضرورة ضبطه وتنظيمه في داخلها. إلا أن القرار بقي حبراً على ورق.

ويشير مصدر أمني لبناني إلى أنه «لا علاقة مباشرة لهذا التطور باتفاق وقف النار»، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «بعد سقوط النظام في سوريا، الذي ترتبط به هذه الفصائل من حيث الانتماء والتجهيز والتمويل، هرب العناصر الذين كانوا في الثكنات فتسلمها الجيش مباشرة».

سحب السلاح الفلسطيني

ويوضح مدير مركز تطوير للدراسات هشام دبسي أن المواقع التي تسلمها الجيش تابعة للقيادة العامة والمنشقين عن حركة «فتح»، ولبعض المرتبطين بأجهزة الأمن السورية، لافتاً، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «هذا كان يفترض أن يحصل منذ صدور القرار 1559 حين وافقت السلطة الفلسطينية على تسليم السلاح خارج وداخل المخيمات، لكن اعتراض (حزب الله) في ذلك الوقت سحب الأمر إلى طاولة الحوار، وهناك وافق الحزب على سحب السلاح من خارج المخيمات وتنظيمه داخلها، لكنه عاد وأفشل هذه النتيجة».

ويشير دبسي إلى أن «ما يجري اليوم مرتبط بهدفين أساسيين؛ الأول تطبيق القرار 1701 وما لحظه من تطبيق قرارات سابقة، وأهمها القرار 1559، أما الهدف الثاني فمرتبط بسقوط النظام السوري بهذه الطريقة الدراماتيكية والمفاجئة؛ إذ إن (هيئة تحرير الشام) أول ما أصدرت من أوامر لأتباع النظام السوري من فلسطينيين بأن يسلموا معسكراتهم وأسلحتهم، وعليه لم يعد لهذه المنظمات التي ترفع راية فلسطين وتسيء لشعب فلسطين وشعب لبنان، ظهير؛ لا على المستوى الإقليمي، ولا على المستوى الداخلي اللبناني».

ويرى دبسي أن «الوقت نضج من مختلف جوانبه كي تبسط الجمهورية اللبنانية سيادتها بواسطة جيشها على كامل الأراضي اللبنانية، وتنهي أي وجود مسلح باسم فلسطين خارج المخيمات، كما أن لها الحق بالسيطرة على المخيمات وسحب الأسلحة الموجودة فيها».

دخان يتصاعد جراء اشتباكات بين الفصائل الفلسطينية صيف عام 2023 (أ.ف.ب)

قرار لا يشمل «حزب الله»

ولا يبدو أن تسليم المواقع الفلسطينية العسكرية خارج المخيمات سيمهد قريباً لتسليم «حزب الله» مراكزه وأسلحته في منطقة شمالي الليطاني؛ إذ تشدد المصادر على أن «ذلك يحتاج إلى قرار سياسي كبير غير متوافر بعد»، فمع انطلاق عمل اللجنة الخماسية برئاسة أميركية والمولجة مراقبة تطبيق اتفاق وقف النار، لا تزال علامات استفهام كثيرة تحيط ببعض البنود، وأبرزها المرتبط بما إذا كان الاتفاق يلحظ سحب سلاح «حزب الله»، وتفكيك منشآته العسكرية من منطقة جنوبي نهر الليطاني حصراً أم يشمل كل الأراضي اللبنانية. وفيما تدفع قوى المعارضة، وعلى رأسها حزبا «القوات» و«الكتائب» باتجاه التفسير الثاني، يصر «حزب الله» على أن الاتفاق الذي قبل به يلحظ حصراً سحب السلاح من جنوبي الليطاني.