وجّه مقربون من المرشد الإيراني علي خامنئي انتقادات غير مسبوقة لروسيا بسبب البيان الوزاري العربي - الروسي الصادر مؤخراً والذي يجدد دعوة إيران إلى حل قضية الجزر الإماراتية المحتلة سلمياً، إما عبر الحوار وإما التحكيم الدولي، الأمر الذي دفع وزارة الخارجية الإيرانية للاحتجاج على موسكو، في أحدث تقاطع يعكر صفو العلاقات «الاستراتيجية» بين البلدين.
وانهمرت الانتقادات من نواب البرلمان ووسائل إعلام مؤيدة لاستراتيجية إيران في التوجه نحو الشرق، خصوصاً روسيا والصين، بالإضافة إلى انتقادات غاضبة من أنصار التيار الإصلاحي والمعتدل، وأنصار التيار القومي المتطرف في إيران.
وأكد وزراء الخارجية العرب ونظيرهم الروسي سيرغي لافروف في بيان، الأسبوع الماضي، دعم المبادرات الإماراتية الرامية لحل سلمي لقضية الجزر الثلاث؛ طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، من خلال المفاوضات الثنائية، أو اللجوء لمحكمة العدل الدولية.
وجاء في البيان أن تلك الدول «تؤكد دعم كل الجهود السلمية بما فيها المبادرات الرامية إلى التوصل إلى حل سلمي لقضية الجزر الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى وفقاً لمبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، بما في ذلك من خلال المفاوضات الثنائية، أو اللجوء لمحكمة العدل الدولية إذا اتفقت الأطراف على ذلك».
وشدد البيان على مبدأ حرية الملاحة البحرية في المياه الدولية وفقاً لقواعد القانون الدولي واتفاقات قانون البحار، وضرورة ضمان أمن وسلامة الملاحة البحرية في الخليج العربي وبحر عُمان والبحر الأحمر ومضيق هرمز وباب المندب، وتأمين خطوط إمدادات الطاقة، ورفض وإدانة الأعمال التي تستهدف أمن وسلامة الملاحة والمنشآت البحرية وإمدادات الطاقة وأنابيب النفط والمنشآت النفطية في الخليج العربي والممرات المائية الأخرى، وتعزيز التعاون في تأمين السلامة البيئية لهذه المنطقة.
توتر دبلوماسي
وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني في مؤتمر صحافي، الاثنين، إن بلاده أبلغت روسيا احتجاجها «بأوضح العبارات» و«أعلى المستويات»، وأضاف أن إيران «لن تتسامح إزاء سيادة وسلامة أراضينا مع أي طرف».
وأضاف: «لقد أعلنا موقفنا في هذا الصدد، وأؤكد مرة أخرى أن المزاعم المطروحة في بيان مراكش، في الجزر الثلاث الإيرانية بمثابة العمل ضد سيادة وسلامة الأراضي الإيرانية». وتابع: «النقاط المروَّجة في البيان بشأن الجزر بمثابة انتهاك مبادئ القانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة، القائم على احترام سيادة وسلامة أراضي الدول».
جاء ذلك، بعد يومين من استدعاء القائم بالأعمال في السفارة الروسية لدى طهران، في غياب السفير الروسي، لتقديم «مذكرة احتجاج» بشأن مضمون البيان المشترك. وأضافت في بيان أنّ «الجمهورية الإسلامية الإيرانية تعد أيّ ادعاء من أيّ طرف في هذا الصدد مرفوضاً وغير مقبول». ومن جهته، ادعى وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان في اتصال مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، أنّ الجزر «جزء لا يتجزّأ من الأراضي الإيرانية». وأضاف: «نحن لا نجامل أحداً حول سيادة إيران على أراضيها» وفق ما أوردت وكالة الصحافة الفرنسية.
وكانت إيران قد استدعت السفير الروسي في يوليو (تموز) للاحتجاج على بيان مماثل وقّعته موسكو والدول العربية.
«العلاقات الاستراتيجية»
وقبل أن تتحرك الخارجية الإيرانية، كان مستشار المرشد الإيراني في الشؤون الدولية، علي أكبر ولايتي قد وجّه انتقادات لاذعة إلى روسيا.
وقال ولايتي إن «مواقف الخارجية الروسية مؤسفة، وتضر بمكانة موسكو»، وصرّح: «بعض الضغوط السياسية في ظل الأوضاع المعقدة تتسبب في تضرر مكانتها من أجل الحصول على امتيازات لا تُذكر».
وحذر ولايتي من أن «العلاقات الاستراتيجية» بين روسيا وإيران «لم تنشأ بسهولة، ويجب أن تأخذ مصالح الجانبين بعين الاعتبار».
وبدوره، قال محسن رضائي، مستشار الرئيس الإيراني في الشؤون الاقتصادية، وقائد «الحرس الثوري» الأسبق، إن «التدخلات غير الودية لروسيا بشأن سلامة الأراضي الإيرانية يجب ألا تتكرر». وأضاف: «الجزر الثلاث ليست القرم». وحذّر الإمارات من الاستمرار بمطالبها لانتهاء «احتلال» الجزر.
ومن جانبه، اتهم رئيس تحرير صحيفة «كيهان» التابعة لمكتب المرشد الإيراني، روسيا بـ«النفاق والخيانة» و«ارتكاب خطأ لا يُغتفر»، وناشد الخارجية الإيرانية بمطالبة روسيا بـ«اعتذار رسمي وعلني».
اقرأ أيضاً
تحذيرات برلمانية
ولم يتأخر نواب البرلمان الذين يستعدون لإطلاق حملاتهم الانتخابية عن إطلاق انتقادات حادة لروسيا. ووجّه رئيس البرلمان، محمد باقر قاليباف تحذيراً إلى موسكو بأن «تراقب استغلال أخطائها من الغرب». وقال نائب رئيس البرلمان، النائب المتشدد، مجتبى ذور النوري: «مستعدون لإرسال معلمي تاريخ وجغرافيا إلى روسيا لتحسين معلوماتهم حول الجزر».
وقال رئيس لجنة الأمن القومي، وحيد جلال زاده إن «ارتكاب روسيا هذا الخطأ للمرة الثانية، في غضون أشهر، وتكراره يدلان على أنه متعمد من جانب الروس». وأضاف: «في المرة الأولى، قال روس إنهم لم يعلموا بحساسية الأمر».
ومن جهته، قال النائب حسين فدا ملكي، عضو لجنة الأمن القومي إن «التاريخ أثبت أن الروس يتخلون عنا عند الضرورة». وأضاف: «أن نضع كل بيضنا في سلة روسيا ليس بالأمر الصائب».
وقال النائب علي نيكزاد: «روسيا يجب أن تقدم اعتذاراً رسمياً للتعويض»، محذراً في الوقت نفسه من طرح المطالب المتعلقة بالجزر الثلاث. وکتب النائب أحمد نادري على منصة «إكس»: «هذه المرة الثانية التي يتفوه الروس بكلام أكبر من حجمهم، ويتدخلون في سلامة أراضينا، يجب عليهم أولاً أن يوضحوا سبب احتلال القرم وفرض الحرب على أهل أوكرانيا».
وبموازاة هذه الانتقادات من التيار المحافظ ومنصاته الإعلامية، أطلقت الصحف والنوافذ الإعلامية الإصلاحية حملة انتقادات للانفتاح على روسيا، مقابل تراجع العلاقات مع الدول الغربية.
ظريف يلوم «الإدراك خطأ»
على خلاف ذلك، أبدى وزير الخارجية الإيراني السابق، محمد جواد ظريف، الاثنين، استغرابه من الانتقادات الموجّهة لروسيا، وقال «لدينا إدراك خطأ من العلاقات الدولية وعلاقاتنا مع روسيا، لقد تصرفنا وفق هذا الإدراك، وعلى هذا الأساس ننتظر من روسيا أن تتصرف وفق هذا الإدراك، في حين أن روسيا لم تتصرف وفقاً لهذا».
وأضاف: «لم تتصرف روسيا وفق هذا سابقاً وحالياً ومستقبلاً، العالم ليس عالم المروءة أو الخسة، يجب ألا نفقد وعينا من أجل روسيا، ولا نحقد عليها، يجب ألا نتحول إلى معادين لروسيا ولا نعبدها».
وقال: «ما ينبغي فعله هو أن علينا إدراك أن العالم تخطى مرحلة القطبين». وأضاف في السياق نفسه: «نخطئ إذا اعتقدنا أن روسيا أو الصين ستعرض مصالحها مع الدول العربية للخطر من أجلنا». وأضاف: «إذا فعلنا ذلك فعلينا أن نعيد النظر في تفكيرنا وليس أن ننتظر من روسيا ألا تقدم على ذلك».
وأضاف ظريف: «عالم ما بعد الحرب الباردة عالم مختلف، وسنرتكب أخطاءً في توقعاتنا وحساباتنا».
وكتب المحلل السیاسي، أحمد زيد آبادي في مدونة: «ما الإشارة التي ينبغي للروس إرسالها لجعل المسؤولين في الجمهورية الإسلامية يدركون أن الكرملين لا يتفق مع سياستهم في الشرق الأوسط؟»، معرباً عن اعتقاده أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين يمارس ضغوطاً على المسؤولين الإيرانيين لكبح جماح الهجمات الحوثية في بحر العرب والبحر الأحمر ومضيق باب المندب.