قدم وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان رواية جديدة من الساعات التي أعقبت مقتل مسؤول العمليات الخارجية في «الحرس الثوري» قاسم سليماني بضربة أميركية في بغداد مطلع 2020، خصوصاً قصف «الحرس الثوري» الإيراني لقاعدة عين الأسد.
وقال عبداللهیان في ملتقى استضافته الخارجية الإيرانية إن بلاده تلقت رسائل أميركية «لافتة» بعد مقتل سليماني، في أعقاب تهديد المرشد الإيراني علي خامنئي بتوجيه رد انتقامي. وادعى أن بلاده تلقت وعوداً أميركية بإلغاء جزء من العقوبات، إذ لم ترد الجمهورية الإسلامية (على مقتل سليماني). ونقل أيضاً عن المسؤولين الأميركيين قولهم: «نحن مستعدون لتحديد كيف تنتقمون منا، نحن من يحدد ذلك، وأن تبقوا صامتين بعد أن تنتقموا».
ووفقاً لرواية وزير الخارجية الإيراني، تجاهلت طهران الرد على الرسائل الأميركية. وبعد توجيه الضربة، تلقت إيران رسائل أخرى بحسب عبداللهيان. ونقلت وكالة «إيسنا» الحكومية قوله في هذا الصدد إن «الجمهورية الإسلامية وجهت صفعة لأميركا في تلك المرحلة بالهجوم على (عين الأسد)، وذلك بعدما قال الأميركيون إذا كان لدى إيران أدنى رد على مقتل سليماني ومرافقيه، ضد مصالحنا في المنطقة، سنوجه في الوقت نفسه ضربات لـ52 موقعاً استراتيجياً إيرانياً». وقال: «بعد الضربة وجهوا الرسالة: أوقفوا الضرب وانهوا الهجوم». ولم يتطرق عبداللهيان للرد الإيراني على هذا الطلب الأميركي بعد الهجوم.
ووصف عبداللهيان قصف قاعدة عين الأسد في الثامن من يناير (كانون الثاني) 2020، بـ«الرد الحازم» على مقتل سليماني، وأضاف: «عجزت الولايات المتحدة عن اتخاذ أدنى رد»، وعدّ ذلك أنه «دليل على عجزها في فرض الهيمنة الأميركية، ومن أدلة تغيير النظام العالمي».
يأتي سرد عبداللهيان للتفاصيل الجديدة بعد أسابيع من صفقة إيرانية - أميركية لتبادل السجناء، وشملت إطلاق أصول إيران المجمدة بقيمة 6 مليارات دولار في بنوك كوريا الجنوبية. وذكرت مصادر غربية أن الصفقة جزء من تفاهم محدود بين واشنطن وطهران لخفض التصعيد، وتشمل الخطوات وقف هجمات تشنها ميليشيات حليفة لإيران، على مواقع القوات الأميركية في العراق وسوريا، ومن ذلك خفض جزئي لتخصيب اليورانيوم عالي التخصيب في إيران.
وقبل أن يتولى منصب وزير الخارجية، كان عبداللهيان رئيساً للجنة التي أنشئت بعد مقتل سليماني باسمه وركزت على متابعة ملفه القضائي، ورعاية مهرجانات دعائية ممولة من مكتب المرشد الإيراني و«الحرس الثوري».
روایات متضاربة
قدمت إيران روايات متباينة عن الهجوم الباليستي الذي شنته قوات «الحرس الثوري» للثأر من مقتل صاحب أعلى رتبة عسكرية في البلاد، ما عمق مخاوف من نشوب حرب جدية في الشرق الأوسط حينذاك. وكانت إيران ترفع شعار «الصبر الاستراتيجي» و«السير على حافة الهاوية» مقابل الضغوط القصوى التي انتهجها الرئيس الأميركي دونالد ترمب لدفع إيران على تغيير سلوكها الإقليمي تحت الضغط.
وبعد لحظات من الهجوم، قال التلفزيون الرسمي الإيراني إن إيران أطلقت 15 صاروخاً باليستياً على قاعدة عين الأسد العراقية التي كانت تضم القوات الأميركية، وحلفاءها في التحالف الدولي لمكافحة تنظيم «داعش». وادعى الإعلام الإيراني مقتل 80 أميركياً، لكن على خلاف ذلك، كانت وكالة «رويترز» قد نقلت عن مصادر حكومية أميركية وأوروبية أن إيران سعت عمداً إلى تجنب وقوع أي خسائر في صفوف الجنود الأميركيين. وأضافت المصادر، أنه من المعتقد أن الإيرانيين تعمدوا أن تخطئ الهجمات القوات الأميركية للحيلولة دون خروج الأزمة عن نطاق السيطرة مع توجيه رسالة عن قوة العزم لدى إيران.
وقالت المصادر الغربية حينذاك، إنه يُعتقد أن إيران حاولت ضرب أجزاء معينة لتقليل الخسائر البشرية إلى أدنى حد، ولتفادي قتل أميركيين على وجه الخصوص.
بموازاة «رويترز»، نقلت شبكة «سي إن إن» الأميركية عن مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية أن مسؤولين عراقيين أبلغوا مسؤولين أميركيين بتعرض قواعد لهجوم إيران قبل ساعات من الهجوم، بناء على معلومات تلقوها من مسؤولين إيرانيين، وهو ما ساهم في تجنب الخسائر في صفوف العسكريين الأميركيين.
وقال مسؤول أميركي إن الإنذار المبكر أتاح لأفراد القوات الأميركية الانتقال إلى أماكن آمنة قبل الضربة الإيرانية. وتحدثت الاستخبارات الأميركية عن رصد تحرك إيراني لنقل أسلحة بما فيها الصواريخ الباليستية والمسيّرات، في مناطق غرب إيران، في الأيام التي فصلت عن الهجوم.
واتضح لاحقاً أن العشرات من الجنود الأميركيين أصيبوا بارتجاج في المخ، وجرى نقلهم لتلقي العلاج في مستشفيات خارج العراق.
وبعد ساعات من الضربة الإيرانية، قال وزير الخارجية الإيراني حينذاك، محمد جواد ظريف، إن بلاده اتخذت «إجراءات محسوبة» في إطار الدفاع عن النفس، مضيفاً أن الضربات «أكملت» رد إيران على مقتل سليماني. وأضاف: «لا نسعى إلى التصعيد أو الحرب، لكن سندافع عن أنفسنا في وجه أي عدوان».
وفي سبتمبر (أيلول) من العام نفسه، توعد قائد «الحرس الثوري»، حسين سلامي، الأميركيين بـ«انتقام جاد حقيقي» لمقتل سليماني، وخاطب الأميركيين بقوله: «عندما ضربنا (عين الأسد)، لم نكن نتوقع عدم ردكم، وكنا نفترض أنكم تردون. وعندها، كنا قد جهزنا مئات الصواريخ للإطلاق، لندمر الأهداف المحددة، في حال الرد».