دافع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، عن سحب ترخيص مفتشين دوليين، ونفى الوقت نفسه تقييد مهمة الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تفتيش المواقع الإيرانية، بعد أيام من قرار طهران إلغاء ترخيص من مفتشي الوكالة التابعة للأمم المتحدة.
وقبل مغادرة نيويورك، إلى طهران، أجاب رئيسي عن أسئلة الصحافيين في مؤتمر عقدته البعثة الإيرانية، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة. وتطرق رئيسي بشكل أساسي إلى الملف النووي، خصوصاً المحادثات المتعثرة مع الولايات المتحدة بهدف إحياء اتفاق عام 2015 والتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وفقاً لمقاطع فيديو بثّتها وكالة «إرنا» الرسمية على شبكات التواصل الاجتماعي.
ورهن التوصل إلى «اتفاق جيد» بـ«تنفيذ التزامات الأطراف الأوروبية والأميركية». وقال: «إذا أبدى الأميركيون استعداداً للعمل بالتزاماتهم، يمكن أن يمهد ذلك للتقدم بالعمل». وأضاف: «أبلغنا أصدقاءنا القطريين، وأنا أعلنت في الجمعية العامة أن الشرط هو عودة الأميركيين لالتزاماتهم».
ونقلت وكالة «أسوشييتد برس» عن رئيسي قوله إن على الولايات المتحدة تخفيف العقوبات، وهي الخطوة الأولى لإثبات رغبة إدارة جو بايدن في العودة إلى الاتفاق النووي. وأضاف: «يقولون إنهم يرغبون في إجراء حوار، لكننا نعتقد أنه يجب أن يكون مصحوباً بعمل»، لافتاً إلى أن العمل بشأن العقوبات يمكن أن يكون «أساساً قوياً لمواصلة المناقشات» وتابع: «لم نغادر طاولة المفاوضات».
والاثنين، قال مدير وكالة الطاقة الذرية رافائيل غروسي، إنه طلب لقاء الرئيس الإيراني على هامش أعمال الجمعية العامة.
وعندما سُئل هل التقى غروسي، أجاب رئيسي بأنه تحدث معه في طهران أوائل مارس (آذار)، وليس هذا الأسبوع.
وكان غروسي قد استنكر خطوة إيران إلغاء ترخيص المفتشين الدوليين الأكثر خبرة بالأنشطة الإيرانية، ووصفها بأنها «غير متناسبة وغير مسبوقة»، مؤكداً أن الإجراء يؤثر على التخطيط وأنشطة التفتيش التي تُجريها الوكالة في إيران بشكل معتاد ويتعارض بشكل علني مع التعاون الذي ينبغي أن يكون قائماً بين الوكالة وإيران».
وقال: «ليست لدينا مشكلة مع عمليات التفتيش لكنّ المشكلة هي مع بعض المفتشين... وبالنسبة إلى المفتشين الذين هم أهل للثقة تمكنهم مواصلة عملهم في إيران».
وجاءت الخطوة الإيرانية بعد تحرك قادته الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا في مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في وقت سابق من هذا الشهر لدعوة طهران إلى التعاون بصورة فورية مع الوكالة بشأن قضايا من بينها تفسير وجود آثار لليورانيوم عُثر عليها في مواقع غير معلنة.
ورداً على القرار الإيراني، قالت الدول الأربع في بيان: «يجب على إيران أن تتراجع فوراً عن إلغاء تعيين المفتشين وأن تتعاون بشكل كامل مع الوكالة (الوكالة الدولية للطاقة الذرية) لتمكينها من تقديم ضمانات بأن برنامج إيران النووي سلميّ تماماً». وأضافت أن «إيران تواصل توسيع أنشطتها النووية. وهي الآن تعرقل بشكل متعمد التخطيط والتنفيذ الطبيعي لأنشطة الوكالة في التحقق والمراقبة».
وتابع رئيسي أن «قرار طهران جاء رداً على بعض التصريحات غير المنصفة من الأعضاء الغربيين في الوكالة الدولية للطاقة الذرية».
وحسب «رويترز» فإن الخطوة التي اتخذتها طهران، والمعروفة باسم «إلغاء تعيين» المفتشين، مسموح بها ويمكن للدول الأعضاء بشكل عام الاعتراض على زيارة مفتشين بعينهم لمنشآتها النووية بموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية واتفاقية الضمانات الخاصة بكل دولة مع الوكالة والتي تنظم عمليات التفتيش.
ولطالما هددت طهران بسحب ترخيصات المفتشين المختصين بمراقبة أنشطة إيران النووية، كخطوة تتضمن تهديدات بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار إذا ما قرر مجلس محافظي الوكالة الدولية إعادة ملف إيران النووي إلى مجلس الأمن.
وتتعامل «الوكالة الدولية» مع قضايا خطيرة قائمة منذ أمد طويل ولم يتم حلها، تتعلق بالمواد والأنشطة النووية غير المعلنة في إيران التي لم تتمكن إيران من معالجتها على مدى أكثر من أربعة أعوام.
«بند الغروب»
كما انتقد رئيسي إعلان بريطانيا وفرنسا وألمانيا الأسبوع الماضي أنها ستُبقي القيود الصارمة على إيران التي كان من المقرر أن تنتهي في أكتوبر (تشرين الأول) بموجب «بند الغروب» في الاتفاق النووي لعام 2015 رداً على تقاعس طهران عن الامتثال لالتزاماتها النووية. ووصف القرار الأوروبي بأنه «قمعي وظالم وغير عادل».
وتحظر الإجراءات على إيران تطوير صواريخ باليستيّة قادرة على إيصال أسلحة نووية، وتمنع أي شخص من شراء أو بيع أو نقل طائرات مسيّرة وصواريخ من إيران وإليها. كما تشمل تجميد أصول الكثير من الأفراد والكيانات الإيرانية المشاركة في برنامج الصواريخ النووية والباليستيّة.
واتهمت الولايات المتحدة ودول غربية أخرى إيران بتزويد روسيا بطائرات عسكرية مسيّرة تستخدمها موسكو في حربها ضد أوكرانيا. ورغم الأدلة، تصرّ طهران على نفي إرسال طائرات مسيّرة إلى روسيا.
اقرأ أيضاً
مطالب دولية
وخلال وجوده في نيويورك، واجه رئيسي دعوات دولية وإقليمية مزدادة للتعاون مع الوكالة الدولية، في مؤشر على الإجماع الدولي لكبح جماح أنشطة طهران ومنعها من تطوير أسلحة نووية.
وحضّ رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، الرئيس الإيراني، على بذل جهود بناءة من أجل التوصل إلى اتفاق يحدّ من التطوير النووي الإيراني.
ونقلت هيئة الإذاعة والتلفزيون اليابانية (إن إتش كيه)، الخميس، عن كيشيدا قوله لرئيسي في نيويورك، يوم الأربعاء (بالتوقيت المحلي)، إن اليابان تدعم إحياء الاتفاق النووي. وحثّه على القيام بدور بنّاء في إعادة صياغة الاتفاق، والتعاون في التحقيق الذي تقوم به الوكالة الدولية.
وقبل ذلك، قالت دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة في بيان مشترك على هامش أعمال الجمعية العامة، إنها تجدد دعواتها إيران للتعاون الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
Just finished a valuable meeting today with IAEA DG @rafaelmgrossi, where I reiterated our full support for his important efforts and for his team. Iran must cooperate fully with the IAEA and reverse its decision to de-designate inspectors. pic.twitter.com/a8GxaAjuEU
— Office of the Special Envoy for Iran (@USEnvoyIran) September 20, 2023
وقال مبعوث الولايات المتحدة الخاص إلى إيران، أبرام بالي، في منشور على منصة «إكس»، إنه التقى غروسي، مضيفاً أنه كرر دعم واشنطن الكامل جهود الوكالة الدولية. وأضاف: «يجب أن تتعاون إيران تعاوناً كاملاً مع الوكالة الدولية... أن تتراجع عن قرارها إلغاء تعيين المفتشين».
«محادثات من أجل المحادثات»
وصل رئيسي إلى نيويورك حيث جرت صفقة تبادل لخمسة من السجناء الأميركيين من أصل إيراني واجهوا تهماً بالتجسس في طهران، مقابل خمسة إيرانيين أُدينوا بتهم تتعلق بانتهاك العقوبات على إيران بما في ذلك تصدير معدات عسكرية ونووية.
وسمحت الولايات المتحدة بالإفراج عمّا يقرب من 6 مليارات دولار من الأصول الإيرانية المجمدة في كوريا الجنوبية للاستخدام الإنساني. ووصل الأميركيون الخمسة المفرج عنهم إلى الولايات المتحدة، فجر الثلاثاء.
وقال الرئيس الإيراني إن الإفراج عن الأصول المجمَّدة «كان ينبغي أن يتم في وقت أقرب بكثير مما حدث». وقال إن بلاده أطلقت سراح الأميركيين لدوافع إنسانية.
وفي وقت سابق، أفادت وكالة «رويترز» عن مصدرين مطلعين، بأن قطر عقدت اجتماعات ثنائية منفصلة مع الولايات المتحدة وإيران هذا الأسبوع تطرقت إلى البرنامج النووي الإيراني والمخاوف الأميركية من نقل مسيّرات إيرانية إلى روسيا.
وتابع المصدران أن الاجتماعات لم تتضمن نوعاً من الدبلوماسية المكوكية التي سبق أن أجرتها قطر في الدوحة هذا العام وشهدت تنقل دبلوماسيين قطريين ذهاباً وإياباً بين الجانبين، مما أفضى في النهاية إلى تبادل السجناء بين الولايات المتحدة وإيران يوم الاثنين.
وقال أحد المصدرين، طالباً عدم الكشف عن هويته تماماً كما طلب الآخرون بسبب حساسية الأمر، إن الاجتماعات عُقدت يومَي الاثنين والثلاثاء في نيويورك على هامش الأعمال السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة.
وقال المصدر الثاني، وهو دبلوماسي مطّلع من الشرق الأوسط، إن محادثات ثنائية إضافية ستُجرى هذا الأسبوع دون أن يخوض في تفاصيل. ووصف الاجتماعات التي عُقدت في نيويورك بأنها «محادثات من أجل المحادثات»، موضحاً أن الفكرة تهدف إلى تمهيد الطريق لمناقشات غير مباشرة في المستقبل لتحقيق «تفاهم» بشأن القضية النووية.
وأبدى مسؤولون أميركيون حذراً عندما سُئلوا هل ستكون هناك محادثات غير مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران هذا الأسبوع، دون أن ينفوا صراحةً هذا الاحتمال رغم إشارتهم إلى أن واشنطن غير منخرطة حالياً في مثل هذه الدبلوماسية.
وقالت الخارجية الإيرانية (الخميس)، في بيان، إن الوزير حسين أمير عبداللهيان، أجرى مشاورات مع نظيره القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، مقدماً الشكر لدولة قطر على «دورها البناء» في صفقة تبادل السجناء.
وقال دبلوماسي أوروبي إنه لا يعرف ما إذا كانت قطر قد طرحت القضايا النووية وقضايا الطائرات المسيّرة في الاجتماعات الثنائية، لكنه شكك في قيامها بذلك في ما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني. وتابع الدبلوماسي: «لا يوجد شيء مستحيل، لكنني متشكك، خصوصاً فيما يتعلق بالقضية النووية، حيث تتولى عُمان الوساطة بشكل أكبر».
في غضون ذلك، أفادت صحيفة «وول ستريت جورنال»، الأربعاء، عن مسؤولين أميركيين القول إن الولايات المتحدة تراجعت عن إجراءات تهدف إلى وقف شحنات النفط الإيرانية في أثناء إجراء المفاوضات التي تمخضت عن صفقة تبادل السجناء.
وذكرت الصحيفة أن الولايات المتحدة وإيران توصّلتا إلى تفاهم بخصوص تجنب الإجراءات التي قد تزيد حدة التوتر خلال مفاوضات صفقة تبادل السجناء، حسبما أوردت «وكالة أنباء العالم العربي».
وأوضح المسؤولون المطلعون على المحادثات، الذين لم تسمِّهم الصحيفة، أن التفاهم بين واشنطن وطهران شمل «منع إيران جيشها من مضايقة الناقلات الأجنبية واحتجازها في الخليج وتوقف الولايات المتحدة عن مصادرة شحنات النفط الإيرانية».