التباطؤ النووي الإيراني قد يعزّز آمال واشنطن في خفض التوترات

ربما لا يعني إحياء «اتفاق فيينا» قبل الانتخابات الأميركية

المرشد الإيراني علي خامنئي يقف أمام جهاز طرد مركزي «آي آر 6» في معرض للصناعة النووية في يونيو الماضي (رويترز)
المرشد الإيراني علي خامنئي يقف أمام جهاز طرد مركزي «آي آر 6» في معرض للصناعة النووية في يونيو الماضي (رويترز)
TT

التباطؤ النووي الإيراني قد يعزّز آمال واشنطن في خفض التوترات

المرشد الإيراني علي خامنئي يقف أمام جهاز طرد مركزي «آي آر 6» في معرض للصناعة النووية في يونيو الماضي (رويترز)
المرشد الإيراني علي خامنئي يقف أمام جهاز طرد مركزي «آي آر 6» في معرض للصناعة النووية في يونيو الماضي (رويترز)

يرى محللون غربيون أن الخطوات المحدودة التي اتخذتها إيران لإبطاء زيادة مخزوناتها من اليورانيوم المخصب لدرجة قريبة من تلك اللازمة لصنع الأسلحة قد تساعد في تخفيف التوترات الأميركية - الإيرانية، لكنها لا تعني إمكانية تحقيق تقدم باتجاه اتفاق نووي أوسع قبل الانتخابات الأميركية المقررة في 2024.

ووفقاً لتقارير للوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة، فقد خفضت إيران معدل إنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة نقاء تصل إلى 60 في المائة، القريبة من درجة 90 في المائة التي تستخدم في صنع الأسلحة، كما أنها قامت بتخفيف كمية طفيفة من مخزونها المخصب بنسبة 60 في المائة.

لكن هذا المخزون مستمر في النمو. وتمتلك إيران حالياً تقريباً كميات من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المائة، تكفي إذا تم تخصيبها لدرجة أعلى لصنع ثلاث قنابل نووية، وفقاً للتقدير النظري للوكالة الدولية للطاقة الذرية. كما أنها تمتلك ما يكفي من اليورانيوم المخصب بمستويات أقل لصنع المزيد من القنابل.

حقائق

121.6 كيلوغرام

تمتلك إيران حالياً تقريباً كميات من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المائة، تكفي إذا تم تخصيبها لدرجة أعلى لصنع ثلاث قنابل نووية

وأخفقت إيران في الوقت نفسه في التعامل مع مخاوف الوكالة الدولية بشأن آثار اليورانيوم التي عُثر عليها في موقعين غير معلنين، أو إحراز تقدم في إعادة تركيب كاميرات مراقبة على الرغم من الضغوط المستمرة منذ فترة طويلة من جانب الوكالة وقوى غربية للقيام بذلك.

ويقول محللون متخصصون في منع الانتشار النووي: إن التباطؤ النووي الإيراني قد يكون كافياً للولايات المتحدة وإيران لمواصلة استكشاف ما يصفونه «بالتفاهمات» التي لم تعترف بها واشنطن أبداً لخفض التوترات بشأن القضايا النووية وغيرها، حسبما أورد تحليل لوكالة «رويترز».

وتابعوا، أن ذلك لا يعني بالضرورة وضع أي قيود فعلية على البرنامج النووي الإيراني قبل الانتخابات الأميركية المقررة في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، لكنه قد يساعد الرئيس الأميركي جو بايدن على تجنب أزمة مدمرة سياسياً مع إيران بينما يسعى لإعادة انتخابه.

وقال هنري روم، من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: «إن إبطاء الزيادة في مخزون اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المائة هو مؤشر واضح على أن طهران منفتحة على المُضي قدماً في (تفاهمات) عدم التصعيد مع واشنطن».

ولفت روم إلى أن التباطؤ والتوقعات بشأن تبادل السجناء بين الولايات المتحدة وإيران هذا الشهر يمهدان الطريق أمام «المزيد من الدبلوماسية هذا الخريف حول البرنامج النووي، وإن كان ذلك دون هدف التوصل إلى اتفاق جديد قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية».

وأضاف: «بالنسبة لواشنطن، ربما يكون هناك حد منخفض لما يتعين على إيران القيام به لأغراض (خفض التصعيد)»، مشيراً إلى أنه «من المرجح أن تكون إيران قد تجاوزت هذا الحد».

إيران «لا تضغط على المكابح»

يبدو أن الهدف الرئيسي لبايدن هو إبقاء التوترات تحت السيطرة، وتتراوح هذه التوترات بين برنامج طهران النووي إلى هجمات الميليشيات المدعومة منها على المصالح الأميركية في الشرق الأوسط.

وعن خطوات إيران الأخيرة قال المحلل إيريك بروير، من «مبادرة التهديد النووي»: «لقد رفعت إيران (قَدمها عن الوقود) في بعض المجالات، لكنها لا تضغط على المكابح فيما يتعلق بالبرنامج النووي». واصفاً الخطوات بأنها «خفض تصعيد مخفف».

وتابع، أن «قيمة الخطوات التي اتخذتها إيران فيما يتعلق بمنع الانتشار النووي صغيرة نسبياً، لكن الهدف من سياسة خفض التصعيد (الأميركية) ليس حل البرنامج النووي على الفور وإنما بناء حماية سياسية وتجنب اندلاع أزمة».

وقال إليوت أبرامز، الممثل الخاص للرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب لشؤون إيران والذي يعمل الآن في مجلس العلاقات الخارجية: «حتى انتخابات العام المقبل، يبدو أن الإدارة ترغب في الهدوء ومستعدة لدفع الثمن في صورة دعم واسع النطاق للنظام الإيراني».

وكان أبرامز يلمح إلى ارتفاع صادرات النفط الإيرانية على الرغم من العقوبات الأميركية وتحويل ستة مليارات دولار من الأموال الإيرانية من كوريا الجنوبية إلى قطر في إطار اتفاق لتبادل سجناء.

ورغم أن إدارة بايدن تقول: إن الأموال تنتقل من حساب يخضع لقيود إلى آخر، ولا يمكن السحب منها إلا لأغراض إنسانية، فإنه يبدو من الواضح أن إيران ستكون قادرة على الوصول لها في قطر بصورة أكبر مما كان عليه الوضع في كوريا الجنوبية.

وتتجنب وزارة الخارجية الأميركية الخوض فيما إذا كانت قد توصلت إلى أي «تفاهمات» مع إيران؛ لأسباب من بينها أن أي اعتراف بإبرام اتفاق مع طهران بشأن البرنامج النووي الإيراني قد يؤدي بموجب القانون إلى مراجعة من الكونغرس الأميركي.

وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية يوم الثلاثاء: إنه ليس لديه ما يضيفه بخلاف التصريحات التي صدرت في منتصف أغسطس (آب)، ونفت فيها الوزارة وجود أي اتفاق نووي بين الولايات المتحدة وإيران دون استبعاد إمكانية التوصل إلى تفاهمات غير مكتوبة.

وحاول بايدن بعد توليه منصبه في يناير (كانون الثاني) 2021 إعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 الذي التزمت إيران بموجبه بقيود على برنامجها النووي مقابل تخفيف العقوبات المفروضة من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.

وانسحب الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترمب من الاتفاق في 2018 بحجة أنه كان سخياً للغاية مع طهران، وأعاد فرض عقوبات اقتصادية أميركية واسعة النطاق على إيران.

وبدا أن الجهود المبذولة لإعادة إحياء الاتفاق قد باءت بالفشل قبل عام تقريباً، عندما قال دبلوماسيون: إن إيران رفضت ما وصفه وسطاء الاتحاد الأوروبي بعرضهم النهائي.

ويعدّ دبلوماسيون أن التوصل إلى اتفاق أمر بعيد المنال بسبب التقدم الذي حققته إيران، لا سيما في تشغيل أجهزة الطرد المركزي المتقدمة التي لديها قدرة إنتاجية أكبر بكثير، إلا أن محللين يرون أنه قد يكون هناك مجال لإجراء محادثات نووية أكثر جدية بعد الانتخابات الأميركية.

ورداً على سؤال عن سبب إبطاء إيران لبرنامجها النووي، قال دبلوماسي غربي: «أعتقد أن هذا جزء من المناقشات التي يجرونها مع الولايات المتحدة وجزء من الاتفاق الأوسع، اتفاق عدم الاتفاق». وتابع: «إنه أفضل من لا شيء، لكنني لا يمكن أن أعدّه بمثابة تقدم هائل».

تمديد الاتفاق النووي؟

وكشف موقع «إنصاف نيوز» الإصلاحي عن معلومات تشير إلى أن أحد الحلول المتحملة لإحياء الاتفاق النووي قبل حلول موعد «بند الغروب»، تقديم مقترح لتمديد الاتفاق النووي من 10 إلى 15 عاماً إلى جانب اتفاق غير مكتوب لمقايضة ثنائية، تشمل مرونة أميركية في العقوبات النفطية، مقابل مراجعة طهران سياستها الإقليمية.

وينص «بند الغروب»، وفق الجدول الزمني المنصوص عليه في الاتفاق النووي، على رفع القيود المتعلقة بالصواريخ الباليستية، والطائرات المسيّرة مع حلول 18 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.

وذكر الموقع أن كلاً من الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف، حاولا التصدي لخروج الرئيس الأميركي دونالد ترمب من الاتفاق النووي، عبر التفاوض مع وزير الخارجية الأميركي الأسبق، ريكس تيلرسون، قبل أن يترك إدارة دونالد ترمب.

وأضاف أن روحاني وظريف «كانت لديهما طروحات مختلفة (للتفاوض)، لكن لم يتم عليها الموافقة حينذاك».

ودخلت حكومة حسن روحاني في مفاوضات غير مباشرة مع إدارة جو بايدن في أبريل (نيسان) 2021، وأجرت ست جوالات من التفاوض في فيينا، لكن المسار الدبلوماسي توقف في يونيو (حزيران) من العام نفسه، لنحو ستة أشهر بسبب الانتخابات الرئاسية وتولي حكومة إبراهيم رئيسي.

وعادت حكومة رئيسي إلى طاولة المفاوضات في بداية ديسمبر (كانون الأول) 2021، وتعثرت المفاوضات في مارس (آذار) 2022، بعد أسابيع من بداية الحرب الروسية - الأوكرانية.

وبعد أشهر، طرح مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، مسودة على أطراف المفاوضات لإنجاز المسار الدبلوماسي، لكن آخر محاولاته فشلت في سبتمبر (أيلول) الماضي.

وألقى مسؤولون في الاتحاد الأوروبي حينها اللوم على إيران. لكن الأسبوع الماضي، قدم وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان رواية مختلفة. وقال: إن «وثيقة سبتمبر لا تزال على الطاولة»، وقال: إن الجانب الأميركي «لم يعمل بتلك المقترحات» بسبب الاحتجاجات.

وقال موقع «إنصاف نيوز»: إن إيران والولايات المتحدة والأطراف الأخرى ستمدد الاتفاق النووي لمدة 10 إلى 15 سنة، ومن جانب آخر ستتمكن إيران من بيع النفط.


مقالات ذات صلة

خامنئي: ليس لدينا «وكلاء» في المنطقة

شؤون إقليمية صورة نشرها موقع المرشد الإيراني علي خامنئي من لقاء مع أنصاره اليوم

خامنئي: ليس لدينا «وكلاء» في المنطقة

قال المرشد الإيراني، علي خامنئي، إن بلاده ليس لديها «وكلاء» في المنطقة، مشدداً على أنها «ستتخذ أي إجراء بنفسها دون الحاجة إلى قوات تعمل بالنيابة».

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
المشرق العربي اللواء حسين سلامي (الثاني من اليسار) والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان (مهر)

طهران تسارع لبناء علاقات مع القيادة الجديدة في دمشق

تحاول الحكومة الإيرانية استعادة بعض نفوذها مع القادة الجدد في سوريا، حيث تواجه طهران صدمة فقدان سلطتها المفاجئ في دمشق عقب انهيار نظام بشار الأسد.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
شمال افريقيا وزير الخارجية الإيراني يزور مساجد «آل البيت» في القاهرة (حساب وزير الخارجية الإيراني على «إكس»)

إيران ترسل إشارات جديدة لتعزيز مسار «استكشاف» العلاقات مع مصر

أرسلت إيران إشارات جديدة تستهدف تعزيز مسار «العلاقات الاستكشافية» مع مصر، بعدما أجرى وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، جولة داخل مساجد «آل البيت» في القاهرة.

أحمد إمبابي (القاهرة)
شؤون إقليمية المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي (أرشيفية - وكالة مهر الإيرانية)

إيران تدين مقتل موظف بسفارتها في دمشق

أدان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، مقتل سيد داوود بيطرف، الموظف المحلي في سفارة إيران بدمشق.

شؤون إقليمية العلمان الإيراني والأميركي (رويترز)

«الخارجية الإيرانية» تحتج على اعتقال أميركا اثنين من مواطنيها

ذكرت وسائل إعلام إيرانية أن طهران استدعت السفير السويسري لديها، الذي يمثل المصالح الأميركية في البلاد، ودبلوماسياً إيطالياً كبيراً على خلفية اعتقال إيرانيَّين.

«الشرق الأوسط» (لندن)

تركيا تدعو إلى رفع العقوبات عن سوريا «في أسرع وقت ممكن»

الشرع وفيدان خلال لقائهما في دمشق (إ.ب.أ)
الشرع وفيدان خلال لقائهما في دمشق (إ.ب.أ)
TT

تركيا تدعو إلى رفع العقوبات عن سوريا «في أسرع وقت ممكن»

الشرع وفيدان خلال لقائهما في دمشق (إ.ب.أ)
الشرع وفيدان خلال لقائهما في دمشق (إ.ب.أ)

دعا وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال مؤتمر صحافي مشترك مع القائد العام للإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع، في دمشق، الأحد، إلى رفع العقوبات المفروضة على سوريا «في أسرع وقت ممكن».

وقال فيدان: «يجب على المجتمع الدولي أن يحشد كل جهوده حتى تنهض سوريا، ويعود المهجرون إلى بلدهم. ويجب رفع العقوبات المفروضة على النظام السابق في أسرع وقت ممكن حتى يتسنى تقديم الخدمات».

وتابع: «لا مكان لمسلحي (حزب العمال الكردستاني) و(وحدات حماية الشعب الكردية) في مستقبل سوريا».

من جانبه، قال الشرع إن إدارته ستعلن خلال أيام الهيكل الجديد لوزارة الدفاع والجيش السوري. وأضاف أن إدارته لن تسمح بوجود أسلحة خارج سيطرة الدولة.

وتعهد الشرع، في وقت سابق اليوم، بأن بلاده لن تمارس بعد الآن نفوذاً «سلبياً» في لبنان، وستحترم سيادة هذا البلد المجاور، خلال استقباله وفداً برئاسة الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط.

وأكد الشرع أن «سوريا لن تكون في حالة تدخُّل سلبي في لبنان على الإطلاق، وستحترم سيادة لبنان ووحدة أراضيه، واستقلال قراره واستقراره الأمني»، مضيفاً أن بلاده «تقف على مسافة واحدة من الجميع».