رئيسي يتعهد إنجاز مفاوضات «رفع العقوبات»

مطالب بإبعاد قضايا السياسة الخارجية من الخلافات الداخلية والتنافس الحزبي

 رئيسي يدلى بتصريحات في مطار مهرآباد طهران اليوم (الرئاسة الإيرانية)
رئيسي يدلى بتصريحات في مطار مهرآباد طهران اليوم (الرئاسة الإيرانية)
TT

رئيسي يتعهد إنجاز مفاوضات «رفع العقوبات»

 رئيسي يدلى بتصريحات في مطار مهرآباد طهران اليوم (الرئاسة الإيرانية)
رئيسي يدلى بتصريحات في مطار مهرآباد طهران اليوم (الرئاسة الإيرانية)

تعهد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أن تمضي حكومته قدماً في مفاوضات إحياء الاتفاق النووي لعام 2015، التي تنص على رفع العقوبات الأميركية عن إيران، مقابل عودتها لالتزامات الاتفاق النووي لعام 2015.

ودافع رئيسي عن نهج حكومته في السياسة الخارجية، خلال تصريحات صحافية أدلى بها فجر الجمعة، عقب عودته من المشاركة في قمة «بريكس» بجنوب أفريقيا.

وعاد رئيسي بيد ممتلئة من قمة «بريكس»، بعدما وافقت المجموعة على طلب انضمام طهران، وهو «الإنجاز» الثاني الذي تتفاخر به حكومة رئيسي بعد انضمامها العام الماضي إلى مجموعة شنغهاي الاقتصادية.

وتتطلع إيران من الانضمام للمجموعتين، إلى مواجهة العقوبات الأميركية وحرمانها من التعامل بالدولار، في ظل استراتيجية «الالتفاف على العقوبات» التي يطالب بتطبيقها المرشد الإيراني علي خامنئي منذ سنوات، بهدف إبطال العقوبات الغربية المفروضة على طهران، سواء بسبب برنامجها النووي، أو أنشطة «الحرس الثوري» المتمثلة بالصواريخ الباليستية والدور الإقليمي، فضلاً على ملف حقوق الإنسان.

وحاول رئيسي أن يستعرض الخطوات التي قامت بها حكومته من أجل الحصول على عضوية «بريكس». وأشار إلى زيارة وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان، إلى جنوب أفريقيا، وكذلك مشاركة أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني في اجتماع نظرائه بمجموعة «بريكس».

وعدّ رئيسي الأنشطة الإقليمية لبلاده أحد العوامل الأساسية في «إجماع» دول «بريكس» على منحها العضوية، وقال في هذا الصدد إن «الأهمية والموقع الجيوسياسي والدور النشط لإيران في مختلف القضايا الإقليمية، كل ذلك لا يخفى على أحد».

ولفت رئيسي إلى أن الانضمام إلى المجموعات والتحالفات الدولية من أولويات تابعتها حكومته على صعيد سياستها الخارجية. وقال: «في السياسة الخارجية لا نتابع خياراً واحداً وملفاً واحداً فقط على الطاولة، لدينا ملفات متعددة في السياسة الخارجية». وأضاف: «لدينا أعمال غير مكتملة، يجب علينا أن ننجزها، ومنها قضية رفع العقوبات؛ الملف الذي فُتح وتجب علينا متابعته لرفع هذه العقوبات (...)».

ومن بين الأولويات التي تحدث عنها رئيسي ترميم العلاقات واستئنافها مع الجوار الإقليمي. وقال في هذا الشأن: «كانت العلاقات مع الجيران من الملفات غير المكتملة، لم تكن لدينا علاقات مع بعض الجيران لسنوات، خلال العامين الماضيين بذلنا جهوداً كبيرة لإقامة العلاقات مع الدول، واتخذنا خطوات مؤثرة في هذا المجال».

كما تطرق رئيسي إلى سعي حكومته لاستخدام التقارب مع الجيران للخروج من الأزمة الاقتصادية. ووصف التبادل التجاري بأنه «من أهم القضايا في السياسة الخارجية». وقال: «الجمهورية الإسلامية لديها طاقات تجارية جيدة في المنطقة، تجب إعادة إعمار هذه الطاقة، وهو عمل لم نشهده بهذا المستوى خلال 40 عاماً»، وقال إن حكومته «كسرت الرقم القياسي»، على صعيد التبادل التجاري.

سجال داخلي

نفى رئيسي أن تكون السياسة الخارجية طارئة في حكومته، مشدداً على أنها كانت من خطط اختارت حكومته متابعتها. وقال: «نحن لم ولن نتخذ من السياسة الخارجية أرضية للمنافسات الداخلية، لم نتابع هذه القضايا بإثارة الضجيج السياسي، إنما الهدف أن يحدث عمل واقعي في معيشة الناس»، وتابع: «تهدف جميع الآليات التنفيذية القائمة إلى توفير وضمان المصالح الوطنية».

وقبل عودة رئيسي إلى طهران، رحب وزير الخارجية السابق، محمد جواد ظريف بانضمام إيران لعضوية «بريكس».

ونقلت وكالة «إيسنا» الحكومية عن ظريف قوله إن «دعوة إيران لعضوية (بريكس) خبر جيد»، وأضاف: «يجب ألا تكون السياسة الخارجية موضوعاً للخلافات الداخلية». وبموازاة ذلك، أطلقت قنوات تابعة لـ«الحرس الثوري» حملة سخرية من الرئيس السابق حسن روحاني بسبب تصريحات أدلى في زمن رئاسته، ويهاجم فيها خصومه المحافظين لعجزهم عن إقامة علاقات خارجية، ويحذر من التهديد الذي يشكلونه على زيادة عزلة إيران، حسب فيديو متداول. وينتهي الفيديو باستعراض لقاءات رئيسي مع مسؤولين أجانب.

وكانت العضوية لـ«بريكس» والإشادة بالسياسة الخارجية لحكومة رئيسي، «بيت القصيد» في خطب صلاة الجمعة، التي تعكس عادة مواقف مكتب المرشد الإيراني، علي خامنئي، ويجري إبلاغها لممثليه في المدن الإيرانية، الذين يلقون خطب الجمعة. وقال مستشار المرشد الإيراني في الشؤون الدولية، علي أكبر ولايتي، إن عضوية إيران في «بريكس» «مهمة ومؤثرة» على المستويين الدولي والإقليمي. وكرر ولايتي المزاعم بشأن «استبدال الدولار»، قائلاً: «يمكن أن تكون الجهود المتعددة لدول الأعضاء قفزة مهمة في إنهاء استعمار الدول النامية».

وقال ولايتي إن «في حال تنفيذ وإدارة هذا الإجراء بصورة صحيحة، فمن الممكن التنبؤ بنهاية الدولار، ونتيجة لذلك ستتقلص الهيمنة الاقتصادية الأميركية».

وبدوره، قال عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، النائب فدا حسين مالكي لوكالة «إرنا» الرسمية، إن انضمام إيران إلى مراكز القوة الاقتصادية والسياسية «يمكن أن يؤثر إيجابياً على مسار التقدم بالأهداف الاقتصادية للبلاد وإحداث تغييرات أساسية في معيشة الناس». وعزا ذلك إلى «النهج الإيجابي للحكومة في المشهد الدولي، وسياسة خفض التصعيد مع دول المنطقة والجوار» على حد تعبيره.

أما حسين جابر أنصاري نائب وزير الخارجية السابق، فقال إنه «من الخطأ إنكار هذا النجاح الواضح لإيران، وكذلك تضخيم آثاره الإيجابية». وقال: «لا ينبغي أن تكون قضايا السياسة الخارجية موضوع سجالات ضارة بين الأجنحة (الأحزاب السياسية)».

وكتب مسؤول اللجنة الإعلامية في الحكومة، إحسان صالحي على منصة «إكس» (تويتر سابقاً)، أن البعض يرى أن نجاح الحكومة بمثابة الفشل لهم، رغم أنهم عاشوا أمس في صدمة انضمام إيران، لكنهم اليوم بدأوا إفساد حلاوة الانضمام لعضوية «بريكس». وقال: «يجب عليهم ألا يقلقوا ويعزلوا أنفسهم؛ لأن هذا النجاح ملك لكل الشعب».

مقاربات دبلوماسية

قال كبير المفاوضين الإيرانيين، علي باقري كني في تصريحات للتلفزيون الرسمي، إن «نهج الحكومة في السياسة الخارجية على مدى العامين الماضيين، قدم صورة واضحة لرؤية الحكومة وفهمها للسياسة الخارجية».

وقال: «أظهر الانضمام إلى (بريكس) أن إيران، إلى جانب القوى المستقلة الأخرى، عازمة على متابعة مصالحها على أساس مصالحها الداخلية».

وأشار باقري كني إلى العلاقات المتدهورة بين طهران وجيرانها سواء في الجنوب أو الشمال. وتحدث عن تحسين العلاقات مع كل من طاجيكستان وتركمانستان، قبل أن يتطرق للعلاقات مع دول مجلس التعاون.

وتعليقاً على تصريحات باقري كني، كتبت وكالة «إرنا» الرسمية أنها «رواية مؤسفة من العلاقات مع دول الجوار في الحكومة السابقة».

وقال باقري كني إن علاقات إيران مع دول مجلس التعاون الخليجي «لم تكن عادية». وقال: «لقد قُطعت علاقاتنا مع السعودية والبحرين، ولم يكن لدولتي الكويت والإمارات سفراء لدى إيران». وأضاف: «سياسة التوجه للجوار تسببت في تسمية الكويت سفيراً لها لدى إيران، وكذلك أرسلت دولة الإمارات سفيرها، وعادت العلاقات مع السعودية».

وأوضح باقري أن «أحد العناصر المكونة لسياسة الجوار؛ اعتقاد الحكومة بالأمن الناشئ من دول المنطقة»، وأضاف: «عدم الاعتماد على الأجانب، وتعاون دول المنطقة يخلقان الأمن المستدام». وختم قوله: «وفي العامين الماضيين، حققنا علاقة مستقرة مع بلدان المنطقة».

الاحتجاجات والأموال المجمدة

وبشأن المفاوضات الهادفة لإحياء الاتفاق النووي، قال: «عندما بدأت الحرب الأوكرانية، رفض الطرف الآخر إنجاز الاتفاق، لكننا منذ مارس (آذار) العالم الماضي، لم نترك الأمر، وتابعناه عبر الوسطاء».

وأشار إلى رفض إيران مفاوضات أوروبية وأميركية بإضافة ملف الأنشطة الإقليمية الإيرانية إلى مفاوضات إحياء الاتفاق النووي.

ومن جهة أخرى، قال باقري كني إن بلاده لم تعد لديها أموال مجمدة في الخارج بعد إبرام صفقة تبادل السجناء مع أميركا والمقرر اكتمالها في غضون الشهرين المقبلين. وتحدث عن بدء مسار الإفراج عن الأصول الإيرانية المجمدة في العراق، بالإضافة إلى كوريا الجنوبية.

وقال باقري كني: «لدينا أموال في بعض دول العالم، لكن بسبب المبادلات التي نجريها بقيت في تلك الدول»، مضيفاً: «نستخدم أرباح تلك الأموال، ونستخدمها في التعاملات مع الدول الأخرى، وننقلها لدول أخرى لتمويل مشترياتنا».

لكن باقري كني شدد على أن إيران ستطلق سراح السجناء الأميركيين، مقابل إيرانيين تعتقلهم الولايات المتحدة بسبب الالتفاف على العقوبات المفروضة على طهران. وقال: «في سبتمبر (أيلول) الماضي، وافق الأميركيون على إطلاق أصولنا المجمدة خارج إطار الاتفاق».

ومع ذلك، ألقى باللوم على الاحتجاجات التي اندلعت بعد وفاة الشابة مهسا أميني في سبتمبر. وقال: «ارتكب الأميركيون خطأ في الحسابات، لكنهم عادوا بسرعة إلى طاولة المفاوضات غير المباشرة عبر الوسطاء».


مقالات ذات صلة

طهران مستعدة للتفاوض مع واشنطن «بناء على الثقة»

شؤون إقليمية صورة عامة لمفاعل بوشهر النووي في إيران على بعد 1200 كيلومتر جنوب طهران في 21 أغسطس 2010 (رويترز)

طهران مستعدة للتفاوض مع واشنطن «بناء على الثقة»

قالت الحكومة الإيرانية، (الثلاثاء)، إن المفاوضات المرتقبة في جنيف حول مصير البرنامج النووي، ستعتمد على «أوامر المرشد علي خامنئي ومصالح الإيرانيين».

«الشرق الأوسط» (لندن)
تحليل إخباري رافاييل غروسي مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية متحدثاً للصحافة يوم 20 نوفمبر بمناسبة اجتماع مجلس محافظي الوكالة الذي ندد بفقدان التعاون من قبل إيران (أ.ف.ب)

تحليل إخباري دوافع إيران لطرح برنامجها النووي على طاولة الحوار الأوروبية

7 أسباب رئيسية تدفع إيران اليوم لتغليب الحوار مع «الترويكا» الأوروبية على السير بسياسة المواجهة مع الولايات المتحدة والغرب بشكل عام.

ميشال أبونجم (باريس)
شؤون إقليمية مجلس الأمن يصوت بالإجماع على القرار «2231» بعد أسبوع على توقيع الاتفاق النووي بفيينا في 20 يوليو 2015 (أرشيفية - الأمم المتحدة)

«سناب باك»... إيران تواجه شبح العقوبات الأممية

لوّحت بريطانيا، الأحد، بتفعيل آلية «سناب باك» لمواجهة الخروقات الإيرانية في الاتفاق النووي لعام 2015؛ ما يعرض طهران لخطر العودة التلقائية إلى العقوبات الأممية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية صورة نشرتها «الخارجية الإيرانية» من لقاء الوزير عباس عراقجي وعلى يمينه المتحدث إسماعيل بقائي مع رؤساء التحرير الأسبوع الماضي

لاريجاني: تحضيراتنا مستمرة للرد على إسرائيل

أكد علي لاريجاني، أحد كبار مستشاري المرشد الإيراني علي خامنئي، أمس، استمرار التحضيرات لهجوم ثالث على إسرائيل، وذلك بعد تراجع نسبي في تهديدات طهران بتوجيه.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
شؤون إقليمية صورة نشرتها «الخارجية الإيرانية» من لقاء الوزير عباس عراقجي وعلى يمينه المتحدث إسماعيل بقائي مع رؤساء التحرير الأسبوع الماضي

إيران وأوروبا تجتمعان لمحادثات نووية في جنيف الجمعة

تعتزم إيران إجراء محادثات نووية مع بريطانيا وفرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي يوم 29 نوفمبر (تشرين الثاني) في جنيف.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)

سموتريتش يدعو مجدداً إلى تهجير نصف سكان غزة

مستوطنون يرقصون في مؤتمر يدعو إلى إعادة إنشاء المستوطنات اليهودية في غزة 21 أكتوبر الماضي (تايمز أوف إسرائيل)
مستوطنون يرقصون في مؤتمر يدعو إلى إعادة إنشاء المستوطنات اليهودية في غزة 21 أكتوبر الماضي (تايمز أوف إسرائيل)
TT

سموتريتش يدعو مجدداً إلى تهجير نصف سكان غزة

مستوطنون يرقصون في مؤتمر يدعو إلى إعادة إنشاء المستوطنات اليهودية في غزة 21 أكتوبر الماضي (تايمز أوف إسرائيل)
مستوطنون يرقصون في مؤتمر يدعو إلى إعادة إنشاء المستوطنات اليهودية في غزة 21 أكتوبر الماضي (تايمز أوف إسرائيل)

دعا وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، مجدداً، إلى احتلال قطاع غزة، وتشجيع نصف سكانه البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة على الهجرة خلال عامين، معززاً المخاوف حول وجود خطة فعلية لذلك.

وفي حديثه خلال مؤتمر نظمه مجلس «يشع»، وهو منظمة تمثل بلديات المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، قال سموتريتش: «يمكننا احتلال غزة، وتقليص عدد سكانها إلى النصف خلال عامين، من خلال استراتيجية تشجيع الهجرة الطوعية». وأضاف: «من الممكن خلق وضع كهذا... لن يكلف الكثير من المال، وحتى لو كان مكلفاً، فلا ينبغي لنا أن نخاف من دفع ثمنه».

وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش (أ.ب)

ومطالب سموتريتش باحتلال غزة ليست جديدة، لكنها تعزز المخاوف الكثيرة من أن هذه المطالب المتكررة تعكس وجود أهداف غير معلنة للحرب الحالية في غزة، وتشمل احتلالاً طويلاً وحكماً عسكرياً واستئناف الاستيطان هناك. وعلى الرغم من أن الأهداف المعلنة للحرب، ما زالت كما هي، «القضاء على (حماس)» و«استعادة المحتجزين»، لكن ما يجري في تل أبيب وقطاع غزة نفسها، لا يؤيد ذلك، ويشير إلى أهداف أخرى، إذ يمتنع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن وضع خطة لليوم التالي في قطاع غزة، وتعمل إسرائيل في غزة على تعميق السيطرة عبر توسيع المحاور، وإنشاء ما يشبه «المواقع العسكرية» الدائمة.

ولا يبدو أن إسرائيل تخطط لحكم عسكري وحسب، إذ أصبح هذا مكشوفاً إلى حد ما، لكن أيضاً لاستئناف الاستيطان هناك، وهي الخطوة الأكثر إثارة للجدل لو حدثت.

وتثير العملية العسكرية الدامية في شمال قطاع غزة القائمة على تهجير الفلسطينيين تحت النار، وعزل جزء من الشمال عن بقية مناطق القطاع المقسمة، المخاوف من أن الجيش يمهد المكان لعودة المستوطنين.

وفي وقت سابق الأسبوع الماضي، في ذروة الهجوم الإسرائيلي المنظم، قام جنود إسرائيليون في غزة بمساعدة قيادية استيطانية على دخول القطاع لمسح المواقع المحتملة للمستوطنات اليهودية دون الحصول على إذن من قادتهم.

وقالت «هيئة البث الإسرائيلية» آنذاك إن دانييلا فايس، التي تقود الجهود لإعادة الاستيطان في شمال غزة، قامت بجولة على الجانب الإسرائيلي من السياج الحدودي لغزة، وقد عبرت مع مجموعتها الحدود، من خلال وسائل غير واضحة، وسارت مسافة قصيرة داخل القطاع، مؤكدة أنها تنوي الاستفادة من الوجود العسكري في غزة لتوطين اليهود هناك تدريجياً.

وثمة ربط مباشر بين تهجير الفلسطينيين وإقامة مستوطنات جديدة في غزة. وكانت إسرائيل تقيم في غزة 21 مستوطنة، فككت جميعها بموجب خطة فك الارتباط عام 2005، والتي أدت كذلك إلى انسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع.

ويتضح من تصريحات سموتريتش أنه يضع ميزانية لاحتلال غزة. وقال سموتريتش إن «احتلال غزة ليس كلمة قذرة. إذا كانت تكلفة السيطرة الأمنية (على القطاع) 5 مليارات شيقل (1.37 مليار دولار)، فسأقبلها بأذرع مفتوحة. إذا كان هذا هو المطلوب لضمان أمن إسرائيل، فليكن».

وكانت سموترتيش يرد على مخاوف أثارتها المؤسسة الأمنية الإسرائيلية ووزارة الخزانة من العواقب الهائلة التي قد يخلفها احتلال غزة على الاقتصاد الإسرائيلي.

وأصر سموتريتش على أن الطريقة الوحيدة لهزيمة «حماس» هي استبدال حكمها في غزة، وأن إسرائيل هي الطرف الوحيد القادر على القيام بذلك، حتى لو كان ذلك يعني تكليف الجيش الإسرائيلي بإدارة الشؤون المدنية للفلسطينيين في غزة.

وزعم سموتريتش أنه بمجرد إثبات نجاح سياسة «تشجيع الهجرة» في غزة، يمكن تكرارها في الضفة الغربية، حيث يعيش 3 ملايين فلسطيني.

وينادي رئيس حزب «الصهيونية الدينية» منذ فترة طويلة بضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، وأعلن في وقت سابق من هذا الشهر أن فوز الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب في الانتخابات يوفر فرصة لتحقيق هذه الرؤية.

وكان سموتريتش واحداً من بين الكثير من الوزراء في الحكومة الذين حضروا حدثاً، الشهر الماضي، يدعو إلى إعادة إنشاء المستوطنات اليهودية في غزة. وقال سموتريتش قبيل مشاركته في المؤتمر إن الأراضي التي تخلت عنها إسرائيل في الماضي تحولت إلى «قواعد إرهابية أمامية إيرانية»، وعرضت البلاد للخطر.

فلسطينيون على طول الطريق بعد هطول الأمطار في خان يونس جنوب قطاع غزة (رويترز)

لكن هل يستطيع سموترتيش إعادة احتلال واستيطان غزة؟ بالنسبة للكثيرين نعم، وهناك آخرون يعتقدون أنه لا يمكن ذلك، وعلى الأغلب فإن الأمر منوط بكيف ستنتهي الحرب في القطاع. وكتب عيران هلدسهايم في «تايمز أوف إسرائيل» متهماً سموتريتش بأنه يحاول أن يقنع الجمهور بسرد جديد يقوم على أنه إذا حققت إسرائيل أهدافها في الحرب وهزمت أعداءها، فإن السلام والأمن سيعودان إلى المنطقة.

وقال هلدسهايم: «في الظاهر، تبدو هذه الرواية منطقية، لكنها في الواقع شعار فارغ. ويبدو أن هذه الرواية تهدف بالأساس إلى إعداد الرأي العام لاستمرار الحرب، وفي الوقت نفسه الترويج لرؤية الاستيطان في قطاع غزة، وهو الهدف المركزي لسموتريتش ومؤيديه، لكن التاريخ يروي قصة مختلفة تماماً».

وأضاف: «يظهر التاريخ أن الحروب المطولة انتزعت ثمناً اقتصادياً باهظاً من إسرائيل، ولم تسهم في النمو». وتابع: «نهاية الحرب، كما طرحها سموتريتش، تعني الاستيلاء على مساحات واسعة في قطاع غزة. في المرحلة الأولى، يضغط الوزير بأن يكون الجيش هو من يقوم بتوزيع المواد الغذائية على السكان. وبعد أن تحظى هذه الخطوة بقبول الجمهور، يخطط سموتريتش للانتقال إلى المرحلة التالية: تطبيق الحكم العسكري الكامل في القطاع وإدارة حياة السكان الفلسطينيين بشكل مباشر. والهدف النهائي لهذه الخطة العظيمة هو إعادة الاستيطان في قطاع غزة».

ورأى الكاتب أن «رؤية سموتريتش تضع عبئاً مالياً ثقيلاً لا يطاق على كاهل إسرائيل»، مشيراً إلى أن التقديرات إلى تكلفة إضافية تبلغ نحو 20 مليار شيقل سنوياً، وهو مبلغ لا تملكه الدولة، ودون الأخذ في الحسبان تكاليف إعادة إعمار القطاع والثمن الباهظ المتمثل في حياة الجنود. ستُضطر إسرائيل إلى اعتماد خطة «الاقتصاد بعون الله» للخروج من هذا الوضع بسلام.

وتحدث الكاتب عن تهديدات خارجية أهم من «حماس» مثل إيران، وأخرى داخلية متمثلة بالتهديد الذي يقوض قدرة «الصمود الوطنية» أكثر من أي عدو. وقال: «إن ادعاء سموتريتش بأن النصر سوف يجلب الأمن، والأمن سوف يؤدي إلى النمو، يتجاهل الواقع المعقد»، وحقيقة أن الأمن الاقتصادي والاجتماعي لا يتحقق من خلال الحروب التي لا نهاية لها والحكم العسكري، بل من خلال الاستقرار الإقليمي. وأردف: «لكن كل هذه الأمور تتعارض مع الهدف الرئيسي لسموتريتش وهو الاستيطان في قطاع غزة؛ لذلك لا يمكنه إلا الاستمرار في بيع الأوهام للجمهور».