مصدر أوروبي لـ«الشرق الأوسط»: إحياء الاتفاق النووي بصيغة 2015 «لم يعد ممكناً»

قال إن إيران «أصبحت مشكلة» بسبب تصعيدها في أكثر من جهة

غروسي يتحدث خلال مؤتمر صحافي بفيينا الاثنين الماضي (إ.ب.أ)
غروسي يتحدث خلال مؤتمر صحافي بفيينا الاثنين الماضي (إ.ب.أ)
TT

مصدر أوروبي لـ«الشرق الأوسط»: إحياء الاتفاق النووي بصيغة 2015 «لم يعد ممكناً»

غروسي يتحدث خلال مؤتمر صحافي بفيينا الاثنين الماضي (إ.ب.أ)
غروسي يتحدث خلال مؤتمر صحافي بفيينا الاثنين الماضي (إ.ب.أ)

لم ينجح أمين عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي في تهدئة مخاوف الدول الغربية من استمرار تقدم برنامج إيران النووي رغم إبلاغه مجلس المحافظين خلال اجتماعه الفصلي المنعقد هذا الأسبوع في فيينا، بتحقيق شيء من التقدم في العلاقة مع إيران.

وعبّرت بعثات الدول الغربية عن هذا القلق في بياناتها أمام المجلس، خاصة لجهة تقدم برنامج إيران النووي بشكل كبير في الأشهر الماضية وتكديسها اليورانيوم المخصبة بنسبة 60 في المائة إلى مستويات غير مسبوقة، قدّر غروسي حجمها بـ114 كيلوغراماً.

ووصف دبلوماسي أوروبي رفيع في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إيران بأنها «أصبحت مشكلة» بسبب تصعيدها في أكثر من جهة. وأشار إلى أن التصعيد لا يطال فقط برنامجها النووي، بل أيضاً الصاروخي، بعدما كشفت طهران عن تجربة صاروخ باليستي فرط صوتي صباح الثلاثاء.

ورأى أن إيران أصبحت بعيدة جداً في برنامجها النووي مقارنة بقبل عام من الآن عندما طرحت دول 4 +1 مع الاتحاد الأوروبي مسودة الاتفاق أمامها. واستنتج الدبلوماسي المطلع بشكل واسع على سير المفاوضات النووية، أن العودة للاتفاق بشكله الذي كان مطروحاً قبل عام «لم يعد ممكناً» بسبب «تغير المعطيات» منذ ذلك الحين. وأشار إلى أن أي اتفاق نووي «يجب التفاوض عليه منذ البداية».

وتوقفت المفاوضات النووية مع إيران بشكل شبه كامل منذ 9 أشهر مع بدء الاحتجاجات وقمع النظام الإيراني لها، وزاد من اقتناع الدول الغربية بأن أي تفاوض للعودة معها إلى الاتفاق غير ممكن بسبب دعم إيران لروسيا في حربها مع أوكرانيا.

وعرقل إصرار إيران على أن تغلق الوكالة الدولية تحقيقها في المواقع السرية، التوقيع على الاتفاق في الصيف الماضي. وترفض الوكالة إغلاق التحقيق وتربطها بمصداقيتها، وهو ما تؤيده بها الدول الغربية. وكان غروسي قد أبلغ مجلس المحافظين الأسبوع الماضي بأن إيران زوّدت الوكالة برد «معقول» حول أحد المواقع، وأن الموقعين الآخرين ما زالا قيد التحقيق، وأن إيران لم تزود الوكالة بأي معلومات عنها.

وعلّق الدبلوماسي الأوروبي الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط» على ذلك بالقول إنه «من غير الممكن» إغلاق التحقيق من دون أن تزود إيران الوكالة بأجوبة. وأضاف: «نحن نعرف أن إيران كان لديها برنامج نووي عسكري، ولكن هي لم تعترف بذلك».

ورغم توقف التفاوض بين إيران والولايات المتحدة عبر الاتحاد الأوروبي، الوسيط في المفاوضات النووي منذ اتفاق العام 2015، فإن واشنطن فتحت قنوات تواصل جديدة مع طهران. وكان آخر هذه القنوات سلطنة عمان بعدما كشفت تقارير أميركية قبل أسبوعين عن زيارة لمسؤولين أميركيين رفيعي المستوى إلى مسقط للتشاور حول إيران. وكانت عمان قد لعبت دوراً محورياً في المفاوضات بين الأميركيين والإيرانيين في الفترة التي سبقت التوصل للاتفاق النووي عام 2015.

ولكن مصدرين دبلوماسيين أوروبيين أكدا لـ«الشرق الأوسط» بأن الوساطة العمانية بين الأميركيين والإيرانيين مرتبطة بمسائل خارج الاتفاق النووي. وقال أحد الدبلوماسيين إن «لدى الأميركيين مسائل أخرى عالقة» يناقشونها عبر المسؤولين العمانيين مع إيران».

وقال دبلوماسي ثانٍ إن هذه المسائل تتعلق بشكل أساسي بالمعتقلين الأميركيين في إيران الذين تسعى الولايات المتحدة لاسترجاعهم. وأشار الدبلوماسي إلى «محاولات أميركية» لفتح قنوات متعددة مع الإيرانيين، مشككاً بمدى صوابية ذلك.

وناقش مجلس المحافظين في يومه الثالث تقرير غروسي حول التحقيق في المواقع النووية السرية في إيران. ورغم قبول سفراء الدول الغربية بتقرير غروسي، فقد حذروا إيران من استمرار عرقلتها التعاون الكامل. وقالت السفيرة الأميركية لورا هولغايت في كلمة نُشرت لاحقاً، أمام مجلس المحافظين: «بعد 3 سنوات من المماطلة من قِبل إيران، فقد زودت الوكالة الدولية برد معقول حول موقع مريوان في مدينة آباده بمحافظة فارس... ورغم أن تقرير الأمين العام وصف الرد بأنه معقول، فإن إيران لم تعطِ أي أدلة لدعم تفسيرها». وكانت إيران قد أبلغت الوكالة بأن آثار اليورانيوم المخصب التي عثر عليها مفتشون في موقع «مريوان» تعود لمنجم ومعمل كانت يديره الاتحاد السوفياتي.

ويعتقد دبلوماسيون أن الآثار تعود لتخصيب إيران اليورانيوم في مواقع سرية ضمن برنامجها العسكري الذي كشفت عنه الوكالة واستمر منذ نهاية الثمانينات ومفترض أنه توقف في العام 2003. وفي العام 2018 عادت الوكالة وفتحت تحقيقاً في 4 مواقع سرية اشتبهت بأن إيران أخفتها عنها ضمن تحقيقها الأول في برنامجها العسكري. وحتى الآن قالت الوكالة إنها حصلت على أجوبة معقولة حول موقعين، وما زالت تنتظر تعاون إيران في الموقعين الآخرين.

وحذرت السفير الأميركية لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لورا هولغايت من أن إعلان الوكالة التابعة لأمم المتحدة، بأن رد إيران حول موقع «مريوان» اعتُبر «معقولاً»، فإن هذا لا يعني إغلاق التحقيق «كما ادعى البعض بشكل غير دقيق». وقالت: «الوكالة تقول الآن بأن لا أسئلة إضافية لديها في هذه المرحلة حول موقعين من أصل 4، ولكن هذا لا يعني إغلاق هذه الملفات كما ادعى البعض بشكل غير دقيق». وأضافت «كلنا نفهم بأن معلومات أو ظروف جديدة قد تفتح أسئلة إضافية».

ولفتت المسؤولة الأميركية إلى أن تعاون إيران في هذا التحقيق «ما زال ناقصاً»، وهذا يعني أن «الوكالة غير قادرة على تقديم ضمانات أن برنامجها النووي سلمي حصراً».

وعلقت هولغايت على تقرير غروسي كذلك حول العثور على يورانيوم مخصب بنسبة قاربت الـ84 في المائة، وقبوله رد إيران بأن التخصيب لهذا المستوى كان «عرضياً»، وحذّرت إيران من أن ”«هكذا حادث لا يحب أن يتكرر بتاتاً». ودعت هولغايت مجلس المحافظين «للاستعداد لمحاسبة إيران» في حال استمرت برفضها التعاون الكامل مع الوكالة وتقديمها الأجوبة المطلوبة. وينعقد مجلس المحافظين في سبتمبر (أيلول) المقبل في دورة جديدة.

وألقى سفير الاتحاد الأوروبي شتيفان كليمانت كلمة أمام مجلس المحافظين حول الملف نفسه، ودعا هو أيضاً إيران إلى التعاون بشفافية مع الوكالة والرد من «دون تأخير على الأسئلة العالقة» حول الموقعين السريين المتبقيين وهما تورقوز آباد وموقع ورامين في جنوب طهران، والسرعة في التجاوب مع مطلب الوكالة تركيب كاميرات وأجهزة المراقبة التي تعهدت إيران بها في مارس الماضي.

ووجّه كليمان بدوره أيضاً، تحذيراً لإيران، بقوله إن الاتحاد الأوروبي «يتوقع تعاوناً سريعاً وملموساً بأقصر مهلة زمنية ممكنة» مع الوكالة لكي تتمكن من تأكيد أن برنامج إيران النووي «سلمي محض»، مضيفاً أن خلاف ذلك «سيؤدي إلى خطوات إضافية ملائمة».


مقالات ذات صلة

مجلس الأمن يجتمع الأربعاء لبحث مخزون إيران المتزايد من اليورانيوم

شؤون إقليمية سلسلة من أجهزة الطرد المركزي بمنشأة «نطنز» لتخصيب اليورانيوم (أرشيفية - أ.ب)

مجلس الأمن يجتمع الأربعاء لبحث مخزون إيران المتزايد من اليورانيوم

قال دبلوماسيون أمس الاثنين إن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة سيعقد اجتماعا مغلقا الأربعاء لبحث زيادة مخزون إيران من اليورانيوم المخصب.

«الشرق الأوسط» (الأمم المتحدة)
شؤون إقليمية المدمرة الصينية الموجهة بالصواريخ «باوتو» (133) (يسار) خلال المناورات العسكرية المشتركة بين إيران وروسيا والصين في خليج عمان (أ.ف.ب)

طهران تحتج على التلويح الأميركي بالخيار العسكري

احتجّت طهران على التهديدات الأميركية باستخدام الخيار العسكري ضد برنامجها النووي، مشدّدة على عدم تلقيها أي رسالة من ترمب، ومنددة بقرار واشنطن سحب إعفاء العراق.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
شؤون إقليمية 
ترمب يتحدث من المكتب البيضاوي في البيت الأبيض الجمعة (أ.ف.ب)

طهران تدرس التفاوض مع واشنطن

أعلنت البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة استعداد طهران للتفاوض مع واشنطن بشأن المخاوف من الأبعاد العسكرية لبرنامجها النووي، لكنها ترفض أي محادثات لتفكيكه.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية بزشكيان مترئساً اجتماع الحكومة الإيرانية الأحد (الرئاسة الإيرانية)

إيران تدرس محادثات مع واشنطن لضمان «سلمية» برنامجها النووي

قالت بعثة إيران لدى الأمم المتحدة إن طهران ستدرس إجراء مفاوضات مع واشنطن لمعالجة المخاوف النووية، مع تشديدها على رفض تفكيك برنامجها.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
شؤون إقليمية مروحية إيرانية من طراز «إس إتش - 3 سي كينغ» تحلق فوق سفينة خلال مناورات مشتركة مع روسيا والصين في خليج عمان العام الماضي (إرنا)

مناورات بحرية روسية - صينية - إيرانية قبالة خليج عمان

تجري القوات البحرية لإيران وروسيا والصين مناورات عسكرية قبالة السواحل في جنوب غربي الجمهورية الإسلامية من أجل «تعزيز الأمن الإقليمي».

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)

الخلافات بين نتنياهو وبار وصلت إلى ذروتها 

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال اجتماع مع قادة عسكريين (أرشيفية - مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال اجتماع مع قادة عسكريين (أرشيفية - مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي)
TT

الخلافات بين نتنياهو وبار وصلت إلى ذروتها 

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال اجتماع مع قادة عسكريين (أرشيفية - مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال اجتماع مع قادة عسكريين (أرشيفية - مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي)

يبدو أن الخلاف بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ورئيس جهاز الأمن العام «الشاباك» رونين بار، بلغ ذروته، وهو ما ظهر جلياً عندما تغيب بار عن اجتماع مجلس الوزراء المصغر الذي عُقد في وقت متأخر يوم الأحد.

وقالت هيئة البث الإسرائيلية «كان» إن بار تغيب على خلفية نيات مكتب رئيس الوزراء إقالته من منصبه. وحسب مصادر مطلعة، كان بار «منشغلاً بمهام ميدانية أخرى، وحضر نائبه الاجتماع بدلاً عنه».

وجاء تغيُّب بار في ظل ضغوط يمارسها مكتب نتنياهو عليه للاستقالة، بعد أن قدَّم «الشاباك» نتائج تحقيق حول أحداث السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وكان بار قد أكد بعد تقديم «الشاباك» ملخصاً لنتائج التحقيق نهاية الأسبوع الماضي أن جهاز الأمن «لم يمنع مذبحة السابع من أكتوبر»، مضيفاً: «وبصفتي رئيساً للمؤسسة، سأظل أحمل هذا العبء الثقيل على كاهلي لبقية حياتي».

وتحدثت «القناة 12» أيضاً عن تغيب بار عن اجتماع «الكابينت»، وقالت إن ذلك كان بعد لقاء متوتر للغاية بينه وبين نتنياهو يوم الخميس الماضي طلب فيه رئيس الوزراء منه الاستقالة، لكنه رفض.

ومن المقرر أن تنتهي فترة ولاية بار في أكتوبر 2026.

وقال مقربون منه لـ«القناة 12» إنه لا ينوي إنهاء ولايته الآن. ونقلت القناة عنه قوله في محادثة مع موظفي «الشاباك» إنه يعتزم الاستقالة بعد إعادة جميع المحتجزين من غزة وبعد تشكيل لجنة تحقيق حكومية.

وأضاف أن بديله سيكون أحد نائبيه، وهو تصريح أثار غضب مكتب رئيس الوزراء الذي أصر على أن الحكومة هي التي تقرر من يشغل المنصب.

أزمة ثقة

على مر العقود، كان رؤساء «الشاباك» يرشحون نوابهم بدلاء محتملين لرئاسة الجهاز، وكانت القيادة السياسية تختار دائماً أحد نائبي رئيس الجهاز؛ باستثناء حالة واحدة، عند تعيين عامي أيالون في المنصب عام 1996، وكان قائداً للبحرية آنذاك.

ولأن هناك «أزمة ثقة حقيقية» بين نتنياهو وبار، حسبما أوردت «القناة 12»، ولأن العلاقات بينهما متوترة للغاية، يريد رئيس الوزراء له أن يرحل؛ لكن «الشاباك» يحقق الآن داخل مكتب نتنياهو، وقد يكون هناك عائق قانوني، إضافة إلى احتمال وجود قلق من رد الفعل الشعبي.

وفي محاولة لتكبيل يد نتنياهو، توجه عضو الكنيست رام بن باراك من حزب «يش عتيد» إلى المستشارة القانونية للحكومة، غالي بهراف - ميارا، مطالباً إياها بالتدخل لمنع إقالة رئيس «الشاباك».

وكتب بن باراك، في رسالته، أنه من «من غير المقبول أن يعمل رئيس الوزراء، الذي يخضع مقربون منه لتحقيقات (الشاباك)» على إقالة رئيس الجهاز في خضم تحقيقات حساسة.

وتواجه أيضاً المستشارة القانونية للحكومة خطر الإقالة قريباً.

وقالت قناة «كان» إن الحكومة تدفع بإجراءات لعزل بهراف - ميارا من منصبها. ومن المقرر أن يعقد مجلس الوزراء جلسة في الثالث والعشرين من الشهر الحالي ليعبّر الوزراء عن عدم ثقتهم بها؛ وبعد ذلك بنحو أسبوعين ستعقد الحكومة جلسة أخرى للإعلان عن تنحيتها.

ووصف المستشار القانوني السابق للحكومة أفيحاي مندلبليت التحركات صوب تنحية المستشارة الحالية بأنه تهديد للديمقراطية.

ورجّح أن تتوقف المبادرة في المحكمة العليا، مضيفاً: «نحن لا نتحدث عن إصلاح قضائي بل عن انقلاب سلطوي».