العزلة... ملاذاً للشعر والحب

العراقي إبراهيم البهرزي في «كلب هائل يأتي مع الريح»

العزلة... ملاذاً للشعر والحب
TT

العزلة... ملاذاً للشعر والحب

العزلة... ملاذاً للشعر والحب

العزلة زاد الشاعر العاطفي والفكري، فهي التي تنمي القصيدة، ولو امتزجت باللغة تتحول هي نفسها إلى كائن لغوي يصور الوجود واليومي ويتأملهما ولا ينسى أن مهمة الشعر أن يجعل المتلقي يعيش ذلك القلق ويتحسس الغيبي عبر اليومي. وهو ما يبدو واضحاً في ديوان الشاعر العراقي إبراهيم البهرزي «كلب هائل يأتي مع الريح» الصادر أخيراً عن «دار الشؤون الثقافية» في بغداد.

يتخلى الشاعر عن الصور البلاغية لصالح الصورة الوجودية، وأعني بها لحظة استنطاق الذات واستحضار الأسئلة الكبرى التي تؤرقه، وهي تتجاوز التصوير البصري الخارجي، وتدخل إلى الذات لتصورها وتكشف عن أزمتها، وهنا يظهر دور العزلة التي اتخذها البهرزي ملاذاً لقصيدته عندما عزل نفسه عن الظهور في المهرجانات والمنصات والإعلام، وأفسح المجال لنصّه ليتجول في كلّ زوايا العالم، لذا كلّما ضاق حضور الشاعر الواقعي اتسعت رؤية العالم بشعره، وتغيرت نظرته للوجود، فكما قال سارتر: «الآخرون هم الجحيم»، يقول البهرزي في قصيدة الآخر:

«لمَ يرقص ذلك الراقص؟

فرحاً لذاته أم لإسعاد الآخرين؟

لمَ يقرأ الشاعر قصائده؟

مواساةً لنفسه

أم لاستجداء الثناء؟

المشاعر الخفية تلبط في العروق

ولأجل اليقين بدفئها

لا بدّ من آخر

حتى وإن كانت مهمته قطع الوريد»

الصورة الوجودية

تظهر الصورة الوجودية في الآخر الذي لم يشعر بضرورته إلا من اعتزل الآخرين «لا بد من آخر حتى وإن كانت مهمته قطع الوريد»، في حين أن الصور التي تقدمتها موغلة في الذات التي انقسمت بين راقص وشاعر، الأول فرح، والآخر يستجدي الثناء، فيحضر السؤال الوجودي: هل فعل الإنسان ولغته لذاته أم للآخر؟ وتظل الإجابة غير المنتهية لا بد من آخر... فهذا المعنى يضع المتلقي أمام أهمية الحياة المشتركة وضرورة القصيدة التي تشق طريقها فيها، لا سيما أن لغة النص جاءت من أفواه الناس لكن برؤية الشاعر، كما أنه نفى الجحيم عن الآخر الذي وضعه سارتر، كما ينفيه عن الحب الذي ارتبط بالسعادة والكمال فينظر إليه برؤية تكسر المألوف، وبلغة تعيش في بيوتنا لتكون بيتاً في القصيدة، فيقول بقصيدة «بين قدمي كوديا»:

«إذ جاءك منّا غلام

وتغوط بين يديك

فثق أنه الحب والانتساب

لا عار بالمرة، لا عار

طقوس المحبة فنون

وليست بالضرورة أن تكون جميلة»

منذ ابن حزم الأندلسي و«طوق الحمامة» القابع في الذاكرة، لا نرى غير أنه مشاعر تأتي في غير موسمها وترحل، وأكثر الشعراء الذين كتبوا رأوها كذلك، بل ربطوها بالزهر والعنف والمطر والروح والهواء والوجود المحقق من خلال الحبيبة.

بهذا المعنى نرى الحبّ والمحبّ ونعيش متعة التخدير الشعوري الذي يصوره الواقع والشعر، وكلما انزاح العشق عن معناه المألوف وكسر نسقيته نرفضه وندخله في غرف الإنعاش لنعلن وفاته، لكنّ في النص السابق لو تأملنا المقابلة بين (تغوط / طقوس المحبة) نلحظ انفتاح الدلالة اللغوية للفظة المحبّة، والتي تعدت مرحلة الشعور وتحولت إلى طقس حياتي ووضعها أمام تحدٍ، وهو القبح، فالفعل تغوط هو أبشع صورة وشعور موجود في الحياة، لكن البهرزي يخلق منهما معنى الحبّ والحياة المشتركة التي مزقتها الفلسفات الحديثة عندما أوهمت الإنسان بالعزلة، كاسراً نسقية العشق المرتبط بالجمال، فالحبّ عنده أن تشمَ رائحة الخطيئة في المحبّ وتقرر أن تستمرَ بحبّه. ولا تراجع عنه إلا بحالات يرصدها في قصيدته بعنوان «بعض الحب»:

«موجعةٌ هي الكراهية

إنما الحب أوجع منها

تمرّ بين أسوار الكراهية مقاتلاً

حَسِبَ للطعنات حسابها

وتمرّ منتشياً في مراعي الحب

غير مبال

غير مبالٍ لأفعى الحرش

غير مبال لزهرة السم»

يشتعل حماس القصيدة في ابتكار الدلالات الجديدة، فهنا صورة وجودية ترصدها كاميرا الشاعر عبر اللغة لتصور الذات التي تغير طريقة الحب ووجوده ليخرجه من مسألة حسابية رقمية ويلقي به في البحر دون طوق نجاة، لذا يصوره كمرعى فيه أفعى وأزهار السم وهنا المفارقة التي صنعها البهرزي عندما وضع المتلقي/ الآخر بين متناقضين غير متشابهين هما الحب/ السم والوجع والكراهية لتتشكل حياتنا أو هي هكذا ولا خيار إلا أن نحب، وهذا ما يؤكده بقصيدة قمامة يقول:

«قصيدة عنكِ كانت

رهينةُ تلك الأوراق المجعدة

في سلة المهملات

أحد ما سيأخذها لامرأة أخرى

أحد ما لا يدري

إننا افترقنا على ودّ

يوم أدركنا أن القمامة حولنا

أعلى من قامة الحب»

اعتمدت القصيدة على المشهد الدرامي حيث الحب والفراق ظاهريا، والمكان سلة المهملات والشخصيات الشاعر بطل قصيدته، وهنا تتحرر القصيدة نفسها من قيود البلاغة الشكلية لتدخل الكاميرا/ اللغة إلى عمق الذات وتوقظ الأسئلة التي تحول الفرد إلى إنسان عبر إيقاظ القيم الشعورية الذاتية، فيكشف السؤال القلق عن أزمة العلاقات بين البشر والرجل والمرأة الذي يفجره لفظ القمامة الخارج عن دلالته الأصلية، فاللفظ الأول استعمل الشاعر سلة المهملات بمعناها الحقيقي، والثاني بمعناها المجازي هل المشاعر تصدأ؟ وكيف نحررها من الصدأ؟ الجواب مرتبط بالمشهد الأول «القصائد المكتوبة»، فالكتابة قدرة سحرية على تحرير الإنسان من الصدأ المتكدس فوق ذاته، ومن ثمّ يعيد الشاعر البهرزي تعريف القمامة عندما يغير دلالتها الحقيقة ويصقلها بذات الإنسان ويمنحها صفات بشرية «إننا افترقنا على ودّ/ يوم أدركنا أن القمامة حولنا/ أعلى من قامة الحب» نلحظ كيف استطاعت مفردات «الودّ/ القمامة/ الحب» فالأولى جاءت مع فعل الفراق لتحطم النسقية السائدة القائلة إن كل فراق يعني نفاد الحب، والقمامة هي تراكم المشاعر السلبية التي شوهت الذات، فكلّما ارتفعت نفت قيمة حب الذات لنفسها فأصبحت عاجزة عن حب الآخر.

ديوان البهرزي يمثل نافذة مطلة بين داخل وخارج الحياة بلغة تفتح نوافذ الذات كلها، وتجعل المتلقي يتلمس أزماته كما استطاع أن يعيد للقارئ الإيمان بضرورة الشعر عندما وضعنا أمام صور وجودية لقيمة وجودنا ممّا جعل القصائد مفتوحة على العالم.

* كاتبة وناقدة عراقية


مقالات ذات صلة

الشاعر ناصر بن جرّيد… عبَر سكة التائهين ثم رحل

يوميات الشرق الشاعر ناصر بن جرّيد (صور متداولة للراحل)

الشاعر ناصر بن جرّيد… عبَر سكة التائهين ثم رحل

فقد الوسط الفني والثقافي والأدبي والرياضي في السعودية، الشاعر والأديب ناصر بن جرّيد، بعد معاناة مع المرض، تاركاً إرثاً لافتاً جمع بين الموهبة والإبداع.

بدر الخريف (الرياض)
ثقافة وفنون غلاف كتاب «معجم الأدباء السعوديين»

«معجم الأدباء السعوديين» يترجم لـ1544 أديباً وأديبة عبر 150 عاماً

صدر للأديب وباحث الببليوغرافي السعودي، خالد بن أحمد اليوسف، كتاب «معجم الأدباء السعوديين»، الذي يرصد أسماء وتراجم الأدباء السعوديين، على مدى 150 سنة.

«الشرق الأوسط» (الدمام)
ثقافة وفنون عائشة الأصفر

عائشة الأصفر: تناول المقموعين والمهمشين من همومي الجوهرية

برز اسم عائشة الأصفر في المشهد السردي الليبي، عبر مجموعة من الروايات التي توالى إصدارها على مدار سنوات طويلة، بدأتها برواية «اللي قتلوا الكلب»،

عمر شهريار
ثقافة وفنون حسام الدين محمد يبحث في «رسالة اللاغفران» علاقات الثقافة الخفية

حسام الدين محمد يبحث في «رسالة اللاغفران» علاقات الثقافة الخفية

صدر عن منشورات المؤسسة العربية للدراسات والنشر - بيروت وعمّان، كتاب «رسالة اللاغفران: نقد ثقافي على تخوم مضطربة» للكاتب السوري حسام الدين محمد.

«الشرق الأوسط» (لندن)
ثقافة وفنون ترجمة دقيقة ودراسة متأنية لمسرحية ستريندبرغ

ترجمة دقيقة ودراسة متأنية لمسرحية ستريندبرغ

قف أمام «الآنسة جولي» بحلّتها العربية الجديدة، حائراً من أين أبدأ في الكتابة عن هذه التراجيديا التي تعكس قساوة الواقع المعيش؟ مِن مؤلفها،

طالب عبد الأمير

عازفو «الأوركسترا» يتوجون الفائزين بـ«جائزة سلطان العويس الثقافية»

مجلس أمناء مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية والفائزين بالدورة الـ19 للجائزة (الشرق الأوسط)
مجلس أمناء مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية والفائزين بالدورة الـ19 للجائزة (الشرق الأوسط)
TT

عازفو «الأوركسترا» يتوجون الفائزين بـ«جائزة سلطان العويس الثقافية»

مجلس أمناء مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية والفائزين بالدورة الـ19 للجائزة (الشرق الأوسط)
مجلس أمناء مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية والفائزين بالدورة الـ19 للجائزة (الشرق الأوسط)

وسط حضور شخصيات أدبية وثقافية وإعلامية، من الإمارات والعالم العربي؛ كرّمت مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية، مساء الخميس، الفائزين بـ«جائزة سلطان العويس الثقافية» للدورة الـ19، خلال حفل أقيم في دبي، شهد أداءً موسيقياً ساهراً لأوركسترا «أكاديمية الفجيرة للفنون الجميلة»، شارك فيه 45 مغنياً وعازفاً، قدّموا ألواناً من الموسيقى العربية الأصلية.

وتحدث في الحفل الدكتور أنور قرقاش رئيس مجلس أمناء المؤسسة، مؤكداً أن تكريم الفائزين في هذه الدورة يأتي «تقديراً لعطائهم وجهودهم، واعتزازاً بإسهامهم في صياغة الوعي الجمالي والفكري والثقافي لأمتنا».

ووصفَ الفائزين بـ«جائزة العويس الثقافية» بأنهم «منارات الفكر والإبداع في عالمنا العربي، يضيفون إلى تراثنا الغني مزيداً من العمق والتجدد، ويغذّون مسيرة الإبداع العربي بما يفتح آفاقاً جديدة للفكر والمعرفة».

الدكتور أنور قرقاش رئيس مجلس أمناء «مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية» أثناء إلقاء كلمته في حفل تكريم الفائزين (الشرق الأوسط)

وقال قرقاش: «يسرّنا أن نرحّب بكم جميعاً في الإمارات العربية المتحدة، أرض اللقاء والانفتاح، التي تؤمن بقدرة العرب على النهوض والتطور والنجاح، وترى في الإبداع والثقافة جسراً للتواصل الإنساني وبناء المستقبل».

وأضاف: «هذه الجائزة تُجسّد تقديراً مستحقاً لجهودهم المتميّزة في ميادين الأدب والفكر والعلوم، ودافعاً لمواصلة العطاء والتميّز».

وزاد رئيس مجلس الأمناء: «لقد كان عام 2025 عاماً مميزاً في مسيرة المؤسسة، إذ احتفلنا بمئوية الشاعر سلطان بن علي العويس - رحمه الله - من خلال سلسلة من الفعاليات الثقافية التي امتدّ صداها عربياً وعالمياً، احتفاءً برمزٍ جعل من الكلمة جسراً للتنوير، ومن الشعر رسالةً للإنسان والحياة».

وتابع: «لقد كان سلطان بن علي العويس نموذجاً للمثقف العربي الأصيل الذي عبّر بصدق عن اعتزازه بالأدب العربي، وآمن بأن الثقافة هي زاد الأمة وضميرها، فأسّس هذا الوقف الحضاري تكريماً للكلمة المبدعة والعقل المستنير، ليكون منارة تُنير دروب الفكر والإبداع العربي لأجيال متعاقبة».

وأضاف قرقاش: «في هذه الأمسية التي نحتفي فيها بالفائزين ونثمّن إسهاماتهم الثرية في إثراء المشهد الثقافي العربي، نؤكد على التزام مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية بدورها في دعم الإبداع، وتكريم رموزه، وصون القيم الثقافية التي تُعلي من شأن الفكر والكلمة والإنسان».

وأكّد: «إن الأدب والثقافة والفكر ليسوا ترفاً، بل ضرورة إنسانية وحضارية، بهم تُبنى القيم، وتترسّخ الهوية، ويتعمّق الوعي. فهم المرآة التي تعكس تطور المجتمعات، والبوصلة التي توجه الإنسان نحو الخير والجمال والمعرفة. وفي زمنٍ تتسارع فيه التحولات، يبقى دور الثقافة راسخاً في الحفاظ على التوازن الإنساني، وصون الذاكرة، وإلهام المستقبل».

كلمة المكرمين

وفاز بـ«جائزة العويس الثقافية»، في دورتها الـ19، كل من الشاعر العراقي حميد سعيد بجائزة «الشعر»، والروائية العراقية إنعام كجه جي بجائزة «القصة والرواية والمسرحية»، والناقد المغربي حميد لحمداني بجائزة «الدراسات الأدبية والنقد»، والمفكر التونسي عبد الجليل التميمي بجائزة «الدراسات الإنسانية المستقبلية».

وألقت الروائية والصحافية العراقية إنعام كجه جي كلمة الفائزين، قالت فيها: «أودّ التعبير عن الشكر والاعتزاز بهذه اللفتة النبيلة والكريمة. نبيلة لأنها تحمل اسم أديب شاعر ولد في هذه البلاد الطيبة. وتعرفون جميعاً منزلة الشعر لدى العرب. وكريمة لأنها تأتي من رجل اجتهد طوال حياته لكي يخدم اقتصاد بلاده، وأن يؤسس ما يسمح له برعاية العديد من المشاريع التربوية والثقافية، بعطاء جزل».

تقرير التحكيم

وتحدث الكاتب الإماراتي علي عبيد العامري عن لجنة التحكيم، معتبراً أن لجنة تحكيم الجائزة قرّرت فوز هذه المجموعة من الأدباء والمفكرين العرب، وذلك لتميزهم، كل في مجاله، ولأعمالهم التي أسهمت في تطور الأدب والثقافة في العالم العربي.

وأضاف أن لجنة التحكيم قررت منح «جائزة الشعر» للشاعر العراقي حميد سعيد لما تتمتع به تجربته الشعرية من تماسك واطلاع واسع على التراث العربي والإنساني من جهة، ووعي عميق بحداثة القصيدة العربية في مراحلها الفنية والتاريخية المترابطة من جهة أخرى، فقصيدته تغترف مادتها وجمالياتها من حياة محتشدة بالألم والأمل والوعي بتحديات العصر، وصولاً إلى قصيدة مؤثرة ومقلقة تتماهى مع تطلعات الأمة إلى حياة أكثر جمالاً وعدلاً.

الفائزون بجائزة سلطان بن علي العويس الثقافية (الشرق الأوسط)

كما قرّرت اللجنة منح جائزة «القصة والرواية والمسرحية» للروائية إنعام كجه جي، لما تميزت به كتابتها الأدبية من قدرة على المزج بين الجانبين التوثيقي والأدبي. فقد برزت في أعمالها موضوعات الهوية، والمنفى، والاغتراب، والتشظي النفسي، والحنين الذي يعيد اكتشاف الماضي ويطرحه برؤية نقدية جديدة، وهو ما عبّرت عنه شخصيات عاشت على أطراف التاريخ، ولم تجد من يروي حكاياتها، ومنها نساء واقعات في قلب الحياة، يحضرن في منجزها الأدبي بقوتهن، وضعفهن، ونجاحاتهن، وانكساراتهن، وبكل ما يلقين من تناقضات وتحديات.

وقرّرت اللّجنة منح جائزة حقل «الدراسات الأدبية والنقد» للنّاقد المغربي حميد لحمداني؛ لما يتمتع به منجزه النّقدي من أصالة منهجيّة، وتراكم معرفي، واستمراريّة نقديّة لمشروع ضخم ومتراكم، بدأ تقريباً في سبعينات القرن العشرين، ولا يزال مستمرّاً في تحقيق التّثاقف المعرفي بين النقد العربي والغربي، حيث تنفتح تجربته على المنجز الغربي بوعي يتمثّل معطياته، ويعيد إنتاجه في سياق معرفي جديد، من خلال تقديم المنهج ومراجعته ونقده، والاشتغال على النقد التطبيقي.

وقررت اللجنة منح جائزة «الدراسات الإنسانية والمستقبلية» للمؤرخ التونسي عبد الجليل التميمي، وهو أحد أبرز المؤرخين العرب المعاصرين، وتمثل أعماله البحث التاريخي كما جرى تطويره في الفكر المعاصر، إضافة إلى تنوع مجال اهتمامه التاريخي، حيث انصبّت أعماله على دراسة تاريخ الموريسكيين في الأندلس، وتاريخ الولايات العربية في العهد العثماني، وتاريخ تونس المعاصر، وتعدّ أعماله نموذجاً للتوثيق التاريخي المستند إلى القواعد الجديدة في الكتابة التاريخية.

جانب من الحضور في حفل تكريم الفائزين بجائزة سلطان بن علي العويس الثقافية (الشرق الأوسط)

يذكر أن هذه الدورة من الجائزة تحتلّ أهمية خاصة، كونها تتزامن مع مئوية الشاعر سلطان بن علي العويس، وتم فيها رفع قيمة الجائزة لكل فائز إلى 150 ألف دولار.

وتهدف «جائزة العويس الثقافية» إلى تكريم المبدعين الذين حصلوا عليها في مختلف الحقول الثقافية والعلمية، وتُساهم في تشجيع الإبداع والابتكار في العالم العربي، وتعزيز دور الثقافة في التنمية والتقدم.


الروائية العراقية إنعام كجه جي: أقتلُ أبطال رواياتي… خاصة إذا كانوا رجالاً!

الروائية العراقية إنعام كجه جي تتحدث في ندوة حوارية نظمتها مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية في معرض الشارقة الدولي للكتاب وأدارتها الروائية الإماراتية صالحة عبيد (الشرق الأوسط)
الروائية العراقية إنعام كجه جي تتحدث في ندوة حوارية نظمتها مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية في معرض الشارقة الدولي للكتاب وأدارتها الروائية الإماراتية صالحة عبيد (الشرق الأوسط)
TT

الروائية العراقية إنعام كجه جي: أقتلُ أبطال رواياتي… خاصة إذا كانوا رجالاً!

الروائية العراقية إنعام كجه جي تتحدث في ندوة حوارية نظمتها مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية في معرض الشارقة الدولي للكتاب وأدارتها الروائية الإماراتية صالحة عبيد (الشرق الأوسط)
الروائية العراقية إنعام كجه جي تتحدث في ندوة حوارية نظمتها مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية في معرض الشارقة الدولي للكتاب وأدارتها الروائية الإماراتية صالحة عبيد (الشرق الأوسط)

حملت الروائية العراقية إنعام كجه جي، هموم عراقها، وغربتها، والهوية والمنفى، ومعها انكسارات أبطال رواياتها، إلى الخليج الذي لا يبعد عن عراقها سوى بضعة أميال تفصلها عن وطنٍ لا يغيب، وعن ذاكرةٍ تقاوم النسيان.

فضمن الدورة التاسعة عشرة لـ«جائزة سلطان بن علي العويس الثقافية»، أقيمت للروائية العراقية الفائزة بالجائزة هذا العام ندوة لتروي شهادتها، وندوة حوارية خاصة في قاعة الفكر بمعرض الشارقة الدولي للكتاب، وسط حضور ثقافي من الأدباء والمثقفين وجمهور معرض الشارقة، وأدارت الندوة الروائية الإماراتية صالحة عبيد.

في هذه الندوة، تحدثت إنعام كجه جي، عن تجربتها في عالم الكتابة: صحافة ورواية، وعن غربتها والحنين للعراق الذي يطلّ بجراحه وآلامه أمامها كل يوم.

وقالت الروائية العراقية إنها حملت العراق بين جوانحها إلى باريس، وإن الغربة منحتها جواز سفر تتنقل فيه... «لكنّ كم شخصاً يُتاح له أن يكون عراقياً». لكنها أضافت، أنها تفتقد في غربتها وجود «حياة اجتماعية حقيقية» ففي باريس «لا يمكن إلا أن تكون غريباً رغم ما كل بذلتُ من جهود للتعرف عليها».

فازت إنعام كجه جي بجائزة سلطان بن علي العويس الثقافية في دورتها التاسعة عشرة، فرع (القصة والرواية والمسرحية)، «لما تميزت به كتابتها الأدبية من قدرة على المزج بين الجانبين التوثيقي والأدبي». وبرزت في أعمالها موضوعات الهوية، والمنفى، والاغتراب، والتشظي النفسي، والحنين الذي يعيد اكتشاف الماضي ويطرحه برؤية نقدية جديدة، وهو ما عبّرت عنه شخصيات عاشت على أطراف التاريخ ولم تجد من يروي حكاياتها، ومنها نساء واقعات في قلب الحياة، يحضرن في منجزها الأدبي بقوتهن، وضعفهن، ونجاحاتهن، وانكساراتهن، وبكل ما يلقين من تناقضات وتحديات.

الروائية العراقية إنعام كجه جي: العيش في الاغتراب هو سمة معظم شخصيات قصصي ورواياتي (الشرق الأوسط)

قلق الهوية

وهي لم تبد قلقاً على الهوية التي انغمست في الثقافة الباريسية نصف قرن، وأبدت استغرابها من مفهوم الاستلاب الثقافي... وقالت: «لا أفهم معنى الاستلاب الثقافي، ولا أفهم معنى الغزو الثقافي... من كانت أصوله قوية لا ينبغي له أن يخاف، وأنا أشعر أنني قوية، وأن الآخر عليه أن يشعر بالخوف من قدرتي على التأثير فيه».

لكن قلق الهوية لا يغادر إنعام، فهي تصف الهوية، بأنها «مفردة التي تكاد تهترئ من كثرة التداول!»، وتقول: «كلما التقيت صحافياً أراه يطرح عليّ سؤال الهوية. وأنا أخشى هذا السؤال. لا بمعنى المناورة والتهرّب، بل لأنني لم أتوصّل إلى جواب شافٍ. بعد أربعين عاماً ونيّف من الإقامة في البلد الغريب لم أتوصل إلى جواب شافٍ. هل ضاعت هويتي أو سقطت مني؟ هل اضمحلّت وبت أرتدي هوية غيرها؟ ما كان الأمر يهمنّي قبل دخولي ميدان الكتابة الأدبية. كنت أعرف أنني فلانة. أنتمي لمسقط رأس في بغداد ولي دين أهلي ولغتي العربية ولهجتي المحلية. وهمومي الوطنية وآمال في مستقبل أفضل لأمتّي».

وعن السرد والغربة والهوية في العراق، تقول: «نصف ما يُكتب من روايات عراقية يصدر اليوم بأقلام مهاجرين. سرديات لا فكاك لها من هوياتها. العيش في الاغتراب هو سمة معظم شخصيات قصصي ورواياتي. وجدت حولي في مهجري مصائر فالتة من مداراتها. وأنا أفضل دائماً أن أعدّ نفسي مهاجرة. إذ لم أكن لاجئة ولا منفية. وهكذا، ومن دون تخطيط مسبق، سيطرت على رواياتي شخصيات قلقة تعيش تذبذب الهوية، تتعلق بوطن سابق تعذبّت فيه وتستقر في بلد يؤمن لها العيش دون أن تأتمنه تماماً. ولأنني من جيل سابق، شعرت أن من واجبي توثيق تلك المصائر».

وفي لحظة اعتراف لافتة، قالت إنعام: «أعترف بأن لديّ سادية كامنة... فأنا أقتل أبطال رواياتي في النهاية... وخاصة إذا كانوا رجالاً».

وقدمت إنعام أمام جمهور معرض الشارقة صورة سريالية لعالمها في الكتابة، فهي التي تكتب من شقة في برج سكني تطل من خلاله على شتاء باريس وثلوجه، تصطلي صفحات رواياتها بأحداث مفجعة ومؤلمة... وهي تقول «التضاد بين الثلج خارج نافذة بيتي وأنا أكتب في مواجهة لهيب القيظ داخل رواياتي يخلخلني».

الروائية العراقية إنعام كجه جي: الغربة منحتني جواز سفر... لكنّ كم شخصا يُتاح له أن يكون عراقياً (الشرق الأوسط)

وتبدو إنعام سعيدة، حيث أتاح لها الأدب فرصة للتواصل مع محيطها، وكسر طوق الغربة، وخاصة بعد أن ترجمت بعض أعمالها للغة الفرنسية، «كانت سعادتي كبيرة يوم أن ترجمت إلى الفرنسية لكي يقرؤها جيراني وأبنائي الذين لم يجيدوا العربية وعاشوا عمرهم يظنون أن أمهم كانت تكتب أحجية وتمائم... كذلك فإن نظرة الفرنسي تتغير إذا عرف أنك تنتمي لعالم الكتابة أو العمل الأكاديمي».

إنعام كجه جي، التي وصفت نفسها بأنها «صحفية عجوز وروائية شابة»، قالت إنها «صحفية أكثر من كوني روائية» وأبدت وفاءها للمهنة التي قالت عنها: «هي المهنة التي عشتُ منها وزودتني بشخصيات رواياتي»، وتحدثت عن علاقتها بالصحافة، وكيف أثرت تجربتها الصحافية على كتابتها للرواية، وقالت: «علمتني الصحافة كيف أختصر وأزيل الترهلات من الكتابة الروائية».

وعن فوزها بجائزة سلطان العويس الثقافية، قالت: «شعرتُ وكأنها مكافأة نهاية الخدمة»، يذكر أن إنعام كجه جي لديها مشوار مع الجوائز الأدبية، فقد وصلت رواياتها للقائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية ثلاث مرات.


«معجم الأدباء السعوديين» يترجم لـ1544 أديباً وأديبة عبر 150 عاماً

غلاف كتاب «معجم الأدباء السعوديين»
غلاف كتاب «معجم الأدباء السعوديين»
TT

«معجم الأدباء السعوديين» يترجم لـ1544 أديباً وأديبة عبر 150 عاماً

غلاف كتاب «معجم الأدباء السعوديين»
غلاف كتاب «معجم الأدباء السعوديين»

صدر للأديب وباحث الببليوغرافي السعودي، خالد بن أحمد اليوسف، كتاب «معجم الأدباء السعوديين»، الذي يرصد أسماء وتراجم الأدباء السعوديين، على مدى 150 سنة، ووصل عدد السير والتراجم فيه إلى 1544 أديباً وأديبة.

صدر «معجم الأدباء السعوديين»، عن «مؤسسة الانتشار العربي» في بيروت والشارقة، 2025. ويقع في 720 صفحة، مجلداً تجليداً فاخراً، ومعروف عن اليوسف اشتغاله بالأعمال التوثيقية لحركة التأليف والنشر الأدبي في السعودية.

يتكون هذا المعجم من مقدمة تفصيلية، فيها جميع المعلومات المتعلقة بمحتواه، وتاريخ كتب التراجم والسير في المملكة، ومسيرة المؤلف مع هذا المعجم، ثم كشاف الأسماء للأدباء والأديبات، وقد وضع الكشاف بحسب اسم الشهرة وأمام كل اسم الرقم التسلسلي، لكي يتم الوصول إليه بيسر وسهولة، ثم السير والتراجم، ثم المراجع والمصادر، علماً بأن المؤلف لم يترك كتاباً أدبياً سعودياً إلا ورجع إليه، وإلى الصحافة بكل أنواعها، بخلاف الاتصال المباشر مع الأدباء.

ويعنى هذا الكتاب بكل أديب له نتاج مطبوع في مجالات الإبداع الأدبي، أو أديب له نتاج منشور في جميع الوسائط المقروءة، ويشهد عليه ما أنتجه والوسط الأدبي والثقافي، وليس له كتاب مطبوع، وكذلك من درس أو كتب أو أرخ للأدب السعودي، وهو بطبعه الإلمام بالأدب السعودي.

ويترجم لكل الأدباء الذين شهدوا وعاشوا بدايات المملكة العربية السعودية، وهم سعوديون، وتتفق المراجع على ذلك.

وقد وضع المؤلف لهذا المشروع مخططاً ليكون شاملاً محيطاً لكل الأدباء، مؤكداً أنه لم يهمل أحداً «إلا من رضي بذلك، ويتحمل هو مسؤولية عدم وجوده في الكتاب».

الأديب والباحث الببليوغرافي السعودي خالد بن أحمد اليوسف (الشرق الأوسط)

وعن البداية يقول خالد اليوسف: في عام 1992 كلفت تطوير كتاب «دليل الكاتب السعودي»، وبعد ثلاث سنوات من العمل الحثيث صدر كتابي: «دليل الكتاب والكاتبات»، وهو كتاب تراجم وسير للأحياء الذين لهم كيان ووجود في الكتابة الأدبية والثقافية، واعتبر المرجع الأول لكل من يبحث في هذا المجال، وبعده بـ15 سنة أصدرت كتاب «أنطولوجيا القصة القصيرة في المملكة العربية السعودية»، وبالإضافة إلى أنه متخصص في «القصة القصيرة - نصوص متميزة»، فإن هناك السير والترجمة الجديدة والمركزة عن كل كاتب مشارك.

يضيف: «بعد اطلاعي على عشرات الكتب التي صدرت في هذا المجال، وجدت ضرورة أن أضع معجماً شاملاً لكل الأدباء السعوديين، لأن بعضها خاص بأدباء منطقة واحدة، وجاء فيها المجاملة وعدم التوازن في الترجمة، وهناك من أهمل الكثير والكثير من الأدباء، وهناك من تخصص في مجال أدبي معين، ومن هنا سعيت لوضع هذا المعجم منذ عام 2014».

وعن عمله في إعداد المعجم، يقول اليوسف: «كونت قاعدة لهذا المعجم؛ أن يكون متوازناً، منصفاً، لا يحمل أي كلمة إطراء أو مدح أو ثناء، لا تفاضل فيه ورفع شخصية دون شخصية أخرى. الكل في مرتبة واحدة هي الأدب، ولهذا تم ترتيبه هجائياً باسم العائلة الأصلي. وهناك مدخل آخر باسم الشهرة، وفرضت على كل مشارك أن تتكون معلوماته هي: الاسم الرباعي، اسم الشهرة، مكان الميلاد وتاريخه، آخر شهادة علمية يرغب ذكرها وتخصصها ومن أي جامعة وتاريخ التخرج، وصف الأديب وصفاته الأدبية وبعض نشاطه البارز في حدود أربعة أسطر، ذكر ستة كتب من مؤلفاته لمن تزيد عن ذلك مع ذكر نوعها وتاريخ الصدور، هذه المعلومات المهمة بصفته الأدبية، وهي لا تتجاوز لكل شخصية سبعين كلمة.

وعن المتاعب التي واجهته، يقول: «هناك مئات الأدباء الذين لهم إصدارات أدبية، وليس لهم اهتمام بوضع سيرة لهم في كتبهم أو في أي مكان مرجعي عنهم، وهم من أُرهقت منهم، ومن التواصل معهم، أو مع معلوماتهم الغائبة، ولهذا مع البحث بدأت أجمع كل معلومة وأدونها حتى تكتمل وتتكون سيرهم الكاملة، وكنتُ أتمنى ألا تطول وأن أنتهي قريباً».