يتناول الناقد والشاعر المصري د. محمد السيد إسماعيل في كتابه «انفتاح النص الشعري» الصادر في القاهرة ضمن سلسلة «كتابات نقدية» التي تصدرها «الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة» العديد من المفاهيم النظرية والتطبيقية في الشعر العربي الحديث، لكنه يتوقف بمزيد من التفصيل والتحليل عند تجربة الشاعر الفلسطيني سميح القاسم عبر تجليات قصيدة المقاومة والتمرد.
ويرى المؤلف أن قصيدة المقاومة ارتبطت بشعراء الأرض المحتلة ارتباطاً وثيقاً إلى الدرجة التي كادت تقتصر عليهم.
ومن هنا اتسم شعر سميح بمجموعة من السمات الفنية يأتي في مقدمتها الوضوح، والمباشرة، والاستنفار، والإيمان بعدالة قضيته، وانتصارها الأكيد رغم كل ما يصيبها من انكسارات، وتضحيات، وهو إيمان لا يرجع فحسب إلى أفكار الواقعية الاشتراكية، التي يعتنقها الشاعر، وما تقدمه من نموذج «البطل الإيجابي»، بل يرجع في الأساس إلى إيمانه بالشعب الفلسطيني، وثقافته، وحتمية انتصاره قياساً على تجارب النضال العالمية كلها.
ظلت قصيدة القاسم، حسب المؤلف، في مقدمة شعر المقاومة، وهو ما انعكس على جماليات النص، وطبيعة التجربة، فوجدنا نموذج الإنسان البسيط المنكسر، والمحاصَر. ومن الدواوين الممثلة لهذا التوجه ديوان: «ملك أتلانتس وسربيات أخرى»، والعنوان يستلهم أسطورة تحكي غرق إحدى الجزر التي تدعى «أتلانتس»، حيث يتخذ من هذه الجزيرة رمزاً لفلسطين. والديوان مقسم إلى ست قصائد طويلة تقترب من طبيعة القصيدة الملحمية، وأكثر هذه القصائد تعبيراً عن المأزق الفلسطيني هي قصيدة: «أشد من الماء حزناً».
بتأمل عنوان القصيدة، سوف نجد «دالة الحزن» هي الأكثر حضوراً وإشعاعاً، وقد تكرر استخدامها كثيراً داخل القصيدة حتى أصبحت عبارة «أشد من الماء حزناً» أشبه بلحن الختام الذي ينهي به الشاعر مقاطعه الشعرية التي تتكون منها القصيدة. جاءت تلك العبارة أشبه بالقرار الذي ينتهي به المقطع الشعري، تمهيداً لاستئناف مقطع آخر، أو موجة أخرى، ومن مجموع هذه الموجات أو المقاطع تتكون القصيدة الغنائية الطويلة ذات النفس الملحمي الواضح.
وجاء التكرار باعتباره إحدى وسائل استمالة القارئ، والتأثير عليه، واستحضاره في وعي الشاعر، فهو المستهدف أولاً وأخيراً لأغراض متعددة، منها السخرية، كما في قوله بالفوضى: «وحول جنونك تقعي الملايين حول الملايين/ فوق الملايين/ تحت الملايين/ تمضي إلى الذبح قطعان ماعز».
وتتطور السخرية إلى ما يعرف بالرسم، أو الصورة الساخرة للشخصيات، أو من يسميهم الشاعر بـ«الكائنات الغرائب» الذين «لهم قصب السبق دون سباق/ اللهم ما تتيح المقاعد للمُقعدين/ ولهم جثة رحبة في الزحام الفقير/ وإنهم نخبة الرق أسياد زوجاتهم في المحافل/ زوجات أسيادهم في القرار الصغير».
يمكن وصف قصيدة سميح القاسم بصفة عامة بأنها قصيدة شفاهية ذات طابع احتفالي، وهذا ما يفسر ما تتسم به من تكرار، وسخرية، وزخرفة أسلوبية، كما يفسر اعتماده في تلك القصيدة على الجمل القصيرة، والقوافي المتتابعة.
وفي الأخير، يستنهض الشاعر الإنسان الفلسطيني المأزوم، والمحاصر، ويخاطبه بعقيدة التفاؤل التي لا يتراجع عنها قائلاً: «بروحك يسكن طير يهاجر صيفا/ ليرجع قبل الشتاء بموت جديد/ وتعطيك قنبلة الغاز إيقاع رقصتك القادمة/ لتنهض في اللحظة الحاسمة/ أشد من الماء حزناً وأقوى من الخاتمة».