صدر حديثا عن المجلس الأعلى للثقافة في مصر كتاب «عبد الرحمن الأبنودي: شاعر الهوية المصرية» للناقد الدكتور رضا عطية. ويمثل دراسة نقدية موسعة لتجربة شاعر كان بروزه وصعود نجمه الإبداعي وليداً لمرحلة مهمة في تاريخ مصر والعروبة، هي التحرُّر القومي وإعلاء الإرادة الوطنية المصرية.
يمزج الكتاب بين النقد الثقافي والنقد الجمالي، ويدرس الخطاب الشعري للشاعر الراحل، سواء في دواوينه وقصائده أو بعض نصوصه المغنَّاة، وارتباطه بتمثيلات الهوية وتجسيد الملامح البارزة للشخصية المصرية في حضورها المعاصر، وتكوينها التاريخي؛ والتوزع ما بين الريف والمدينة، وكذلك التحولات السياسية الكبرى التي مرت بها مصر منذ ثورة يوليو 1952 حتى ثورة الثلاثين من يونيو 2013، وحضور المرأة وصورة الشاعر، وتمثُّل الزمن وتغريبة المكان والموت، في دراسة لرؤية العالم وفلسفة الوجود عند الأبنودي. فضلاً عن هذا يتعمق هذا الكتاب في دراسة آليات التشكيل الشعري ووسائل الصياغة الفنية في قصيدة الأبنودي، محللاً أنماط النص الشعري وأبنية الصور وتشكيلاتها، والبنى الصوتية والموسيقية والتركيب النحوي والأساليب التعبيرية المختلفة المنتجة للنص الأبنودي.
يتكون الكتاب من توطئة، تليها ثلاثة فصول، الأول بعنوان «التمازج الهوياتي بين الريف والمدينة»، ويركز على تمثيل قصائد الأبنودي لأحوال الريف وطرائق عيشه، والارتباط بالأرض، والشخصية الريفية، وأزمات الريف ومشكلاته، فضلا عن رصد المدينة وصدمة اكتشافها، والشعور بزيفها والاغتراب فيها والقلق منها، وعابرية وهامشية الوجود فيها. أما الفصل الثاني فعنوانه «تيمات رئيسية وقضايا كبرى في شعر الأبنودي»، ويتناول حضور عدد من الأحداث السياسية في شعره، مثل بناء السد العالي، ونكسة 1967 وفترة حرب الاستنزاف، ثم حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، ورفض مشروع السلام مع إسرائيل، ورفض الانفتاح الاقتصادي، وصولاً إلى ثورتَي 25 يناير (كانون الثاني) 2011 و 30 يونيو (حزيران) 2013، فضلاً عن تعبير شعره عن خذلان الحلم الثوري، وتناسخ الطغاة، والمتاجرة بالدين والطائفية. كما يرصد هذا الفصل ملامح أساسية في شعر الأبنودي، مثل صورة الحبيبة والزوجة والأم، وكذا صورة الشاعر، وموقفه من الشعر والعالم، ورؤيته للزمن وللموت، وتغريبة المكان.
الفصل الثالث «آليات التشكيل الشعري» يميل أكثر إلى دراسة الجماليات والبنى الشعرية، فيتوقف عند الأبنية الهيكلية للنص، والتشكيل العروضي، والبنية الحوارية، والبنية القصصية، وبنية الخطابات والرسائل، كما يدرس طرائق الشاعر في تشكيلات وتركيبات الصور الشعرية، مثل التشكيل البيئي، والتشكيل الأسطوري والنفسي والترميزي، إضافةً إلى تصنيف الصور إلى صورة شعرية بسيطة، وأخرى شجرية، وثالثة متعددة، ورابعة تدويرية. كما يتوقف هذا الفصل عند البنى الصوتية والتركيبية، وكثافة الصمت والفراغات، والتناصّ مع التراث ومع النصوص الشعرية المعاصرة، وأخيراً يبرز ملمحا السخرية والتساؤل ودورهما في شعر الأبنودي.
يُذكر أن هذا هو الكتاب الرابع للناقد المصري في نقد الشعر، إذ أصدر قبله ثلاثة كتب تناولت مشروعات الشعراء الكبار: «تجربة المكان في نص سركون بولص» عن دائرة الثقافة في الشارقة 2017، و«الاغتراب في شعر سعدي يوسف: قراءة ثقافية» عن الهيئة المصرية العامة للكتاب 2018، و«أحمد عبد المعطي حجازي: شاعر اليوتوبيا المفقودة» عن الهيئة العامة لقصور الثقافة 2021. وبعيداً عن الشعر، أصدر كتاب «العائش في السرد» عن الهيئة العامة للكتاب حول عالم نجيب محفوظ، وكتاب «مسرح سعد الله ونوس: قراءة سيميولوجية» عن الهيئة العامة لقصور الثقافة.
